• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حوار الأديب الناقد حلمي القاعود

في حوار خاص مع مجلة البيان: (الأدب الإسلامي) أرغمَ المعارضين له على الاعتراف بوجوده


 

بعدما تجاوز الأديب الناقـد (حلمي القاعود) العقد السـابع من العُمر؛ قدَّم خلالها أكثر من خمسين كتـاباً في النقـد الأدبي والدراسـات الإسـلامية، فضلاً عن عدد من الروايات والمجمـوعات القصصية، ونال كثيـراً من الجـوائز والنياشـين، كان آخرها (جائزة التميُّز) التـي منحتهـا له (نقابة اتحاد الكُتَّاب) بمصر؛ الْتقينـاه لاستلهام رأيه حـول بعض القضايا الثقافيـة والفكرية التي تجول بخاطر الأدباء والمثقَّفين في كل مكان.

في هذا الحوار أكد (حلمي القاعود) على أنَّ الأدب العربي الحديث يعكس صورة حيَّة للتبعيَّة للفكر الغربي، والابتعاد عن الشخصية العربية بثوابتها وقيمها وأصالتها، وأوضح أن الغزو الفكري الذي حملته المذاهب الوافدة (بمثابة) محاولة لإلغاء الذات العربية واقتلاعها من جذورها كلية.

وأوضح (القاعود) أنه بالرغم من ذلك، فإنَّ جيل الأدباء الإسلاميين استطاع أن يستعيد هوية الأمة، خاصة الشعراء، وكتَّاب الرواية الإسلامية الذين يملكون وعياً حاداً بالواقع والتاريخ ويستشرفون المستقبل ويواجهون تحديات الهيمنة العلمانية واليسارية والطائفية التي تترصد التوجه الإسلامي وتحاربه بضراوة، وكان في طليعة هؤلاء الروَّاد: محمد فريد أبو حديد، وعلي أحمد باكثير، ونجيب الكيلاني، ومحمد حسن عبد الله، وعماد الدين خليل، وغيرهم... بالإضافة إلى عدد آخر من الدول العربية والإسلامية الأخرى الذين حوَّلوا الأدب الإسلامي إلى واقع عملي يعبِّر عن نفسه في تطبيقات ميدانية وأدبية، جعلت من الرواية الإسلامية أمراً واقعاً يتحدى المعارضين له، ويرغمهم على الاعتراف بوجودها وكيانها.

في الوقت نفسه، أشار (القاعود) إلى أنَّ الواقع الأدبي المعاصر امتلأ بكثير من المتناقضات التي أدت إلى اختلال المقاييس والمعايير، نتيجة لتراكمات عديدة، جعلت أصحاب المواهب الحقيقية بعيدين عن مجال التقدير والإنصاف، وفي الوقت نفسه أتاحت الفرصة لعديمي الموهبة وطُلَّاب الشهرة أن يحتلوا الواجهة الأدبية، ويَلقَوا من الحفاوة والدعاية كثيراً مما لا يستحقونه ولا يستأهلونه، وكان من ضحايا هذا الواقع الأدبي جيل الأصالة الذي ارتبط بالأمة وهمـومها وآمالها... فإلى الحوار:

مجلة البيان: بداية، هل ما زالت معركة (التغريب والعلمنة) قائمة؟ وإلى أيِّ مدى نجح العلمانيُّون في اجتياح ثقافة الأمة وتذويب هويتها الأدبية؟

د. حلمي القاعود: عملية التغريب والعلمنة ليست وليدة العصر الحالي؛ بلْ لها جذور بعيدة ترجع إلى تاريخ الحملات العسكرية التي أغارت على بلدان العرب والمسلمين واحتلتها عقوداً طويلة، إذ قام المحتلون الأوروبيون بعملية زرع لثقافاتهم وتصوراتهم والترويج لأفكارهم وقيمهم وعادتهم وتقاليدهم ومخاطبة العقل العربي بصورة تشعره دائماً بالدونية والتخلُّف، وربط ذلك بالعقيدة الإسلامية وتشريعات الإسلام. بلْ إنهم اتهموا (اللغةَ العربية) بالعجز عن التعبير واستيعاب المدنية الحديثة، وأعلنوا عليها حرباً ضروساً، وكان الهدف من وراء المواجهة مع اللغة، هو إبعاد المسلم - وخاصة الأديب - عن القرأن الكريم معجزة الإسلام الخالدة ورمز البيان المعجز، ومن ثَمَّ إبعاد المسلمين عن الإسلام، حتى إنَّ بعض الدول الغربية المستعمرة والمهيمنة فرضت لغتها قسراً وكرهاً محل العربية كما حدث في الجزائر ولبنان وتونس والمغرب، وما زالت هذه الدول تعاني من ازدواجية لغوية بسبب التأثير الذي خلفته اللغة الفرنسية، إذ يتكلم الشعب بلغتين، ويصوغ بعض الكُتَّاب أدبهم بالفرنسية، لأنه لا يجيد العربية! وقد نجحت عملية التغريب أيضاً في أن تُخرج لنا أدباء من جلدتنا يفكرون بعقل الغرب الإلحادي، وينظرون بعين الغرب، ويتفاعلون بمشاعر الغرب!

مجلة البيان: ما هو الدور الذي اضطلع به الأدباء الأصلاء في مواجهة سطوة التغريب، والتيارات الفكرية المضادة؟

د. حلمي القاعود: استطاع جيل الأدباء والمفكِّرين المنتمين للرؤية الإسلامية أن يستعيد هوية الأمة، وهؤلاء الأدباء يملكون وعياً حاداً بالواقع والتاريخ ويستشرفون المستقبل ويواجهون تحديات الهيمنة العلمانية واليسارية والطائفية التي تترصد التوجه الإسلامي وتحاربه بضراوة وبخاصة في مجالات الفكر والأدب، وكان في طليعة هؤلاء الرجال نجيب الكيلاني، وعبد الرحمن رأفت الباشا، وعماد الدين خليل، وأنور الجندي، ومحمد مصطفى هدارة... بالإضافة إلى عدد آخَر ممَّن تولَّوا تحويل الدعوة النظرية إلى الأدب الإسلامي إلى واقع عملي يُعبِّر عن نفسه في تطبيقات ميدانية وأدبية، جعلت من الأدب الإسلامي أمراً واقعاً يتحدى المعارضين له، ويرغمهم على الاعتراف بوجوده وكيانه، ومن هؤلاء: عبد القدوس أبو صالح، وعبد الباسط بدر، وحسن الهويمل، وحسن الأمراني، ومحمد علي الرباوي، وعبد الرحمن العشماوي، وصابر عبد الدايم، وغيرهم كثيرون.

مجلة البيان: ما هو تقويمكم للواقع الأدبي والثقافي في العالم العربي في الوقت الراهن؟

د. حلمي القاعود: الواقـع الأدبي المعاصر - مع الأسف - امتلأ بكثير من المتناقضات التي أدت إلى اختلال المقاييس والمعايير، نتيجة لتراكمات عديدة، جعلت أصحاب المواهب الحقيقية بعيدين عن مجال التقدير والإنصاف، وفي الوقت نفسه أتاحت الفرصة لعديمي الموهبة وطُلَّاب الشهرة أن يحتلوا الواجهة الأدبية، ويَلقَوا من الحفاوة والدعاية الكثير ممَّا لا يستحقونه ولا يستأهلونه، وكان من ضحـايا هـذا الواقع الأدبـي جيـل الأصـالة الـذي ارتبط بالأمة وهمومها وآمالها!

مجلة البيان: بعد التطورات التي جرت في العقود الأخيرة، هل ما زال الأدباءُ والكُتَّاب أصحاب (التوجُّه الإسلامي) يعانون المضايقات التي كانت من قبل؟

د. حلمي القاعود: ما زال كل انتماء إسلامي متَّهم (من الآخَر) بأنه ضد الحياة والأحياء! وليس أمام المثقفين المسلمين مندوحة من القبول بالعمل في إطار هامشي يتجنَّب جوهر الأمور، وأساسياتها وقضاياها المؤثِّرة في معظم الأحيان، وهو ما انعكس على حركتهم ونشاطهم الفكري والعلمي في المجال العام وداخل أروقة الجامعات والمراكز البحثية، بلْ إنَّ الحركات الإسلامية تأثرت بذلك حين نحَّت جانباً أو أهملت أهم العناصر الثقافية وفي مقدمتها الآداب والفنون، واكتفت بالجانب الخطابيِّ المباشر. فبعض الإسلاميين لا يؤمنون بشيء اسمه الأدب أو الفن! وقد تناسوا أنَّ الكلمة الفنية محايدة، والذكي الماهر هو الذي يُغذِّيها بتصوراته وأفكاره، وما أروع تصورات الإسلام وقيمه ومُثُله لو وَجدت الكاتب أو الفنان الذي يمنحها الحياة المؤثرة.

مع أنَّ المعادين للإسلام وخصومه يستغلون الآداب والفنون بعامة لنشر أفكارهم وتصوراتهم وتوصيلها إلى جمهور عريض بطريقة ناعمة. لأنهم يعلمون جيداً أنَّ الكلمة الفنية غير المباشرة لها تأثير يفوق ما يبذلونه على مستويات أخرى مباشرة!

وفي رأيي أنَّ سلوك بعض الإسلاميين في القطيعة مع الفنون والآداب، يمنح الاستئصاليين المعادين للإسلام المهيمنين على الحياة الثقافية فرصة الزعم بأنَّ الإسلام يحارب الأدب والثقافة، وأنه لا يوجد أدباء مسلمون ولا مثقفون إسلاميون أو غير معادين للإسلام، وفي سبيل دعم هذا الزعم يحرصون على حذف الأدباء أو المثقفين المتعاطفين مع التصور الإسلامي من قائمة الأخبار والدراسات والأبحاث الأدبية والعلمية، فلا تبرز مثلاً أسماء مصطفى الرافعي، وأحمد حسن الزيات، ومحمود شاكر، ومحمود تيمور، وعبد الحميد جودة السحار، ومحمد عبد الحليم عبد الله، ومحمد سعيد العريان، وأحمد محرم، ومحمود حسن إسماعيل، وعلى أحمد باكثير، وأنور الجندي، ونجيب الكيلاني، وعبده بدوي، ومحمد رجب البيومي، وأمثالهم.

فالفريق الاستئصالي المهيمن على الحياة الثقافية، ينظر إلى هؤلاء وأمثالهم بازدراء، ويراهم ظلاميين ورجعيين ومتخلِّفين، ولا يُمثلون تطوراً ولا تجديداً (أوْ حداثة بمفهومهم)، ويتجاهل أن هؤلاء وأمثالهم أقرب إلى روح الأمة، وأكثر قراءة وانتشاراً بين القراء، في الوقت الذي لا يبقى له بحكم عدائه للدين والأخلاق قاعدة ذات حضور سواء من ناحية القراءة أو التأثير.

مجلة البيان: صدرت لكم مؤخراً دراسة نقدية بعنوان «حكايات الجواري والعبيد»، وقد أثارت ردود فعل ممَّن تناولتهم تلك الدراسة؛ فما هي خلاصة هذه الدراسة، وما فحواها؟

د. حلمي القاعود: بالفعل، لقد رصدتُ نوعاً طارئاً من الروايات التي تندرج تحت مفهوم (الرواية المضادة)، وهذا النوع من الكتابة يسعى إلى تقويض اللغة والجماليات، والترويج لوجهات نظر سلبية أو عدوانية أو مخالفة للتصورات الإنسانية، وذلك في إطار من الدعاية الفجَّة، وتجاوز القواعد الفنية والتقاليد الأدبية. وساعد على ذلك مناخ السيولة الاجتماعية والفكرية، وتحكُّم القوى المعادية للقيم الجمالية والإنسانية العليا. وقد ترتَّب على ذلك انهيار قيَم الإتقان والتجويد، وطفح على سطح المشهد الثقافي أصحاب المواهب الضحلة وأصحاب الأفكار المضادة للهوية، وتوارى كل صاحب موهبة حقيقية، وفكر جاد، ورؤية ناضجة. ومع الأسف فقد تجرأتْ (الرواية المضادة) على تشويه التاريخ الناصع، والقيم الجميلة، وقدمت في الأغلب الأعم سرديات تفتقر إلى اللغة الراقية والصورة المضيئة، والفن العالي، وجاءت أقرب إلى المنشورات الدعائية، تحملها لغة هجينة لا تستطيع في بعض الأحيان أن تضعها في الفصحى المتوهجة أو العامية المبتذلة. وقد اخترتُ نماذج متنوعة لتلك الأعمال الروائية المضادة التي حظيت بدعاية إعلامية ونقدية واسعة، ومن هؤلاء الكُتَّاب: واسيني الأعرج، والطاهر وطَّار، ويوسف زيدان، ومحمد عبد السلام العمري، وإبراهيم عيسى، وصبحي موسى، ويوسف القعيد... وغيرهم.

مجلة البيان: ما هي الرسالة التي كنتَ تريد توصيلها من خلال كتابك (الرواية التاريخية في أدبنا الحديث)؟

د. حلمي القاعود: هذا الكتاب يفيد الباحثين في علْم الرواية وتاريخها، فقد قسَّمتُ الرواية التاريخية إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول: لا تتوفر فيه أسس ومفاهيم الرواية فنياً، وكان الهدف منه هدفاً تعليمياً، وهو ما أطلق عليه اسم «رواية التعليم».

أمَّا القسم الثاني فهو الذي نبت على يد روَّاد الحِرفَة الفنية الناضجة أوْ جيل البُناة للرواية العربية الحديثة، وهو الذي استوعب المقاييس الكلاسيكية التي عرفها الأدب الغربي الحديث، فاستطاع أن يقدِّم رواية تاريخية (ناضجة).

أمَّا القسم الأخير فيتمثل في الاستفادة من التاريخ كإطار يتحرك من داخله الكاتب الروائي مستعيناً بالخيال الروائي الفضفاض، ليعالج قضايا معاصرة، وهو ما أُطلِق عليه رواية استدعاء التاريخ. ومن أبرز الروائيين الذين اعتمدتُ على نتاجهم الإبداعي: علي الجارم، ونجيب الكيلاني، وعلي أحمد باكثير، ومحمد سعيد العريان، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وعبد الحميد جودة السحار، ومحمد فريد أبو حديد، ومحمد مصطفى هدارة، وثروت أباظة.

مجلة البيان: ما هي الكلمة الأخيرة التي تقولها للأدباء والباحثين الشباب؟

د. حلمي القاعود: رغم كل ما مرَّ بكم، ورغم ما ترونه حولكم؛ تفاءلوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فإنَّ أمتنا مُقبلة على مرحلة العزَّة والكرامة التي تصبو إليها... فنحن أُمَّة تمرض ولا تموت، وتكبو ولا تطول كبوتها... فليس هناك شيء أقرب من نصر الله للمؤمنين.

 

 


أعلى