الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في الربع الأخير من القرن الماضي بدأت أمريكا التي تفرَّدت بالقوة والنفوذ تتلمس الطريق وتبحث عن عدوٍّ يبقي على حيويتها، وكان خيارها الأول هو الإسلام فتحدثوا عن شعار صراع الحضارات وبدؤوا في صنع العدوِّ وتضخيمه تمهيداً لخوض حرب استعراضية تحت شعار الحرب على الإرهاب وراية «من ليس معنا فهو ضدنا» أبرزت فيها العضلات المفتولة على أفغانستان والعراق وسوريا؛ تم فيها تدمير البُنى التحتية المتهالكة وتغيير النُّظُم مع تهجيرٍ منظَّمٍ للسكان، ولكن العدو الحقيقي كان ينمو ويتمدد.
ومع التركيز على الخطر الصيني المتنامي تسللت روسيا إلى مناطق النفوذ الغربية وطلب الغرب منها تعويم النظام السوري فقامت بالمهمة بنجاح منقطع النظير؛ وهو ما شجع الغرب على تكرار الطلب إلى روسيا بالعمل على تنصيب حفتر في طرابلس... والذي حصل أن الضعيف استقوى والتابع خلغ عبائة الخادم وطلب حقوق الشريك فله مناطق نفوذ يجب احترامها وعلى الغرب تقبُّل انتهاء مرحلة القطب الواحد، ولم تكن حرب أوكرانيا إلا البداية، فمع تصريحات زيلنسكي أنه لا يريد أن يكون بطلاً على أنقاض بلاده، وأنه يريد مفاوضاتٍ جادةً مع روسيا ومقابلةَ بوتين التي لن تتم إلا بقبول مطالِب موسكو التي تعني ضمَّ أجزاء من أوكرانيا إلى روسيا وضمان تركيا لأمن بقية أوكرانيا المحايدة ومنزوعة السلاح.
والسؤال المهم: أين وكيف يكون الصراع القادم؛ هل في بولندا التي وصفها الروس بالحليف المخلص لأمريكا؟ وهل سنشهد تسخين الصراع الدائر في أمريكا الجنوبية من جديد؟ إذ إن تصريح جنرال أمريكي أن المكسيك أصبحت المركز العالمي للجواسيس الروس يعني أن روسيا ستنقل الصراع إلى حدود أمريكا الجنوبية، وقد يتحول الصراع إلى حروب بالوكالة على حدود البلدين، وهو ما يعيد إلى الأذهان حرب المجر وأزمة كوبا أيام الحرب الباردة... والرابح من هذه الحرب هم المتربصون بدءاً من الصين إلى مَن يرى أن العالم أكبر من خمسة.