• - الموافق2024/12/18م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حوار مع الناقد الدكتور/ أحمد محمد علي -أستاذ البلاغة والنقد بكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر

أجرى الحوار/ محمََّد عبد الشََّافي القوصي

 أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر

أحمـــد علــي لـ«البيان»:  

لنْ تلتئم الأمةُ سياسيًّا ولا اقتصاديًّا  ما لمْ تلتئم ثقافيًّا

منذ عقودٍ خلَت، والأمة تُراوح مكانها، وقد بذلتْ كل المساعي، وسلكتْ مختلف السبل، وطرقت سائر الأبواب ... فأين الخلَل؟ وأين موضع الداء؟ وما هي الحلول المثلى لاستنقاذها من كبوتها؟ وهل يمكن أن تنجح تلك الحملات التي يشنّها خصومها في تحقيق مآربهم ومخطّطاتهم؟ وهل للثقافة دور في بعث الوعي الحضاري، واستئناف المسيرة؟ وهل موجات التغريب والحداثة والاستشراق أصابتها بإصاباتٍ بالغة؟ وما موقف «الأدب الإسلامي» من المذاهب الأدبية المعاصرة؟ وما هو الموقف المعقول إزاء إشكاليّة الحرية والالتزام؟ وما هي الضوابط الإسلامية لقضيّة الإبداع الأدبي؟ وهل «الغموض اللغوي» يُعدُّ ميزةً أمْ عيبًا؟

  كل هذه الأسئلة طرحناها على الناقد الدكتور/ أحمد محمد علي -أستاذ البلاغة والنقد بكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر-. وإلى التفاصيل:

  البيان: دعنا نسأل -في البداية- عن الأسباب الجوهرية التي أودت بالأُمَّة إلى هذا الدرك الذي لم تشهده من قبل؟ وما هي الحلول الناجعة لبَعْثها من مرقدها الحضاري؟

هذه حقيقة ظاهرة للعيان، فالأمة غارقة في أوحال التخلُّف والتبعيَّة، ومُكبَّلة بالأغلال التي صنعتها بيدها، وسجنَت نفسها فيها بنفسها، حتى صارت إلى ما صارت إليه من التردِّي والهوان؛ مِمَّا أدى إلى جمودها، وتراجعها بشكلٍ مُخيف، بعدما أبهرتْ العالَمَ بما أهدته من آدابٍ وفنونٍ وعلومٍ وفلسفةٍ، وأخلاقٍ لم تعرف الدنيا لها مثيلاً.

والمُحزِن؛ أنها لمْ تعترف بعدُ بأخطائها وخطاياها، بلْ تخشى أيَّ شكلٍ من أشكال العِتاب والنقد والمصارحة؛ بسبب ما رانَ عليها من الأوهام والظنون التي لا تُغني من الحقّ شيئًا... وقد عجز الساسةُ والقادةُ عن طرح مشروع لإنقاذ الأُمة والنهوض بها، فلا نجد في برامجهم ومؤتمراتهم أيّ إجابة عن المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا البائسة: كالبطالة، والفقر، والغلاء، والتصحُّر، والديون، والتبعيّة، والمشكلات الاجتماعية المتجددة، وإنما اكتفوا بحبس عقولهم على أفكارٍ بالية، وشعاراتٍ كاذبةٍ خاطئة؛ فاصطدموا بصخرة التحديات، وخرجوا على شعوبهم بخُطبٍ حامضةٍ لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوع، فتردَّتْ على إثْرها الأوضاع، وتمزَّقت الأوطان، وسُرِقَتْ الأحلام!

لا بدَّ أن تعترف أُمتنا أنها في مأزقٍ حضاريّ رهيب، وأنها تعاني مِن كمٍّ هائلٍ من النكبات والإحباطات، ولا بدَّ أن نعترف نحنُ بأننا أخطأنا أخطاء جسيمة، وأننا في حاجة إلى صحوة حقيقية، وعودة صادقة لديننا الحنيف... فالدِّينُ بالنسبة لنا -نحن المسلمين- ليس ضمانًا للآخِرة فحسب، بلْ سياج دنيانا وضمان بقائنا، وإنَّ كل تديُّن يُجافي العلم والتقدُّم الحضاري، ولا يتفاعل مع الحياة؛ هو تديُّن فاسد، فقَد صلاحيته!

وهناك قاعدة يجب أن نحفظها عن ظَهر قلب، وهي أنه: لن تلتئم الأمةُ سياسيًّا ولا اقتصاديًّا ما لمْ تلتئم ثقافيًّا... فالتغيير الثقافي الذي أحدثه الإسلامُ عند مشرقه هو الذي هيَّأ الأمةَ فيما بعد لفتح البلدان ونشر أنوار الحضارة، ورافع راية التوحيد قرونًا طويلة!

 البيان: من وجهة نظرك، ما هو سِرّ العداء المتواصل للغة العربية -خاصةً من دعاة العامية- وهل يمكن أن تنجح تلك الحملات المغرِضة في تحقيق مخطّطاتهم؟

لمْ تتعرَّض لغةٌ للعداء السافر بمثل ما تعرّضت له «العربية» من الضربات الخارجية والطعنات الداخلية، وبمختلف الأسلحة من مستشرقين ومتغرِّبين، وقد تعهَّد الاستعمار بدعم أوليائه وربائبه لإنجاز تلك المهمة؛ فتوالتْ الحملات الجائرة لتشويه العربية والافتراء عليها، ورميها بالقصور وعدم الكفاية العلمية، واتهام حروفها ونطقها بالصعوبة والتعقيد... إلخ.

  لقد حُورِبَت «الفصحى» بكافة الأسلحة، وحاولوا اغتيالها بعدة أساليب ولم يُفلحوا، وإنْ كانت محاولاتهم تركت الكثير من الخدوش والتشوّهات التي مازالت آثارها بارزة.

ولَمْ يكن إحلال اللغات الأجنبية -الذي حقَّق بعض النجاح في التعليم الجامعي-، هو الميدان الوحيد الذي حُورِبتْ فيه الفصحى، وإنما حُورِبت أيضًا بسلاح «اللهجات العامية»، وقد تولَّى كِبرَ هذه الدعوى دعاة الاستعمار، ثمَّ تبعهم المغفَّلون من بني جلدتنا!

ولمْ تكن الحرب على «الفصحى» من حيث هي لغة عربية؛ ولكن لأنها لغة تقوم بدور الوحدة والتوحيد؛ توحيد اللّسان والفكر والثقافة، كما قامت بدور التوحيد في الماضي، وهم لا يريدون لهذه الأُمة أن تتوحَّد، ولأنها أيضًا لغة تستوعب تراث الحضارة الإسلامية؛ وبقاء هذه اللغة يصل هذه الأُمة بماضيها، وهم لا يريدون لهذه الأُمّة أن تتواصل، ولا يريدون لهذا التراث أن يبقى حيًّا وفاعلًا ومؤثرًا.

  وما أروع ما قاله المرحوم «عباس العقَّـــاد» في هذا الصدد: بأنَّ «الحملة على اللغة في الأُمم الأخرى، إنما هي حملة على لسانها أوْ أدبها على أبعد الاحتمال. ولكنَّ الحملة على لُغتنا نحن حملة على كل شيء يَعنينا، وعلى تقليد من تقاليدنا الاجتماعية والدينية، وعلى اللّسان والفكر والضمير في ضربةٍ واحدةٍ؛ لأنَّ زوال اللغة في أكثر الأمم يُبقيها بجميع مقوماتها غير ألفاظها، ولكنَّ زوال اللغة العربية لا يُبقي للعربي والمسلم قوامًا يُميّزه عن سائر الأقوام، ولا يعصمه من أن يذوب في غمار الأمم، فلا تبقى له باقية من بيان، ولا عُرف، ولا معرفة، ولا إيمان».

 البيان: ترى، هل يمكن القول بأنَّ الدعوة إلى «الأدب الإسلامي» جاءت ردّ فعل لموجة التغريب والعلمنة والحداثة، خاصة أنَّ القرون الماضية لم تشهد «مصطلح» الأدب الإسلامي؟!

  مادة الأدب الإسلامي ونصوصه لم تكن غائبة أبدًا عن وعي الأمة وضميرها، وإذا كان «المصطلَح» مُحْدَث، فذلك لأنه لم تكن هناك ضرورة تدعو إلى ظهور هذا المصطلح في القرون الماضية، كما أنه لم تكن هناك حاجة إلى ظهور مصطلحات مثل: الاقتصاد الإسلامي، والإعلام الإسلامي، والعمارة الإسلامية، والتربية الإسلامية، وغيرها من المصطلحات التي يأتي الإسلام وصفًا مخصصًا لها. ولعلَّ ظهور هذه المصطلحات كلها جاء مواكبًا للصحوة الإسلامية ومحاولة العودة إلى الذات بعد مرحلة الذوبان والهزيمة النفسية التي لحقت بالأمة الإسلامية في مرحلة القهر العسكري والحضاري.

  إننا ندعو أن يكون الأدب الذي يكتب لهذا المجتمع وعنه، مُعبِّرًا عن وجدانه ومشاعره وأحاسيسه وتصوراته التي كوَّنتها عقيدة الإسلام وشريعته وأخلاقه وآدابه ونظامه وتراثه. بلْ إننا في حاجة ماسَّة إلى أن يكون هناك أدب إسلامي يُعبِّر عن الشخصية الإسلامية، ويُجسِّد تصوراتها عن الكون والحياة والإنسان في مواجهة آداب غصَّت بها ساحتنا الأدبية تجسّد تصورات فلسفية ومذهبية وعقائدية وأيديولوجية غريبة عنَّا غربة كاملة.

  ولقد شعر بهذه الحاجة الماسَّة والضرورة المُلِحَّة، ودعا إليها، صفوة من مفكري هذه الأمة على امتداد الوطن الإسلامي الكبير، والعجيب في الأمر أن تلتقي هذه الأفكار على تباعد المسافات حول هدفٍ واحد وغايةٍ واحدة، وبمجرد طرح تلك الفكرة حتى لقيت استجابةً واسعةً من مئات الدراسيين والباحثين في مناطق مختلفة من الوطن الإسلامي الكبير، وهذا يدلّ على أنَّ العواطف والمشاعر والأحاسيس المشتركة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة مازالت باقية كما هي برغم معاول التفرقة والتشتيت، ومازالت تصنع الفكر المشترك والغاية المشتركة والهموم المشتركة، ومازالت إمكانية التعاون على إعادة اكتشاف الذات الإسلامية كبيرة.

البيان: ترى، ما هي الضوابط التي وضعها الإسلامُ بالنسبة لقضيّة «الإبداع الأدبي» بصفة عامة، وما صحة مقولة: الشِّعر بابه الشر، فإذا دخل فيه الخير فسد؟!

  الإبداع الأدبي كالإبداع في أيّ فنّ من الفنون، تقف وراءه موهبة لا بدَّ منها لكل مُبْدِع، وهذه المواهب كالمادة الخام، قابلة للتشكيل على صور مختلفة، ويمكن أن تقوم بدورها وتؤدي وظائفها في هذا الطريق أوْ ذاك على السواء ... وهنا يأتي دور الإسلام في الإرشاد والتوجيه حتى لا يهيم الإنسان بغرائزه ومواهبه كالحيوان في مختلف الوديان.

  وعندما يدعو الإسلامُ إلى توظيف الأدوات توظيفًا حسنًا، يمكن تحقيق الغاية من الوجود الإنساني، وهي الخلافة في الحياة وعمارة الأرض وإقامة الحق والعدل، ولوْ تَرك الإسلامُ هذا الأمر بدون ضوابط، لعمَّت الفوضى وعمَّت المفاسد والشرور، ولكنَّ الإسلام نَظَّم لهذه الغرائز طريقًا تسير فيه نحو غاية معلومة فيها مصلحة للفرد وللجماعة وللوجود كله. ومن هناك جاء استثناء القرآن الكريم للذين آمنوا وعملوا الصالحات من الشعراء المذمومين في قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﯩ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [سورة الشعراء: 224- 227]؛ ففي هذه الآية وصْفٌ لواقع الشعراء، وفي آخرها توجيه لطاقات الشعراء ومَلَكاتهم إلى منحى الإيمان والعمل الصالح؛ لتكون طاقات بنّاءة، ومنها نعلم أنه لا ينبغي لشاعرٍ يؤمن بالله أن يُسخِّر شِعره لِمَا يضادّ الإيمان والعمل الصالح، ولا ينبغي لمُبْدعٍ أن يُسخِّر مَلَكاته الإبداعية التي هي نعمة كبرى من الله فيما لا يرضاه الله.

 البيان: ترى، هل الدّين يقف عثرةً في وجه الحرية والإبداع كما يزعم البعض؟ أوْ بمعنى آخَر: ما هو موقف الأدب الإسلامي من قضية الحريــة والالتزام؟

 علينا أن نعلم أنَّ الالتزام غير الإلزام، فالإسلام لم يُلْزِم شاعرًا بأن يكون كذلك، ولم يحمله عليه ولم يُكْرِهْه، ولكن دعا إلى ذلك وحثَّ عليه، واستحسنَ واستقبح، ورضيَ وكرِه، وتركهم أحرارًا فيما يقولون إلاَّ أن يخوضوا في الأعراض ويستبيحوا الحرمات ويُشيعوا الفواحش، ويهزؤوا بالدين ويَسخَروا من المقدّسات، فحينذاك يكونون قد تجاوزوا حدود المباح، وقد يَلقونَ من اللوم والعقاب، ما يكافئ خروجهم هذا، شأنهم شأن غيرهم من الناس. ولا يشفع لهم حينذاك إبداعهم ولا تجويدهم في فنّهم، وإذا كان الإسلام لم يُكرِه شاعرًا على أن يكون ملتزمًا بالحق أو بالخير، فلا ينبغي أن نصادر حق الإسلام في أن يَقبل ويرفض ويَستحسِن ويستقبح.

الإسلام دين ونظام حياة يعنيه أن يتحقّق الانسجام بين كل مناحي النشاط الإنساني ومنه الإبداع، فلا يُلام إذا حثَّ الشعراءَ على الالتزام ودعاهم إليه، واستهجنَ منهم ما لا يحقّق هذا الانسجام، وليس في هذا مصادرة لحريّة الشاعر والأديب كما يبدو وكما يُشاع، فالإسلام لا يقول للشّاعر: اكتُب في موضوع كذا، وقلْ فيه كذا وكذا، ولا تكتب في موضوع كذا. فللمُبْدِع مُطلق الحرية في أن يتناول ما يشاء من الجزئيات في النفس والحياة والكون والطبيعة، ثمَّ بعد ذلك قد يستقبح كلامه وقد يستحسن، دون أن يكون هناك حساب أو عقاب.

فمثلًا، نجد عمر بن الخطاب سَجَن الحطيئة، وعمر بن عبد العزيز نفَى الأحوص من المدينة، والرشيد سجن أبا نواس... إلخ، ولكن هذا لم يكن عقوبة على الشِّعر، وإنما كان حمايةً لأعراض المسلمين وحرماتهم، وإذا لم يَحْمِ الخلفاءُ وولاةُ الأمور أعراض المسلمين وقِيَم الإسلام، فمَن الذي يحميها؟! المهم أنَّ الالتزام هو الالتزام الإسلامي، وأنَّ الحرية التي نعنيها هي الحرية في المفهوم الإسلامي.

 البيان:  هناك مَن يزعم بأنَّ «الغموض» خاصيّة فنيَّة من سمات القصيدة الجديدة، وأنَّ القصيدة تتعدَّد معانيها وأبعادها بقدر ما يَحُوطها من الغموض والإبهام والتعقيد... فما هو رأيكم في هذه القضية؟

   نحن نعلم أنَّ الغموض ظاهرة واضحة في الشّعر الحديث، خاصةً منذ أن دخلت الرمزيّة إلى لبنان قبل نصف قرن من الزمن، والغموض ينتشر في الشعر العربي مع كل صيحة تجديد وكل دعوة حداثة، حتى انعدم التواصل بين المُبْدِع والمُتلقّي، لذلك نجد نُقَّاد الحداثة يَعدُّون هذا الغموض من مزايا الشعر الجديد الذي لا يشاركه فيها الشعر القديم. ومن أسفٍ، نسيَ هؤلاء أوْ تناسوا، أنَّ اللغة العربية ليست لغة غموض وإبهام، ولكنها لغة وضوح وبيان، وعلى هذا جاء أدبها في تاريخها الطويل، وقامت علوم اللغة العربية لترسِّخ هذه الحقيقة الساطعة. وبهذه اللغة المُبِينة جاء القرآنُ الكريم الذي وُصِفَ صراحةً في غير موطن بأنه قرآنٌ مبين، وكتاب مبين نزل بلسان عربيٍّ مبين... إلخ.

  فإذا كان الوضوح خاصية بارزة من خصائص أسلوب الأدب الإسلامي، حتى يتحقَّق الانسجام بين الروح العربي الإسلامي وبين أسلوب الأدب الإسلامي.

  والوضوح ليس نقيضًا للعمق وليس مرادفًا للسطحيّة والابتذال، كما أنَّ لُطف المعنى اللطيف يُحوِجكَ إلى الفكر وتحريك الخاطر، وقد فرَّق إمامُ البلاغة «عبد القاهر الجرجاني» بين التعقيد المذموم والعمق المحمود، وكَشَف عن حاجة المعنى اللطيف إلى الفِكْر، وبيَّنَ أنَّ المعنى اللطيف إذا جاء في غاية البيان والإيضاح فلا يعني هذا أن نتّهمه بالضحالة والسطحية، ونظنّ أنَّ صاحبه لم يبذل فيه جهدًا ولا مشقَّة حتى وضعه عند أطراف عقلك.

   وأعتقد أنَّ المشكلة ليست هي الغموض والوضوح، ولكنَّ المشكلة هي أن ننقطِع عن تراثنا ونطلب المقاييس من بيئات مختلفة أُخذت من أدبها وانطبقت عليه، ولكنها عندنا غريبة عن بيئتنا فلا هي أخذت منها ولا استقام تطبيقها عليها، ولستُ أدرى كيف يكون الغموض الذي يمتدحونه الآن مدحًا، والبيان والإيضاح ذمًّا، مع أنَّ القرآن الكريم المُعْجِز بَيِّنٌ واضح كما وصفه الله -تعالى-، فهل يزعم أحد أنَّ وضوحه مَنقصة وأنَّ بيانه مذمَّــة؟!

  ومِن عجبٍ أن صار الغموض -الآن- سمةً بارزة في أشعار الحداثيين ودراساتهم وأبحاثهم ومقالاتهم، وهم يُروِّجون له ويَدعون إليه، فإذا كان الغموض هو الذي يمنح الشّعر قيمته، ويعطي للأدب مكانته ومنزلته، فعلى تراثنا العربي كله العفاء!

أعلى