• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حوار مع الأستاذ الدكتور أحمد محمد زغب

المجتمع العالمي لا يستطيع تجاهل اللغة العربية..


 

هذا حوار مع الأستاذ الدكتور أحمد محمد زغب، أستاذ التعليم العالي والمتخصص في الأدب والثقافة اللغوية، وهو أستاذ سابق بجامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، وباحث في مركز الأبحاث الأنثروبولوجية والاجتماعية والثقافية بالجزائر.

 مجلة البيان:  كيف استطاعت اللغة العربية أن تؤثر في كثير من لغات العالم، وهي لغة بدوية، ونصيب أهلها من الحضارة المادية قليل بالقياس إلى جيرانهم؟ 

أثَّرت اللغة العربية على كثير من لغات العالم؛ فأقرضتها ثروة معجمية، كما اقترضت منها من طريقين رئيسيين: طريق لغويّ محض، وطريق ديني.

أما الطريق اللغوي المحض، فمن المعروف أن اللغة العربية إحدى أهم اللغات السامية. وقد اكتسبت من اللغة السامية الأم معظم خصائصها الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية. وحافظت عنها نظرًا لعزلتها في الصحراء وبُعدها عن الحضارات العريقة. والمعروف أن اللغات السامية تفاعلت مع اللغات الشرقية قديمًا كالفارسية والكردية والطورانية والهندية، باعتبار بلاد ما بين النهرين مهد أعرق الحضارات البابلية والآشورية، وهي الحضارة التي ابتكرت الحروف الهجائية، وقدمت إلى العالم، وبفضلها دخل العالم إلى التاريخ المكتوب. والكلمات التي أخذتها اللغات الشرقية قديمًا من اللغات البابلية والآشورية متضمنة في اللغة العربية.

كما أثَّرت على اللغات السامية، بل قضت عليها؛ نظرًا للتقارب الشديد بينها وبين العربية، وبسبب النفوذ السياسي للعربية بعد الإسلام؛ فقد قضت العربية على السريانية في بلاد الشام، والقبطية في مصر، والبربرية في المغرب، وكذلك اللغات السواحلية في الحبشة والقرن الإفريقي.

كما تفاعلت اللغة العربية مع اللغات الأوروبية؛ بسبب وجود حضارة الأندلس العربية الإسلامية التي استمرت ثمانية قرون. فقد كانت الجامعات العربية الإسلامية في قرطبة وإشبيلية وبلنسية محطّ أنظار الأمراء وأبناء الأسر الأرستقراطية الأوروبية. يتعلمون فيها العِلم، فمن الطبيعي أن تؤثر في الإسبانية والبرتغالية وحتى الفرنسية والإيطالية بنسبة أقل.

أما عن الطريق الديني فمن المعروف أن الدين الإسلامي انتشر في أنحاء العالم بفضل الدعاة والتجار والحروب كذلك. وأصبح المسلمون في أصقاع المعمورة يهتمّون بتعلم العربية باعتبارها لغة القرآن والسُّنة ولغة العبادة فدخلت الألفاظ الدينية إلى كثير من لغات آسيا الغربية أذربيجان والشيشان وغيرها وكثير من اللغات الإفريقية.

مجلة البيان:  ما أهم العوامل التي ساعدت اللغة العربية على الاحتفاظ بهيكلها القديم وقواعدها ومعجمها القديم على الرغم من احتكاكها بكثير من لغات العالم؟

العامل الأول هو انتشار الإسلام، وكون معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لغوية بلاغية، كما أن الإسلام يشترط على المسلمين التَّعبُّد باللغة العربية، لا سيما في الصلاة، وهي طقوس أو شعيرة دينية تعتمد أساسًا على الحركات والأقوال، وهذه الأقوال كلها عبارات شعائرية عربية (الله أكبر – لا إله الا الله .... إلخ)، وسور قرآنية.

العامل الثاني أن الأقوام الذين دخلوا الإسلام، وتعلموا اللغة العربية اعتُبروا عربًا واندرجوا، ضمن القومية العربية، واعتبروها لغتهم نرى ذلك عند المصريين والسريان والبربر. والإسلام لا يعطي أيّ قيمة للاختلاف العرقي، وإنما الأهمية كلها للفكر والمعتقدات. فمن تكلم العربية فهو عربيّ. لذا نجد أكثر الذين خدموا العربية وقنَّنوها من أصول غير عربية مثل سيبويه وغيره.

كما أنها اعتبرت لغة العلم لقرون من الزمان حتى بالنسبة لغير المسلمين. فقد كان الأوروبيون يشدون الرحال إلى الأندلس لتلقّي علوم الطبيعة والبصريات والفلك وغيرها باللغة العربية.

مجلة البيان:  ما الخصائص التي اختصت بها اللغة العربية وتميزت بها عن سائر اللغات؟

تميزت اللغة العربية بعدة خصائص؛ أهمها أنها لغة اشتقاقية، فمن الجذر الثلاثي الواحد يمكن اشتقاق عدد كبير من الكلمات تعبّر عن معاني مختلفة عن ذلك الأصل الثلاثي، فمثلاً جذر (ك- ت- ب)، يمكن اشتقاق الأفعال الماضي والمضارع والأمر والمصدر الميمي والمصدر الصناعي، واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسمي الزمان والمكان واسم الآلة واسم المرة واسم الهيئة. وكل صيغة تمتّ إلى الجذر الثلاثي بصلة معنوية لكن تحمل معنًى مختلفًا.

كما تتميز اللغة العربية بالعراقة؛ فهي من أعرق اللغات في العالم، فعمرها يزيد عن عشرة آلاف سنة. وما يزال الناس يستعملون العربية الباقية، وإن بقيت العربية البائدة في النقوش الأثرية. والنصوص التي بين أيدينا وندرسها لتلاميذ المراحل الثانوية والمتوسطة تعود إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام. وهذا لم يتأت لأيّ لغة في العالم.

أما الخاصية الثالثة؛ فإن اللغة العربية تميزت بقواعدها التي تعتمد على القياس. وهذا يسهل التعرف على القواعد ويجعلها أقرب إلى أفهام المتعلمين لها. صحيح أن لكل لغة جانبًا قياسيًّا وجانبًا سماعيًّا، واللغة العربية تعتمد على جانب سماعي وجانب قياسي.

مجلة البيان:  ما رأيكم في تطوّر اللغة العربية قديمًا وحديثًا؟

أيّ لغة تتطور بتطور مجتمعها، وتتقهقر بتقهقره، فقد كانت اللغة العربية في العصر الجاهلي لغة شفاهية، لم ترقَ حتى إلى الحالة الكتابة إلا بفضل نزول القرآن وحثّه على القراءة والكتابة، ومعروف أن أول آية نزلت هي {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١]. وحين تبنَّى العرب الإسلام كدين عالمي لا يتعلق بقومية معينة، أخذوا في التنظير للغتهم ودراستهم وجمع أدبها من شعر ونثر، وألّفوا الكتب الكثيرة، ثم توسّعوا في العلوم العقلية من فلسفة وطب وطبيعة وغيرها. هنا تطورت اللغة العربية وأصبحت لغة عالمية.

أما في العصر الحديث؛ فقد تراجع المسلمون عن المبادرة الحضرية، ابتداءً من القرن الخامس عشر للميلاد، وأصبحت رقعة الدويلات الإسلامية عُرضة للهجمات الصليبية، ثم الاستعمارية. فعاشوا ردحًا من الزمن في خمود يكررون ما أنتجه أسلافهم، وبعد النهضة وجدوا أنهم مقيّدون بالاستعمار، فكان لا بد من التحرر من الاستعمار أولاً، ثم اختلفوا في الأسس التي يبنون عليها نهضتهم، وما يزالون مختلفين حتى الآن، هل يعودون إلى المنهج القديم فيؤسسون دولة على أُسُس دينية، أو يتبرؤون من ماضيهم وينشؤون دولًا قُطرية على أسس الديمقراطية الغربية، وهكذا اجتاحت اللغات الأجنبية مواطن سابقة للغة العربية، فسادت الإنكليزية في المشرق وسادت الفرنسية في المغرب، فحتى بعد أن نالت الشعوب استقلالها. ما تزال الفرنسية في الجزائر مثلاً اللغة الفعلية لدواليب الدولة على الرغم من أن الدستور ينص صراحة على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، ونجد من المفارقات أن كثيرًا من رجال الدولة حين يتكلمون بلسان الدولة لا يستعملون اللغة العربية، بل كثيرًا ما يَستعملون اللغة الفرنسية.

وما تزال اللغة العربية تقاوم، تنهض مرةً، وتقوم مرةً أخرى، بفضل تمسُّك هذه الشعوب بدينهم الذي له فضل كبير على العربية في البقاء على قيد الحياة طيلة هذه القرون.

مجلة البيان:  كيف ترون تأثير اللغة العربية في المجتمع العالمي؟

المجتمع العالمي لا يستطيع تجاهُل اللغة العربية، فهي موجودة مادام الناطقون بها موجودين، فالعهدة إذن ليست على المجتمع العالمي، وإنما على الناطقين بالعربية من العرب وغير العرب، فكما هو معلوم فقد تبنّى اللغة العربية كثير من الأقوام كالزنوج في إفريقيا والأمازيغ والأكراد والأقباط في مصر، وغير ذلك، واعتبروها لغتهم. فعلى هؤلاء أن يحافظوا عليها باستعمالها، وبتطوير أنفسهم في المجالات التقنية المنوّعة، فبهم تتطور وترقى إلى مصافّ اللغات العالمية.

مجلة البيان:  كيف ترون اللغة العربية بين الواقع والمأمول؟

في الواقع، اللغة العربية تفرض نفسها باحتشام على العالم، بفضل ماضيها العريق، وبفضل الأعداد الكبيرة للناطقين بلهجاتها المختلفة، وأعداد المسلمين الكثيرة الذين يحترمونها باعتبارها لغة القرآن الكريم، ويتعبدون بها لذلك فهي إحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، والمأمول أن تأخذ بزمام المبادرة الحضارية، وترقى إلى مستوى أعلى مما هي فيه بفضل كنوزها ومؤهلاتها ومقوماتها الثقافية والعلمية.

 

أعلى