الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:
مكاسب الإنسان وخسائره تأتي –غالبًا- من حيث يُخطِّط ويُقدِّر (ويحتسب). وهذا هو الغالب في نواميس الكون وسُنَن الله -تعالى- فيه، بَيْد أن أمورًا أخرى تفجأ الإنسان وتباغته (من حيث لم يحتسب)، ولم يُقدِّر ولم يُخطِّط؛ حسنةً كانت أم سيئةً.
ومن لُطْف الله -تعالى- بالمتقي أن يُقدِّر له الخير من حيث لا يحتسب كالرزق مثلًا: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢، ٣].
ومن تأييد الله -تعالى- لأوليائه في الدنيا أن يخذل عدوهم، ويأتيه من حيث لا يحتسب، ومن حيث لم يحتسبوا هم، وهذا كثير جدًّا: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْـحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْـمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ } [الحشر: ٢]، {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [النحل: 26]
أما في الآخرة، فالأمور هناك رهيبة؛ فكم من غافل لاهٍ في دنياه سيُفَاجأ بعكس ما كان يظن! {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47].
فكُنْ مع الله -سبحانه- كما يحب؛ تَنْعَم بتأييده لك وخذلان عدوك.