• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ماذا لو عاد ترامب رئيسًا لأمريكا؟

أما إن فاز ترامب؛ فالأمر سيكون مختلفًا؛ حيث ستُطرَح أسئلة كلية حول مواقف الولايات المتحدة من حرب أوكرانيا ومن حلف الأطلنطي، ومن تحالفي كواد وأوكوس، ومن روسيا والصين والشرق الأوسط وإفريقيا... إلخ.

تركز الدول ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام اهتمامها، من الآن، على الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرَّر انعقادها في الولايات المتحدة في نوفمبر القادم. وقد بدأ الجميع رسم السيناريوهات المحتملة، ووضع خطط للتعامل مع نتائج تلك الانتخابات؛ لما لها من تأثير حاسم على الوضع الدولي، وبطبيعة الحال على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة.

وفي قلب هذا الاهتمام الدولي يأتي هذا السؤال المحوري الذي يدور حوله الجميع؛ وهو: ماذا لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟

وذلك أن ترامب -كما عرفه العالم- رئيسٌ من نمط مختلف يصعب التنبؤ بتصرفاته وقراراته، وهو يطرح رؤًى وأفكارًا انعزالية في السياسة الخارجية الأمريكية تعود بالبلاد إلى مرحلة تأسيسها، ولا ثوابت لديه إلا المصلحة الوطنية الأمريكية المباشرة -كما يراها- دون التزام بمصالح الحلفاء التقليديين أو حتى بمراعاتها؛ إذ هو اتخذ قرارات خلال فترة رئاسته ضد حلفاء أمريكا، بأكثر مما اتخذ من قرارات ضد خصومها.

وكذلك لأن ترامب لا يلتزم بالاتفاقات التي عقدتها الإدارات السابقة -خاصة الإدارات الديمقراطية- مع أيّ طرفٍ من الأطراف الدولية.

ومن قبل ومن بعد باعتبار ترامب يمينيًّا شعبويًّا.

وكل ذلك يطرح احتمالات ضعف، أو حتى تفكك التحالفات القائمة، واحتمالات ميلاد وضع دولي مختلف يسوده الاضطراب.

ويزيد من تلك الأهمية؛ أن احتمالات حدوث تغييرات في السياسة الخارجية الحالية -بعد مجيء ترامب للحكم- تأتي في ظل حالة دولية يحتدم فيها الصراع في مختلف مناطق العالم إلى درجة التهديد بالحرب النووية. ولأن الولايات المتحدة تعيش مرحلة الدفاع عن استمرار هيمنتها وسيطرتها على العالم، في مواجهة أطراف دولية فاعلة وقوية تسعى لتغيير النظام الدولي، وهذا الصراع شكَّل المحور الأساسي للسياسة الخارجية لبايدن.

وكذلك لأن حربًا تجري بالفعل في أوروبا على مستوى تغيير الحدود والجغرافيا والتوازنات بين روسيا والناتو، كما تلوح في الأفق احتمالات اندلاع حرب كبرى في آسيا؛ إذا قامت الصين بغزو واحتلال تايوان.

وتلك الحرب الجارية، وتلك الحرب المحتملة، محورها الدور والموقف الأمريكي.

ثنائية بايدن- ترامب

يتحرّك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منذ يوم مغادرته البيت الأبيض مطلع عام 2021م، وكأنه يخوض غمار حملة انتخابية يمثل فيها الحزب الجمهوري، في مواجهة الرئيس الحالي ممثلًا للحزب الديمقراطي.

وإذا كان البعض قد فسَّر إصراره الدائم على الهجوم على بايدن بأنها محاولة لمنع محاكمته، أو للوصول إلى مساومة بين الرئاسة والمحاكمة؛ فقد أصبح فوزه بترشيح الحزب الجمهوري قيد التحقق الآن.

ويعتمد ترامب في تحرُّكه -في الفترة الأخيرة- على ما تَمنحه له استطلاعات الرأي من تفوُّق على منافسيه في الحزب الجمهوري من جهةٍ -ولا وجود لمنافسين أقوياء له في الحزب-، كما يعتمد على تقديرات متوسّعة بأن شعبية بايدن متدنِّية إلى حدّ قياسي مقارنةً برؤساء سابقين في نفس الفترة الزمنية من عمر الرئاسة.

وإذ تميل كثير من التقديرات إلى صعوبة إفلات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من المحاكمات الأربعة التي تجري وقائعها -وقد وصل عدد الاتهامات الموجَّهة له إلى 91 اتهامًا جنائيًّا-؛ فقد بدا لافتًا أن الرجل حوَّل مجريات مُثوله أمام القضاة -مُتَّهمًا- إلى إحدى أدوات قوة حملته الانتخابية؛ إذ يتحدث دومًا باعتباره مُطاردًا بشكل غير قانوني، ويُصعِّد اتهاماته يومًا بعد يوم تحت عنوان استخدام بايدن والديمقراطيين لأجهزة الدولة (وزارة العدل) في ملاحقته لأسباب انتخابية.

وفي ذات الوقت، بات واضحًا أن الجمهوريين صاروا يبادلون الاتهامات الموجَّهة لترامب باتهامات مقابلة لبايدن. وقد وصل الأمر حدّ بَدْء مجلس النواب جلسات لعزل بايدن، يبدو المقصود منها تسجيل محاولة عزل في مقابل ما جرى مع الجمهوري ترامب.

وكان الأهم أن أطاح الجمهوريون برئيس مجلس النواب الجمهوري؛ تحت سيف اتهامه بعقد صفقة من وراء ظهورهم مع الرئيس بايدن بشأن إقرار ميزانية مؤقتة لمنع الإغلاق الحكومي.

ويمكن القول بأن ملخَّص الوضع الآن في هذه الانتخابات، أن لا أحد يسمع لأحد؛ إذ الحزبان باتا منغلقين على نفسيهما.

فالجمهوريون يرون أن ترامب يتعرَّض لمؤامرة، ولا يرون في كل القضايا التي تُنْظَر والاتهامات الموجَّهة لترامب سوى نتاج لمؤامرة عليه وعلى الجمهوريين. والديمقراطيون يرون بالمقابل أن ضغط الجمهوريين هو ما أدَّى إلى التحقيقات الجارية ضد نجل بايدن وشقيقه، وأنها اتهامات غير حقيقية، بل محاولة للنَّيْل من بايدن من خلال نَجْله.

ويمكن تلخيص المؤشرات البارزة في الانتخابات الأمريكية حتى الآن، بأن الولايات المتحدة ذاهبة لانتخابات رئاسية تُجْرَى بين رئيس مرشَّح، يبلغ من العمر 80 عامًا، ورئيس سابق يبلغ من العمر 77 عامًا. وهو ما يدفع للتساؤل حول عجز الديمقراطية الأمريكية عن بناء شخصيات أصغر سنًّا قادرة على التقدم لنيل مقعد الرئاسة.

وإن الرئيسين -السابق والحالي- يتعرّضان لاتهامات متعددة متشابهة، وهو ما يطرح دلالات بارزة حول عُمق الفساد السياسي بين نُخب الولايات المتحدة، وقد وصل للقضاء، وتحركت بشأنه أجهزة الدولة المعنية، ويزيد من عمق الظاهرة أن الولايات المتحدة قد شهدت وقائع عديدة خلال المرحلة الأخيرة.

وإذا كان ترامب يُواجه اتهامات مالية، فكذلك بايدن عَبْر نجله وشقيقه.

وإذا كان ترامب يواجه اتهامات بإهمال التعامل مع وثائق رسمية للدولة، فكذلك بايدن.

لكنَّ الأهم أن كلا المرشحين صارا على طرفي نقيض، وبشكل حادّ في سياساتهما الخارجية.

وإذا كان هناك قول شائع في الولايات المتحدة الأمريكية؛ مفاده بأن الناخب الأمريكي لا يصوِّت إلا وفق معطيات السياسة الداخلية. فيمكن القول بأن ترامب قد أدخل السياسة الخارجية كمعطًى في صراعاته الانتخابية، وفي ذلك يَتَّهم بايدن بإهدار مصالح الولايات المتحدة في تعاملاته مع الحلفاء، ووصفه بأنه قائد ضعيف أمام الخصوم الدوليين. فيما يرى ترامب أنه هو القادر على إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى.

وإزاء كل ذلك، فنحن أمام معركة انتخابية ضارية تجري بين رئيسين وسياستين طُبِّقتا على أرض الواقع، وثبت أنهما على طرفي نقيض، وبشكل متصاعد، إلى درجة انقلاب السياسة الخارجية الأمريكية بين رئيسٍ وآخر.

وانتخابات تُجرَى في ظل انقسام مجتمعي خطير، وأمام معركة انتخابية -إن جرت وفق تلك المعطيات- ستكون هي الأخطر في تاريخ الولايات المتحدة؛ حيث ستكون انتخابات كاشفة ومصيرية في تحديد السياستين؛ الداخلية والخارجية.

انتخابات مصيرية

تحدّث بايدن مؤخرًا؛ فأشار إلى أن ترامب وأنصاره -خاصة حركة ماجا- يُمثِّلون تهديدًا للديمقراطية والقِيَم الأمريكية.

وفي المقابل يتحدث ترامب، ويكرّر بأنه يتعرّض لمؤامرة تقودها الدولة العميقة ضده، وأنه يواجه عملية استغلال أجهزة الدولة مِن قِبَل بايدن والحزب الديمقراطي -أو اليساريين المتطرفين-؛ لمنعه من الترشح بسبب شعبيته أو للتأثير على حظوظ إعادة انتخابه.

وتلك لغة جديدة وأوصاف مختلفة في مثل تلك الانتخابات؛ إذ كان مشتهرًا أن تتركز الصراعات الانتخابية مِن قَبل حول الضرائب والبطالة وأسعار النفط والتأمين الصحي، وغيرها من القضايا المجتمعية، وكانت الديمقراطية ودور أجهزة الدولة الحيادية أمرين لا خلاف عليهما.

وواقع الحال أن الولايات المتحدة تعيش حالة تأجيج لجُملة من التحديات الخطيرة. لقد وصل الانقسام العرقي والديني والثقافي والسياسي في المجتمع -لا بين الحزبين فقط- إلى مرحلة حرجة، حتى إن كثيرًا من الكتابات الأمريكية باتت تُحذِّر من احتمالات الحرب الأهلية، وتضيف هذا البُعد لحواراتها وتوقُّعاتها.

كما وصل الصراع الناتج عن تحولات فكرية واجتماعية داخل الحزبين -خاصة الجمهوري- إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما أظهرته عملية إقالة رئيس مجلس النواب الجمهوري على أيدي الجمهوريين أنفسهم في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ السياسي الأمريكي.

لكنَّ تأثيرات البعد الخارجي يمنح تلك الانتخابات أهمية مصيرية للعالم؛ فالانتخابات تجري بين تيار عولمي النزعة يُمثِّله بايدن، وتيار ذي نزعة انعزالية يُمثِّله ترامب. والانتخابات تجري بين تيارين؛ أحدهما يتبنَّى فكرة دمج الأقليات في المؤسسات السياسية الأمريكية -التنفيذية والتشريعية-، وتيار أقرب إلى فكرة تفوُّق البيض.

والبعد الأول يُؤثر على سياسات وتحالفات الولايات المتحدة ودورها الدولي، والثاني يؤثر على قوتها الناعمة دوليًّا.

ومما يزيد أهمية تأثير الانتخابات، أنَّ الولايات المتحدة منخرطة فعليًّا في حرب مع روسيا حول أوكرانيا، إضافةً إلى التوازنات الاستراتيجية في أوروبا، وهي الآن في حالة صراع كبرى مع الصين، وهي في خضم صراع دولي -حتى مع حلفائها- حول استمرار قيادتها وهيمنتها على العالم بعد بروز أدوار مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي، وبعد التغييرات الحادثة في التوازنات الدولية لمصلحة دول كالهند والصين وروسيا والبرازيل.

وقد اختطَّ بايدن سياسة بناء التحالفات -مثل تحالفي كواد وأوكوس- لمحاصرة الصين، فيما يشتهر ترامب بسياساته الانعزالية.

وهنا تطرح قضية نجاح ترامب في الانتخابات احتمالات حدوث اضطرابات دولية؛ حيث إن لترامب رؤية أخرى مختلفة كليًّا في إدارة العلاقات الخارجية؛ حتى إنه سبق أن هدَّد وحدة حلف شمال الأطلنطي.

أوروبا ترتعد

إن عاد بايدن، وأصبح رئيسًا لولاية ثانية فستكون الأسئلة تفصيلية، أما إن عاد ترامب فستكون الأسئلة الأهم هي الأسئلة الكلية.

إن عاد بايدن ستُطرح أسئلة مباشرة حول: مَن يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ. وإن فاز بايدن والحزب الديمقراطي بغرفتي التشريع سيكون العالم أمام بايدن أشد قوة في قراراته الداخلية والخارجية بما حصل عليه من حصانة لقراراته ودعم كامل لها. وإن فاز حزبه بغرفة واحدة سيكون وضعه أقل قوة بطبيعة الحال.

والسؤال الأهم في حالة فوز بايدن هو: ماذا سيحدث من ردود فعل سياسية ومجتمعية أو على صعيد أنصار ترامب؟ وما هي السيناريوهات المتوقَّعة؟ هل سيكون فشل ترامب بداية لأحداث مثل تلك التي شهدناها بعد هزيمته أمام بايدن في انتخابات 2020م، أم أن الأحداث ستكون أخطر هذه المرة؟

أما إن فاز ترامب؛ فالأمر سيكون مختلفًا؛ حيث ستُطرَح أسئلة كلية حول مواقف الولايات المتحدة من حرب أوكرانيا ومن حلف الأطلنطي، ومن تحالفي كواد وأوكوس، ومن روسيا والصين والشرق الأوسط وإفريقيا... إلخ.

ومن الآن، يتحدث ترامب كثيرًا حول خطأ بايدن في السماح بإشعال حرب أوكرانيا، ويقول: إنه لو كان رئيسًا ما اشتعلت تلك الحرب. ويقول: إنه يستطيع إنهاء تلك الحرب في 24 ساعة. ولقد كان ترامب أقرب إلى التهدئة مع روسيا خلال فترة رئاسته السابقة. كما كان أكثر تشددًا مع الصين، حتى إنه يتّهم بايدن بالتربُّح منها عبر نَجْله.

وبينما ركّز بايدن على تطوير التحالف إلى درجة العسكرة مع كوريا الجنوبية واليابان، فقد التقى ترامب مع رئيس كوريا الشمالية مرتين خلال رئاسته، وسعى خلال اللقاءين لعقد صفقة لتهدئة الأوضاع في هذا الإقليم.

وإذا كان بايدن يعتمد سياسة التدخل والتوسع في إفريقيا؛ فترامب له موقف يصل حد ازدراء القارة.

وإذا قدمنا الاختلاف بطريقة عكسية؛ فترامب انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وبايدن عاد لها. وترامب لم يهتم بالشراكة عبر المحيط الهادئ التي تفاوض عليها الرئيس باراك أوباما، وركز بايدن جهوده لتطويرها وجعلها أولوية في إدارة التحالفات في آسيا.

وإذا أردنا إلقاء نظرة على التخوفات التي يجري رسم سيناريوهات وخطط للتعامل معها، فلعل أوروبا المرشح الأول لإعداد نفسها للتعامل مع حالة خطرة بوصول ترامب للبيت الأبيض.

فأوروبا الآن معتمدة كليًّا على مظلة الحماية الأمريكية العسكرية والمالية في حرب روسيا على أوكرانيا. وإن طبَّق ترامب ما تحدَّث به عن إنهاء الحرب؛ فالمعنى أن الولايات المتحدة تحت حكمه ستنتقل من قيادة المواجهة مع روسيا -ودفع العالم لعزلها- إلى وضعية العمل لإنهاء الحرب، وهو ما سيجري مؤكدًا على حساب أوكرانيا.

وإن عاد ترامب إلى حالة الإهمال لحلف الأطلنطي -وقد استقال مستشاره للأمن القومي جون بولتون، وأعلن تخوُّفه من انسحاب ترامب من الحلف-؛ فذلك يعني أن أوروبا مُقبلة على انكشاف استراتيجي خطير، بعدما ورَّطتها الولايات المتحدة خلال حكم بايدن في حالة عداء وصدام مع روسيا؛ إذ لا تستطيع أوروبا الاستمرار في مواجهة روسيا لأسباب سياسية واقتصادية داخلية، وعلى الصعيد العسكري أيضًا.

لكن مخاوف أوروبا أعمق، وتتعلق بداخل كل دولة على حدة؛ إذ تخشى أوروبا على استقرارها الداخلي واستقرار نُظمها السياسية من فوز ترامب.

فترامب ذو جماهيرية كبيرة لدى الأحزاب الشعبوية والعنصرية والقومية والمتطرفة دينيًّا في أوروبا، وسيمنح فوزه في الانتخابات دفعة معنوية لتلك التيارات التي عبَّر هو عن دعمه لها خلال رئاسته الأولى.

وليس بخافٍ على أحد أن ترامب كان مُؤيِّدًا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولذلك يُنْظَر لفوزه في الانتخابات باعتباره مُهدِّدًا للأوضاع السياسية داخل الدول، ولما تحقق حتى الآن على صعيد البناء الأوروبي الموحّد.

ولكل ذلك تهتم الدول ومراكز الدراسات وأجهزة الإعلام بتلك الانتخابات التي يرى بعض الخبراء أنها ستكون مصيرية على صعيد الداخل الأمريكي، وعلى صعيد التوازنات والتحالفات والصراعات الدولية. ويصل الأمر حد القول بأن فوز ترامب سيُغيِّر العالم الحالي!


أعلى