في هذا الحوار الأدبي، نلتقي بأديبٍ إسلامي فذّ، قضيّته الأولى «القُدس» بأبعادها العربية والإسلامية. لذا؛ جاءت أغلب مؤلفاته مظلَّلة بغيوم الحزن والأسى جرّاء الأحداث التي تمرّ بها الأمة منذ حقبةٍ من الزمن.
في هذا الحوار الأدبي، نلتقي بأديبٍ إسلامي فذّ، قضيّته الأولى
«القُدس»
بأبعادها العربية والإسلامية. لذا؛ جاءت أغلب مؤلفاته مظلَّلة بغيوم الحزن والأسى
جرّاء الأحداث التي تمرّ بها الأمة منذ حقبةٍ من الزمن. وفي ذات الوقت، هو من
الأصوات الشّعرية الملتزمة التي تُسخِّر الإبداع للذَّوْد عن قضايا الأمة، وتنتقي
التعبير الأدبي سلاحًا في المعركة، وهو مِن الذين حاولوا تطوير البناء العروضي في
القصيدة الحديثة. وقد غلب الجانب السياسي على نتاجه الشّعري كما في دواوين:
«القدس
تصرخ، قصائد للفجر الآتي، مشاهد من عالَم القهر، رسالة إلى الشهداء».
وقد ترأَّس
–ضيفنا-
رابطةَ الأدب الإسلامي بالأردن، إلى جانب عضوية جمعية الحضارة والثقافة الإسلامية
بعمّان، وشارك في العديد من المؤتمرات الثقافيّة والأدبية في البلدان العربية، وعرض
من خلالها المشكلات السياسية والإشكاليات الفكرية في العالميْن العربي والإسلامي،
وعُرِفَ بدعوته إلى أسلمة الإعلام والعلوم والآداب، واستخدام الوسائل السمعية
والبصرية الحديثة في الدعوة، وألَّفَ حوالي خمسين كتابًا في الأدب والنقد، والفكر
الإسلامي وعلوم القرآن... إنه الدكتور
«مأمــون
فريز جــرّار»
الذي عمل في عددٍ من الجامعات العربية، إلى أن تولّى رئاسة قسم اللغة العربية
بجامعة العلوم التطبيقية بالأردن... وإلى الحوار:
البيان: بداية؛ كيف تنظر إلى الواقع الثقافي العربي الراهن؟
الواقع الثقافي هو جزء من الواقع العربي بصفة عامة، فلا نتوقع أن يكون حال الثقافة
أحسن من حال الاقتصاد، أوْ أنَّ المستوى التعليمي أفضل من المستوى الاجتماعي؛
فالتآكل الثقافي العربي الذي نعاني منه هو جزء من التآكل العام للنظام العربي،
فالأصل في النظام الثقافي أن يكون مُوجَّهًا للنظام السياسي، ولكنَّه ضمن الحالة
الراهنة صار تابعًا له، وبالتالي أصابه القصور وتجلَّى ذلك في الانغلاق الإقليمي
والقُطريّ في الجانب الفكري، فصار الحديث عن ثقافة مصرية وأخرى سورية أوْ مغربيّة.
البيان: ما هو الدور الملموس الذي لعبته
«رابطة
الأدب الإسلامي العالمية»
منذ إنشائها في مواجهة تيارات التغريب والعلمنة -خاصة بعد مرور أكثر من عدَّة عقود
على إنشائها؟
لكيْ نجيب على هذا السؤال؛ لا بدّ أن نُحدِّد تصوُّرنا للرابطة، فهي ليست كيانًا
أثيريًّا أو كائنًا خارقًا يستطيع أن يفعل الأساطير. الرابطة هي مجموعة أفرادها في
كلّ بلد تُوجد فيه. ويختلف هذا العطاء من بلدٍ إلى آخَر بالنظر إلى طاقات الأعضاء،
وقدرتهم على التخطيط والتنفيذ. والرابطة هي جزء من منظومة هدفها خدمة الإسلام
وانتشاره، وسدّ كل ثغرة ينفذ منها المرجفون... فهل أدت دورها على الوجه الأكمل؟
الحق أنها أدت دورًا، وسدّت ثغرة، وقدّمت عطاءً في منشورات ومجلات، وفي عطاء
أعضائها الأدبي والنقدي... ولكن الأمر ما يزال بحاجة إلى مزيد من التخطيط والتنفيذ،
وإلى مزيد من إدراك الواقع، والتسلّح بالمعرفة، ليكونَ الحوار مع الأطراف الأخرى
على بيّنة لأعلى انفعال عاطفي.
يقول البعض: الأدب يُنسَب إلى لغته أو عصره.. فلماذا تُكرّسون مصطلحًا
«أيديولوجيًّا»
للأدب بنسبته إلى الدّين؟ وهل تسمحون بأن يكون هناك أدب مسيحي، وأدب هندوكي، و..؟
نسبة الأدب إلى اللغة أو العصر أو المكان عُرْفٌ، وليس حُكْمًا شرعيًّا لا يجوز
الخروج عليه، ولذلك كما جاز نسبة الأدب إلى ما سبق ذِكره جازت نسبته إلى الدِّين،
فقيل الأدب الإسلامي. ولا نَملك ألَّا يُقال أدب مسيحي أو هندوكي، فذلك أمر واقع،
كما كان هناك أدب وجودي وأدب ماركسي.. ولا يملك الأديب أن ينفكّ عن فكره أو معتقده.
البيان: ترى؛ من المسئول عن طوفان التبعية والتغريب الذي لحقَ بالأمة؟
المسؤول هو الحالة الحضارية للأمة بمختلف جوانب حياتها من نظام فكري وتربوي
وإعلامي. فالمسؤول هو: الانقسام السياسي والتبعية السياسية، وإذا لم تكن للأمة
شخصيتها وإرادتها الذاتية وقعت عليها الهيمنة، ووقعت في مختبر الأعداء يُجْرونَ
عليها التجارب، والأمم الضعيفة لدى الدول القوية ليست أكثر من (فئران تجارب)،
تُقدِّم لها الأطعمة الفاسدة والأفكار الفاسدة، وتسعى إلى تجريب الأسلحة الحديثة
عليها لاختبارها، كما تسعى إلى تدمير فكرها ووجودها.
البيان: لماذا فشلت
«الحداثة»
رغم كثرة جنودها، ورغم كتائبها المُدجَّجة بالمال والإعلام؟
الأفكار كالنباتات لا تصلح زراعتها إلاّ في بيئاتها التي تناسبها، وكثير من الأفكار
جُلبت من الشرق والغرب، وأُريد لها أن تنمو في بلادنا، فذَوت وماتت على الرغم من كل
محاولات التنمية والإحياء.. كان ذلك حال الماركسية، وحال كثير من الأفكار والروابط
التي أُريد إحلالها محل الإسلام من وطنيّة وقومية، وكذلك الحال مع الحداثة التي هي
رؤية غربية للوجود أُريدَ للأدباء أن يتبنّوها في أدبهم، ليكون أدبنا أدبًا غربيًّا
بلغة عربية.. ولكن لا يعني هذا إفلاس الحداثة ودعاتها في مجال الأدب، فما تزال لهم
سيطرة أدبية على كثير من المنابر الإعلامية. ولئن فشلوا في الأدب فقد نجحوا في
الإعلام وكثير من جوانب الحياة، وما العولمة إلاَّ التطبيق الشامل لمفهوم الحداثة
في الأدب.
البيان: هل يعني ذلك أنّنا افتقدنا لخصوصية ثقافتنا العربية؟
نعم، لقد افتقدنا الشخصية الثقافية الخاصة بنا لدى كثير من الأدباء والمفكرين،
فالأسماء عربية والأحداث تقع في بلاد عربية، ولكنَّ الرؤية في كثير من الأحيان رؤية
غربية، والسبب هو افتقار كثير من الأدباء والمثقفين للأسس الفكرية والإيمانية التي
تُعطيهم الخصوصية ممَّا أدى إلى تقبُّلهم لِمَا عند الآخَر من غير غربلة أو مراجعة،
فوجدنا في بلادنا دعاة إلى قِيَم من خلال الأدب أو الفكر هي غريبة عن ديننا
الإسلامي، ولكن رغم هذا التصوير الذي يميل إلى شيء من التشاؤم؛ فإنَّ هناك صحوة
تسعى إلى عودة الأمة إلى أصالتها؛ لأنّ حصاد التجربة التغريبية كان مُرًّا، ولم
يُحقِّق ما توقَّعه الذين ساروا في تلك التجربة.
البيان: هل يُخشى على
«اللغة
العربية»
من أخطار
«العولمة
الثقافية»؟
لا نريد أن نعطي لأيّ شيء في حياتنا
«حصانة»
ضد الأخطار التي يواجهها. وقد شهدنا تراجعًا لمساحة العالَم الإسلامي، ومراجعة
سريعة لأطلس التاريخ الإسلامي يظهر لنا كم تقلَّص هذا العالَم، وتراجعت اللغة
العربية، فبعد أن كانت لغة العالم الإسلامي انحسرت واقتصرت على العالم العربي
باعتبارها لغة رسمية، مع عدم إغفال شوق كثير من المسلمين إلى تعلُّمها والكتابة
بها، وتراجع سلطان الحرف العربي عن عدد من البلاد، ومن أشهرها تركيا التي كانت
لغتها العثمانية تُكتب بالحروف العربية.
أقول هذا، وأنا أعلم أنَّ اللغة العربية مرتبطة بالإسلام، وأنها محفوظة بحفظ
القرآن، ولكن هذا الحفظ لا بدّ أن يتجلَّى بسعي وجهد بشريَّيْن يتحقق يهما الوعد
الإلهي، ولئن وقع التراجع في بلاد فإنه سيتحقق التقدم في بلاد أخرى، ولذا لا بدّ من
السعي إلى المحافظة على العربية في عصر العولمة، لا من مزاحمة اللغات الأجنبية
عليها، بل من محاولات إحياء اللهجات المحلية في أنحاء العالم العربي، مثل:
الأمازيغية في الشمال الإفريقي، وعدد من اللهجات المحلية في بلاد أخرى، هذا فضلًا
عن أن الجهود إلى إحلال العامية مع الفصيحة ما تزال مستمرة، ونجد تجلياته في كثير
من المحطات الفضائية والمحلية العربية التي يتحدث مذيعوها العاميّة، وكثير من
برامجها تُقدّم بالعامية، فالخطر قائم على اللغة العربية، ولا بدَّ من مواكبة
العصر، واتخاذ الأسباب المناسبة لحماية اللغة العربية وتنميتها.
البيان: لماذا اقترحتم دراسة الشِّعر الفلسطيني والأردني في قالبٍ واحد؟!
نعم؛ رأيتُ أنّ من الحكمة تدريس الأدب في فلسطين والأردن معًا، وليس دراسة منفصلة
لكل منهما؛ لوجود التلاحم، فكثير من الفلسطينيين يحملون الجنسية الأردنية، وبالتالي
يصعب الفصل بين من هو أردني وفلسطيني، وقد قمتُ بإنجاز بحث أدبي بعنوان:
«الاتجاه
الإسلامي في الشعر الفلسطيني الحديث»،
وهناك عدد من الباحثين الذين ساروا على هذا النهج، ومنهم د. ناصر الدين الأسد الذي
قدّم دراسات عن اتجاهات الشعر في فلسطين والأردن.
البيان: بصفتك من الأدباء المُؤسِّسين لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، هل استطاع
«الأدب
الإسلامي»
التعبير عن القدس والقضية الفلسطينية كما ينبغي أن يكون؟
يمكن الإجابة بـــ«نعم»،
فقد احتلَّت القدس مساحة كبيرة من إسهامات الأدباء الإسلاميين. وقد عقدت رابطة
الأدب الإسلامي مؤتمرًا خاصًّا عن القدس، ولو بحثتَ عن القدس في الأدب الإسلامي
المعاصر ستجدها موجودة بقوة، في هذا الزمن يمكن أن ننفّذ على مستوى الشعر ما يمكن
تسميته
«القدسيات
المعاصرة»،
ففي زمن الحروب الصليبية وُجِدَ ما سُمِّي
«القدسيات
في الأدب العربي»،
وهي القصائد التي قِيلَت في القدس قبل تحرير صلاح الدين الأيوبي لأسوار الأقصى وبعد
تحريرها. ومع ذلك علينا أن نقوم بأنشطة أدبية وتوعوية مستمرة بالأخطار التي تُهدِّد
القدس ليلَ نهار.
البيان: من وجهة نظركم؛ كيف يكون التعامل الأمثل مع الكتابات التي تتهكّم على
القِيَم والمقدسات والرموز الإسلامية؟
في رأيي، أنه يجب تجاهل هؤلاء، حتى يموتوا بالتجاهل والنسيان؛ لأنَّ بعضنا بحسن
قصد يصنع من الصغار أبطالًا كبارًا. ذلك الشأن الذي حدث مع سلمان رشدي الذي كان قبل
تفاهة
«آيات
شيطانية»
نكرة، لكن بسبب الضجّة الإعلامية حول تفاهته، صار نجمًا عالميًّا ورمزًا أدبيًّا
وصحفيًّا، وضحية من الضحايا! وقلْ مثل ذلك عن
«تسليمة
نسرين»
في بنغلادش، وبعد ذلك
«حيدر
حيدر»!
وهنا علينا أن نقف على المعادلة الصعبة التي ينبغي أن نُحسن التعامل معها.. الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أدبيًّا وصحفيًّا، وعدم إتاحة المجال لتصنيم الخصوم أيْ:
جعلهم (أصنامًا) كبيرة ينحاز إليها عبّاد ما يسمونه حرية التعبير أوْ حرية
التفكير... وهي دعوات يُراد منها حرية شَتْم الدين والمقدَّسات ونشر السوء الفكري
والأدبي! فالردّ المنطقي رأي لا يكون جملةً على طريقة (يا غارة الله)! بلْ بمقال
نقدي وبإجراءات رسمية هادئة لا تجعل القزم عملاقًا، ولا تُسهِم في نشر السوء الذي
كان مهملًا في زوايا النسيان أوْ مخازن الناشرين!
البيان: هل توافق على أنّ هناك
«فنًّا
إسلاميًّا»؟
وهل للمرأة أدوار معينة تؤديها على خشبة المسرح أوْ في السينما؟
نعم، أؤمن بوجود فن إسلامي، ولا بدّ أن يوجد هذا الفن، بل هو موجود، والفن هنا كما
هو واضح في السؤال يعنى: فن التمثيل. وإذا كنّا نؤمن بأنَّ الإسلام صالح لكل زمان
ومكان، فإنَّ ذلك يعنى أن الإسلام لا يجمد التاريخ عند لحظة معينة ويمنع حركته، بل
ليسير مع الإنسان في الزمان والمكان، ويعطيه الضوابط التي تجعل حركته منسجمة مع
الكون، موافقة لرضوان الله، وهي الغاية من وجوده، لقد وجد التمثيل من قديم، ولم
تنشأ في المجتمع الإسلامي عبر الزمن حركة فنية تمثيلية واضحة، ولكنها وُجدت،
والدراسات الحديثة التي رصدتها أثبتت وجودها في مجالات مختلفة.
وعلينا أن نتذكر أننا في عصر الإذاعة والتلفاز والمحطات الفضائية... فماذا نفعل؟ هل
نقول: إن الإسلام يحارب كل هذه المنجزات ويرفضها؟ هل نقول: إن النموذج الإسلامي
للإذاعة هو: إذاعة القرآن الكريم؟ وما هو النموذج الإسلامي للمحطة الفضائية؟ أو
محطة التلفزيون؟ هناك تجارب ومحاولات في بلاد شتَّى ومؤسسات مختلفة والأمر لمّا
يستوي على عُوده بعدُ! ويحتاج إلى جهود المخلصين من الإعلاميين الإسلاميين الذين
يُحسنون استيعاب معطيات العصر ويقدّمون بعد ذلك النموذج الإسلامي المعاصر المؤثر
الذي يستطيع أن يثبت قدميه في أرض الواقع. وأمّا المرأة وفنّ التمثيل فهي قضية
شائكة، تحتاج إلى فتوى أهل العلم من جانب، وتحتاج إلى النظر في الواقع من جانب
آخَر. ولعلَّ ممَّا يلفت النظر أنَّ الفنانات التائبات يكدنَ يُجمِعنَ على هجر الفن
ورفض وجود المرأة فيه، ويحتاج الأمر إلى دراسة بعض التجارب الإسلامية الواقعية في
عدد من البلاد الإسلامية والمؤسسات الإسلامية.
البيان: ما رأيك في مقولة: هذا
«زمن
الرواية»
وأنها ديوان العرب المعاصر، بعدما استطاعت أن تزيح الشّعر عن قمته التي تربّع عليها
قرونًا طويلة؟
قيل هذا الكلام.. ويمكن أن يُقبَل إذا ربطنا الرواية بالتمثيل؛ لأن الرواية في
كتاب قد لا تغري الجيل الجديد لقراءتها لطوله، وضيق الجيل الجديد بالمطالعة. ولكنها
عندما تصبح (فيلمًا) أوْ تمثيلية تصبح (سلعة) رائجة. وقد يكون الأدق في تلمُّس
(ديوان العرب)، بل ديوان العجم، كذلك أن نقول: إن وسائل الإعلام.. بل إنّ
التلفزيون.. والآن (الإنترنت ديوان العالم).
البيان: في عصر الإعلام: هل ما زال الشّعر سلاحًا كما كان في الماضي؟ وهل ما يزال
للشّعر جمهوره؟
نحن العرب أمةٌ شاعرة بطبيعتها، والشّعر فطرة إنسانية، والشعراء في كثير من الأمم
أشهَر من الحكام والأثرياء يبقى ذِكْرهم وتتناقل الأجيالُ أسماءهم وقصائدهم، حتى
وإنْ كان الإعلام الحديث حلَّ محل الشِّعر في الوظيفة الإعلامية، ويبقى للشِّعر أثر
كبير جدًّا حين يتم إنشاده، ويسير على الألسنة وتتلقّفه الآذان لا باعتباره شِعرًا
فحسب، بلْ لأنَّه أناشيد وأغانٍ تصدح بها الحناجر الذهبية... وما يزال الشِّعر أحد
أسلحة المقاومة، ويُحرِّض على المقاومة، ويُخلِّد مآثر المجاهدين والشهداء!
البيان: بصفتك شاعرًا؛ ما هو اللون الشّعري الذي ترتضيه؟ وما هو موقفكم من
الشّعر الحديث كالتفعيلة والشّعر الحر؟
أنا لا أدّعي أنني شاعر محترف، فليس الشّعر عنوان شخصيّتي، ولا هو الأبرز في
إنتاجي الأدبي، وإنْ كان من الأصدقاء مَن يسلكني في عداد الشعراء. والشعر عندي
رسالة ينبغي توصيلها للجمهور المتلقّي، وليس زخرف قول أوْ زينة كلام.
أمَّا السؤال عن الشعر الحديث فيحتاج إلى شيءٍ من التفصيل؛ فهناك شِعر التفعيلة
الذي شاع وانتشر، فهذا شعر مُستحدَث يناسب إيقاع العصر الحديث وطبيعته، وهو يُحافظ
على موسيقى الشّعر وفق قدرة الشاعر. أمَّا الغثاء المسمَّى بقصيدة النثر فهو نوع من
اللعب بالمصطلحات، فالشعر جواز سَفره الموسيقى، فإنْ خلا نصٌّ من الموسيقى فليس
شِعرًا وإن كان جميل الصياغة مُحلّق الصور فيه إبداع، فلنُسمِّه ما شئنا، لكن لا
نظلمه ونظلم الشعر حين نُسمِّيه قصيدة النثر! والذي أؤمن به وأدعو إليه -أيضًا- هو
أنَّ العِبْرَة ليست في الشكل أوْ الوعاء بلْ في المحتوى، فكم من الشِّعر كُتِبَ
على
«النمط
الخليلي»
من حقّ شاعره أن تَصفعه، ومن حق ذلك الشعر أن تحرقه! والمقصود بالمحتوى هنا لا
يقتصر على المعاني وحدها وإنما يمتد للظواهر الفنيّة في القصيدة من لغة وموسيقى
وصوَر فنية. وسواء كان الشّعر تفعيليًّا أوْ خليليًّا لا ينفي أحدهما الآخَر، وإنْ
كنتُ أعتقد أنَّ البقاء للشّعر العمودي الموزون المُقفَّى الذي عرفه العرب قديمًا،
ويبقى الحُكْم على الشعر للقراء والنُّقَّاد الذين ينظرون إليه من زوايا مختلفة
ومتعددة.