الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
للمسلم موسمان للخير متواليان في العام الواحد، وهو بين أمرين إن فاته أحدهما وفقد فضله تمسك بالآخر أشد التمسك حتى لا يفقد الاثنين، ومن وفق للجمع بينهما فقد جمع بين الخيرين جميعاً: موسم شهر رمضان المعظم، حيث تتنزل البركات والرحمات، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ٥٨١]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»[1]، وموسم حج البيت الذي تهفو إليه نفوس الصالحين وتؤدى فيه الفريضة، ويكون جزاء الحج المبرور الجنة وليس له جزاء غيرها؛ كما جاء في الحديث: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»[2]، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور»[3]، وأما من فاته الموسمان كلاهما فهو المحروم المغبون الذي حرم من الخير كله، وإذا أمكن أن يفوت الحج على بعض الناس لأن الحج مرتبط ببقعة جغرافية محدودة فإن رمضان لا تحده الجغرافيا، وهو يدرك الناس كلهم في الأرض شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، والسعيد من وفق لأحدهما ولم يفته الأمران، والسعيد كل السعد من وفق للأمرين وحاز فضلهما.. فاللهم وفقنا لهما واجمع لنا الخير.
[1] أخرج البخاري، رقم 7492.
[2] أخرجه البخاري، رقم 1521.
[3] أخرجه البخاري، رقم 1520.