10 أخطاء لمنتقدي العمل الإسلامي
لم يلاقِ أي تيار في عالمنا العربي ما لاقاه التيار الإسلامي خلال العقود الماضية من انتقادات حادة وحملات تشويه واسعة على كافة الأصعدة وبمختلف الوسائل، تبنتها عدد من القوى على المستوى المحلي والدولي وقد تنوعت حملات التشويه والإرهاب تلك، لتشمل منهج تلك التيارات الإسلامية وأداءها السياسي والاجتماعي وحتى الخيري، وقد قام عدد من المفكرين والكتاب الإسلاميين بالرد على الكثير من تلك الانتقادات الموجهة على المستوى المنهجي والفكري والسياسي، ودونوا في الرد عليها الكثير من الكتب والمقالات والمقابلات التلفازية ونحوها.
ومع تلك الحملات المسعورة فإن من الملاحظ تعاظم نوع من النقد وظهوره بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وهو متعلق بنقد الأداء الحركي والتنظيمي للعمل الإسلامي، وغالب هؤلاء النقاد هم من أبناء العمل الإسلامي وشبابه وأحياناً من قياداته ومنظريه! كما أنه قد يقوم بالنقد ذاته فئات من خارج العمل الإسلامي بهدف تدعيم الصورة الذهنية التي يستميتون من أجل رسوخها في المجتمع وتتلخص في ادعاء فشل العمل الإسلامي وفساده!
إذن، حديثنا هنا ليس عن الأخطاء التي يرتكبها منتقدو العمل الإسلامي من الناحية المنهجية أو الفكرية بل عن النقد الموجه لأدائها الحركي والتنظيمي والذي غالباً يصدر من داخل جسمها الحركي بهدف الإصلاح والتطوير والتصحيح، أو لأهداف أخرى كالتشغيب والتشويش ولفت الأنظار وللنقد السلبي المجرد ولنيل مكاسب نفسية أو وظيفية، وهذا بلا شك له خطورته وانعكاساته السلبية على واقع العمل الإسلامي وأدائه إذا لم يتم التعاطي معه بطريقة حكيمة صحيحة وفرز الصالح منه والضار ومعرفة الحقيقي من الوهمي.
ومن خلال الاستماع لهذا النوع من النقد ومحاولة معرفة دوافعه وأسبابه وطرق عرضه وتداول الرسائل المتعلقة به نلحظ أن القائمين بهذا الضغط النقدي الحاد والداعمين له يشتركون في جملة من الأخطاء قد تجتمع في بعضهم وتفترق في بعض، واخترنا منها عشرة أخطاء للفت انتباه الصادقين منهم ونصح الآخرين، وقد لخصنا تلك الأخطاء العشرة في النقاط التالية:
1ـ محاكمة تنظيمية لتيارات غير حركية:
والمعنى أن كثيراً من المحاكمات والانتقادات اللاذعة توجه لمجموعات دعوية أو جمعيات خيرية ولتيارات عمل إسلامي لا تعترف بأنها تنظيم أو لا تمارسه، فانتقادها على هذا الأساس باطل وظلم والحكم بفشلها أو ضعف قدرتها التنظيمية والحركية غير صحيح، فمقارنتها بغيرها من الناحية التنظيمية والحركية لا نعتقد صوابه ودقته، ولا بد أن يفرق الناقد بين رغبته وطموحه وما يرغب أن تكون عليه جماعته وتياره وبين واقعها التي ارتضت أن تكونه، وبرغم وضوح هذه الحقيقة في الذهن وسهولة إدراكها بالفهم، إلا أن الوقوع فيها خطأ عام وظاهر يقع فيه عدد غير قليل من أعضاء تلك التيارات وأحياناً بعض قياداتها.
2ـ إصلاحات ديمقراطية:
نظراً لغزارة التدفق الإعلامي الحامل لكثير من المفاهيم والمصطلحات الغربية الغريبة عن واقعنا المنهجي والمعرفي في مجملها أو في بعض تفصيلاتها وتطبيقاتها وتعرّض المجتمع المسلم بمختلف توجهاته لها؛ أصبحت تلك الشعارات أو المفاهيم عند البعض «ضرورات ذهنية» وقناعات راسخة ساهم في ثباتها حالة الخواء المعرفي والفكري. فالديمقراطية بالتفسير والممارسة الغربية لها، صارت مرغوبة عند بعض أبناء العمل الإسلامي ولا يرون أي مخاطر في تطبيقها وخوض صراع لأجلها، فالممارسة الديمقراطية عند هذه الفئة أصبحت مسلمة بشرية لا تقبل الجدل، وعلى ما في ذلك من مخاطر مستقبلية حال الاستجابة لهذه المطالبات من حرص على المناصب وتطلع إليها وصراع من أجلها؛ كونها حقاً ديمقراطياً! ومع ما تسببه من ضعف في جهاز الاستشعار القيمي لدى عناصر الجماعة والتيار فالإصرار على تطبيقها ولو إجرائياً هو حل لمشكلة الركود التنظيمي عند الكثير، ولو بحثوها من ناحية إجرائية لوجدوا أن ما تنتجه من مشكلات منهجية وحركية أكثر مما تصلحه وقد أشار إلى فساد الديمقراطية من الناحية الإجرائية عدد من الغربيين وهذه بعض أوجه انتقاداتهم لها:
ذكر عضو المجتمع الملكي لحركة العمل الفرنسي (Action Française) في قول مشهور له أن «الديمقراطية هي الشر، الديمقراطية هي الموت»[1] كما انتقد موراس الديمقراطية لكونها «حكماً بالأعداد»؛ حيث يكون الكم أهم من الكيف كما أن من أشهر انتقادات الديمقراطية في الغرب اعتبارها مسرحية هزلية غير نزيهة تهدف إلى تهدئة الجماهير، بل يعتبرونها مؤامرة لإثارة الجماهير وفقاً لأجندة سياسية معينة، وقد يشجع النظام المرشحين على عقد الصفقات مع الأغنياء (حكومة الأثرياء) من مؤيديهم وأن يقدموا لهم قوانين يفضلونها في حال فوز المرشح في الانتخابات - أو ما يعرف بسياسات الاستمرار في الحفاظ على المناطق الرئيسة - ويؤيد هذا الانتقاد أمثال المفكر الغربي هارولد لاسكي وأليكسيس كاريل وغيرهما، وملاحظة هذه المساوئ هي التي دفعت بالكاتب الإنجليزي أ. د لندساس إلى القول: «إن هناك دائماً هوةً رهيبةً بين النظريات الرفيعة عن الديمقراطية التي نقرأ عنها في كتب النظريات السياسية، وبين وقائع السياسة الفعلية»[2].
ولا يعني هذا معارضة الممارسة السياسية لجماعات العمل الإسلامي في ظل الأنظمة الديمقراطية وليس هذا مقصدنا، القصد أن يدرك المتحمسون لهذا المطلب أن للديمقراطية مساوئ ليست في مخالفتها للتصور الإسلامي فقط بل حتى على مستوى الواقعية والتطبيق ولا أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار.
3ـ توليد وتفتيت:
وهذا ينتج بسبب الضغط النقدي والاستعجال في الإصلاح الحركي، إذ يلجأ بعض المتحمسين أو ضعيفي الخبرة للانشقاق عن المجموعة أو التيار الأم إلى إنشاء كيانات ومجموعات أخرى بغية أن تكون أكثر تنظيماً وحركة دون أن يملكوا الوعي الكافي بمتطلبات العمل التنظيمي والحركي وما يحتاجه من تمويل كبير ونشاط واسع وتخطيط دقيق فالحماسة وامتلاك القدرة الذهنية على التنظير للتنظيم لا تكفي، كما أنه قد يكون للتيار أو للجماعة مبرراتها في بطء استجابتها وعدم مباشرتها العمل الحركي بمعناه الصحيح من ضعف للتمويل ومن مخاطر قد تعترض وجودها أو لعدم وجود الكفاية البشرية أو لعدم امتلاكها الأدوات الضرورية لمباشرة الفعل الحركي المؤثر والواسع.
فهذا الخروج غير الواعي كردة فعل على ضعف استجابة القيادة يضعف من الأداء الحركي ولا يقويه، ولو أن الجهود تحولت من النقد المستمر واللاذع إلى تقديم مبادرات عملية ومحاولات تنشيط وتوعية حركية داخلية لكانت ثمرتها أنضج وأبقى، وهي تعددية سلبية تعمل على تفتيت العمل الإسلامي وتساهم في تشظيته وتمزيقه وإضعافه وتولد الكثير من الأمراض والعلل وهذا مشاهد ومجرب، ولهذا التعدد أسباب خفية وإن ظهر بمظهر الإصلاح التنظيمي أو الفكري، من تلك الأسباب على سبيل المثال لا الحصر حب الزعامة والاغترار بالعلاقات الواسعة أو بالمستوى العلمي والفكري وحب المادة والتفرد، وهي ظاهرة معبرة عن حالة من التفلت الحركي لا أكثر.
4ـ عادة محببة:
تحول النقد عند البعض إلى عادة وشغل محبب ومريح وقد ساعدت على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة التواصل المباشر مع مختلف المستويات التنظيمية للجماعة أو التيار، وكثير للأسف ممن يمارس النقد السلبي ليسوا أصحاب مشاريع حقيقية ويغلب عليهم التنظير فكل انتكاسة قيمية في المجتمع مردها عندهم إلى تقصير القيادة والجماعة! ولا شك أن النقد البناء والنصح الصادق يكفي فيه ما تبرأ به الذمة ويحصل به البلاغ للمسؤول، ويتأكد في حقك بعدها الإصلاح الحركي فيما يقع تحتك من مسؤوليات ومهام وكفى، أما أن يتحول النقد والنصح من إرادة الإصلاح إلى إرادة التشغيب والجدل فهو عادة سيئة وممارسة لا تليق بالنجباء والمصلحين.
5ـ ضعف حاد في الوعي الحركي:
أثبت الواقع اليوم أن أعضاء وأبناء التيارات الحركية يلعبون أدواراً كبيرة في تسجيل حضور لائق للتنظيم أو الحركة في المجتمع، كما يستطيعون إحداث كثير من التغييرات الاجتماعية الإيجابية بفعل انتشارهم العملي في مختلف التخصصات والأنشطة، فتشكيلهم للمبادرات والجمعيات والأندية الثقافية والرياضية بتنظيم ذاتي غير مدعوم مادياً من الجماعة أو التيار ظاهرة تثير الإعجاب. غير أن كثيراً من المنتقدين يقفون مطالبين القيادة بالتمويل والدعم الكامل لبرامجهم وأفكارهم وإن لم يحظوا بهذا الدعم فإن الحكم بفشل الأداء الحركي والتنظيمي وارد عندهم دون أن يكون لتقدير الوضع المالي للعمل الإسلامي اعتبار في نظرهم، فهم يشككون في تصريحات القيادة بوجود ضعف مالي معتبرين أن ما تنفقه جماعتهم في المشاريع الخيرية غير الحركية دليل على شكوكهم؛ ولم يفكروا أن تلك الأموال التي تنفق في جوانب العمل الخيري قد تكون مشروطة من قبل الممول والداعم.
يظهر هذا الضعف الحاد في تخلية الضمير من جوانب المسؤولية الحركية الملقاة على عاتق أولئك النقاد والمتمثلة في تدعيم المبادرات وإنشاء المجموعات العملية لما فيه خدمة المجتمع والمشروع الإسلامي، لقد تحول بعض المنتقدين إلى مجرد حوامل لمصطلحات نقدية خادعة تولد مشكلات أكثر مما تنتج حلولاً، مصدرها الجهل الحركي والبطالة الفكرية.
6ـ أدوات لغيرهم:
للأسف يمثل عدد ممن ينقمون على الواقع الحركي للعمل الإسلامي أدوات عملية بأيدي غيرهم، هذا الغير قد يكون أحد القيادات أو الشخصيات من داخل المجموعة الإسلامية نفسها لسبب نفسي أو وظيفي أو لأسباب متعلقة بمنافسة قيادية، إذ يسعى إلى تقمص تلك الأفكار النقدية وموجات المعارضة الحركية لتحقيق بعض من المكاسب المعنوية أو المادية، كما أنهم يمثلون أدوات أكثر فائدة للخصوم من خارج إطار العمل الإسلامي في تغذية الصراعات الداخلية وتدعيم أسباب الشقاق بحجج الإصلاح الحركي! وكثير من هؤلاء نموا في العمل الإسلامي ولم ينمُ العمل الإسلامي فيهم فأصبحوا أدوات يسهل استخدامها والتلويح بها من قبل خصوم العمل الإسلامي وصار بعضهم قناة اختراق حركي أو فكري، وما تضرر العمل الإسلامي ولا أصابته النكبات الحركية والفكرية إلا بسبب هذا الصنف فهم أسهل الناس احتواء وأضعفهم نفساً.
7ــ كشف الظهر للخصوم:
للأسف يسهم المتحمسون للإصلاح الحركي في كشف ظهر الجماعة أو التيار للخصوم، بنشر غسيل الخلافات الحركية في مجموعات التواصل الاجتماعي وإظهارها للعلن وبشكل مكشوف وغير حكيم، والتي لا تخلو من اتهامات تصل أحياناً للقدح في العدالة والأمانة ووصم بالجهل، ويظن الكثير منهم أن خصوم العمل الإسلامي أو منافسيهم يدركون كل صغيرة وكبيرة عن تفاصيل العمل الإسلامي ومشكلاته، وهذا غير صحيح فهم قد يعلمون شيئاً عاماً لكنه غير تفصيلي، وفي هذا تقديم معلومات مجانية لوسائل الإعلام غير الشريفة والتي لا تقصر في الإفادة من أي خلاف إسلامي إسلامي حتى ولو كان متعلقاً بمواضيع إدارية وحركية.
والوقوع في هذا الخطأ فيه دليل على ضعف التربية الأمنية وسذاجة ظاهرة في التعامل مع المعلومات والمشكلات المتعلقة بالعمل الإسلامي وإظهارها لخصومهم أو لمنافسيهم، ولكي ندرك خطورة هذا الجانب لنستعرض ما يمتلكه أحد أجهزة الاستخبارات العالمية وهو جهاز «المخابرات المركزية الأمريكية»، إذ يقع هذا الجهاز المخابراتي في واشنطن على رقعة أرض مساحتها ثلاثة هكتارات ويتألف من سبعة طوابق تضم أكثر من ألف غرفة، حيث تتسع بعض الغرف لأكثر من خمسمائة شخص، وقد أعدت في المبنى ساحات تتسع لثلاثة آلاف سيارة، وكلف بناؤه أكثر من ستة وأربعين مليون دولار، ويقدر عدد موظفي المخابرات في واشنطن فقط بعشرة آلاف موظف، أما أجهزة المخابرات فبالإضافة إلى جهاز الخبراء العسكريين ورجال التحري فإنها تضم أيضاً رجال قانون، وعلماء نفس، وخبراء في السياسة والجغرافيا واللغات، وأغلب هؤلاء يتكلم أربع لغات بسهولة بالغة، ولقد جهزت مكاتب المخابرات هذه بمصنفات وأرشيف وعقول إلكترونية وخرائط وآلات للترجمة الفورية بما يساعد على تنظيم وتخزين المعلومات التي تصل من كل أنحاء العالم بواسطة العملاء والجواسيس[3].
فهذا الجهاز يقوم بالرصد وجمع المعلومات للتيارات والقوى التي قد تشكل خطراً على الولايات المتحدة والتي منها بلا شك التيارات الإسلامية (الحركية) خصوصاً، ثم تقوم بالتخطيط والتنفيذ، وتظهر نتائج ذلك بتغذية الثورات، وقلب الحكومات، وغسل الأدمغة، واحتواء النظم والتنظيمات، بما يحقق مصالح أجهزة المخابرات.
8ـ شعور بالدونية الحركية:
يتحدث كثير من النقاد الحركيون عن واقع العمل الإسلامي بإجحاف مسف ويعطون التيارات الأخرى مقاماً ومنزلة تفوق حجمها ومنزلتها ولهذا أسبابه، ولو أمعنوا النظر على الحقيقة لوجدوا أن العمل الإسلامي بشتى تياراته وتنظيماته له حضور واسع وتأثير كبير، ولو قدر لهم أن يحتكوا بالتيارات والمجموعات الأخرى لعرفوا حجم الوعي الفكري والحركي لتياراتهم وجماعاتهم التي ينتمون إليها، وأغلب من يقع في هذا الخطأ إما قادة يعانون من عقدة الانبهار بالآخر أو شباب متحمسون يسعون لتجربة كل جديد وغريب. وقد لمست عند عدد من القيادات الوسطى وبعض رموز العمل الإسلامي تعزيزاً لهذا الشعور وإظهار التذمر أمام الشباب ووصم العمل بالفشل وضعف القدرة الحركية، وبدل أن يكون الخطاب خطاباً تنموياً تنويرياً يؤدي للإنجاز والإصلاح وتعزيز الشعور الإيجابي يتحول إلى خطاب يولد الإحباط والهزيمة النفسية ويزيد من ضعف الأداء الحركي.
9ـ اختزال الإصلاح الحركي في جانبه السياسي:
كثيراً ما يُفهم من كلام أولئك المنتقدين أن القصد بالإصلاح الحركي والتطوير التنظيمي هو الممارسة السياسية بأشكالها التقليدية من تكوين للأحزاب ودخول للمجالس النيابية، والأصل أن يكون التنظيم والإصلاح المطلوب أول الأمر في الشأن الدعوي وتوطيد القدم في المجتمع عبر تكوين الأرضية البشرية والاجتماعية واستصلاحها بوصفه أحد الخطوات الضرورية للانطلاق الحركي في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجهادية وغيرها، ثم تكون بعدها الممارسة السياسية والتي نقصد بها التأثير في الشأن السياسي والذي تحدد القيادة حينها الشكل والأسلوب المناسب لتلك الممارسة السياسية، فالعمل الإسلامي عمل شامل وتكاملي والممارسة السياسية إحدى جزئياته ومجالات عمله، واختلال التوازن عند المنتقدين هو بتغليبهم الجانب السياسي وتحويله إلى غاية في ذاته، والأصل أن يأخذ حجمه الطبيعي وسمته المحددة كأحد مجالات العمل الإسلامي العديدة والمتنوعة.
10ــ إساءة الأسلوب النقدي:
النقد أو النصح يتطلب حسن أسلوب ولباقة تعبير، خاصة مع من يكبروننا علماً أو قيادة وهذا من أهم شروط النصح والنقد الصادق فالغلو في النقد والتطرف في التحمس للفكرة يورث الجدل والمراء «وما كان الرفق في شيء إلا زانه»، أما أن يتحول النقد إلى تشغيب ولمز وسخرية بالأداء الحركي أو القيادة فهذا خطأ يقع فيه الكثير.
ختاماً:
كم أتمنى أن لا يفهم حديثنا هنا على أنه تقليل من أهمية الدعوات المنادية بالتنظيم والإصلاح الحركي، فتنظيم العمل الإسلامي ضرورة وانعدام التنظيم ولو في أدنى درجاته معناه الفوضى وحصاده الفشل وإن ضخامة التحديات التي تواجه العمل الإسلامي تستلزم تنظيمه وتزيد من أهمية وضرورة الجدية في العمل الحركي تنظيماً وممارسة وإصلاحاً، وأرجو أن لا ترمي قيادة العمل الإسلامي هذه الأخطاء على كل ناقد واع كنوع من الرهاب الفكري والكبت الحركي؛ فما بروز هذه الظاهرة النقدية وبهذه الحدية إلا لأسباب في معظمها وجيه وهو تعبير عن حماسة صادقة ورغبة في الإصلاح عظيمة.
إنها دعوة لهؤلاء المنتقدين المخلصين إلى التوجه نحو ميادين العمل وتفريغ الطاقات في مجالات يفتقر لها العمل الإسلامي أيما افتقار فالتخصص في التاريخ الأوربي أو في مجال الإعلام والترجمة والعلوم السياسية ومختلف العلوم الشرعية والحياتية لهو الإصلاح الحقيقي والتطور المطلوب، فإننا بحاجة إلى رجل فعّال أحوج منا اليوم إلى رجل قوّال.
:: مجلة البيان العدد 351 ذو القعدة 1437هـ، أغسطس 2016م.
[1] «الديمقراطية» موسوعة ويكيبيديا.
[2] مقال «نقد المفكرين الغربيين للنظام الديمقراطي» الشيخ عبد الله الزهراني.
[3] كتاب الجاسوسية الأمريكية تأليف: أندرو تولي، ترجمة: وليم خوري، إصدار: دار دمشق للطباعة.