الاجتياح الصهيوني لإفريقيا
تباهى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بأن جولته الإفريقية في يوليو ٢٠١٦، والتي شملت كلاً من أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، لم تحقق أهدافها فحسب بل إنها مكنت تل أبيب من مراكمة إنجازات سياسية وأمنية واقتصادية لم تحلم بها أية حكومة صهيونية في الماضي.
وقد شمل جدول جولة نتنياهو في إفريقيا لقاءات مع قادة أفارقة لم تشمل دولهم الجولة، حيث التقى في العاصمة الكينية بقادة جنوب السودان، وتنزانيا والنيجر، علاوة على أنه أجرى اتصالاً مع رئيس تشاد إدريس ديبي، حيث حرص نتنياهو بشكل خاص على إيلاء هذا الاتصال أهمية خاصة، على اعتبار أن تشاد دولة إسلامية.
وقد هدفت جولة نتنياهو إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسة، وهي: تعزيز التعاون الأمني والاستخباري، إقناع الدول الإفريقية بتقديم المزيد من الخدمات اللوجستية لأذرع الجيش الصهيوني المختلفة أثناء تنفيذها مهامها، لاسيما سلاح البحرية، تجنيد الأفارقة لصالح الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، وتحسين قدرة تل أبيب على محاربة المقاومة الفلسطينية، إلى جانب تعزيز التبادل التجاري مع هذه الدول، والذي يميل بشكل كبير لصالح الصهاينة.
وبرغم أن الكيان الصهيوني تربطه علاقات وثيقة مع الدول التي زارها نتنياهو وغيرها في القارة السوداء، إلا أنه حرص على محاولة إغراء قادة هذه الدول بوعدين أساسيين، وهما، أولاً: استعداد تل أبيب للشراكة معه هذه الدول في الحرب على «الإرهاب الإسلامي» وإمكانية إفادة إفريقيا من تجربة الصهاينة الخاصة و«الغنية» في هذه الحرب. وثانياً: التعهد بتقديم مساعدات كبيرة لإفريقيا في مجال التقنية المتقدمة، لاسيما على صعيد الصحة وتحلية المياه.
وقد تحدثت وسائل الإعلام الصهيونية والدولية كثيراً حول طابع التعاون الأمني والاستخباري والعسكري بين تل أبيب والدول الإفريقية، لاسيما التي تواجه أو تخشى أنشطة الجماعات الإسلامية، مثل نيجيريا.
وعلى صعيد الخدمات السرية ذات الطابع اللوجستي التي تقدمها الدول الإفريقية لتمكين جيش الاحتلال الصهيوني من تنفيذ عملياته السرية والخاصة، فأن إريتريا تقع على رأس هذه الدول، حيث إن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي منح سلاح البحرية الصهيوني موطأ قدم في الموانئ الإريترية، حيث إن السفن والغواصات الصهيونية تعسكر في القواعد الإريترية للتزود بالوقود والمراقبة.
في الوقت ذاته، فإن جنوب السودان تقدم خدمات متعددة للأمن الصهيوني، لاسيما في مجال مراقبة حركة تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية، حيث إن السلاح المهرب يأخذ طريقه من البحر الأحمر للسودان ومنه إلى مصر وإلى قطاع غزة.
وقد ذكرت صحيفة «هآرتس» مؤخراً أن حكومة جنوب السودان والجيش الشعبي التابع لها ساعدا المخابرات الصهيونية في تتبع إرساليات السلاح للمقاومة، علاوة على أن جنوب السودان زودت تل أبيب بمعلومات مكنتها من القيام بعمليات اغتيال وتصفية لسودانيين تتهمهم تل أبيب بالضلوع في عمليات تهريب السلاح.
ومما لا شك فيه أن الاعتبار الدبلوماسي مهم جداً في التحرك الصهيوني داخل إفريقيا، حيث يتوقع نتنياهو أن يسفر تعزيز العلاقات مع إفريقيا عن تعاظم مظاهر دعم دولها لتل أبيب في المحافل الدولية، لاسيما في الأمم المتحدة. وقد سبق لبعض الدول الإفريقية أن تجندت لإحباط مشاريع القوانين التي تقدم في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ولا تقبلها تل أبيب. فخلال الحرب الصهيونية على غزة في صيف 2014، صوت ممثلا رواندا ونيجيريا في مجلس الأمن ضد مشروع قانون قدم للمجلس يدعو لوقف الحرب؛ لأن الصهاينة عارضوه.
ولا خلاف على أن تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع إثيوبيا كان على رأس اهتمامات نتنياهو بسبب الطاقة الكامنة في التعاون مع أديس أبابا.
يدرك الصهاينة أن «شهر العسل» بينهم وبين نظام السيسي في مصر قد لا يدوم طويلاً، حيث يرجحون رحيل السيسي عن المشهد في أي وقت، وبالتالي فإن تل أبيب تأخذ بعين الاعتبار أن يخلف السيسي نظام معادٍ، مما يجعل تل أبيب في حاجة لخدمات دولة تكون في حالة عداء مع مصر، وتعد إثيوبيا «الشريك المثالي» الذي بإمكان الصهاينة الركون إليه بسبب العداء التاريخي مع مصر والذي تفاقم بفعل مشروع سد النهضة.
في الوقت ذاته، فإن الكيان الصهيوني معني بتطوير التبادل التجاري مع إفريقيا بشكل شامل، حيث كشف نتنياهو عشية الجولة عن خطة لتطوير التبادل التجاري مع إفريقيا، فقد ذكرت مجلة ISRAEL DEFENSE بنود الخطة، التي تهدف بشكل خاص إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والبدء في تدشين شراكات مع العديد من دول القارة. ونقلت المجلة عن نتنياهو قوله: «هناك طاقة كامنة هائلة من الفرص يمكن أن تفيد منها تل أبيب في قارة إفريقيا وفي كثير من المجالات. وأضاف نتنياهو: الكثير من دول القارة معنية بفتح أبوابها أمام إسرائيل ونحن سنحرص على توظيف هذا التوجه لصالحنا وصالحها».
وأشارت المجلة إلى أن الخطة التي أعدها ديوان نتنياهو تتضمن تدشين صناديق خاصة للكيان الصهيوني في البنك العالمي مخصصة للتعاون مع إفريقيا، في ظل الحرص على استغلال المغريات التي يمكن أن تقدمها تل أبيب لدول القارة.
وتنص الخطة على المبادرة بإقامة منظومة ومؤسسات تعمل على التعاون بين الحكومة الصهيونية ومؤسسات مصرفية عالمية وصهيونية لتمويل مشاريع تطوير واسعة في دول إفريقيا ودول نامية أخرى.
وتستعد تل أبيب وفق هذه الخطة لإقامة ملحقيات تجارية صهيونية في إفريقيا وتوسيع مجالات عملها؛ حيث تنص الخطة في البداية على إقامة ملحقيتين تجاريتين وبعد ذلك يتم تدشين ملحقيتين إضافيتين.
وتشمل الخطة تمويل أنشطة لتسويق البضائع الصهيونية للتأثير على وعي صانع القرار والمستهلك الإفريقي من أجل زيادة نسبة الصادرات الصهيونية لإفريقيا، إلى جانب منح الشركات الصهيونية مخصصات مالية لإجراء دراسات جدوى حول مستقبل أنشطتها في إفريقيا.
وتتضمن الخطة تدشين أربع مراكز «تميز» لمؤسسة تطوير التعاون الدولي الحكومية الصهيونية في كل من أوغندا وإثيوبيا وكينيا ورواندا، حيث ستحرص هذه المراكز على إبراز آخر ما توصلت إليه صناعة التقنيات المتقدمة في تل أبيب وإجراء اتصالات مع رجال أعمال وممثلي أنظمة الحكم في هذه الدول لإطلاعهم على التطورات التقنية في الكيان الصهيوني، على اعتبار أن هذه الخطة يفترض أن تساعد على زيادة التصدير الصهيوني لهذه الدول.
:: مجلة البيان العدد 351 ذو القعدة 1437هـ، أغسطس 2016م.