الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه»، أخرجه مسلم.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله».
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه».
ويروي جرير بن عبد الله رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يحرم الرفق يحرم الخير».
هذه النصوص الشريفة تدل على أهمية الرفق، وخلقٌ جاءت فيه مثل هذه النصوص لا شك أن له ثمرة بينة ونفعاً ظاهراً.
وأحوج الناس أن يمتثلوا لهذه الوصية النبوية هم المعلمون، والمصلحون، والدعاة إلى الله، وكل ساعٍ لنفع الناس في دينهم أو دنياهم، فإن كثرة اختلاطهم بالناس مع حرصهم على بذل الخير لهم ودفع الشر عنهم قد يسمعهم من الأقوال أو يرون من المواقف أو النتائج ما يحتاجون معه دائماً إلى أن يُذَّكروا بهذا الخلق النبوي الشريف.
والرفق في حقيقة الأمر ليس متعلقاً بالاستجابة لموقفٍ محدد يصبر فيه المصلح ويحتسب، بل هو صفة عميقة في النفس تؤثر على أصل معاملة الشخص للناس، وتؤثر في طبيعة نظره للمواقف والنتائج، فالرفق في شخصية المصلح خلق أساسي وليس مجرد مواقف معينة يلتزم فيها بالرفق.
المصلح الرفيق يتلطف في خطابه، وينتقي أحسن الكلام، ويحتمل الأذى من الناس، ويغلب العفو والصفح، ويراعي حاجات الناس، ويتدرج في التعليم والإصلاح، ويتجنب ما يثير الشقاق والاختلاف، ويسعى لتأليف النفوس وجمع الكلمة، ويتعالى عن الحظوظ الشخصية والمصالح الضيقة، ويوازن بين المصالح والمفاسد. ولا عجب أن من كانت هذه حاله تجد لدعوته وإصلاحه أثراً بيناً عند الناس، فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره.