القطاع الثالث والفرص السانحة.. رؤية مستقبلية
العنوان: القطاع الثالث والفرص السانحة.. رؤية مستقبلية.
المؤلف: محمد بن عبد الله السلومي.
الناشر: مركز القطاع الثالث.
تاريخ النشر: 1431هـ..
يناقش المؤلف في هذا الكتاب قيمة المؤسسات والأدوار الوسيطة وتأثيرها، فالقطاع الثالث يقصد به مجموعة المنظمات التي تنبع من المبادرات الفردية والجماعية وتقع في المنطقة الوسيطة بين القطاع الخاص والقطاع العام أو المؤسسات الحكومية. ويشير في المقدمة إلى مبررات نقاش هذا الموضوع المهم من خلال الإشارة إلى التوجه العالمي نحو تقليص دور الحكومات وتغيير حدود مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية، والنجاح الباهر لتطبيقات القطاع الثالث عالمياً، والطفرات الاقتصادية التي تتمتع بها بعض الحكومات العربية والإسلامية، وإمكانية استثمار ذلك في تشكيل ودعم البنية الأساسية لمؤسسات القطاع الثالث، وغير ذلك.
ويشرع المؤلف في الفصل الأول في بيان حقيقة هذا القطاع ومسمياته ومجالاته. فالقطاع الثالث يعمل في البلدان المتقدمة على تحقيق التوازن بين القطاعين الحكومي والتجاري، ويساعد في منع تغوّل القطاع الحكومي وتمدده، كما يسد نقص خدماته، وفي الوقت نفسه يكبح جماح القطاع الخاص وجشعه. كما أن هذا القطاع يعد عاملاً من عوامل الحفاظ على الهوية الاجتماعية والاستقرار السياسي، ويساهم في تحقيق الأمن الفكري والسياسي والاجتماعي لما يوفره من شراكة شعبية، وهو يعالج ثغرات أساسية إبان الأزمات السياسية والعسكرية وفي حال سقوط الحكومات أو فشلها أو حال تعثرات القطاع الخاص. وهو يشمل المؤسسات غير الربحية، كالمدارس والمستشفيات غير الربحية، وكذلك المؤسسات الوقفية، والجمعيات الخيرية والأهلية، والمنظمات الدولية، ومراكز الدراسات وغيرها.
ويعقد المؤلف الفصل الثاني لبيان الأهمية الإستراتيجية لهذا القطاع في العالم العربي والإسلامي، وذلك في عدة مناحي: أولاً: دور القطاع الثالث في التصدي للحروب وآثارها، فوفقاً لإحصائيات اللجنة التابعة للأمم المتحدة عام 2007م يظهر أن 70% من اللاجئين حول العالم ينتمون للعالم الإسلامي. ثانياً: يعالج القطاع الثالث سلبيات الرأسمالية المتوحشة، فأيدلوجيات التنمية الاقتصادية تقدس بغير بصيرة الاقتصاد، وحرية السوق، والاستثمارات المعولمة، كما يشهد العالم في العقود الأخيرة الصعود الهائل لسلطة الشركات الكبرى وهيمنتها السياسية كل ذلك على حساب الإنسان وقيمه ومبادئه، وهذا الزحف الرأسمالي ينهش من اقتصاديات العالم العربي والإسلامي لصالح شركات الاندماج العملاقة العابرة للقارات، مما يؤكد ضرورة القطاع الثالث لتخفيف وطأة هذا التغول المتزايد، والذي يمكن أن يساهم في توطين الموارد الاقتصادية في مجالات البنى المحلية والاستثمارات الوطنية. ثالثاً: يشير المؤلف لدور القطاع الثالث في استيعاب اليقظة الدينية والاجتماعية، فمؤسسات القطاع الثالث تساهم في توفير البيئات الصحية للنشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي في مجتمعات فتية، وتعاني من انغلاق الفضاء العام وتأميمه كالمجتمعات العربية، فالقطاع الثالث يمثل ضرورة واقعية للتوازن الاجتماعي ولمواكبة الإدارة الحديثة للنظم والحكومات، ويؤكد على أن انعدام هذه المؤسسات الوسيطة تسبب في نشوء حركات العنف والتطرف السياسي. رابعاً: لمؤسسات الحوار والمراكز الثقافية الأهلية والخيرية أثر مهم في مكافحة ومدافعة التعصب الديني ضد الإسلام، لاسيما في البلاد الغربية. خامساً: المساعدة في كبح التطرف والإرهاب كما سبق التنويه بذلك. سادساً: المشاركة في رد العدوان الثقافي، فتحرير الأفكار والمصطلحات وتفنيد التبعية الثقافية يتطلب مؤسسات علمية وإعلامية مستقلة عن القطاع الحكومي لتقوم بالخدمة بقوة من خلال استقلاليتها، كما هو «حال مؤسسات القطاع الثالث الغربية التي تعمل كجنود مشاة لسياسات دولها» كما يعبر المؤلف. سابعاً: تحقق مؤسسات القطاع الثالث جملة من واجبات الإسلام، عبر مواجهة آثار الحروب والفقر والمرض والجهل، وعبر مؤسسات الرقابة والمحاسبة والشفافية لتقويم العمل الخاص والعام.
ثم ينتقل المؤلف في الفصل الثالث للحديث عن مبادئ القطاع الثالث ومخاطره، ويؤكد في هذا الفصل على ضرورة ارتكاز هذا القطاع على المبادئ الشرعية. ويقدم الفصل الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً للعطاء الخيري المتصل بالدين. ثم ينتقل المؤلف للحديث عن سيادة الدولة والقطاع الثالث، فقد واجه هذا القطاع سياسات التضييق والمصادرة في بلدان العالم العربي والإسلامي بدعوى أن ذلك يخلّ بسيادة الدولة، بينما العكس هو الصحيح، فنشاط هذه المؤسسات في الداخل والخارج يقوي الدول ويحميها من تطفل مؤسسات القطاع الثالث العالمية وتدخلاتها وتهديدها لهوية البلدان وثقافتها بنشاطاتها التي تحمل لافتات «إنسانية» كالإغاثة والتطبيب والتعليم والحقوق، وإن تحقيق السيادة يكون أشمل وأقوى حين تتشارك قطاعات الدولة فيه بمجالاتها الثلاثة (القطاع الحكومي، والقطاع التجاري، والقطاع الثالث)، كما أن توزيع السيادة على قطاعات الدولة يمنحها فرصاً كبيرة وكثيرة للمناورة من خلال هذه التعددية المثرية. وينبه المؤلف إلى أن مخاطر الاختراق تهدد مؤسسات القطاع الثالث، ويسوق لذلك مثالاً من دول أوربا الشرقية، فالمنظمات غير الحكومية في أوكرانيا مثلاً تؤكد الدلائل أنها تلقت دعماً ضخماً أوربياً وأمريكاً، وكان ذلك الدعم بغرض تحقيق تحول سياسي في أوكرانيا، وهو ما حدث بالفعل، وبحسب الإحصاءات الرسمية الأوكرانية فإن عدد المنظمات الأهلية في أوكرانيا تنامى في الفترة بين 1992 و2005م إلى 30 ألف منظمة، وقد قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 68 مليون دولار لمنظمات غير حكومة مقربة من الزعيم الأوكراني الفائز في الانتخابات فيكتور يوشنكو.
ثم يخصص المؤلف الفصل الرابع: للحديث عن النموذج الأمريكي في تفعيل القطاع الثالث، ويسوق في هذا الفصل نماذج كثيرة على المؤسسات الوقفية الضخمة، وعطاءات الأفراد، والمؤسسات الخيرية المانحة.
وفي الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن الآفاق المستقبلية للقطاع الثالث عالمياً ومؤشرات الرؤية الإيجابية حياله. فمن ذلك: أولاً: ضعف مصداقية القطاعات الحكومية عالمياً. ثانياً: إخفاق التنمية الحكومية، لاسيما في أغلب الدول النامية. ثالثاً: تغوّل الاقتصاد الرأسمالي وتهديدات انهياره، مما يجعل دولاً كبرى كالولايات المتحدة تستفيد بشكل خاص من القطاع الثالث في تخفيف عيوب ومشاكل الرأسمالية الاقتصادية. رابعاً: تمدد الرفاهية السلبية، وتآكل القيم الروحية، يجعل من القطاع الثالث أحد الحلول للمشاكل الفردية المتصلة بالجوانب الروحية والنفسية، فالعطاء والبذل والتطوع أدوية معتبرة في حل أزمات وأعراض وأمراض الرفاهية الحديثة. خامساً: تراجع الاحتكار، فالثورة الاتصالية والمعلوماتية تقوي من فرص القطاع الثالث، فالقطاع الإعلامي الأهلي مثلاً يمتلك من الفرص ما يمكنه من مزاحمة القطاعات الحكومية ومن أدوات القوى الكبرى في التأثير والدعاية، وذلك بفضل التطورات الرقمية الحديثة. سادساً: تنامي الأصولية الدينية في اليهودية والمسيحية، وما يتبع ذلك من تزايد نمو القطاعات الخيرية وتوسع تمويله، فالعقائد تشكل الدافع الرئيس للتطوع والعمل الأهلي والخيري. إلى غير ذلك من المؤشرات الإيجابية التي تجعل من مستقبل القطاع الثالث مستقبلاً واعداً على الصعيد العالمي، فالولاء الشعبي عالمياً يتحول لصالح مؤسسات القطاع الثالث: الخيري التطوعي وغير الربحي بقدر التحول العالمي السلبي تجاه العولمة والخصخصة وتراجع الخدمات الأساسية الإنسانية، وسوى ذلك مما سبق. وفي مقابل هذه الرؤية المتفائلة والمرحبة، يقدم المؤلف في الفصل نفسه رؤية أخرى مناقضة لها، فيطرح وجهة نظر المتخوفين من تحول القطاع غير الحكومي إلى خصم للحكومات وند مزعج للقطاع الربحي، كما يشكك البعض في النزاهة الأخلاقية المشبوهة لبعض مؤسسات القطاع الثالث، وبكونها لا تعدو أن تكون أدوات استعمارية حديثة، تنتهك سيادة الدول، وتفرض قيم دولها وثقافة بلدانها على العالم الثالث. كما يشير إلى مخاوف الحكومات من استغلال هذا القطاع في الأعمال السياسية والحزبية.
ويواصل المؤلف في الفصل السادس الحديث عن ما يدعم الرؤية الإيجابية لمستقبل القطاع الثالث، ومن ذلك أن النقد الموجه لتسييس القطاع الثالث أو التشكيك في أخلاقية بعض منظماته وارتباطاتها ومصالحها يوجب على البلدان الإسلامية المشاركة الفاعلة في هذا القطاع لتقديم نموذج أقوم وأبلغ أخلاقياً، وأضبط عقائدياً. ثم يفيض المؤلف في الحديث عن تنامي القوة الإسلامية في الغرب والشرق وكون ذلك يعد فرصة هائلة لاستثمار الطاقات المسلمة في هذا القطاع ومؤسساته.
ويخصص المؤلف الفصل السابع لبيان قيم العطاء في الدين الإسلامي وتشريعاته، في مجال الأوقاف، وغيرها.
ثم في آخر الكتاب يعرض المؤلف لما يراه ذا أولوية في العمل الخيري وما ينبغي أن يولى عناية خاصة من مؤسسات القطاع الثالث، فيذكر العمل على إنشاء مراكز متخصصة بالإعلام والمعلومات والتطوير والدراسات والاستشارات والأبحاث، وإنشاء المعاهد والجامعات والكليات الدينية، والإسهام الفاعل في تبني المؤتمرات والملتقيات المحلية والدولية، وتبني برامج المنح الدراسية، إلى غير ذلك.