القدس لنا: إنها البداية!
وأخيراً عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة في ظروف صعبة تمر بها الأمة، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي إذا أحسن استغلاله؛ فمن منا من لا يتمنى استعادة بيت المقدس من أيدي اليهود؟! ومن منا يريد أن يتسلل اليهود بيننا ويضربوا بعضنا ببعض؟! فمهمتهم عبر التاريخ إشعال الحروب، وكما يقول سبحانه وتعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْـحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُفْسِدِينَ 64} [المائدة: 64]، فليس لهم صديق ولا حليف. ومن منا لا يتمنى عودة الوعي للأمة بحقيقة ما يجري في فلسطين أرض الرسالات ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟!
إن مشروع الحركة الصهيونية وتوطين اليهود في فلسطين في أصله مشروع صليبي أدواته يهود علمانيون، ونصارى متدينون، ورعاية المشروع تناوبت عليها الدول الاستعمارية بحسب قوتها ونفوذها، وبدأ المشروع الفعلي على يد الإنجليز عندما كانت دولتهم لا تغيب عنها الشمس، وتتولاها حالياً قائدة العالم الغربي أمريكا.
والذي يهمنا أن فلسطين وبلاد الشام هي مركز أحداث هائلة وصراع دامٍ بين الأمم، ونحن نعيش الآن مرحلة الإحماء والاستعداد له، والمهم أن انفجار الأحداث سيحصل بوجود المسلمين طرفاً مهماً في المعادلات الدولية وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
لقد تمكنت بريطانيا من إتمام المرحلة الأولى، وهي إقامة «الدولة»، وكانت المشكلة الرئيسة أن اليهود أعلنوا القدس عاصمة لهم، وهو ما لم توافق عليه الدول الغربية لأن قضية سيطرة اليهود وحدهم على القدس ليست مقبولة لا عند المسلمين ولا عند النصارى، وأقصى ما حصل عليه اليهود هو قانون أمريكي صاغه الكونغرس عام 1995م ودأب الرؤساء على تجميده لعدم مناسبة الظروف، مع اتخاذ بعض الإجراءات العملية من أهمها:
أولاً: قرار الرئيس ريغان بالعمل على اختيار موقع للسفارة.
ثانياً: كان وقوع الرئيس كلينتون في أوحال قضية مونيكا اليهودية وحاجته لاسترضاء اليهود دافعاً لقبول طلب رئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود باراك بالدعوة لمؤتمر عقد في كامب ديفيد، بحضور ثلاثة وفود فلسطينية وصهيونية وأمريكية، ابتداء من 11 يوليو 2000م، واستمر لمدة أسبوعين، وتعرض ياسر عرفات لضغوط قاسية من أجل القبول بمطالب وعروض الكيان الصهيوني التي تتلخص بما يلي: موافقة الكيان الصهيوني على إقامة الدولة الفلسطينية على حوالي 94% من مساحة الضفة (عدا القدس)، إضافة إلى كامل قطاع غزة. وحل قضية اللاجئين (حوالي 4 ملايين) وفق إطار التعويض والتوطين (أي بقاؤهم في بلادهم دون العودة إلى فلسطين)، مع عدم اعتراف الكيان الصهيوني بأية مسؤولية قانونية أو مدنية لتشريدهم وتقسيم مدينة القدس وضم أغلبها إلى سيادة الكيان الصهيوني باستثناء بعض الأراضي و«البقع» تحت السيادة الفلسطينية. وضم المسجد الأقصى إلى السيادة الصهيونية مع السماح للمسلمين بزيارته.
لقد فشل المؤتمر لأن الزعيم ياسر عرفات لم يستطع التنازل عن المسجد الأقصى بل تحمل الضغوط والإهانات، وعاد ليتم حصاره في مقره بعد بدء انتفاضة الأقصى حتى توفي عام 2004م بعد مرض غريب وما زالت قضية احتمال اغتياله بالسم مطروحة حتى الآن، وحيث إنه لم يكن لدى خلفه الأهلية ولا الشرعية للبت في مثل هذا الموضوع الشائك فقد بقي موضوع القدس واللاجئين معلقاً.
ثالثاً: مع سيطرة اليهود الفعلية على القدس فقد بقي إتمام السيطرة الشرعية والقانونية، وتم انتهاز فرصة ترنح ترمب من قضية التدخل الروسي بالانتخابات ودفعه للقفز بالهواء بعد تحضير سريع عن طريق صهره اليهودي، الذي اضطر ترمب لطرده من البيت الأبيض لحماية نفسه.
نعم لقد ابتز ترمب للقيام بهذه الخطوة التي تهم اليهود فقط مع عدم النظر للعواقب التي ستنتج عنها على المصالح الأمريكية في المنطقة، حيث إن استثارة عامة المسلمين سترفع مستوى العداء لأمريكا في المنطقة في هذا الوقت الحرج الذي تحاول فيه أمريكا استكمال بعض الملفات المتعثرة، خاصة بعد انكشاف الدعم العلني للأكراد ورعاية البنتاغون لعلاقة علنية بين الأكراد وداعش، ولا مناص هنا من دخول أمريكا أكثر في المنطقة وما تحمله من مخاطر الغرق في الوحول فهناك الكثير من الدول التي تنتظر بفارغ الصبر الفرصة التاريخية للنيل من النسر الجارح ومنعه من التحليق.
لقد حرصت أمريكا أثناء السنوات الماضية على إبعاد الكيان الصهيوني عن واجهة الأحداث أثناء تنفيذ مشاريع السيطرة على المنطقة من أفغانستان إلى سوريا مروراً بالعراق، ولا شك أن هذا القرار الأهوج سيعيد الكيان الصهيوني إلى الواجهة مما يلقي بالكثير من الأعباء على أمريكا لمعالجة أخطاء اليهود وتحمل نتائجها خاصة أن الكيان الصهيوني سيندفع وسيكون أكثر فاعلية وظهوراً في مشروع الكيان الكردي، وحيث إن الصراع سيكون شرساً فعلى الجميع الانتباه كثيراً لمتانة الصف الذي يقف فيه وشرعيته.