• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من يبيع العبيد في ليبيا؟

من يبيع العبيد في ليبيا؟

من أفقرهم وامتص خيرات بلادهم ودعم حكامهم المستبدين ومن بعدهم مول الفوضى ووقف أمام طموحات الشعوب في العيش الحر، ثم تلاعب بمقدرات أوطانهم، ثم وضع الحواجز لمن يفكر أن يهرب من السجن الكبير والسياج الذي وضع حول أرضهم، وهو نفسه الذي وضع طوقاً حديدياً حول رقباهم قديماً عندما ساقهم ليقيموا حضارته، فأعملهم بالسخرة في المزارع والمصانع واليوم يقولون لهم لا نرغب في رؤيتكم في بلادنا قفوا عند حدود بلادكم، ثم يصنع المشاهد المتلفزة أمام الشعوب ليبعد التهمة عن نفسه أولاً، ويجفف منابع الطامحين للعبور إلى أرضه ثانياً، إنه الغرب يكتب السيناريو والحوار ويجهز الممثلين ثم يقف هو خلف الكاميرا يصور وينقل المشهد للعالم.

الصورة تصنع السياسة:

كان مشهد الفتاة الفيتنامية الذي عرضه الإعلام الأمريكي وهي تجري عارية في الطريق وجسدها محترق من آثار قنابل النابالم التي ألقتها الولايات المتحدة على فيتنام إبان الحرب عليها، كافياً لتشكيل مشهد سياسي استطاع في النهاية إيقاف الحرب، بالطبع لم تكن تلك الصورة هي وحدها ما أوقف الحرب بل جاء قرار الإيقاف بعد أن أدرك الأمريكيون ألا سبيل للانتصار فيها.

وفي السياق ذاته كشفت قناة «سي إن إن» الأميركية، في تقرير مدعم بمقاطع مصورة عن عمليات بيع للبشر تجري في ليبيا، وتشمل شباناً من بلاد إفريقيا السوداء، وصلوا إلى ليبيا بهدف الهجرة إلى أوربا.

وأظهر المقطع المصور الذي بثته القناة عملية مزايدة تجري على شابين ليتم بيعهما مقابل 1200 دينار ليبي، أي ما يعادل 800 دولار أميركي. وجاء في التقرير أن أحد الشابين نيجيري وفي العشرينات من عمره وتم عرضه للبيع باعتباره «يملك بنية قوية، ما يؤهله للعمل في المزارع».

وبعد مشاهدة لقطات مزاد العبيد، عملت شبكة «سي إن إن» على إرسال فريقها إلى ليبيا لإجراء مزيد من التحقيقات، حيث حمل الفريق كاميرات خفية واتجه إلى عقار خارج العاصمة طرابلس.

ويظهر في التقرير كذلك شخص يرتدي بزة عسكرية للتمويه يصيح: «هل يحتاج أي شخص إلى حفار؟ هذا حفار، رجل قوي كبير، سيقوم بالحفر، لنبدأ المزاد!».

هذا المشهد الذي أعاد للأذهان أسواق العبيد ومآسي نقل العبيد إلى الغرب بعد اكتشاف أوربا لطريق رأس الرجاء الصالح وقبل ذلك وصولهم إلى سواحل إفريقيا الغربية عبر رحلات هنري الملاح ومن سبقه وما تلاه بعد ذلك من اكتشاف الأمريكيتين وجزر البحر الكاريبي وجزر المحيط الهادي والأطلسي، عموماً كل ذلك دفع الأوربيين وقتها إلى اختطاف الأفارقة وشحنهم عبيداً ليعملوا في مزارعهم دون أية حقوق إنسانية في أقل معاييرها، المتتبع لسير تاريخ هذه التجارة في العصور الوسطى وما بعدها يلحظ بشكل واضح الموقف الأوربي من تجارة الرقيق وما زالت الشواهد حاضرة حيث ما زالت الأقبية التي يسجن بها العبيد في ليفربول قائمة حتى اليوم لتشهد على دور بريطانيا في تجارة الرقيق، ويمكن اعتبار أهم المتاحف التي توثق ذلك المتحف الذي أقامته مؤسسة بيتر مورسن الذي يضم وثائق مهمة تثبت ذلك. من الموثق له أنه تم تصدير ما يقرب من اثني عشر مليون إفريقي إلى الأمريكيتين وجزر المحيط الأطلسي والهادي ولم يصل منهم إلا نحو ثمانية ملايين، بينما قتل البقية أثناء الرحلة إما غرقاً أو جوعاً ومرضاً أو تعذيباً.

الليبيون والوحوش:

كان رد الفعل - كما هو متوقع - غضباً إفريقياً محموماً صب على الليبيين، فقد صدم الرأي العام الرسمي والشعبي في إفريقيا من الأحاديث المتلفزة والصحفية التي عرضت أقوال المهاجرين وهم يصفون أحاولهم بأنهم كانوا يعيشون في «سجون» وفي ظروف سيئة جداً بعد أن كان حلمهم الوصول إلى أوربا. وروى أحدهم «كان جحيماً مطلقاً في ليبيا ولن أنصح حتى أسوأ أعدائي بالتوجه إلى هناك»، مضيفاً أنه عاش «كابوساً». ويقول: «الليبيون لا اعتبار لديهم للسود. يعاملوننا مثل الحيوانات ويغتصبون النساء. كنا مكدسين في مستودعات ونتعرض للضرب بالعصي ولم نكن نأكل بشكل كافٍ كما أن المياه لم تكن متوفرة وبالكاد كنا نغتسل».

وروى آخر: «يتاجرون بالسود هناك. يأتي أشخاص يريدون عبيداً لشرائهم مثلما كان يحصل إبان تجارة العبيد... إذا قاومتم يطلقون النار عليكم. لقد سقط قتلى».

وتابع أنه أمضى ثمانية أشهر في ليبيا مع زوجته التي انقطعت أخبارها «منذ ثلاثة أشهر»، مضيفاً: «لست أعلم إذا كانت حية أو ماتت»، مشيراً إلى أنها كانت حاملاً عندما افترقا.

كان رد فعل الدول الإفريقية يعبر بشكل واضح عن ضيق وألم من الليبيين وحملوهم كامل مسئولية التعذيب والقمع الذي تعرض له مواطنوهم، فقد استدعت وزارة خارجية النيجر السفير الليبي لديها لتبليغه استياءها من معلومات تفيد ببيع مهاجرين أفارقة في «مزادات علنية» في ليبيا. وطلب الرئيس يوسوفو إدراج هذه القضية على جدول أعمال قمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي المقامة في 29 و30 نوفمبر في أبيدجان.

واستدعى وزير الخارجية النيجيري إبراهيم ياكوبو السفير الليبي لدى نيامي لتبليغه «استياء الرئيس» النيجري محمد يوسوفو من بيع مهاجرين أفارقة في ليبيا وكأنهم عبيد.

وجاء في بيان للرئاسة الغينية أن الرئيس ألفا كوندي «أعرب عن سخطه من الاتجار الحقير بالمهاجرين السائد في هذه اللحظة في ليبيا، ويدين بقوة هذه الممارسة التي ترقى إلى عصر آخر».

وأضاف البيان أن الاتحاد الإفريقي «يدعو بإلحاح السلطات الليبية إلى فتح تحقيق، وتحديد المسئوليات وإحالة الأشخاص المخالفين إلى القضاء، وإلى إعادة النظر في شروط احتجاز المهاجرين». وصدرت بيانات عن مصدر حكومي في السنغال، تنديداً بهذه الممارسات «التي ترتقي لعصر آخر، نعتقد أنه ولى إلى الأبد».

هكذا نجح هذا التحقيق الصحفي في أن يسلط الضوء في تلك الأزمة المتفاقمة بين الشمال والجنوب بين أوربا الغنية والقارة السوداء التي أفقرها احتلال الغرب لها، على ليبيا وحدها حتى تجاهلت أو تجاوزت ردود الأفعال كلها دور الغرب  قديماً وحديثاً في تشكيل وصناعة تلك الأزمة.

إنها أوربا التي ترفض اللاجئين:

المشكلة الأساسية لدى أوربا هي تدفق اللاجئين إليها عبر الأراضي الليبية، التي ساهمت هي في صنع الفوضى بها منذ عهد القذافي السابق وما زالت، وهي تسعى لسن القوانين للحد من الهجرة إليها فقد أعلنت المفوضة الأوربية في الرابع من يوليو أنها أعدت خطة عمل جديدة تهدف إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية، ومساعدة إيطاليا، وإجبار الدول الأوربية على تحمل مسئولياتها في استضافة اللاجئين.

وشددت المفوضية في بيان لها على وجوب عدم ترك إيطاليا وحدها في مواجهة ألوف المهاجرين الأفارقة الذين يعبرون البحر المتوسط بحثاً عن حياة أفضل في القارة العجوز، مصرة على ضرورة أن تتحمل جميع دول الاتحاد الأوربي ما يترتب عليها في تقاسم أعباء اللاجئين.

وطرح البيان جملة من الإجراءات الواجب اتخاذها بشكل عاجل للحيلولة دون استمرار تفاقم أكبر أزمة هجرة تشهدها أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك تخصيص أكثر من 80 مليون يورو لتنشيط عدد من المشاريع المشتركة بين إيطاليا وليبيا، وذلك بغية تخفيف موجة الهجرة وتوفير الآلية المناسبة لإعادة المهاجرين بشكل آمن.

وتقضي الخطة أيضاً بضرورة أن يشارك أعضاء الاتحاد الأوربي في تقديم الدعم إلى الدول الإفريقية الفقيرة، من أجل الحد من الهجرة غير الشرعية.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 100 ألف مهاجر دخلوا أراضي الاتحاد الأوربي عبر مياه البحر المتوسط منذ بداية العام الجاري، بحسب معطيات منظمة الهجرة العالمية، واستضافت إيطاليا 85% منهم، الأمر الذي أعاد مسألة الهجرة غير الشرعية إلى المربع الأول في الأجندة الأوربية.

هنا تبرز العلاقة بين الهجرة غير الشرعية وبروز ظاهرة الاستعباد فأساس المشكلة هو الفقر في الدول الإفريقية وعدم مساعدتها في تجاوز تلك المرحلة.

لقد أصاب هذا المشهد عدداً من الأهداف برمية واحدة، فمن جهة حفز الرأي العام الإفريقي الشعبي والحكومي بأخذ إجراءات تحد من الهجرة غير الشرعية ومن طوفان المهاجرين إلى أوربا، ومن أخرى تم إلقاء اللوم على ليبيا وتحميلها كامل المسئولية، وفتح المجال أمام الاتحاد الأوربي لسن مزيد من القوانين التي تحد من الهجرة، وفي الأخير تبقى الشعوب الإفريقية هي الضحية وتتم المتاجرة بها قديماً وحديثاً، فالذين يبيعون العبيد اليوم في إفريقيا يقفون خلف الكاميرا يبيعون العبد ثم يبيعون صورته وفي كل مرة يقبضون الثمن.

 


أعلى