أعلنَ الفيلسوفُ كانطْ عامَ 1784م في كتابِه «فكرةُ تاريخٍ كونيٍّ ذي غايةٍ عولميةٍ» قائلاً: «إن الطبيعةَ تُوجهُنا بشكلٍ غيرِ مباشرٍ، تسوقُنا بعداوةِ الحروبِ كي نصبحَ متحدين؛ وتدفعُنا الحروبُ دونَ أن تقصدَ ذلك... إلى تشكيلِ عصبةِ أممٍ... إن المؤمَّلَ أن يكونَ ثمةَ إعادةَ هيكلةٍ بعدَ عددٍ من الثوراتِ، وأخيراً نحققُ غايةَ الطبيعةِ الأسمى: دولةٌ عولميةٌ».
إن المنظماتِ العولميةَ لم تظهرْ إلا في أعقابِ الحروبِ الطاحنةِ، حتى يكونَ بأسُ الحروبِ هو الذي يدفعُ الناسَ إلى السعي إلى السلامِ العالميِّ الدائمِ والشاملِ كما نظَّرَ لذلك عمانويلْ كانطْ وغيرُه. فإنه لما خلَّفَتِ الحربُ العالميةُ الأولى ملايين القتلى، وأورثَ سباقُ التسلحِ قلقاً غيرَ مسبوقٍ؛ آن أوانُ الإعلانِ عن منظمةٍ عولميةٍ تحفظُ السلامَ، واجتمعتِ القوى الكبرى في أعقابِ الحربِ لتأسيسِ مظلةٍ عولميةٍ تمنعُ اندلاعَ الحروبِ ثانيةً عُرفتْ بعصبةِ الأممِ.
وفي عامِ 1939م شرعَ الرئيسُ الأمريكيُّ فرانكلينْ روزفلتْ في التخطيطِ لمنظمةٍ عولميةٍ جديدةٍ تحلُ محلَ عصبةِ الأممِ، فكانتْ بدايةُ مشروعِ «الأممِ المتحدةِ» الفعليةُ في 24 أكتوبرَ 1945م، أي بعدَ استسلامِ اليابانِ ونهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ بأقلَ من شهرين؛ وهذا التوقيتُ ترسيخٌ لخطةِ إلجاءِ الأممِ بعدَ بأسِ الحروبِ إلى الانضواءِ تحتَ مظلةٍ عالميةٍ تعِدُها بالسلامِ الموهومِ.
واليومَ يُزْمِعُ الرئيسُ الأمريكيُّ دونالدْ ترمبْ عقدَ اجتماعٍ لقادةِ العالمِ في الأممِ المتحدةِ خلالَ شهرِ سبتمبرَ الحاليِّ ليطلبَ من القادةِ المجتمعين تأييدَ «إعلانٍ سياسيٍّ» من عشرِ نقاطٍ لدعمِ الأمينِ العامِ للأممِ المتحدةِ أنطونيو غوتيريشْ في «إحداثِ تغييراتٍ ملموسةٍ في الأممِ المتحدةِ».
فهل نحن على مشارفَ تحولٍ عولميٍّ تاريخيٍّ جديدٍ و«إعادةِ هيكلةٍ بعد عددٍ من الثوراتِ» كما صرحَ كانطْ؟