• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الإستراتيجية الإيرانية.. عوامل القوة والضعف

الإستراتيجية الإيرانية.. عوامل القوة والضعف


«إيران - ولله الحمد - مملكة لجماهير مظلومة ومحطمة تحت حكم وحشي، ومملكة لإقطاعيين متنازعين دوماً على السلطة، وهي محاطة بمسلمين من أهل السنة، لذا فإن من الممكن بقاءها في حدود الأدب، وإن القوة المادية والمعنوية للدولة العثمانية تكفي لهذا».

هذا الكلام جزء من رسالة محمد فؤاد باشا - وهو رجل دولة عثماني شارك في حرب القرم - إلى السلطان عبد العزيز في عام 1866م ضمن وصيته التي لخص فيها للسلطان اقتراحاته بتطوير الدولة في ما يخص إيران.

وإذا كان الرجل يصف حال إيران في القرن التاسع عشر فإن حالها في القرن الواحد والعشرين لا يزال يدور في الإطار نفسه: جماهير مخدوعة وحكم وحشي تتنازع مؤسساته على السلطة محاط بأهل السنة، ولكن يختلف في شيء واحد هو افتقاد الأمة لقيادة واحدة لأهل السنة تدير الصراع وتحدد الأولويات مع سلطة إيرانية ما زالت لها إستراتيجيتها نحو التوسع والهيمنة.

لذلك لا بد أن تكون أولى الخطوات لتحجيم الهيمنة الإيرانية هي دراسة إستراتيجيتها وتحديد عوامل القوة والضعف فيها.

الإستراتيجية:

تتعدد التعريفات التي تفصل في شرح الإستراتيجية، ولكنها كلها تجتمع على معنى واحد، وهو: فكرة نستطيع أن نصف بها مساراً يحاول الانتقال من واقع حالي إلى مستقبل مأمول ينتج عن ذلك تحقيق الهدف الرئيس.

ومن خلال هذا التعريف يمكن استنتاج عدة عناصر في تكوين أي إستراتيجية:

الهدف الرئيس.

الواقع الموجود.

المسار الذي يمكن به الانتقال من الواقع إلى الهدف النهائي.

وتتعدد المصادر التي يمكن منها أن نستقي عناصر الإستراتيجية الإيرانية: هناك الدستور الإيراني، ويليه في الأهمية وثيقة «إيران في أفق عام 2025م»، وهذه الوثيقة الصادرة عام 2003م حدد فيها مرشد إيران خامنئي ملامح إيران وموقعها في العالم في العشرين عاماً التالية، ولذلك يطلق عليها أحياناً الوثيقة العشرينية.

أولاً: الهدف الإستراتيجي لإيران:

حددت رؤية إيران العشرينية هدفها النهائي كما يلي[1]: أن تصبح إيران بحلول عام 2025م بلداً متقدماً يحوز الموقع الاقتصادي والعلمي والتقني الأول في منطقة جنوب غرب آسيا، التي تشمل جوار إيران وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط، وصاحب دور مؤثر في العلاقات الدولية.

ويرى الدكتور نصر محمد علي أن الأهداف العليا للإستراتيجية الإيرانية في العالم والمنطقة تتمثل في:

إيران بوصفها مجتمعاً موحد الهوية والقوة.

الإسلام.

فارس بوصفها مصدراً للاعتزاز التاريخي والقومي.

ويقول جمال خاشقجي[2] إن إيران لا ترى نفسها دولة ذات حدود محكومة بالشرعية الدولية بل شيئاً أشبه بنظام أممي أو كأنها الخلافة الإسلامية (السنية)، ولكن الولي الفقيه يأمر ويحكم من طهران ويوجه من خلال عشرات المؤسسات ويجتمع مع مندوبيه وممثليه بالدول المجاورة،   الذين أقسموا له يمين الطاعة في المنشط والمكره وباتوا لا يخفون ولاءهم وتبعيتهم المباشرة له وإيمانهم بأنه «ولي أمر المسلمين» في السياسة قبل الفقه بأمره يعلنون الحرب وبعد مشورته يقبلون بالسلم غاضين الطرف عن مصلحة أوطانهم، فهم لا يرون في البحرين أو لبنان أو سوريا أو العراق وطناً وإنما يعيشون في ظل «ولاية» لا حدود جغرافية لها، وأن هذه الأوطان ما هي إلا مرحلة عابرة حتى يأتي ذلك اليوم الموعود الذي يسود فيه حكم ممثل الإمام الغائب الولي الفقيه.

بينما يرى الدكتور وليد عبد الحي[3] أن الإيرانيين يعملون بثبات من أجل تحويل إيران في 2025م إلى دولة محورية رئيسة ومؤثرة في الشرق الأوسط.

ويصف الباحث الأمريكي آش جين[4] مهمة إيران العالمية بأنها ترتكز على استبدال النظام الدولي الحالي بنموذج جديد يقوم على المثل العليا للثورة الإسلامية (النموذج الإيراني).

نخلص من هذا العرض إلى أن الهدف الإستراتيجي الإيراني في نسخته الأخيرة يتكون من جزأين:

جزء اقتصادي تنموي وجزء هيمنة وتصدير للنفوذ في المنطقة.

ثانياً: الواقع المحلي والإقليمي والدولي من وجهة نظر إيران:

بالنسبة للواقع الإقليمي ترى إيران أن منافستها الحقيقية تركيا التي تحتل الموقع الاقتصادي الأول في المنطقة، ثم المملكة العربية السعودية بوصفها الدولة الثانية، وتعد نفسها الثالثة. وفي الحقيقة يكمن هدف إيران في التفوق على هاتين الدولتين.

ثالثاً: المسارات الإستراتيجية:

يمكن تلخيص خصائص الإستراتيجية الإيرانية بأنها طائفية وبراجماتية وهجومية:

الطائفية:

تتمثل في تصدير النموذج الإيراني، يقول الخميني: إن ثورتنا يجب أن تصدر إلى كل أنحاء العالم ولا يفهم من ذلك على نحو خاطئ أننا نريد فتح البلدان، فمعنى تصدير الثورة هو أن تستيقظ كل الشعوب والحكومات.

كما تتمثل في إقامة منظمات طائفية دون الدول، أو نسج علاقات مع كيانات طائفية لتكون رأس حربة في التمدد والهيمنة، وبالفعل ومن خلال هؤلاء الوكلاء غير الدوليين استطاعت إيران تمديد نفوذها الإقليمي على نحو واسع، خاصة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وبدرجة أقل في أفغانستان وباكستان.

وفي تقرير مطول يرصد مركز كارنيجي الأمريكي[5] الطائفية في السياسة الإيرانية حيث يلاحظ أن السلوك الإقليمي الإيراني منذ الربيع العربي قد نحى منحى أكثر طائفية، ويلحظ التقرير أن الحرس الثوري بات ينظر إلى نفسه وإلى ساحة المعركة السياسية الإقليمية ككل من منظور طائفي، وبيانات مسؤولي الحرس الثوري وسلوكهم يشهدان على مثل هذا التحول وأن أجندة الحرس في الشرق الأوسط باتت تحت سطوة النوازع الطائفية.

ويستشهد التقرير بعدة أمثلة، منها ما أكده قاسم سليماني أن قوة إيران تنبع من مصدرَين رئيسَيْن: «عظمة الثورة الإيرانية وتأثيرات الثورة على العقيدة الشيعية المبجلة». ويشير إلى العراق كنموذج «تمكن فيه الشيعة من حصد حق الحكم» للدلالة على مدى النفوذ الإيراني.

ويخلص تقرير كارنيجي إلى أنه بدلاً من أن يعمل المسؤولون الإيرانيون على تقويض الجمعيات الطائفية، تُغذي بياناتهم السرديات الطائفية عبر خطابهم نفسه. علاوةً على ذلك، تتطابق هذه البيانات مع شيء من الصدقية الفكرية، من حيث أنها تشير إلى أن المسؤولين الإيرانيين أنفسهم يدركون أن حركتهم السياسية - مهما كانت الأوصاف التي يسبغونها عليها - هي شيعية في المقام الأول، وتجري في عكس تيار مصالح أو سياسات معظم الدول السنية.

وعلى أي حال، الأبعاد الطائفية للصراعات في سوريا والعراق واضحة للعيان، وأقرب حلفاء إيران فيها هم شيعة أو يعتبرون كذلك.

البراجماتية:

مثل توظيف القوة الناعمة في علاقات إيران الخارجية، وتأتي الدبلوماسية على رأس هذه القوة، وأقوى صورها ظهرت في تقديم تنازلات لصالح الوكالة الدولية للطاقة الذرية كلما زادت وتوسعت دائرة الضغط الأميركي - الأوربي- الصهيوني.

ومن أدوات القوة الناعمة الإيرانية التمدد الثقافي لنشر اللغة الفارسية والفكر الشيعي عبر عدة أدوات منها الصحف والمجلات والمعارض والندوات، وينفذ هذه السياسة الثقافية الملحقيات والمستشاريات الثقافية للسفارات الإيرانية وعدد من المؤسسات الرسمية والشعبية الإيرانية كالمجمع العالمي لأهل البيت، ومنظمة التبليغ الإسلامية.

وتتضح البراجماتية أيضاً في الخطاب الثوري المعادي لأمريكا والغرب، وتناولها للقضية الفلسطينية وعلاقتها مع حماس؛ حيث يتباهى علي شمخاني رئيس جهاز الأمن القومي الإيراني أنه فيما تلتزم الدول السنية جانب الصمت في ما يتعلق بالجرائم اللاإنسانية التي يرتكبها العدو الصهيوني يأتي الشطر الأعظم من الدعم للشعب الفلسطيني المظلوم من شيعة إيران.

الهجومية:

تتمثل في استغلال الجغرافيا السياسية لإيران (الموقع، الجوار، الحجم وعدد السكان)، والثروات الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز والإنتاج العلمي والثروة البشرية، وتطوير القدرات العسكرية المختلفة ومنها البرنامج النووي، والقدرات العسكرية خارج الجيش وأهمها الحرس الثوري وأذرعه.

القوة والضعف في الإستراتيجية الإيرانية:

يقول الباحث الأمريكي آش جين: برغم طموحاتها الكبرى تواجه طهران قيوداً كبيرة. فعلى نطاق عالمي تفتقر إيران إلى القدرة الاقتصادية والعسكرية للتحدي، وداخل منطقتها هناك عقبات هائلة تعرقل جهود إيران، وعلى نطاق محلي أيضاً لا يزال النظام الإيراني يواجه اضطرابات واسعة النطاق.

حاولت إيران في البداية إخفاء نواياها الطائفية باستخدام قوتها الناعمة ولكن فشلها وانكشاف مشروعها الطائفي المذهبي جعلها تلجأ للقوة الصلبة، أي التدخل العسكري السافر والمباشر كما حدث في سوريا، ولكن قوتها الصلبة هذه - من حرس ثوري وتنظيمات شيعية مسلحة جلبتها من أفغانستان والعراق وغيرها - ما لبثت أن انكسرت أمام ثوار سوريا وتنظيماتهم المقاتلة، فاضطرت إلى طلب الاستعانة بالقوات الروسية، وهي لها حساباتها الخاصة والتي بالطبع لن تنسحب لتسلم سوريا لإيران على طبق من فضة، بل ستحد كثيراً من النفوذ الإيراني لصالح المشروع الروسي الإقليمي والدولي.

ويرى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة أن إيران أخفقت في بلوغ الهدف الأول والأهم الذي رسمته الخطة العشرينية، وهو احتلال الموقع الاقتصادي الأول بين ست وعشرين دولة حددتها الخطة، فحين ننظر إلى أهم معيار للتقدم الاقتصادي وهو إجمالي الناتج المحلي نجد أن إيران عام 2005م عندما انطلقت الخطة كانت الدولة الثالثة في المنطقة بعد تركيا والمملكة العربية السعودية بفارقٍ ضئيل عنهما، ولكنها عام 2015م، أي بعد انقضاء نصف فترة الخطة العشرينية، أصبحت في المرتبة الرابعة بعد الإمارات وبفارق كبير بينها وبين تركيا والمملكة العربية السعودية.

أما نقطة قوة الجغرافيا السياسية الإيرانية فتتمثل في تحكمها في مضيق هرمز الذي يقع قبالة الساحل الإيراني في مدخل الخليج العربي أحد أهم الممرات المائية في العالم، نظراً للحجم الهائل من صادرات النفط التي تعبره يومياً، وكذلك الواردات الضخمة لدول الخليج العربي، وتقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن إمدادات النفط التي تمر عبر المضيق تشكل نحو 40% من إجمالي المعروض النفطي المتداول عالمياً، على اعتبار أن نحو 80% من نفط دول الخليج يمر عبر مضيق هرمز. وبالتالي فإن إيران عبر تهديد الملاحة في مضيق هرمز بأي شكل من الأشكال لاسيما في حال تعرضها لاستهداف عسكري فإنه يمكنها أن تصيب الاقتصاد العالمي في مقتل، ولكنها في الوقت نفسه نقطة ضعف لإيران إذ ستكون أول المتضررين منها، لأنها أكثر دولة تعتمد على الممر لتصدير منتجاتها، لذلك فإنه من غير المنطقي أن تقوم بتنفيذ تهديداتها التي تطلقها بين الحين والآخر بهذا الصدد.

ويلاحظ الباحث مصطفى علام[6] أن إيران على الصعيد الآسيوي تبدو طرفاً غير قادر على المناورة؛ حيث إن إغراقها في المقلب الآسيوي من شأنه إضعاف فاعليتها وتأثيرها، في وسط جغرافيا صحراوية متناثرة القبائل لا قيمة إستراتيجية لها، فباستثناء إطلالتها الصغيرة على قلب أوراسيا، عبر حدودها مع تركمانستان، يبقى لإيران حدود شاسعة مع آسيا الأخرى الأكثر قلقاً واضطراباً حيث باكستان وأفغانستان المفتوحة على احتمالات التمزق والانهيار، الأمر الذي يمكن معه وصف تلك الحدود الإيرانية الشرقية بالحدود الدامية.

وعلى صعيد المكون البشري فإن الفسيفساء العرقية والمذهبية داخل إيران تجعل الدولة قابلة للانفجار في أي لحظة وامتداداته الجغرافية الإقليمية تضيف بعداً إقليمياً ما يجعل الأمر في غاية التعقيد، وهو ما يمكن وصفه بالمجتمعات المتوازية داخل الدولة الواحدة. والأخطر أن الكيانات العرقية لها بعد جغرافي محدد، وبالتالي تتزايد قابليتها للانفصال، فالعرب في الجنوب والجنوب الغربي والبلوش في الجنوب والجنوب الشرقي، والتركمان في الشمال والشمال الشرقي والأذريون في الشمال والشمال الغربي، والأكراد في الغرب.. كل تلك المكونات المتفرقة مع التعصب الفارسي الشيعي عرضة لمزيد من التمزق وخطر الحروب الأهلية.

حتى البرنامج النووي الإيراني الذي تعتبره إيران مصدر قوة لها فإنه ليس مؤكداً حتى الآن، وأكثر ما يدور حوله تصريحات غربية بغرض التضخيم والتهويل كما كان يفعل الغرب مع صدام حسين، وعلى فرض صحة الكلام عن البرنامج النووي الإيراني فإنه يمكن تحييده بسهولة في استخدامه كورقة مساومة دولية وإقليمية والنموذج الباكستاني خير مثال لذلك.

ونختم الحديث عن الإستراتيجية الإيرانية بما أطلق عليه المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي تصدير وهم القوة الإيرانية، حيث جعله صنفين: صنف من الإيهام، وهو الخطاب العنتري بهدف إحراج الأنظمة العربية إزاء شعوبها بالتركيز على نية القضاء على الكيان الصهيوني وتحرير القدس. والصنف الثاني مناورات التظاهر في الخليج وفي البحار وحتى في غزو الفضاء، وهي عنتريات من جنس آخر تماثل عنتريات كوريا الشمالية، أي قوة كاذبة لإخفاء الضعف الحقيقي.


 


[1] إيران في أفق 2025م.. تقييم حالة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مايو 2016م.

[2] صحيفة الحياة 2 يوليو 2016م.

[3] http://cutt.us/ODYhx .

[4] معهد واشنطون، أغسطس 2011م.

[5] http://carnegie-mec.org/2016/11/30/ar-pub-66377 .

[6] مصطفى علام، سلسلة دوليات، المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة، طبعة ديسمبر 2010م، ص29.

أعلى