الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
من قوانين الفيزياء المعروفة قانون (طاقة الوضع)، ويمكن تعريفها بأنها الطاقة المخزَّنة داخل الأجسام، التي تعتمد على وضع الجسم نسبة إلى بقية الأجسام في النظام ذاته. فالكرة الفولاذية تختزن طاقة وضع أكبر عندما تكون على ارتفاعات عالية منها وهي على سطح الأرض.
فكلما اقتلعت الشيء من جذروه ورفعته عالياً اختزنت فيه طاقة كبيرة تظهر عندما تضعف قوى الرفع القاهرة بالنسبة للجسم الذي اقتلعته؛ فما يلبث أن يتحرر ويرتدَّ إلى جذوره بسرعة كبيرة وطاقة ضخمة، فتحطم تلك القوى وتمحو وجودها.
ولا تتخلف فيزياء الشعوب عن تلك الطبيعة، فيسرد لنا الكاتب الأمريكي (ألبرت جوردي رابوتو) واحدة من قصص اصطناع طاقة الوضع البشرية، فخلال حقبة الحرب الأهلية الأمريكية، تقول (ماري لايفرمور) التي كانت مربية بيضاء تحكي عن زميلتها الطبَّاخة السوداء (آجي)، تقول: إن زميلتها (آجي) التي كانت شديدة الأدب في كلامها مع سيدها، قد فوجئت بأن السيد يضرب ابنتها الصغيرة بعنف شديد متهماً إيَّاها بالسرقة. وقفت (آجي) عاجزة عن الحراك ترى ابنتها تُضرب أمام عينيها ضرباً مُبرِّحاً، كانت تعتصر ألماً وحَنَقاً لكنها اختزنت حزنها بداخلها، وما إن خرج السيد من المطبخ حتى انفجرت: «سوف يأتي اليوم... سوف يأتي اليوم... إنني أسمع ضجيج العربات وأرى بريق البنادق، سوف يأتي يوم يسيل فيه دم البيض على الأرض وسيتكوم الموتى بعضهم فوق بعض هكذا... يا إلهي عجِّل مجيء ذلك اليوم الذي يحل فيه الخراب والآلام والرماد والنار على رؤوس البيض!».
كانت تلك الكلمات من فم تلك المرأة السوداء المقهورة تعبِّر عن قوة كامنة، تسري في مخيلتها شرارة تنتقل بين كافة العبيد السود في أمريكا لتتحول بعد ذلك إلى طاقات هادرة من حركات وجماعات ما لبثت أن انتزعت حريتها.
ظنوا أنهم يزدادون قوة، كلما أظهر لهم المستضعفون طاعة وذلاً، وهو ما أغراهم بمزيد من الطغيان ليحصلوا على مزيد من استخزاء المقهورين ليشعرهم بمزيد من نشوة النصر، ولم يدركوا أن للكون ربّاً يضع له نواميسه، فالصرخات المكتومة الساكنة في الصدور ما تلبث أن تتحول إلى طاقة من حركة هادرة تحيل كاتميها إلى القبور، إنه الضعف الذي يصنع الأحلام والآمال، وكلما زاد الوهن والضعف صعدت الآمال كالجبال، إنها سنة الله ولكن الظالمين لا يعلمون.