الروهينغا المسلمة.. الجرح المفتوح
منذ عام 2012 والأقلية المسلمة "الروهينغا" في إقليم أراكان تتعرض لأبشع أنواع الاضطهاد والعنف الممنهج من قبل ميليشيات بوذية مدعومة من القوات الحكومية والشرطة، لا لسبب سوى أنهم: "يقولون ربنا الله".
يُعرِّف المركز الروهينغي العالمي، على موقعه الإلكتروني، الروهينغا بأنهم "عرقية مضطهدة في إقليم أراكان منذ 70 عاماً، مورس بحقها أبشع ألوان التنكيل والتعذيب، إذ تعرضت للتشريد، والقتل، والحرق".
الصور والفيديوهات التي ينشرها الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي مرعبة وتكشف حجم التوحش ضد هذه الأقلية المسلمة التي أطلقت عليها الأمم المتحدة أنها "الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم"، لكن الأمم المتحدة نفسها لم تقدم لهؤلاء المضطهدين أي وسيلة مساعدة تذكر سوى بيانات القلق المعهودة على هذه المنظمة.
وحسب الإحصائيات الرسمية فقد أسفرت الحملات العسكرية في ميانمار على أراكان المسلمة عن قتل مئات من المسلمين الروهينغا، وحرق عدد كبير من قراهم ومزارعهم، وتهجير ما يقارب 140 ألفاً منهم إلى مخيمات الشتات.
وبسبب حالة العنصرية ضد مسلمي الروهينغا في بورما، فقد أصبحوا مواطنين درجة ثانية بعد أن جُردوا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية عام 1982، فلا يُسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي، ومُنعوا من امتلاك الأراضي، وطُلب منهم التوقيع على الالتزام بأن لا يكون لهم أكثر من طفلين.
أضف إلى ذلك أن من تبقى منهم يتعرض لعدة أنواع من الابتزاز والضرائب التعسفية ومصادرة الأراضي والإخلاء القسري وتدمير منازلهم وفرض قيود مالية على الزواج، والأكثر قسوة أن يتم استخدامهم عمالة سخرة في الطرقات ومعسكرات الجيش، وتجري عمليات إعدام بدون محاكمة لمن يخالف أوامر الجيش.
وقد زادت معاناة المسلمين في مخيمات النازحين في إقليم أراكان خلال الشهرين الماضيين وذلك بعد عام من فوز زعيمة المعارضة في ميانمار أونغ سان سو تشي وحكمها للبلد، وإنكارها وجود أي اضطهاد على المسلمين، معتبرة أن هناك مشكلة طائفية وعنفاً متبادلاً بين المسلمين والبوذيين.
وفي مقابلة مع صحفية باكستانية مسلمة أعربت سو تشي عن غضبها عندما سئلت عن أعمال العنف ضد المسلمين في بلادها، وقالت بعد أن أنهت المقابلة إنها لم تكن تتوقع أن تحاورها صحفية مسلمة، وفق ما رواه بيتر بوبهام، مؤلف كتاب مؤلف كتاب يتناول سيرة السياسية البورمية بعنوان "السيدة والجنرالات، أونغ سان سو تشي ومعركة بورما من أجل الحرية".
والغريب في الأمر أن هذه الزعيمة التي تحكم البلد حالياً هي من دعاة حقوق الإنسان وحاصلة على جائزة نوبل للسلام والتي كان المسلمون يأملون أن يجدوا انفراجة بعد صعودها للحكم، لكنها تتغافل عمداً عن حالة العنف والاضطهاد التي يتعرض لها مسلمو أراكان من قبل الميليشيات البوذية المدعومة بالقوات الحكومية.
وقبل أيام وبعد الضغط الدولي والشعبي على حكومة ميانمار أرسلت سوتشي أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان إلى مخيمات المسلمين في أراكان للاطلاع على حجم المشكلة وشاهدنا عنان وهو يلتقي بعدد من المسلمين ويسمع شهاداتهم، لكن بمجرد أن غادر المكان تعرض الرجال والنساء الذين أدلوا بشهاداتهم للضرب والتعنيف من قبل مليشيات بوذية تسيطر على المنطقة تحت حماية قوات الجيش والشرطة، ورفض ممثلون عن البوذية لقاء لجنة كوفي عنان معتبرين أن هذه الزيارة تهدف إلى إضفاء الشرعية على "وجود المسلمين في أراكان".
لقد شاهدنا مقاطع فيديو لفتيات مسلمات نجون بأعجوبة من بين أيدي الميليشيات البوذية وهن يحكين قصص المعاناة والتعذيب وآلام الاغتصاب من قبل تلك الوحوش البشرية التي تمارس كل أشكال الطائفية والإرهاب ولو كانت من قبل المسلمين لقامت الدنيا ولم تقعد ولحركت الدول الغربية الجيوش والطائرات والأساطيل الحربية لمحاربتهم.
قبل أيام قدمت الصحفية في قناة الجزيرة وسيلة عولمي شهادتها على ما يجري من انتهاكات لحقوق المسلمين في ميانمار عندما كانت أول صحفية تزور مخيمات المسلمين هناك، قالت: إن ما يجري على الواقع أكثر بكثير مما يتم نقله على وسائل الإعلام.
وأضافت الصحفية: إن هناك عمليات حرق وإبادة ممنهجة بحق المسلمين، وقد شاهدت بأم عينها امرأة تحتضر وتتألم ولا تجد الدواء ولم يستطع أحد إسعافها.
ورغم أن السلطات تقول إن هناك حالة عنف بين المسلمين والبوذيين، إلا أن الواقع يثبت أن العنف والاضطهاد من طرف واحد وهو الميليشيات البوذية حيث لا يخفي الرهبان المتشددون قولهم: "لا نريد بقاء المسلمين في هذه البلاد"، وأعلن أحد الرهبان البوذيين باليقظة التامة: "وإلا ستصبح بورما مسلمة كماليزيا وإندونيسيا".
وعلى عكس ذلك فإن المسلمين يحاولون أن يتعايشوا مع الأديان الأخرى ومستشفيات المسلمين في ولايات أراكان لا تفرق بين البوذيين والمسلمين في تقديم الخدمات الطبية.
وفي وسط هذا السكوت العالمي عما يتعرض له مسلمو الروهينغا في ميانمار، برز صوت جهوري من شرق آسيا، إنه صوت رئيس وزراء ماليزيا نجيب عبد الرزاق الذي قاد مظاهرات شعبية بنفسه ضد ما وصفه بـ "الإبادة الجماعية" التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا في ميانمار، متعهداً بالاستمرار في الدفاع عن حقوق أقلية الروهينغا المسلمة، ومثله خرج أيضاً الشعب الإندونيسي مندداً بجرائم التطهير العرقي للمسلمين في إقليم أراكان، ومثلها مظاهرات شعبية في لندن وإسنطبول وعواصم أخرى، لكن الأمر لم يتعد حالة الغضب الشعبي ولم يصل إلى الفعل الرسمي والتدخل الجاد من الدول لإنهاء معاناة مسلمي ميانمار.
إن أكثر من مليون وربع مليون من الروهينغا يعيشون في وضع مأساوي، وسيبقون جرحاً غائراً في جسد الأمة الإسلامية ووصمة عار في جبين المجتمع الدولي.