• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانتخابات التونسية.. ماذا بعد؟

أرادها الرئيس التونسي قيس سعيد، وجرت الانتخابات، متحدياً قوى سياسية ومجتمعية، غير أنها مثلت "صفعة" كبيرة بالنسبة له، إثر عزوف التونسيين عن المشاركة فيها، فما أسباب هذا العزوف؟وهل تدفع هذه الانتخابات بالصورة الهشة التي خرجت بها الرئيس سعيد إلى التنحي والاس


جاءت الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس، صادمة بالنسبة للرئيس التونسي قيس سعيد، بعدما أظهرت أن نسبة المشاركة الأولية في الدور الأول للانتخابات التشريعية لم تتعد "8.8" في المائة، وهي النسبة الأقل من حيث المشاركة منذ انطلاق المسار الديمقراطي عقب ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.

هذا الإقبال الهزيل من جانب الناخبين التونسيين، يمثل صفعة قوية للرئيس سعيد ومشروعه، الذي يتحدى به قوى سياسية ومكونات أهلية ونقابية في تونس، غير أن هذه القوى والمكونات تبدو كذلك في حالة ضعف في الشارع التونسي جراء انقسامها، وعدم تمتعها بوحدة الموقف التي تكسبها ثقة الشعب التونسي في مواجهة ديكتاتورية سعيد.

 

ما يساعد الرئيس سعيد على المضي في سياساته المتفردة، وعدم الالتفات للمعارضة التي يتقدمها حزب النهضة، أنها منقسمة على نفسها، لتضارب خلفياتها الأيديولوجية، وعدم تمكنها حتى اللحظة من تقديم بديل يقنع الشعب التونسي

السؤال المهم: لماذا جاءت النتائج بهذا الضعف؟، لقد كانت هناك مؤشرات قوية على هذا الضعف قبل بدء الانتخابات، أظهره عدم التفاعل الشعبي مع الدعاية الانتخابية التي استمرت لثلاثة أسابيع، ومرد ذلك أن جل المرشحين غير معروفين على المستوى الشعبي، ولا يمتلكون الخبرة السياسية، وقد ظهر المرشحون فرادى من دون ظهير سياسي في حملاتهم الانتخابية، الأمر الذي أضعف تأثيرهم وتفاعل التونسيين معهم، وذلك بسبب القانون الانتخابي الجديد الذي أقره الرئيس التونسي قبل شهرين فقط من موعد الانتخابات، وينص على ضرورة عدم كشف المرشحين عن انتماءاتهم السياسية، الأمر الذي كانت نتيجة غياب الأحزاب عن المشهد، وضعف في الحملات الانتخابية، التي تلعب دوراً رئيسياً في جذب الناخبين لصناديق الاقتراع.

بهذا القانون، وكذلك استناداً إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في يوليو الماضي ولم يشارك فيه نحو 70 يسعى الرئيس سعيد، وهو ذو خلفية أكاديمية في القانون الدستوري، إلى إعادة الديكتاتورية وحكم الفرد، بعد الثورة التي أطاحت بثلاثة عقود من حكم الرئيس الأسبق "بن علي"، وذلك من خلال هذه الانتخابات التي أراد من ورائها برلماناً مجردًا من الصلاحيات.

وإثر ظهور هذه النتائج الضعيفة، سارعت جبهة الخلاص الوطني المعارضة، التي تضم حركة النهضة (صاحبة أكبر تمثيل في البرلمان المنحل)، إلى مطالبة الرئيس سعيد بالتنحي والدعوة لانتخابات مبكرة، غير أنه من المستبعد على سعيد، ورغم فشل الانتخابات والأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها تونس، الإقدام على الاستقالة أو حتى الإقرار بفشل الانتخابات، وهو الذي مارس الدعاية الانتخابية لها بقدر يفوق المرشحين أنفسهم، من خلال زيارات شعبية قام بها بنفسه للترويج لها وحث التونسيين على المشاركة فيها، خاصة وأنه لا توجد آلية تجبر الرئيس على التنحي، وربما يواصل الرهان على الدور الثاني من الانتخابات المقرر إجراؤه في مارس المقبل.

 

يمكن هنا الإشارة إلى بيان وزارة الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها نيد برايس الذي رأى أن الانتخابات البرلمانية في تونس "خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي في البلاد"

وما يساعد الرئيس سعيد على المضي في سياساته المتفردة، وعدم الالتفات للمعارضة التي يتقدمها حزب النهضة، أنها منقسمة على نفسها، لتضارب خلفياتها الأيديولوجية، وعدم تمكنها حتى اللحظة من تقديم بديل يقنع الشعب التونسي، ولذلك فإن مراقبين للساحة السياسية التونسية يعتقدون أن العزوف عن الانتخابات ليس بالضرورة نابع من معارضة التونسيين للرئيس سعيد ودعماً للمعارضة، وإنما شعرواً عاماً منهم بإحباط كبير من الطبقة السياسية بأكملها في البلاد.

ويراهن كثيرون على الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر منظمة نقابية تونسية، وكان له دور كبير في ثورة العام 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل بن علي، فهذه المنظمة هي الأكثر تنظيماً في البلاد، وتمتلك القدرة على إحداث التغيير، ولكنها لم تتحرك بعد بالمستوى الذي يحدث هذا التغيير.

وإذا أرادت قوى المعارضة والاتحاد العام للشغل إحداث التغيير الذي يعيد البلاد إلى مسارها الديمقراطي، الذي دفع التونسيون من دمائهم في سبيله خلال الثورة، فعليهم تجاوز تناقضاتهم وتوحيد خطابهم، وتقديم البديل الذي يقنع الشعب التونسي بمستقبل أفضل، خاصة وأن الرئيس سعيد يخوض معركته بعناد كبير، ويستند إلى قوى دولية وإقليمية تدعم سياساته وتوجهاته، ويمكن هنا الإشارة إلى بيان وزارة الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها نيد برايس الذي رأى أن الانتخابات البرلمانية في تونس "خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي في البلاد"، ورغم أنه قال في البيان نفسه إن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من المشاركة السياسية على نطاق أوسع، إلا أنه تجاهل كيف وصلت البلاد إلى هذه الحال من التردي سياسياً واقتصادياً، بفعل سياسات الرئيس سعيد المتفردة.

بعد هذه النتائج الهزيلة، وما أعقبها من اعتقال "علي العريض" رئيس الحكومة التونسية السابق ونائب رئيس النهضة، والذي قضى في سجون النظام السابق 11 عاماً، يبدو أن الرئيس سعيد ليس في وارد التراجع عن خطواته، وسيمضي فيها غير آبهاً بأصوات المعارضة، ما يجعل الشهور القادمة من العام الجديد 2023 حبلى بأحداث قد تلقي بتونس في مهب الريح.. ولن نقول ثورة جديدة إلا إذا كانت أحد أبرز مقدماتها وحدة مواقف قوى المعارضة، مؤيدة بالاتحاد العام للشغل.

 

أعلى