• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الجنرالات... ومستقبل باكستان

الجنرالات... ومستقبل باكستان


لا يحتاج الأمر كثيراً من الحكمة لفهم أسباب تناول الإعلام العالمي عملية تنصيب الجنرال قمر جاويد قائداً للجيش الباكستاني خلفاً للجنرال رحيل شريف، الذي انتهت ولايته التي استمرت ثلاث سنوات توجها بتقاعد هادئ في بادرة هي الأولى من نوعها منذ عشرين عاماً. اختيار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف للجنرال قمر جان جاويد من بين عدة جنرالات في الجيش كان بمثابة اختبار لطبيعة العلاقة بين حكومة حزب الرابطة الإسلامية الذي يمثل الشعب وصعد إلى الحكم بواسطة صناديق الاقتراع، وبين أوتوقراطية الجيش الذي يعتبر صانع القرار الحقيقي في البلاد.

يقول اشتياق أحمد الخبير في العلاقات الدولية لموقع "لاتايمز": "كان لدى الجنرال رحيل شريف فرص كبيرة لتكرار الماضي وإسقاط التحول الديمقراطي في البلاد، لكنه اختار غير ذلك... في الوقت نفسه الجيش كمؤسسة في وضع أقوى بكثير تحت قيادته".

من جانب آخر، يقول العميد المتقاعد، سعد محمد: إن بعض القوميين والإعلاميين ومافيا المتقاعدين من الجيش يريدون منه أن يبقى، لكنه خيب أملهم، كان واقفاً في وجه الهند، وانتشل الجيش من اليأس وضرب الإرهاب بيد من حديد، سيسجل التاريخ أنه أحد أفضل قادة جيشنا شعبية.

رغم أن جميع المؤشرات تنبأت بأن الرئيس الباكستاني ممنون حسين، صادق على قرار تعيين جاويد تماشياً مع رغبة رئيس الوزراء نواز شريف لتسليم هذا المنصب لشخصية عسكرية ذات توجهات قومية وتحافظ على بيئة ديمقراطية قابلة لتداول السلطة في بلد يقطنه 190 مليون نسمة، إلا أن ميزان القوى (مدنياً وعسكرياً) لا يزال غير متوازن للغاية وأن وكالات الأمن الباكستانية سوف تستمر في السيطرة على السياسات الخارجية والعسكرية.

وسيتسلم الجنرال جاويد - الذي تلقى تدريبا عسكرياً في كندا وتقلد مناصب مختلفة في القوات المسلحة الباكستانية خلال 35 سنة من العمل وكذلك ضمن بعثة الأمم المتحدة في الكونغو - قيادة سادس أكبر جيش في العالم، مع عدة ملفات ثقيلة تتمثل في الحفاظ على مصالح الجيش الاقتصادية في البلاد وأبرزها الاستثمارات الصينية التي تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار، وإكمال ملف الحرب على الإرهاب الذي بدأه الجنرال راحيل شريف، بالإضافة إلى الصراع مع الهند على كشمير، والشراكة الأمنية المضطربة بين باكستان والولايات المتحدة في أفغانستان وكذلك العلاقات الباكستانية الإيرانية وتأثير المعارضة البلوشية عليها.

وعلى رغم من انتقاد البعض لتعيين الجنرال الجديد نظراً لكونه ينتمي إلى الطائفة الأحمدية، إلا أن بعض الخبراء في الشأن العسكري الباكستاني، اعتبروا أن مثل هذه القضية ليس لها تأثير حينما يكون لدى الجيش عقيدة قتالية قومية.

ينتمي القائد الجديد للجيش الباكستاني إلى اللواء 111 في الفيلق العاشر الذي يتخذ من روالبندي مقراً له، وهو أكبر التشكيلات العسكرية في الجيش الباكستاني، ويعتبر سيئ السمعة لمشاركته في عدة انقلابات عسكرية كان أخرها في أكتوبر عام 1999 حينما انقلب الجنرال برويز مشرف على حكومة نواز شريف.

يقول الجنرال المتقاعد طلعت مسعود: إن التوتر على الحدود الهندية هو المعضلة الأبرز التي على قائد الجيش الجديد مواجهتها. لا سيما في ظل تصاعد المواجهات في الفترة الأخيرة بين الطرفين حيث قتل الأسبوع الجاري 7 جنود هنود، قبل أن يقتل الأسبوع الماضي تسعة مدنيين جراء سقوط قذيفة هندية على حافلة في إحدى القرى المحاذية للحدود.

خلال العام الجاري حجب الكونغرس الأمريكي 300 مليون دولار مساعدات كانت تقدَّم للجيش الباكستاني واتُّهم بالتقاعس عن ملاحقة المسلحين على الحدود الباكستانية الأفغانية. وتخشى باكستان أن تتعمق العلاقات بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية عقب تسلُّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب للسلطة، خصوصاً في ظل علاقات تجارية ضخمة بين الطرفين، على حساب العلاقات الباكستانية الأمريكية المرتبطة بالشراكة في محاربة "الإرهاب" في أفغانستان. وكان مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين قد صرَّح بأنه دعا ترامب إلى قلب جمهوريات الحكم الإسلامي ومنها إيران وباكستان، باعتبارها حواضن للإرهاب.

 وفي مقابلة مع صحيفة "هندوستان تايمز" في منتصف أكتوبر الماضي صرح ترامب بأنهم مقبلون على تعزيز صداقتهم بالهند، مُبدياً استعداده للوساطة في الصراع بين باكستان والهند على كشمير.

وتعتبر أفغانستان هي النقطة الأهم في تقييم العلاقات الباكستانية الأمريكية، إذ تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2001 وبداية الحرب على طالبان والقاعدة على الجيش الباكستاني في توفير ممرات أمنة لقواتها في تلك الحرب المتواصلة حتى اليوم، مقابل تقديم مساعدات عسكرية سنوية لباكستان، لكن واشنطن في كثير من الأحيان عرَّضت الجيش الباكستاني لمواقف محرجة مثل قضية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة في قرية أبوت أباد الباكستانية، كذلك استهداف مدنيين بطائرات استطلاع أمريكية على الحدود الأفغانية الباكستانية، لكن ترامب في تصريحاته خلال الانتخابات الأمريكية أشار إلى مسار جديد لنوعية العلاقات بين الطرفين حينما قال: "إن بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان مرهون بوجود الترسانة النووية الباكستانية".

 على غرار أزمتها مع الهند، تعيش باكستان أزمة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى مع جارتها إيران، التي تتهمها باكستان بدعم الأقلية الشيعية في البلاد، ويوجِّه قطاع عريض من الباكستانيين نقدًا كبيرًا للدور الذي تقوم به المراكز الثقافية الإيرانية في باكستان، ويرون أن هذه المراكز تحوَّلت نشاطاتها بعد الثورة الإسلامية من تعليم اللغة الفارسية إلى نشاطات دينية/ طائفية (شيعية)، وتتفاوت الآراء بشأن هذه القضية؛ فهناك فئة ترى أن المشكلة انعكاس لصدام مذهبي سني/ شيعي، ففي حين تدعم إيران المجموعات الشيعية، تُقَدِّم  أطرف أخرى دعماً سخياً  لحركات سنية في باكستان.

أمام قائد الجيش الجديد مهمة الحفاظ على تطور العلاقة مع الصين، إذ تعتبر باكستان، الصين حليفاً رئيسياً لها في مواجهة الهند، ولا سيما أن الصين تزود باكستان بالعتاد العسكري والطائرات الحربية والغواصات، بالإضافة إلى الممر الاقتصادي بين الطرفين، ولا يجب هنا التغافل عن أن الدعم الصيني لباكستان تريد الصين من خلاله إرسال رسالة مفادها أن الشراكة الهندية الأمريكية المشتركة في تعزيز نفوذ اليابان يقابله استخدام صيني للورقة الباكستانية ضد الهند التي تعتبرها الصين منافساً شرساً في آسيا. وهنا يجب التأكيد على أن استقرار تعزيز نفوذ الجيش داخل باكستان يعني الإبقاء على السياسات السابقة للخارجية الباكستانية، لكن كون الجنرال جاويد مضطلع جداً بالملف الكشميري ويأتي صعوده بالتزامن مع تطور الأحداث على الحدود بين الهند وباكستان، فلا يستبعد أن تكون هذه المهمة هي الرئيسية بالنسبة لفترة توليه قيادة الجيش الباكستاني خصوصاً مع قرب إغلاق ملف الإرهاب الداخلي وتحقيق استقرار نسبي في مناطق المواجهات مع المتمردين من حركة طالبان وغيرها من الجماعات.

 

أعلى