• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الشيشان بين الماضي والحاضر

الشيشان بين الماضي والحاضر


"من حق الأجيال الحالية، التي لم تعش بطولات أرض الشيشان أن تعرف تاريخ وجهاد وبطولات هذه الأرض، خاصة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمّة، كما أن القارئ سيخرج بعبَر وفوائد ونتائج هامّة يستفيد منها في قراءة الأحداث المعاصرة، خاصة أنها مرحلة ثورات وانقلابات ومؤامرات وثورات مضادة، ومرحلة يستهدف فيها عملاء الأمة حتى ماضيها المشرّف ويحرفونه انتصاراً لضلالهم ومشايخهم وانتقاماً من أهل الحق الذين فضحوا عمالتهم وانحرافاتهم".

تعتبر الشيشان في الذاكرة العربية الإسلامية أرض الملاحم والبطولات، وأسطورة العز والشهامة، ولا يذكر اسمها إلا مقروناً بالتضحيات الجسيمة، التي قدمها شعبها لنيل حريته، والتخلص من الهيمنة الأرثوذكسية البغيضة، والعيش في ظلال الإسلام، وقد احتفظت لنا كتب التاريخ بمشاهد العز، التي سطرها قادة الجهاد والمقاومة الشيشان، أمثال البطل منصور، والزعيم مولاي الغازي محمد، والإمام الأسطورة شامل، كما تحتفظ الذاكرة الإسلامية المعاصرة بمشاهد الإباء في نهاية القرن العشرين، والتي تجسدت في الزعيم الشيشاني الكبير جوهر دوداييف، الذي تحدى الروس وأعلن استقلال البلاد، فناجزوه وناجزهم، حتى ألحق بهم خسائر فادحة، وهزائم منكرة، لم ولن ينساها الروس أبداً، ولا يزال المسلمون يفتخرون بما فعله الرئيس الشيشاني الثاني؛ سليم خان ياندرباييف في قصر القياصرة الروس بموسكو، عندما أذلّ يلتسين، وجعله يتواجه معه وجهاً لوجه في مفاوضات انتهت لصالح الشيشان حينها، لكن الناظر في واقع مسلمي هذه الجمهورية الإسلامية اليوم ليَهوله التحول الخطير الذي آلت إليه أوضاع الإسلام بين المسلمين الشيشان؛ فما الذي يجري في بلاد الشراكسة؟ ومن يقف وراء هدم أسطورة الجهاد والمقاومة في بلاد الإمام شامل؟ وهل تتحمل الصوفية التي تحكم البلاد اليوم مسؤولية انهيار هيبة استمرت أربعمئة سنة؟ كيف يفسَّر خروج مئات الآلاف من المسلمين الشيشان احتفالاً بعيد ميلاد بوتين؟ وكيف يفسَّر خروج مئات الآلاف منهم حاملين صور السفاح بوتين، وشعارات مؤيدة لسياسات السفاح بوتين؟ كيف تحول الشيشاني من مجاهد ومقاوم، إلى جندي يقسم بولائه المطلق لفلاديمير بوتين، ويبدي استعداده للموت من أجله؟ ونحن هنا لا نتهم الجميع، لكن عدداً لا بأس به من الشباب هناك قد انخرط في المشروع البوتيني القاديروفي للأسف الشديد.

الشيشان أسطورة حرب استمرت 400 سنة:

وفقا للمؤرخين العسكريين من الروس، فإنّ أول اشتباكات وقعت بين المسلمين الشيشان والروس كانت قبل 400 مئة سنة من الآن، عندما خرج الإمبراطور الروسي بطرس الأول في رحلة استكشافية لجبال القوقاز الشامخة، ترافقه وحدات متقدمة من الجيش الإمبراطوري الروسي، واندفع المسلمون التشيتشين نحو الغزاة بكل قوة وبسالة، يرومون طرد الخيول المعتدية، ورد عاديتها، وكان لهم ذلك، غير أن الأمر لم يكن مجرد جولة جبلية قادها أعظم حكام روسيا في جبال القفقاس، بل كان بدايةً لحرب لم تنقطع جولاتها إلى اليوم، حيث استمرت المناوشات بين الفريقين من وقت لآخر، لعدة عقود.

وعندما ضعفت الخلافة العثمانية، بسبب الحروب الروسية العثمانية، التي استمرت قرنين من الزمن، وكانت أحد أهم أسباب انهيارها، استغل الروس الفرصة، وقرروا التوسع نحو آسيا الوسطى والقفقاس، فكان نصيب الشيشان من العدوان الروسي كبيراً ومدمراً، غير أنهم لم يخضعوا للأمر الواقع، فظهرت حركة الإمام منصور (واسمه الحقيقي محمد) في القرن 18م وكان ظهوره بداية انطلاق جهاد مقدس، يروم طرد الروس، وتوحيد شعوب القوقاز، والعيش في ظلال الإسلام، وقد تجمّع لدى الزعيم القوقازي جيش ضخم، ضمّ آلاف المقاتلين المتمرسين على القتال، وقد ساهم في حصول ذلك عوامل عدة، من بينها: التربية العسكرية التي ينشأ عليها الطفل القوقازي عامة، والشيشاني خاصة، فمن أبرز الخصائص التي يتمتع بها الجبليون (وهو لقب من ألقابهم)، تلك التربية التي ساهمت في الوقوف موقف الند أمام الجيوش الضخمة للقياصرة، حيث ينشأ الفتيان على ركوب الخيل، والتدرب على استعمال السيوف، واتقان فنون القتال والمصارعة، ومن أهم الأسباب التي سهلت على الإمام منصور إعلان التعبئة والنفير: قداسة الإسلام في نفوس شعبه، ووضوح خطوط الولاء والبراء، فقد كان الناس، يعظمون الانتماء للإسلام، ويستعظمون شر أبسط تقارب بينهم وبين الروس. وتمكن الإمام منصور من تحقيق انتصارات مدوية أيام القيصر كاترينا الثانية، التي عرفت بعدائها الشديد للمسلمين، غير أن خيانة خارجية تعرض لها الإمام، أدت إلى نهاية هذه الحركة الجهادية الفريدة في نوعها، التي استمرت عدة سنوات، والتي أجهضت مخطط إحلال الأرثوذكسية في بلاد القوقاز محل الإسلام، وأفسدت خطة توطين الروس مكان المسلمين، واحتلال شمال القوقاز وإلحاقه بروسيا.. وهدأت الأمور برهة من الزمن، لتنفجر الشيشان وبلاد القفقاس بحركة جهادية أشد بأساً وزخماً، قادها العالم الرباني الإمام الغازي مولاي محمد، الذي دوَّخ الروس، وأثخن فيهم، وأنهكهم وشرد بهم مَن خلفهم، وكان رد الروس على حركته عنيفاً جداً؛ إذ دمروا في حملاتهم المتلاحقة لإخماد ثورته عشرات القرى، ومئات المساجد، واتخذوا سياسة الإبادة منهجاً للنيل منه ومن شعوب القوقاز كافة، واستمر جهاده ضدهم، حتى سقط شهيداً في أحد المعارك غير المتكافئة أصلاً، ولم يرحل مولاي الغازي محمد حتى ثبَّت في المسلمين حب الجهاد وعشق الحرية والعزة، والعمل على أن يكونوا أحراراً من أغلال التبعية لعباد الصليب. ومع رحيله ظن الروس أن عنفوان حركته سيخبو وينطفئ، غير أن الأمور لم تجرِ كما تمنى الروس، فقد تولى القيادة من بعده الأسطورة البطل الإمام شامل، أحد أعظم قادة الجهاد على مر تاريخ القوقاز، وأحد أبرز زعماء شعب القوقاز على الإطلاق، هذا الرجل الذي تمكن بحنكته العسكرية من إبادة حملات روسية جرارة، وتمكن من تحرير أراضٍ كثيرة من أيد الروس، وأثار في نفوسهم الرعب، وصار اسمه مبعث قلق لدى القيصر، ومصدر فخر للمسلمين في الأرض بعد أن ذاع صيت انتصاراته على أعظم جنرالات روسيا القيصرية، وتذكر كتب التاريخ عنه بطولات نادرة، تذكِّر المسلمين ببطولات القعقاع، والبراء بن عازب، والمثنى وخالد رضي الله عنهم، واستمرت حربه ضد الروس، وتقدم نحو أراضيهم، لكن تحولاً خطيراً حدث في مسيرته الجهادية، فقد استنجد به الجيش العثماني ضد الروس في أحد معارك جزيرة القرم، ثم تخلى عنه قادة الجيش، الذين فضلوا الاستسلام وسحب جنودهم، بدل الاستبسال والاستمرار، الأمر الذي رآه الإمام خيانة عظمى للإسلام والمسلمين، فاستمر في قتاله إلى أن تعاظم الأعداء حوله، وانتهت المعركة بخسارته، تلك الخسارة التي لم يكن سببا فيها، بل كانت بسبب خذلان خارجي، وقد عجلت الخيانة التي تعرض لها جيش الإمام شامل، وانتهاج الروس سياسة الأرض المحروقة، وتهجير شعوب القوقاز، بإيقاف الحرب والاستسلام حفاظاً على شعبه من الإبادة التي كادت تفني الشيشان على بَكرة أبيهم، بعد أن استحرَّ القتل فيهم، بسبب همجية المدفعية الروسية ووحشية الروس، التي لا تراعي شرفاً ولا ذمة في المعارك والحروب، وتم نفيه إلى موسكو، ولبث هناك قليلاً، ثم أُذن له بالخروج إلى مكة المكرمة، وبقي فيها حتى وافته المنية.

إن استعراض هذه الحركات الثلاث لا ينفي وجود حركات جهاد ومقاومة عظيمة في بلاد الشيشان، فهذه الأرض تزخر بقصصٍ وملاحمَ عظيمة، سطرها ثلة من أبطال المسلمين: مثل البطل حاجي مراد، الذي أُعجب الروس بمدرسته العسكرية أيما إعجاب، والإمام أوموداييف، والإمام علي بك حاجي، وغيرهم، غير أن القصد في هذا المقال إبراز خصال الشجاعة وعشق الحرية لدى شعب الشيشان، حتى يتبين للقارئ فيما بعد أن الفترة التي تعيشها الشيشان اليوم، إنما هي فترة منكرة واستثنائية في تاريخ هذا الشعب المجاهد، فترة يقودها عملاء وخونة، أبَوا إلا تلطيخَ سجل الشرف الذي سطره أجدادهم بدمائهم الطاهرة.

الشيشان في الأدب والتاريخ الروسي:

لطالما أثَّر الغالب في المغلوب، غير أن هذه القاعدة عرفت استثناءات تاريخية، منها إسلام التتر الغزاة على أيدي المسلمين المحتلين، ومنها إعجاب وتأثر الروس بمآثر الجهاد القوقازي، وبسالة الشيشان خاصة، حتى صار علية القوم منهم والأدباء والمؤرخون الروس، يفضلون مرافقة الجيش الروسي في حملاته إلى أرض الشيشان، من أجل رفع أسهم الشهرة بين قومهم، ولذلك لا يوجد أديب أو مؤرخ أو شاعر روسي شهير، إلا ونال الشهرة من خلال هذه الأرض، فالأديب تولستوي ألّف كتاباً كاملاً عن البطل حاجي مراد، مساعد الإمام شامل، وبوشكين الشاعر والأديب الشهير أنشد الأشعار تلو الأشعار يتغنّى فيها بشجاعة أهل الشيشان، ولم يتخلف عن ذلك كثير من الغربيين الذين درسوا تاريخ الحروب الروسية القوقازية، ما يدل على أن ترسخ صورة الفارس الشيشاني الشهم، والمقاتل النبيل في الذاكرة الروسية، لم يكن ليحدث لولا ضخامة التضحيات التي قدمها هذا الشعب الجبلي الشديد، الذي قاوم كل الحملات الروسية الشرسة، ولم يخيفه العدد الضخم الذي كانت تتفاخر به القوات الروسية، ولقنها دروساً في العزة والمروءة، تلك الدروس التي لا تزال تشكِّل عقدة كبيرة لدى الفرد الروسي، وتشعره بالخزي والعار، فالوحشية والغدر الذي واجه به الروس أبطال الشيشان، لا تزال حاضرة في الذاكرة الجمعية للشعب الروسي.

حرب الاستقلال 1991م عاد الروس وعادت البطولات:

ومع نهاية الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفييتي سابقاً وإعلان عدد لامن الجمهوريات السوفييتية استقلالها، أعلن الزعيم الشيشاني الكبير جوهر دوداييف الاستقلال عن روسيا عام 1991م بعد اجتماع للمؤتمر الوطني العام للشعب الشيشاني، لتبدأ مرحلة تاريخية جديدة، انطلقت من أداء الجنرال جوهر دوداييف لقسم الولاء على القرآن الكريم، وكان ذلك حدثاً مهيباً في حياة الشعب الشيشاني، الذي استذكر في هذا الموقف الحروب الماضية، والتهجير القسري إلى سيبيريا ومختلف مناطق العالم، كما كانت مناسبة عزيزة على كل فرد منهم ليحلم بحياته في ظل مبادئ الإسلام الحنيف، بعيداً عن الفجور والطغيان الروسي، وقد كان دوداييف رجلاً مهيباً، محبا للإسلام، إذ أمر مع بداية حكمه بإنشاء المعاهد الإسلامية وبناء الكليات الجامعية، وأرسل وفوداً لكل دول العالم الإسلامي، ليعلن عودة جمهورية الشيشان إلى حضن الأمة، ويحشد الدعم لقضيته، ولعل أبرز ما يلفت النظر في هذه المسألة؛ إرساله وفداً مميزاً من الدعاة والمصلحين إلى الجزيرة العربية، وإلى مكة المكرمة بالضبط، وقد وصل هذا الوفد المبارك سيراً على الأقدام بعد أن قطع آلاف الكيلومترات لتأدية فريضة الحج، والتعريف بقضية الشيشان لدى قادة السعودية، وهذا دليل على عظمة الإسلام في نفوس الشيشان، وحضوره الدائم في حياة قادتهم عبر التاريخ، غير أن الأمور لم تسر مثلما أراد التشيشتين، حيث تقبلت روسيا استقلال عديد الدول التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفييتي سابقاً، بفضل مادة دستورية فيه، تخول لكل دولة الانفصال والاستقلال عن روسيا، لكنها رفضت استقلال الشيشان، وأعلنت الحرب عليها، واللافت للنظر، أنه قبل إعلان الحرب ظهرت مجموعات من الخونة، حاولت التصدي لمشروع الاستقلال، والطعن في الرئيس جوهر، بل وصل بهم الأمر إلى التحالف مع روسيا، والاستعانة بالطيران الروسي من أجل القضاء على حركة الاستقلال، وكان من أبرز رجالات موسكو في هذه الفترة عمر أوتورخانوف، ودوكا زافغاييف، غير أن الشعب الشيشاني سحق الموالين لموسكو، وعلى ذكر الخيانة والخونة، فإن الملحوظ في تاريخ الحروب الشيشانية الروسية، أن الخيانة كانت أبرز عدو لهذا الشعب العظيم، بسبب فئة باعت نفسها للشيطان، فالخونة عبر التاريخ يفضلون التحالف مع الغازي والسفاح، من أجل تحقيق أغراضهم الدنيئة، وإرضاء شهواتهم السافلة، وهو موضوع خطير، ترك آثاراً خطيرة على الأمة، ويثبت التاريخ أن المسلمين عانوا دائما من حركات الخيانة، وهو ما سنراه يتجدد هذه المرة في الشيشان، بسبب تحالف خونة الصوفية الناقمين على توجهات جوهر دوداييف، مع الشيوعيين الحاسدين والحاقدين عليه ووضعهم اليد مع ملة الإلحاد والقتل، محاولين ثني الشعب عن حركة التحرر، بالقوة وبالإشاعة والتشويه، ورغم ذلك جهاد وناضل الشعب الشيشاني بكل بسالة، تحت قيادة جوهر ومسخادوف وشامل، رغم استعمال الروس كافة الأسلحة (ما عدا السلاح النووي)، وانبهر العالم كله بمشاهد البطولة وآيات الإباء التي سطرها رجال ونساء الشيشان، وانتهت الحرب الأولى، التي امتدت من سنة 1994م إلى 1996م، بانتصار الشيشان، وتوقيع اتفاقية لوقف الحرب، وارتقت إلى معاهدة سلام، سنة 1997م، تعطي للشيشان حق الاستقلال بعد خمس سنوات، غير أنها لم تصمد طويلاً، فقد انتهت فعلياً عام 1999م، بعد مجيء السفاح فلاديمير بوتين؛ فما الذي حدث بعد تربع الأخير على كرسي الحكم في روسيا؟

بوتين وقاديروف والمؤامرة الكبرى على الشيشان:

بعد مجيء بوتين لرئاسة الوزراء سنة 1999م، قام بإعلان الحرب على جمهورية الشيشان بعد شهر من توليه منصبه الجديد، ونقض اتفاقية السلام بين روسيا والشيشان، التي كانت تنص على استقلال الشيشان بعد مرور خمس سنوات من توقيع اتفاقية السّلام، يدفعه إلى ذلك كرهه الشديد للمسلمين، وحزنه على زوال الاتحاد السوفييتي، ومعرفته بأنّ الوصول إلى رئاسة روسيا يتم عن طريق الحرب في القوقاز، ولم يطل الأمر كثيراً، حيث شن حرباً لا هوادة فيها على المسلمين الشيشان، بعد أن زج بقوات إضافية بلغت أكثر من مئة ألف جندي روسي مع بداية الحرب، ولم يمضِ إلا وقت قليل حتى تمكن من تدمير كل المدن والقرى التي اجتاحتها عشرات الدبابات، وقصفتها عشرات الطائرات، وشهدت الشيشان قتل وتشريد آلاف المسلمين، واستطاع بوتين شراء ذمم كثير من النفوس الطامعة والمريضة، التي أبدت استعداداً هائلاً لتقمص دور العمالة والخيانة؛ فكانت خيانةُ المفتي السابق للجمهورية أحمد قاديروف، وصاحب الخطب الرنانة، صاحب المقولة الشهيرة: "أيها الرجال، يا من تدافعون عن الإسلام والشيشان، ها هو مصير أوطانكم بين أيديكم، إذا كنا لا نزيد على مليون مجاهد يواجهون 150 مليوناً من الروس، فإن القضاء على روسيا نهائياً لا يستوجب أكثر من أن يقتل كل رجل منا 150 كافراً منهم"، المنعطفُ الكبير في تاريخ جمهورية الشيشان؛ فبعد أن انتُخب في نهاية سنة 2003م، عمد الرجل إلى تشويه الحقائق، والتعاون المطلق مع الروس، واعتمدت استراتيجيته على محاور هامة في محاربة المقاومة الشيشانية، كان أبرزها:

اعتبار الحرب الشيشانية الروسية مؤامرة أمريكية وهابية، والتركيز على استقطاب الصوفية، الذين كانوا يُكِنون عداوة شديدة لدوداييف ولمن بعده، والتركيز على النفخ في الروح القومية، ومعاداة العرب، واتهامهم بالتسبب في تدمير البلد، وشراء الذمم، وإغراء الكثيرين بالمال الوفير، ورغم تصفيته على يدي المقاومة سنة 2005م، إلا أن الأمور لم تتغير كثيراً، فمع مجيء ابنه رمضان قاديروف ازداد توجه الموالين لبوتين نحو الغرق في تشويه الماضي المجيد، وتدنيس سيرة الزعماء التاريخيين للبلد، ومعاداة العرب والمسلمين، والإمعان في العمالة والخيانة، حتى وصل به الأمر إلى وصف بوتين بإمام المسلمين في روسيا سنة 2010م.

لقد تحوّلت أرض الشيشان في عهد بوتين وقاديروف إلى أرض تدار منها المؤامرات ضد الإسلام السني الصحيح، وضد الجوار الإسلامي، ووصل بها الأمر إلى معاداة الشعوب الأخرى مثل الشعب الأوكراني، الذي ساعد الشيشان كثيراً أيام الحرب ضد روسيا بالسلاح والرجال، وتحولت أرض الشيشان إلى مسرح للعبث الصوفي، ومحلٍّ لتجريب إسلام روسي خطير، يراد نشره في جميع الدول الإسلامية، إسلامٍ خانع خاضع مهادن للكفر والطغيان.

وقد حرص نظام بوتين وقاديروف على استقطاب كل الرموز المعادية للإسلام السني، وحرص على استقطاب أعداء صحيح البخاري، والطاعنين في الصحابة، وصولاً إلى تبني واحتضان شيوخ الخيانة والعمالة، أرباب فتاوى سفك دماء المسلمين.

ومما سبق يتضح أن على المسلمين وخاصة العرب السنة أن يسعوا إلى التصدي لهذا النظام الخطير، من خلال فضحه وكشفه ومقاطعته، بدل السكوت عنه؛ لأنه الروس يحضِّرونه ليكون له دور بارز في قتل الروح الإسلامية في شعوب القوقاز وآسيا الوسطى، والموضوع خطير يستحق المتابعة، وَفْق صناعة الفعل بدل انتظار مخاطر مفاجئة نقابلها بردِّات فعل عشوائية غير مدروسة؛ فهل نفعل؟



 

 

أعلى