• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الزرادَشتية المَجوسية تنتعش في كُردستان

الزرادَشتية المَجوسية تنتعش في كُردستان

في التاسع عشر من شهر آذار/مارس عام2015م، أعلن في أربيل رسميا عن تشكيل المجلس الأعلى للزرادشتيين في كردستان العراق، والذي سيتولى الترويج للديانة الزرادشتية ونبيّها زرادشت!، وفقا لما أعلنه ( لقمان حاجی كریم) رئيس المجلس، في مؤتمر صحافي أقيم بالمناسبة وسط أربيل.

ويرى رئيس المجلس الأعلى للديانة الزرادشتية في كردستان العراق أن غياب هذه الديانة كان سببا في عدم امتلاك الأكراد دولة مستقلة، في حين يعتبر علماء دين مسلمون أن إحياء الزرادشتية هو قضية ذات أبعاد سياسية لا غير.

ويشير رئيس المجلس الأعلى للديانة الزرادشتية في كردستان العراق إلى أن أعدادهم في ازدياد مستمر، ما دفعهم إلى فتح أول معبد لهم نهاية أغسطس/آب عام2015م في مدينة السليمانية بكردستان العراق.

ويؤكد أن المجلس سيؤسس معابد أخرى في الإقليم بعد الحصول على الموافقات الرسمية من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

وللمرة الأولى منذ أكثر من 1000 سنة، قام السكّان المحليون في منطقة ريفية من محافظة السليمانية بمراسم قديمة في شهر أيار/مايو من عام2015م؛ حيث يضع الأتباع حزامًا خاصًا يدل على أنهم مستعدون لخدمة الدين واحترام معتقداته. إنّه أمر يشبه المعمودية في المسيحية.

وتعمل وزارة الأوقاف في كردستان العراق حسب قانونها الصادر من برلمان الإقليم على "ضمان حق العبادة وحرية الدين واعتناق الديانات والمذاهب والمعتقدات لجميع المواطنين".

وقال مدير العلاقات والإعلام في الوزارة (مريوان النقشبندي)، في بيان له في 1/12/2015م  إن: " أتباع الديانة الزرادشتية ظهروا من جديد في كردستان، وقدموا طلبا رسميا ليكون لهم ممثل في الوزارة، وأن يتم افتتاح معابدهم الخاصة، وأن الأشهر الأخيرة شهدت عودة هؤلاء في الأوساط الجماهيرية والثقافية الكردستانية بشكل محسوس، وهو ما يشير إلى هجرة الكرد المسلمين لديانتهم والتوجه إلى دينهم القديم؟" وفق قوله.

وتابع النقشبندي أنه "لا ينظر إلى ظهور الزرداشتيين وقبلهم البهائيين بمنظار المؤامرة، وأن تكون وراء ذلك أيادٍ خارجية أميركية وإسرائيلية أو ما يسمى بالماسونية العالمية،  أو الادعاءات الأخرى التي يحاول البعض من خلالها أن يتهرب من وقائع الأحداث الجارية الآن".

يذكر أن الزرادشتية كانت الديانة الرسمية للامبراطورية الساسانية (226م- 651م)، ويقدر عدد معتنقي الديانة حوال 190 ألف شخصحول العالم، يتركز معظمهم في الهند وإيران وأفغانستان وأذربيجان، فضلا عن المهاجرين من هذه المناطق في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكندا وسنغافورة.

ويحمل (لقمان حاجي كريم) لقب "البير"، وهي أعلى درجة دينية في الزرادشتية، وهو المرجع الديني الزرادشتي في إقليم كردستان العراق، ويشير إلى أن "لافتتاح المركز أهمية كبيرة بالنسبة إلى أتباع الديانة، لأداء المراسم والطقوس الدينية والتعريف بكتابها المقدس آفستا Avesta".

واعتبر الناشط نزاد نوري وهو من مؤسسي منظمة ( زند للمعرفة والفلسفة الزرادشتية) في بريطانيا عام 2006، وافتتح المركز رسمياً في اقليم كوردستان العراق في 21 اذار 2015، أختاروا هذا اليوم وهو اليوم الاول من اعياد نوروز لأنه العيد القومي للكرد وفقا لـنزاد الذي اعتبره المبادرة دليلا للانفتاح في اقليم كردستان. وهي “ اسهامة مهمة للعودة الى الاصالة الكوردية العريقة بالعودة الى مباديء زرادشت الانسانية الكبيرة".

نزاد يقول :" ولدت مسلما ولكن بعدما نشأت وتعلمت كانت دائما لدي تساؤلات لماذا انا ما عليه؟ لماذا علي أن أصدق الاساطير!! (= يقصد الاسلام) وها هو تراث اجدادي ماثل امام عيني؟ ولذلك تعرفت تدريجيا على التراث الزرادشتي ومن هم اجدادنا وماهو تاريخنا وتراثنا وما تعرضنا له على أيدي الآخرين(= العرب المسلمين الفاتحين لكردستان).

والدعاية للديانة الزرادشتية لها جذور تاريخية يراد إحيائها من جديد، ففي نهاية العقد العشرين من القرن الماضي، إدعى بعضهم بأنهم إكتشفوا أبيات من الشعر على قطعة جلد في كهف (هزار ميرد) قرب مدينة السليمانية تصف وقائع الفتوحات الإسلامية فى منطقة شهر زور( = شرق كردستان العراق) وما تمخض عنه هذا الهجوم من قتل زعماء الكرد! وهدم معابد النيران! وفرار الرجال إلى المناطق البعيدة وما تلاها من وقوع النساء والفتيات في الأسر!.

يبدو للباحث أن الذي حدا الى ظهور هذه المزاعم هو اكتشاف ثلاثة وثائق مدونة فى منطقة (هاورامان)  الواقعة على الحدود العراقية الايرانية التابعة لشهرزورعام 1909م، اثنتان منها كتبتا بالحروف اليونانية الكلاسيكية، والثالثة دونت بالخط الآرامى القديم، نشرت الوثيقتان الأوليتان في مجلة الدراسات الهيلينية عام 1915م من قبل البروفيسور مينس  MINS، أما الثالثة فقد نشرت من قبل البروفيسور كاولى A. COWLEY في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية البريطانية عام 1919م، ويعتقد بأن جميع هـــذه الوثائق ترتقي إلى العصر الفرثي (الأشغاني - ملوك الطوائف- 226ق.م-224م) ، وهذا العصر يسبق عصر الفتوحات الإسلامية بأكثر من ثمانية قرون، فضلاً أن وثائق منطقة هاورامان مدونة باللغتين الآرامية واليونانية، أما الوثيقة المزعومة المزورة فهي مدونة باللغة الكردية (لهجة منطقة هاورمان).

وعند دراسة اللغوي الكردي الدكتور (كامل حسن البصير) الاستاذ في جامعة بغداد لهذه الأبيات الشعرية وجد من خلال النقد الداخلي لها بأنها منحولة، " اصطنعها بعضهم من اللهجات الكردية المعاصرة لغرض ما" .

ومن جانب آخر فإن الباحث قد اطلع على أربعة أبيات شعرية باللغة الكردية - اللهجة الكرمانجية الجنوبية (السورانية) انتحلها الصحفي الكردي العراقي (حسين حسني موكرياني) وأودعها في مجلته (زار كرمانجي – اللهجة الكرمانجية - العدد 21 في 6 نيسان 1930م) الصادرة في مدينة اربيل، وضمنها فيما بعد المؤرخ الكردي الايراني (رشيد ياسمي) في كتابه (كرد وبيويستكي ونزادي وتاريخى آو) باللغة الفارسية )الروابط العرقية والتاريخية للكرد)، أدعى بأنها وجدت في كهف يقع في جنوب جيشانة في منطقة هورامان.

وترجمتها باللغة العربية:

خـربت المعابد وأطفئت النـيران

                              وأخفى كبــار الـقوم أنفسهم

هـدم العرب الظالمون منـازلنـا

                              من كَهناو وبالهيى إلى شَهرَزور

ســبوا النسـاء والعـذارى

                            وتخبـط الأبـطــال بالدمــاء

عادات وديانة زرادشت بقيت وحيدة

                             فلن يرحم هرمزد بعد اليـوم أحداً

ويبدو أن الطبيب الكردي الإيراني (الدكتور سعيد بن ملا رسول) الملقب بـ(سعيد خان كردستاني) من أهالي مدينة سنندج(= سنه) عاصمة كردستان الإيرانية والمتوفى سنة 1942م، والذي كان قد تنصّر على يد إحدى الإرساليات البروتستانتية التي كانت تعمل في منطقة أذربيجان الإيرانية  حوالي سنة1880م ، كان له دور في انتحال هذه الوثيقة بالتعاون مع الباحث الكردي الإيراني الآخر (البروفيسور رشيد باسمي) الاستاذ في جامعة طهران والذي ينتمي إلى عشيرة الباجلان الكردية ومن أتباع المذهب الشيعي الغالي( أهل الحق - العلي إلهية)، فتعاون هذان الشخصان في انتحال هذه الوثيقة لتشويه سمعة الإسلام. بالإضافة إلى ذلك فإن (ياسمي) بحكم عقيدته الشيعية وارتباطه الايديولوجي بمخططات الشاه الإيراني ( محمد رضا بهلوى- 1925-1941م)، كان يحاول هو الآخر الدعاية لأفكار الشاه حول توحيد الأمم الآرية (= الإيرانية) تحت رايته (آريا مهر) أي شمس الآريين، وإعتبار الكُرد  جزءاً من المنظومة الإيرانية ؛ لذا لم يمنحهم الحقوق لأنهم مثل أقرانهم الفرس سادة البلاد على الأقل من الناحية النظرية؛ لذلك كان يحاول بشتى السبل حرف الكُرد عن الإسلام واللغة العربية وربطهم باللغة الفارسية والديانة الزرادشتية على أساس أن زرادشت هو نبي الآريين (الفرس والكرد والبلوش والبشتون).

لذلك تلاقت أفكار هذين الرجلين في انتحال هذه الوثيقة، مهمة (سعيد خان) المرتد المسيحي تتجلى في تشويه سمعة الإسلام وكيف أنه انتشر عن طريق السيف!، فيما كانت مهمة (ياسمي) الشيعي الغالي تذهب إلى الدعاية للديانة المجوسية(= الزرادشتية)، وتشويه سمعة الإسلام من ناحية ثانية، وتحديداً سمعة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب الذي قضى على الدولة الفارسية الساسانية، وأطفأ النار المجوسية.  لذلك أدرج كل هذه المعلومات المزورة وغير الموثقة في كتابه المنوه عنه آنفاً.

ومن جانب آخر فإن محاولة بعض المثقفين الكرد تخليص زرادشت من ايرانيته وإعادة انتاجه كنبي كردي؟  لا يقع خارج الصراع الحزبي والمناطقي في  كردستان العراق، بالاضافة الى التدخلات الاقليمية، وتم الدعاية لهذا  الغرض من خلال طبع إحدى أقسام الآفستا (=الكاثا الكاتا – الاناشيد) باللغة الكردية – اللهجة السورانية، مع كتب أخرى تخص الزرادشتية على حساب مركز الفردوسي في لندن.

ومن الجدير ذكره أنه تم ادراج صورة العلم الفارسي الساساني(درفيش كاويان- راية كاوه) في مقدمة الآفستا المترجمة الى الكردية؛ كدليل على تضامن هؤلاء مع الفرس الساسانيين ضد العرب المسلمين، في إشارة الى معركة القادسية التي استطاع الصحابي (ضرار بن الخطاب الفهري) من قتل حامل(درفيش كاويان)، ولذلك منحه الصحابي القائد (سعد بن ابي وقاص) جائزة تقديراً لشجاعته.

إن الدعاية للزرادشتية المجوسية التي قد بلغت اليوم أوجها وأصبحت شعاراً لدغدغة العواطف القومية!، ليست في الحقيقة إلا ستاراً لنشاطٍ سياسيٍ مدروسٍ ومخططٍ له حدوده وأبعاده من قبل ايران وأنصارها من بعض الاحزاب الكردية اليسارية وبعض المثقفين الكُرد المعادين للاسلام، الذين يحاولون تسويق الأيديولوجيات الوهمية، فقد قال الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) في 2 مايو 2015م، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح مجموعة من المشاريع التنموية، بولاية بطمان في إشارة إلى معسكرات حزب العمال الكردستاني: "نملك وثائق تؤكّد قيام القائمين على تلك المعسكرات بتعليم مبادئ الديانة الزرادشتية لعناصرهم، علينا إدراك ذلك بشكل جيد وشرحه لأخوتنا الأكراد...".

وللعلم فإن الكردي المسلم لا يرجع الى الزرادشتية التي عفا عليها الزمن، بسبب كونها ديانة إيرانية بامتياز، وبسقوط دولتها على يد العرب المسلمين سقطت هي الاخرى، وأن الذين اعتنقوا الزرادشتية الذي  يقدمون أنفسهم الى الناس تحت عناوين جذابة(= الدولة الكردية)، والذين يستغلون أقلامهم لمآربهم الخاصة وخدمة أسيادهم في الغرب والشرق على حد سواء، دون الالتفات الى معاناة بني قومهم، والمعروفون بإنحرافهم عن التعاليم الاسلامية، والهرولة نحو منظمات التنصير وغيرها. سواء من أعلن نشاطه بعنوان الحرب ضد الاسلام، ومن جعل عنوان مكافحة الارهاب! حجة كاذبة له... إن هؤلاء لا يستطيعون تغيير عقيدة المسلمين الكرد التي مضى عليها اكثر من أربعة عشر قرناً.

كما أن الزرادشتية لم تكن دين الكرد الوحيد، فالمسيحية كانت منتشرة في وسط وغرب وشمال كُردستان مع اليهودية والميثرائية والوثنية، في حين أن الزرادشتية كانت تنتشر فقط في شرق كردستان، والدليل على ذلك وجود عدة معابد نيران فيها فقط، بعكس الاديرة والكنائس المسيحية وكنيسات اليهود التي كانت منتشرة بشكل لافت للنظر في كتب البلدانيين المسلمين، في حين أن غالبية معابد النيران كانت تتركز في اقليم فارس مسقط رأس المجوسية الزرادشتية وإقليم خُراسان(= شمال شرق ايران).

إذا كان للإسلام خاصية تجاه الكُرد، فهو قد حافظ على كينونة وذاتية الكرد أرضًا وشعبًا ولغةً وتراثًا، فاللغة الفارسية الحالية هي اللغة الدرية التي امتزجت مع اللغة العربية، ولم يبق من البهلوية الساسانية شيء إلاّ في بطون مصادر التاريخ الإيراني.

أما اللغة الكردية الحالية فلم تتأثر بشيء مثل نظيرتها الفارسية، وإنما احتفظت بخصائصها القديمة واستعاراتها الجميلة، لأن الإسلام لم يأتِ لكي يقضي على الخصائص القومية واللغوية والنسيج الاجتماعي للشعوب، إنما جاء ليحررهم من الأغلال والقيود ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة الأهواء والآلهة المتعددة إلى عبادة الواحد الأحد؛ جاء الإسلام لكي ينقذ الكرد من تعقيدات وطقوس المجوسية الزرادشتية (= الغسل بأبوال الثيران، والزواج بالمحارم...)، والمزدكية الشيوعية وغيرها، ولكي يسمو بالأديان السماوية إلى مصاف النور والتوحيد.

وختاماُ أذكر الزرادشتيين الجُدُد في كردستان بقول المستشرق البريطاني المشهور (أدوارد براون) المتوفى سنة1930م والمختص بالادب والتاريخ الفارسي في وصف أوستا (=  الكتاب المقدس للزرادشتيين): بقوله:" ... إنني متى ما رحت أطالع القرآن الكريم أكثر، وسعيت في سبيل إدراك روح القرآن أكثر، التفتُ الى قدره ومنزلته أكثر... بينما التحقيق والمطالعة في آوستا مُمِلة ومُتعِبة، اللهم إلا أن يكون الشخص بصدد التعرف على تاريخ الانسان وأساطيره...".

أعلى