اليمن ... كرامة الإنسان تدفن في سجون الحوثيين
فرض
الحوثيون ما بات يعرف في المجتمع اليمني "سلطة الأمر الواقع"، بعد
اجتياحهم المسلح للعاصة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي وست محافظات يمنية أخرى، وقدم
الحوثيون أنفسهم بديلا عن سلطة الدولة بحجة فرض الأمن الذي تنصلت الدولة عن القيام
به.
وبعد
أن وجد مسلحو الحوثي فراغ أمني "متعمد" في صنعاء وغيرها من المدن،
أغرتهم السيطرة في تصفية الخصوم بشكل متهور،فتطايرت شظايا عنفهم حتى طالت الأبرياء
الذين هم في منأى عن الصراع، وبزرت على إثر ذلك ظاهرة الاختطافات للمواطنين وزج
بهم في السجون دون تهمة، سوى أنهم يؤمنون خلاف مذهبهم وفكرهم.
مختطفون في سجون الحوثيين
يتحدث
بعض المختطفين الذين افرج عنهم الحوثيون عن حالتهم الانسانية التي عاشوها في سجون
الحوثيين، ويكشفون عبر "البيان"مأساة ما يتعرض له المعتقل من إهانات تمس
كرامتهم واستفزازات طائفية يتعمدون فعلها كحرب نفسيه على المعتقلين.
الشاب
"أ-ع" أحد المختطفين والذي
قضى في السجن 34 يوما يقول:"بعد خروجي من صلاة العشاء؛أشهر مسلحين حوثيين في
وجهي السلاح على أن اسلم نفسي، فصعدت معهم السيارة دون أي مقاومة".
لم يكن يعرف الى أي مكان سيكون مصيره، وفجأة وجد نفسه في
غرفة مغلقة وعليها حراسة أشعرته بمصير مجهول.
ويقول الشاب لـ"البيان" في الأيام الأولى خضعنا
مع بعض المعتقلين الى التحقيق، وتقدم لهم محققين لم يتسنى لهم معرفتهم نتيجة لخرقة
كانت معصوبة على أعينهم.
ويضيف : بدأ التحقيق وسألني أحدهم الى أي جهة تنتمي،
فقلت له أنا "سلفي"، ثم سأل: هل تعرف " عبد المجيد
الزنداني"؟. ما علاقتك بهزاع المسوري؟ يرد الشاب: ليس لي علاقة به هو إصلاحي
وعضو مجلس النواب عن الاصلاح.
يستطرد المحقق في الأسئلة ويطرح سؤال -فيه نفس طائفي- ما
رأيك بـ"يزيد"؟. يقول الشاب أنه لم يستغرب من هذا السؤال، ولكن حين سمع
أن أحد المعتقلين سألوه ما الحكم في الشرع "المني الذي يخرج من ذكر
الرجل"؟.
ويبدو من خلال هذه الأسئلة كما يقول "أ-ع"
كمجال من الفرز المذهبي الذي يتكشف لهم ما يعتنقه المعتقل من مذهب، لأن مني الرجل
في مذهب الزيدية يعد من النجاسات.
زنزانة انفرادية
ومع أن الحوثيين حاولوا تصفية حساباتهم مع خصومهم
السياسيين إلا أن ظاهرة الاختطاف -في الغالب-لم تطال إلا المتدينين، ولم تقتصر على
عامة المتدينين فحسب،بل تعدى إلى خطف أئمة المساجد الذين لهم تأثير في المجتمع.
حيث يقول الشيخ "م-أ" وهو امام مسجد ولديه
القراءات العشر في القرآن الكريم أن مسلحين حوثيين اعترضوه أثناء خروجه من المسجد وطلبوا
منهم مرافقته للتحقيق" وهي نفس الطريقة التي يتعاملون بها مع المعتقلين، ومن
يرفض طلبهم يأخذوه بقوة السلاح.
وجد الشيخ "م-أ"
بعد ساعات نسفه في زنزانة انفرادية مظلمة ليس فيها نوافذ، ويقول في حديثه
لـ"البيان" قضيت في زنزانة انفرادية ليس فيها أحد تكفي بأن تكون عامل
ضغط نفسي على كل من يدخلها، إضافة الى ذلك رفضهم أي تواصل مع أهلي وأسرتي طيلة 34
يوم قضيتها في الزنزانة.
حرب نفسية
لم
يكتف الحوثيون سلب حرية المعقلين في السجون بل حاولوا تعريضهم لاستفزازات وحروب
نفسية، استخدموها مع جميع المعتقلين الذين أدلوا بشهاداتهملـ"البيان"،
وهو أسلوب تقوم به الجماعة لانتزاع اعترافات من المعتقلين.
يقول
"ح-ر" والذي قضى 35 يوما في السجن، وقد أخذ نفسا طويلاَ "كانت تمر
الخمسة أيام كالخمس سنوات نتيجة للضغط النفسي الذي تعرضنا له".
ويضيف:
"حين يقرب الفجر يأتي مسلح غليظ ويفتح باب السجن بشراسة، ويُشغل السَّجان
أناشيد حوثية ولا تنتهي الا بالليل، وبين الفينة والأخرى يقومون بالصراخ
"الموت لأمريكا الموت لإسرائيل.." الشعار الذي يرددونه دائما وعقب كل
صلاة، إضافةالى ذلك يقولون لنا
كل يومستخرجون غدا، ثم يمضي اليوم ولا يخرج أحد، ويأتي اليوم التالي ويقول لنا كما
قيل باليوم الأول وهكذا...، وهذا ما أدى الى إصابتنا بشيء من الحالة النفسية، حتى
وصل أحد المعتقلين الى محاولة الانتحار.
ومن
الحروب النفسية يقول "ح-ر":"كان المسلحون الحوثيون يتقصدون إعلامنا
بمنجزاتهم الميدانية، وغالبا ما يقولون لقد سيطرنا على مدينة إب و البيضاء ومنطقة
كذا ووو إلخ، وهذه الأخبار كانت بالنسبة لنا جانب من الحرب النفسية، التي تعكس
مستقبل يبدو فيه اضطهاد لنا كتيار سني وواقع بئيس سيقدم عليه مجتمعنا".
وفضلا
عن ذلك، يقول "منعنا الحوثيين من التعرض للشمس 15 يوماَ، ومنع اسعاف أي مريض،
رغم تعرض بعض المعتقلين للأمراض والأوبئة".
وفيما
يتعلق بالمعتقلات التي يشرف عليها مسلحي الحوثي يكشف "ح-ر" عن معلومات
جلبها إليه أحد المعتقلين الذين التقاء بهم وهو ضمن من كان يعمل مع الحوثيين،
واعتقل بتهمه رفضه لبعض الأوامر يقول: إن هناك شخصيات بارزة كانت ولا زالت تعمل في
الحرس الجمهوري الذي كان يرأسه نجل الرئيس السابق علي صالح، ويدعى أبو يحيى وهو من
يشارك في إدارة منازل بيت علي محسن الاحمر وحميد الأحمر التي تحولت إلى مقرات
وسجون لزج كل معارضي الحوثيين، واعترف له أنه يعمل أيضا مع الحرس.
وبهذا
الانكشاف، يجرنا الى تساؤل مهم وهو: من يدير المشهد الأمني الذي بات هو الأقدر على
فرض سياسة الأمر الواقع ويتحكم بصنع القرار السياسي؟ وما موقف الحكومة من
الاختطافات التي تقوم بها جماعة الحوثي؟
منطق
السلاح و القوة، بات هو الأقدر على صناعة القرار السياسي في اليمن، وبما أن جماعة
الحوثي تمكنت من السيطرة بالقوة على مرافق
الدولة فهي الآن القادرة على إدارة المؤسسات الحكومية والأمنية، وإن ظل الرئيس
عبدربه في كرسي الحكم فهو أشبه بدمية تحركه جماعة الحوثي وتفرض قراراتها السياسية
والأمنية.
ولا
يخفي هادي الواقع الذي فرضته جماعة الحوثي المسلحة، حيث أعلن منتصف نوفمبر الماضي أمام قيادات الجيش "بأن
الحوثيين أصبحوا شركاء في الحكم"، وفي ذلك تمثل انتكاسة للمشهد السياسي في
اليمن نتيجة لتنبي رئيس الدولة جماعة مسلحة فرضت نفسها بقوة السلاح، الأمر الذي
سيفتح الباب للتمرد على سلطة الدولة كما صنع الحوثيون.
ولم
يقتصر الأمر في إشراك الحوثيين في الحكم ومرافق الدولة فحسب، ولكن هناك سعي حثيث
لترسيم مليشيات الحوثي في الجيش بصفة رسمية، وقد جاءت مقدمات ذلك حين أعلن وزير
الدفاع اليمني نهاية نوفمبر "بأنه سيتم استيعاب ودمج مجاميع من شركائنا في
العمل الوطني "الحوثيين" في القوات المسلحة والأمن لخلق التوازن الوطني
المطلوب".
ويبدو
أن الحوثيين الآن لا ينتظروا سوى تسليمهم "الزي العسكري" فقط، أما
تحركاتهم فقط أصبحت باسم الجيش، الأمر الذي سيجعل اليمن في واقع شبيه بما حدث،ويحدث
في العراق، لاسيما إذا استمر الحوثيون في تصفية الخصوم السياسيين، ومواصلة شن
حروبا على بعض القبائل السنية في المناطق الوسطى تحت ذريعة "الحرب على
الإرهاب"، والاختطافات التي تُخَّرِج أفراد ناقمين، وتعزز من حالة الفرز
الطائفي مستقبلا.
..........
تعذر
المعتقلون الذين أدلوا بمشاهداتهم لـ"البيان" عن ذكر أسمائهم؛ خوفاَ على
سلامتهم من المطاردة مرة أخرى من قبل الحوثيين، باعتبار أنهم هُددوا بالاعتقال مرة
أخرى إذا تواصلوا مع وسائل الإعلام.