المسلمون والانتخابات الهندية
المسلمون في الهند هم ثاني
أكبر تجمع في العالم الإسلامي بعد اندونيسيا، ويصل تعدادهم السكاني إلى 180 مليون
نسمة، وبالرغم من بعدهم عن الأضواء إلا أنهم قدموا خدمات جليلة لبلادهم سواء من
خلال العلوم الشرعية أو باقي مجالات العلم المختلفة.
وتعتبر " الأوردو"
هي اللغة الأم لمعظم مسلمي الهند، و بالرغم من أنها المستخدمة لتوثيق مناحي حياتهم
المختلفة إلا أن الجهات الحكومية لا تعطيها العناية التي تستحقها في الهند. يمثل
المسلمين 14.6 بالمائة من عدد السكان بحسب الجهات الحكومية وتمثل معدلات الخصوبة
العالية لدى المسلمين مسألة حساسة من الناحية السياسية للحكومة الهندية، فقد تعمدت
الدولة عدم إظهار نتائج تحليل أجرته للتعداد السكاني عام 2011 حتى الآن نظرا
لإمكانية تأثيره على الانتخابات العامة.
وطبقًا لدراسة قدمها مركز
أبحاث "بيو"، سيصبح عدد مسلمي الهند 236 مليونًا في غضون عشرين سنة، وبالرغم من ارتفاع الرقم، لكنه لا يزال أقل من خمس عدد
سكان الهند. ومع ذلك فإن التغيير في بعض الولايات أكثر وضوحًا . فمثلاً في ولاية
"آسام" التي تقع في الشمال الشرقي، يشّكل المسلمون ثلث عدد السكان، حيث
كانت هناك زيادة حادة خلال السنوات العشرين الماضية (مع أن الهجرة شكلت جزءًا من
هذه الزيادة).
ولا يزال المسلمين أيضا
يعيشون تحت طائلة القمع اليومي الذي يتعرضون له، ففي الاسبوعين الماضيين قتل 22
مسلما في هجوم نفذته عصابات "بودو" الهندوسية في ولاية آسام شرق البلاد.
و مع الأسف فإن المؤشرات تؤكد أن المسلمين هم الفئة الأبرز التي تعاني من التهميش
في الوظائف العامة و المقاعد الدراسية وكذلك في المناصب السياسية.
وخلصت دراسة بحثية جديدة
أجراها معهد الدراسات السياسية الأمريكي الهندي، وعملت على تقييم الواقع الذي يعيشه
المسلمين في الهند، إلى أن المسلمين "لم يطرأ عليهم أي تحسن ملموس".
وحتى في مجال التعليم فإن مكاسب المسلمين عمليًا متواضعة أكثر من المجموعات
الأخرى". و تشير بعض المصادر إلى أن محاولات رسمية باءت بالفشل لبناء مدارس
في مناطق المسلمين، بسبب سرقة أموال تلك المشاريع.
في ولاية "أوتار
برادش" فقد حزب "ساماجوادي" الحاكم أصوات المسلمين، بينما في مكان
آخر، حيدر آباد، اصطف المسلمون خلف أحزاب تطالب صراحةً بمصالحهم. بعد تقسيم شبه
القارة الهندية عام 1947 هاجر عدد كبير من المثقفين المسلمين وموظفي الحكومة
والأطباء ورجال القانون إلى الباكستان. وقد أدى ذلك إلى حدوث تغيير في البنية
الاجتماعية للمسلمين. وينحدر القسم الأعظم من المسلمين الذين آثروا البقاء في
الهند من مناطق ريفية. وعجّل انسحاب الطليعة المسلمة المدنية والمتنفذة اقتصاديًا
في تردي الأوضاع السياسية للطائفة الإسلامية، إلى جانب تدهورها الاقتصادي.
الانتخابات الهندية
مؤخرا قالت صحيفة نيويورك
تايمز الأمريكية إن فوز ''نارندا مودي'' المرشح الأبرز في الانتخابات الأخيرة في
الهند سيؤدي إلى مزيد من التهميش والإضعاف للمسلمين في الهند.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها
أن ''مودي'' هو المرشح القومي للهندوس على منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات. وكان
ظل على رأس ولاية ''جوجارات'' التي تعتبر واحدة من أغنى الولايات الهندية.
ويتحمل مودي المسؤولية عن
مقتل أكثر من '' 1000'' شخص عام 2002 أغلبهم من المسلمين في ولاية جوجارات التي
كان حاكما لها.ووفقا للصحيفة، فإن "مودي" لم يتخل عن طائفيته حتى عندما
أصبح مرشحا لرئاسة الوزراء.
وذكرت الصحيفة أن حزب
''باهارتا جانات'' يسعى إلى السيطرة على البرلمان الذي أعد اقتراح بإنشاء معبد
لإله الهندوس ''رام'' في مكان مسجد في شمال مدينة ''أيوديا''.
وعقدت نيويورك تايمز مقارنة
بين الثراء الملحوظ الذي أصبحت عليه مدينة ''جوجارات'' التي يسكنها الهندوس وبين
ولاية ''جوهابورا'' ذات الأغلبية المسلمة التي يظهر عليها ملامح الإهمال والفقر.
مذبحة كوجارات
في السابع والعشرين من شهر
فبراير عام 2002، وقع نزاع بين حجَّاج من الهندوس والسكَّان المسلمين في محطة
السكك الحديدية جودهرا في ولاية جوجارات الهندية. وفي أثناء هذا النزاع اندلع حريق
في قطار، الأمر الذي أسفر عن مقتل 59 شخصًا هندوسيًا.
وعلى الرغم من أنَّ أكثر
الدلائل كانت تشير في ذلك الوقت إلى أنَّ هذا النزاع قد اندلع بشكل عفوي، إلاَّ
أنَّ رئيس وزراء ولاية جوجارات، نارندرا مودي، وصف المسلمين بأنَّهم
"إرهابيون" كما أعلن أن القتلى من الحجاج الهندوس شهداء. وبحسب التقارير
التي وردت في وقت لاحق فقد أصدر في اجتماع لمجلس الوزراء تم عقده بعد هذا النزاع
أوامر تقضي بالامتناع عن التدخّل في حال وقوع هجمات ضدّ المسلمين.
وفي الأيّام والأسابيع
التالية، تم وفقًا لمعلومات جماعات حقوق الإنسان، قتل أكثر من ألفي شخص معظمهم من
المسلمين، قتلوا في هجمات استهدفت من خلالها الجماعاتُ القوميةُ الهندوسيةُ
الأقليةَ المسلمة.
وأظهرت التحريات التي تم إجراؤها في وقت لاحق
أنَّ هذه المذابح كان مُعدًا لها منذ فترة طويلة وأنَّ مأساة جودهرا لم تكن إلاَّ
ذريعة لتنفيذ هذه الخطط. وقد كشفت التحقيقات أيضًا أنَّ أعمال العنف هذه قد تم
تأجيجها أكثر وتوجيهها من قبل سياسيي حزب ناريندرا مودي - "حزب بهاراتيا
جاناتا" الهندوسي القومي.
كما صمت "مودي"
عند حدوث أحداث الشغب الأخيرة بين الهندوس والمسلمين في شهر سبتمبر 2013 في أوتار بارديش، والتي أودت بحياة 65
شخصاً، وشردت ما يزيد عن 50 ألف مسلم من بيوتهم.
وبالرغم من حالة الضعف التي
يعيشها المسلمون في الهند إلا أنهم يعدون بيضة القبان في الإنتخابات، ويطرح تساؤل
في أكبر انتخابات يشهدها العالم، وهو من سيستفيد من أصوات المسلمين؟!. كل الدلائل
تؤكد أنهم سيسعون لإعاقة تقدم حزب الشعب بزعامة الهندوسي القومي ناريندرا مودي إلى
السلطة، لمسؤوليته عن جريمة جودهرا.
وبحسب موقع
"القنطرة" فإن نحو 14 في المئة من سكان الهند مسلمون، وفي نحو مئة دائرة
(18 في المئة) من عدد الدوائر الانتخابية في الهند البالغ عددها 543 تمثل نسبة
المسلمين ممن لهم حق الانتخاب جزءاً كبيراً قد يحسم نتيجة الانتخابات. وتصل هذه
النسبة في بعض الدوائر الانتخابية إلى 40 في المئة.
تاريخياً كان حزب المؤتمر هو
الموطن السياسي للمسلمين الهنود، ولكن هذا الارتباط أصبح واهياً في العشرين سنة
الأخيرة. وبحسب البيانات الرسمية ما زال المسلمون ينتمون إلى أكثر الفئات السكانية
تعرضاً للتهميش الاقتصادي، لذلك هم يشعرون بخيبة الأمل من الحكومات المتعاقبة التي
يقودها زعماء حزب المؤتمر.
ويقول سانجاي كومار، الخبير
في الانتخابات، إن "مسلمي الهند سينتخبون الحزب الذي يعتقدون أن لديه أفضل
الفرص لهزيمة حزب الشعب الهندي في الدائرة الانتخابية المعنية".
ومن المرجح أن تستفيد من هذا
الوضع الأحزاب المحلية، كحزب سماتوادي (الحزب الاشتراكي) وحزب باهوجان ساماج الذي
أسس ليمثل قطاع المُهَمَّشين، ويتمتع كلا الحزبين بوجود راسخ في ولاية أوتار
براديش، أكبر الولايات الهندية من ناحية عدد السكان، وكذلك حزب راشتريا جاناتا دال
الذي يتمتع بحضور قوي في ولاية بيهار شرق الهند، والحزب المناهض للفساد آم آدمي.
ويرجّح الخبير سانجاي كومار
أن حزب آم آدمي على وجه الخصوص هو أحد خياراتهم السياسية المفضلة. ولا يجب أن ننسى
أن 180 ألف شيعي من مسلمي الهند قد يتجهون بأصواتهم لصالح الهندوسي نارندرا مودي،
وذلك إثر انتقال الشيعي "كونوار إقبال حيدر" عضو حزب المؤتمر السابق إلى
عضوية الحزب الهندوسي المتطرف.وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يعارض السُّنَّة
الذين يبلغ عددهم 450 ألف مسلم سني في مدينة "لوكنو" عاصمة ولاية
"أوتر براديش" فوز مودي الهندوسي؛ لتاريخه الأسود ضد المسلمين،
بينما يرى الشيعة أنه فرصتهم لوقف المد السني "الوهابي" إلى الهند على
حد وصفهم.