الإسلام في بلاد الساموراي
تلقى اليابانيون معلوماتهم عن الإسلام من
جيرانهم الصينيين، أو مما كتبه الأوروبيون لذلك يعرف تاريخ الإسلام هناك بأنه حديث
نسبيا، ففي سنة 1308 هـ زارت إحدى السفن الحربية التركية موانئ اليابان زيارة مجاملة،
ولكنها تحطمت في عودتها قرب جزر اليابان، ومات العديد من طاقمها، فأرسلت اليابان إحدى
سفنها تحمل الأحياء من الباخرة التركية إلى اسطنبول وكان هذا أول (اتصال إسلامي رسمي)
باليابان.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى افتتحت
مفوضية يابانية في القسطنطينية وأرسلت اليابان مبعوثا لها في جدة لتوثيق العلاقات بالعالم
الإسلامي، وعندما عقد مؤتمر اليانات بطوكيو في سنة 1326 هـ حضره مندوبون من بعض الدول
الإسلامية.
وعندما قامت الحرب بين الروس واليابانين في مستهل
هذا القرن زاد اتصال اليابان بالعالم الإسلامي، ووصل إلى اليابان العديد من المسلمين
كان من بينهم عبد الرشيد إبراهيم الذي طرد من روسيا بسبب نشاطاته الإسلامية، وكان صديقاً
للجنرال الياباني (أكاشي) وساعده في الدخول إلى اليابان في سنة 1327هـ. كان عبد الرشيد
داعية إسلامياً نشيطاً، أسلم على يديه العديد من اليابانيون منهم (كوتارو- ياما أوكا)
وحج الاثنان معاً في سنة 1327هـ، وتوفي عبد الرشيد إبراهيم سنة 1364 هـ الموافق 31
أغسطس 1944م. زاد اتصال المسلمين باليابان بعد الحرب العالمية الأولى، وفي سنة
1342 هـ قدم إلى اليابان مسلم لاجيء طرده الماركسيون من التركستان ويدعى (محمد عبد
الحي قربان).
كما قدم إلى اليابان في أعقاب وصول عبد الحي قربان
600 لأجيء من مسلمي التركستان، وكان هذا أول (وصول جماعي للمسلمين) إلى اليابان، ولهذا
يوجد العديد من الأتراك الذين ينتسبون إلى التركستان بوسط آسيا.
أسس قربان أول مسجد في العاصمة طوكيو عام 1357
هــ و ألحقه بمدرسة لتعليم القرآن ،وأسره الروس في نهاية الحرب العالمية الثانية، ونفي
إلى سيبريا وظل بها حتى توفي في سنة 1372 هـ.
وفي أعقب الحرب العالمية الثانية بعد عودة
الجنود اليابانيين من البلاد الإسلامية في شرق آسيا زاد انتشار الإسلام جراء
اعتناق بعض هؤلاء الجنود الإسلام، ومنهم (عمر بوكينا)، وهناك جهود فردية مثل ماقام
به (الحاج عمر ميتان) وقد اعتنق الإسلام أثناء وجوده في بكين، وعاد إلى اليابان في
أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذهب إلى الباكستان، ثم لإلى مكة المكرمة، معاد منها
في سنة 1385 هـ بعد أن زاد تعمقه في الإسلام ونشط الحاج عمر في الدعوة الإسلامية، وأسس
الجمعية الإسلامية في سنة 1380 هـ، وهاجر عدد من مسلمي الصين إلى اليابان بعد استيلاء
الشيوعيين على حكم الصين.
ومن أنشط المسلمين طبيب ياباني اسمه (شوقي فوتاكي)
افتتح مستشفى خاص وأسلم على يدية الآلاف وساعدته في ذلك جمعية تعاونية إسلامية، ساعدت
في إقامة المستشفى في قلب مدينة طوكيو، كما أسلم تاجر لحوم في مدينة ساكو وأصبح يزود
المسلمين بحاجتهم من اللحوم المذبوحة بالطريقة الإسلامية، وقد ازداد اتساع الإسلام
في السنوات الأخيرة ويقدر عددهم ب 400ألفاً، المناخ مناسب للدعوة فالدستور الياباني
ينص على عدم التدخل في المعتقدات الدينية، وينتشر المسلمون اليابانيون في مناطق طوكيو،
وفي منطقة كَنْسَاي، و أُوساكا، وكوبي، وكِيُوتُو، وفي نَاجويا، وفي جزيرة هُوكَّايْدو،
ومنطقة سِنْدَاي، وشِيزُوكَا، وهِيروشيما.
المسجد الصامد
تعرف اليابان لدينا كأكبر بلد منتج للتكنولوجيا
والأجهزة الإليكترونية، لكن أحدا لا يعرف عن التاريخ الإسلامي لليابان ولا تعداد المسلمين
بها أو مساجدها شيئا، والبعض حتى لا يعرف أصلاً، أن هذا البلد الذي يمنع فيه تدريس
الدين بالمدارس منذ الحرب العالمية الثانية، تضم 400ألف مسلم، بينهم 63 عشرات الآلاف من أصول يابانية.
وتحوي اليابان واحدة من أغرب قصص المساجد بالعالم،
قصة مسجد مدينة "كوبه" على بعد 30 كيلو من مقاطعة أوزاكا بجزيرة هنشو الذي
يعد واحداً من أشهر المعالم الإسلامية هناك، ففضلاً عن كونه أول مسجد باليابان، وقف
المسجد الذي بني علي الطراز التركي، صامداً متحدياً للقصف الجنوني لسلاح الجو الأميركي
في الحرب العالمية الثانية والذي سوي المدينة بأكملها بالأرض، لكنه لم يصب المسجد سوي
ببعض الشقوق وأسفر عن تحطيم بعض نوافذه.
مول المسجد من خلال التبرعات التي جمعها المسلمون
باليابان عام 1928 وافتتح عام 1935.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية صودر المسجد
عام 1945 من جانب البحرية الإمبراطورية اليابانية، فعندما دمرت الأبنية المحيطة به
وسويت المدينة بالأرض كان هو المبنى الوحيد الباقي إذ لم يتعرض سوي لبعض الشقوق على
الجدران الخارجية وتحطمت نوافذه الزجاجية.
ولجأ الجنود اليابانيون إلى سرداب المسجد ونجوا
من القصف الجنونى لسلاح الطيران الأمريكى بعد هجوم اليابانين على "بيرل هاربر"،
وكذلك أصبح المسجد المكان الآمن لتخزين الأسلحة كما تحول إلى ملجأ لضحايا الحرب.
ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي يختبر فيها المسجد
حيث صمد المسجد في عام 1995 عندما ضرب اليابان زلزال "هانشين العظيم" أو
كما يسمى زلزال (كوبه) و الذي يعتبر ثاني أسوأ زلزال في تاريخ اليابان ولكن حتى الآن
لا يزال المسجد قائمًا أمام الكوارث التي تقف أمامها اليابان في عجز تام أمامها وهو
ما يجعل اليابانيين أنفسهم ينظرون للمسجد بتعجب من صموده الرهيب.
والمثير للدهشة أن حرب أكتوبر المجيدة في مصر،
كانت سبباً في انتشار الإسلام في اليابان عندما بدأت "أزمة النفط" العالمية
عام 1973، ففي ذلك الوقت قدمت وسائل الإعلام اليابانية دعاية مجانية دون أن يشعروا
للعالم العربي وللإسلام بعدما أدركوا أهمية هذه البلدان للاقتصاد الياباني. وأتاحت
هذه الدعاية الفرصة لأول مرة للعديد من اليابانيين الذين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن
الإسلام فرصة لرؤية مشهد الحج في مكة المكرمة وسماع الأذان ، والتلاوات القرآنية في
التليفزيون الياباني.
لكن سرعان ما تغيرت صورة الإسلام في اليابان وأصيبت
بأضرار بالغة عندما اغتيل "هيتوشي ايقاراشي" وهو مترجم ياباني ترجم كتاب
آيات شيطانية لسلمان رشدي، الذي أفتى آية الله الخميني بقتله هو وكل من شارك في طباعة
الكتاب ويعلم بما يحتويه، إذ طعن هيتوشي حتى الموت في مكتبه بجامعة تسكوبا اليابانية
وذلك في 11 يوليو 1991.
ولم تتمكن الشرطة اليابانية حتى يومنا هذا التعرف
على هوية القاتل ولكن الصحافة اليابانية اتهمت الجالية المسلمة في اليابان بأنها وراء
الحادث وجعلت هذه الحادثة المجتمع والإعلام الياباني يحذر من أي إساءة إلى الإسلام
ويعتقد أنها من أحد الأسباب التي جعلت اليابانيين لا ينشرون الرسومات المسيئة للنبي
محمد صلى الله عليه وسلم كما فعلت الصحف الأوروبية والعمليات التفجيرية في العراق ومشهد
ذبح أحد الرهائن اليابانيين في أفغانستان.
وأكثر الأشياء التي ترهق المسلمين في اليابان هي
فرض ضرائب عقارية باهظة على المساجد أو عند بناء مباني إسلامية ولكن الهيئات الإسلامية
في المملكة العربية السعودية تبذل جهوداً في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، ودعمها ماديا
وثقافياً، حتى أن المملكة العربية السعودية تبرعت بأرض سفارتها القديمة في طوكيو لإقامة
مسجد ومركز إسلامي.
كما يقوم أيضاً بعض الأثرياء العرب قاموا بإنشاء
مدارس مجانية لتعليم اللغة العربية لغير المسلمين بشرط تحفيظ القرآن الكريم إجباريا.