• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تحالف الصهيونية الدينية.. وراء الأَكَمةِ ما وراءها

ما هي الأحزاب الدينية التي ستشارك في حكومة نتنياهو الجديدة؟ كيف ستتغير شكل الحياة السياسية في "إسرائيل" مع تبوأ هذا الائتلاف اليميني الحكم؟ ما هي أجندة تلك الحكومة تجاه فلسطيني الداخل والمقدسات الإسلامية؟


"الحكومة المقبلة لن تكون مجرد حكومة يجلس فيها المتشددون دينيًا، بل ستكون حكومة يحكمها هؤلاء المتشددون بشكل كامل"، أطلق هذا التحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته "يائير لابيد"، والذي سيصبح زعيمًا للمعارضة بعد تشكيل خصمه بنيامين نتنياهو للحكومة الجديدة، يأتي تحذير لابيد فيما يستمر الصراع على تقاسم الوزارات وتتوالى الصعوبات في التوصل إلى اتفاقات، لقد أراد نتنياهو وحزبه "الليكود" إنهاء ما يقرب من 4 سنوات من الجمود السياسي فهرعوا إلى إبرام تحالفات سريعة مع أحزاب دينية وقومية تتشارك معهما في نفس الأفكار والتوجهات، وقد تمكنوا بالفعل من تحقيق الفوز بأغلبية واضحة في الانتخابات التي جرت في الأول من نوفمبر، لكن سرعان ما ظهر الخلاف بينهم عندما بدأ تقسيم غنائم الحقائب الوزارية، شكّل تحالف الصهيونية الدينية حجر عُثرة كبير في وجه نتنياهو، صحيح أن الحكومة المقبلة ستكون هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، إلا أن اليمين المتطرف لا يقبل بمجرد التواجد فيها، بل بالسيطرة على المناصب المهمة والمؤثرة.

 

تتضمن أجندة الصهيونية الدينية إرساء الحكم "الإسرائيلي" على الضفة الغربية، وطرد من تسميهم المواطنين الفلسطينيين غير الموالين في "إسرائيل"، وهم يشكلون 20 في المائة من السكان، إلى جانب المطالبة بهدم المسجد الأقصى لإفساح المجال لبناء هيكل يهودي

من الهامش إلى المركز

لا ينبغي أن يكون التغير في مزاجية الناخب "الإسرائيلي" مفاجئًا، فتزايد توجهه صوب اختيار اليمين المتطرف لم يكن وليد اللحظة، وبقيت الخطوط العريضة المؤثرة عند الاختيار هي تلك الموجودة بين أولئك الذين يفضلون عودة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة وأولئك الذين يشعرون بالقلق من تلك العودة، لقد أظهرت استطلاعات الرأي طيلة الأشهر السابقة للانتخابات أن التحالف المعروف باسم الصهيونية الدينية (الذي يضم أحزاب: الصهيونية الدينية ـ عوتسما يهوديت ـ نوعام) سيحظى بنصيب كبير من أصوات الناخبين، وهو ما تحقق بالفعل حين أصبح هذا التحالف هو ثالث أكبر كتلة في الكنيست وضمن حصوله على مجموعة من الحقائب الوزارية في حكومة نتنياهو المقبلة، لكن اللافت للنظر هو أن تصويت الإسرائيليين بشكل غير مسبوق لهذا التيار الديني اليميني يعني أن السياسات الدينية الراديكالية والمؤيدة لإسرائيل بشكل متطرف قد باتت هي الغالبة على تفكير الشعب اليهودي المغتصب لأرض فلسطين.

لم يكن ضمن أفكار الصهيونية الدينية في إسرائيل التدخل في السياستين الخارجية والأمنية، لقد ظلت الأفكار والمواقف التي تتألف منها برامج الصهيونية الدينية تحوم على هوامش السياسة الإسرائيلية لفترة طويلة، قوبلت بالرفض من قبل ما يمكن توصيفهم مجازًا بتيار الاعتدال، إذ لا تختلف التيارات الصهيونية بأفكارها وتوجهاتها المتنوعة في بشاعة جرائمها، لكن الأمر بدأ يتغير مع حرب عام 1967م، وما نتج منها من احتلال أراضٍ عربية، حينها تمت إعادة صياغة فكرة أرض إسرائيل الكبرى وفقًا لمفهوم توراتي جديد، وهو الأمر الذي أنتج واقعًا جديدًا ازداد بموجبه تواجد قيادات ورموز الصهيونية الدينية في عدة مستويات من الحياة السياسية والمجتمعية الإسرائيلية، وعلى مر السنوات تزايد حضور الصهيونية الدينية بين الفئات المجتمعية المتعددة التي يتكون منها مجتمع إسرائيل، اخترق رموزها المجتمع الصهيوني بذكاء تحت شعار "استيطان القلوب" مستفيدين من مكامن الطمع والعنصرية الموجودة في الشخصية اليهودية، فأيّدوا التوسع في المستوطنات ودعموا المستوطنين داخل الضفة الغربية والقدس، ومن خلال مؤسساتهم الشعبية فوق الحزبية ضغطوا على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على توفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للمستوطنين، وعبر استغلال الأفكار التلمودية ومرتكزات الصهيونية الدينية تمكنوا من تأسيس شبكة واسعة من الجمعيات الدينية والمنظمات الاستيطانية، وهو ما مكنهم من التموضع في كل المستويات، وقد برزت ثمار كل ذلك في نتائج الانتخابات الأخيرة حين حصلوا على 14 مقعدًا في الكنيست المكون من 120 مقعدًا.

سياسـات متطـرفـة

تتضمن أجندة الصهيونية الدينية إرساء الحكم "الإسرائيلي" على الضفة الغربية، وطرد من تسميهم المواطنين الفلسطينيين غير الموالين في "إسرائيل"، وهم يشكلون 20 في المائة من السكان، إلى جانب المطالبة بهدم المسجد الأقصى لإفساح المجال لبناء هيكل يهودي، وفرض القانون الديني وجعله مقدمًا في أحكامه على النظام القضائي.

وفقًا للترتيب المتفق عليه قبل الانتخابات الأخيرة بين الأحزاب الثلاثة التي تشكّل تيار الصهيونية الدينية، فإنها ستنقسم إلى 3 كتل برلمانية، وهي حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش، وسيكون ممثلا بـ 7 أعضاء في الكنيست، وحزب "عوتسما يهوديت" برئاسة إيتمار بن غفير، وسيكون ممثلاً بـ 6 أعضاء، وحزب "نوعام" العنصري وسيمثله عضو كنيست واحد، وهو رئيسه آفي ماعوز، وقد صادقت اللجنة المنظمة في الكنيست على هذا الانقسام بالفعل، لنلقي نظرة سريعة على أفكار تلك الأحزاب والتي جمعتها لتكوين هذا التحالف الديني المتطرف:

1ـ حزب "الصهيونية الدينية" ـ بقيادة بتسلئيل سموتريتش:

يتخذ هذا الحزب موقفًا قويًا في معاداة العرب، ويُطالب بضرورة أن تخضع إسرائيل للقانون الديني اليهودي والتخلي تماما عن نظامها العلماني الحالي، وينادي الحزب بترحيل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، زعيم الحزب بتسلئيل سموتريتش دائما ما يصف العرب بأنهم إرهابيين، وقد تم اعتقاله سابقًا لمدة ثلاثة أسابيع بعد القبض عليه داخل سيارة تحمل عبوات ناسفة، حيث كان يعتزم شن هجوم إرهابي احتجاجًا على انسحاب المستوطنين الإسرائيليين من بعض المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، كما أنه يدير جمعية "رغافيم" اليمينية المتطرفة التي تلاحق الفلسطينيين في الداخل والخارج، ووفقًا لمعتقده فإن جماعات حقوق الإنسان هي تهديد وجودي للدولة العبرية، طالب سموتشريتش بتولّي حقيبة الدفاع أو المالية في الحكومة المقبلة، إلا أن نتنياهو لم يخفِ خشيته من أن يؤدي ذلك إلى مواجهة مع الإدارة الأمريكية التي أعلنت عن اعتراضها على ذلك بشكل صريح، أثارت تصريحات نتنياهو حفيظة سموتريتش الذي رد عليه قائلاً: هل يحدد الأمريكيون من يعيّن وزيرًا؟"، لا تزال هذه المسألة هي العقبة الأكبر في وجه نتنياهو لتشكيل حكومته وإلا سيسقط ائتلافه الحاكم وستذهب إسرائيل مجددًا إلى صناديق الانتخابات.

 

الملاحظ حتى الآن أن الحكومة المقبلة ستتبني برامج للتطهير العرقي ضد العرب والفلسطينيين والتي ستكون قائمة على مفاهيم إقصائية للهيمنة الدينية واللغوية، وستوفر تلك الحكومة أيضا أساسًا قويًا للطاحونة المعادية للسامية على المستوى الدولي

الملاحظ أن سموتريتش إذا حصل على حقيبة الدفاع فإنه سيكون أول وزير دفاع في تاريخ إسرائيل لم يؤدِ خدمته العسكرية من أجل الدراسة في مدرسة دينية، فهو لم يخدم قط كجندي أو كضابط، لكن الأسوأ إذا تولى تلك الحقيبة فإنه سيشجع بناء مستوطنات جديدة ويدافع عنها بعشرات الآلاف من جنود جيش الاحتلال، وسيشرع في القضاء على المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل مهما بلغت من بشاعة وقسوة، أما إذا تولى سموتريتش وزارة المالية فإنه يطالب بصلاحيات أوسع تُنقل إليه من وزارة الدفاع، فهو يريد أن تكون لديه مسؤولية وسلطة إدارة الحياة المدنية للإسرائيليين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وأن يصبح هو المسؤول الأول عن مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية ووحدة رخص البناء والهدم في الأراضي الفلسطينية، وهي صلاحيات كانت من ضمن مهام وزارة الدفاع لكنه يريد أن يحصل عليها كي يظل قادرًا على تحديد السياسة الإسرائيلية بشأن الاستيطان، خاصةً وأنه داعم قوي للاستيطان ولضم أجزاء واسعة من الضفة لإسرائيل.

2ـ حزب "عوتسما يهوديت" ـ بقيادة إيتمار بن غفير:

تأسس هذا الحزب في عام 2013م، وتتلخص قوته في قوة رئيسه وهو إيتمار بن غفير، وهو مناهض شديد للعرب، يحرض بانتظام على العنف ضد الفلسطينيين ودائم الهتاف بـ "الموت للعرب"، واجه العشرات من التهم بسبب خطاب الكراهية الذي يتبناه، هو من أشد المتأثرين بالحاخام الإرهابي باروخ غولدشتاين، الذي نفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي في عام 1994م، والتي استشهد فيها 29 فلسطينيًا وجُرِحَ 125 آخرين أثناء أداء الصلاة في الخليل، كان بن غفير دائمًا ما يُعلن صراحةً عن دعمه وتأثره بالحاخام القاتل بقوله: "إنه بطلي وقدوتي"، ولا يزال يحتفظ بصورته حتى اليوم في منزله، وصرّح ذات يوم عن هذا الأمر: "لن أزيل صورة غولدشتاين من غرفة معيشتي، إنه طبيبٌ أنقذ أرواح اليهود، ولهذا فإن صورته ستظل معلقة بمنزلي"، ويفتخر بن غفير أيضًا بأنه تلميذ للحاخام الفاشي مئير كهانا، المعادي للعرب ومؤسس حركة كاخ التي تم حظرها في إسرائيل وأعلنتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

المحامي المعروف بدفاعه المجاني عن المتهمين بمهاجمة وقتل الفلسطينيين الأبرياء، أعفاه جيش الاحتلال الإسرائيلي من الخدمة الإلزامية بسبب مواقفه المتطرفة وكثيرًا ما كان يعلّق على ذلك بقوله "الجيش الإسرائيلي خسر، عندما لم يأخذني"، فيما رفضت نقابة المحامين طلبه العضوية بسبب سجله الجنائي، وتصفه الصحافة الإسرائيلية بأنه "النسخة الصهيونية الحديثة من العنصري الأمريكي الأبيض والفاشي الأوروبي"، وبالرغم من أفكاره المتطرفة المعتمدة على العنف ونشر الفوضى من المتوقع أن يصبح بن غفير وزيرًا للأمن العام ومسؤولاً عن الشرطة، وهذه هي نفس الوكالة التي حققت في جرائمه الجنائية السابقة، عندما يتولى بن غفير هذه الحقيبة الوزارية فمن المتوقع أن يصبح العنف ضد الفلسطينيين مكفولاً بحماية الشرطة، وسيشرع في تنفيذ مخططاته وأيديولوجيته التي تستهدف الوجود العربي بشكل مباشر من أجل تحقيق يهودية دولة الاحتلال، كما أنه يخطط لإنشاء جهاز للحرس القومي والذي ستناط به صلاحيات واسعة النطاق تشمل فرض القانون.

3ـ حزب "نوعام" ـ بقيادة آفي ماعوز:

لا يوجد اختلاف جوهري بين حزب نوعام الذي تأسس في عام 2019م وحزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت سوى في درجة التطرف، يتمسك الحزب بالتعاليم الدينية اليهودية ويدعو إلى تطبيقها، يستلهم الحزب أفكاره من تعاليم الحاخام تسفي إسرائيل تاو الذي سبق وأن تمت إدانته بجرائم جنسية، يدعم الحزب إقامة المستوطنات في الضفة الغربية.

حكومـة فاشيـة

يرى كثيرٌ من المحللين أن الحكومة المقبلة ستتسم بملامح فاشية، لا سيّما مع تحول دولة الاحتلال بشكل صريح إلى سياسة التفوق اليهودي والإرهاب الفاشي، الملاحظ حتى الآن أن الحكومة المقبلة ستتبني برامج للتطهير العرقي ضد العرب والفلسطينيين والتي ستكون قائمة على مفاهيم إقصائية للهيمنة الدينية واللغوية، وستوفر تلك الحكومة أيضا أساسًا قويًا للطاحونة المعادية للسامية على المستوى الدولي، إن التحول الصهيوني إلى السياسات العنصرية بشكل علني يعود عاملين رئيسيين: الأزمة الحادة لدولة الاحتلال ومنطق الصهيونية نفسها، فهناك أزمة حادة داخل الحياة السياسية الإسرائيلية بسبب حالة عدم اليقين من المدة التي ستمكثها أي حكومة في ظل تباين الأحزاب وتفتت التحالفات من وقتٍ لآخر، إلا أن نتنياهو كان قادرًا هذه المرة على الاستفادة من فشل خصومه، وتمكن من توحيد صفوف تحالفه وفقًا لرؤية دينية وفكرية، وليس بحسب سياسات اقتصادية وبرامج سياسية واجتماعية، وفي ظل هذه البيئة السياسية السامة زاد نتنياهو من اعتماده على المستوطنين اليمينيين والمتشددين القوميين المتطرفين، ونجح بالفعل من خلال التحالف مع أحزابهم أن يشكل جسرًا لعودته إلى السلطة، وبالتالي فإنه سيظل مدينًا لهؤلاء طيلة مدة حكومته المقبلة، ولا شك في أن اليمينيين المتشددين من رموز وأتباع الصهيونية الدينية قد باتوا يشعرون بالقوة من انتصارهم الانتخابي ويعلمون جيدًا أنه لن تقف أي قوة في طريق أهدافهم المتمثلة في استئصال الوجود الفلسطيني من أي أرض خاضعة للسيادة الإسرائيلية.

العجيب أنه حتى من قبل الإعلان عن الحكومة الجديدة وأداء وزرائها لليمين الدستورية، فقد بدأت الدعاية لمشاريع القوانين التي تخدم مصالح وأهداف أحزابها، يريد الليكود ـ على سبيل المثال ـ التعجيل بمشروع قانون التجاوز، والذي من شأنه تمكين الكنيست من إلغاء أي حكم قضائي يراه عارضًا لسياسات دولة الاحتلال، وإذا تم إقرار هذا القانون فإن أي إدانة لنتنياهو بالفساد وبالتالي إنهاء رئاسته للوزراء، ستكون هي والعدم سواء بمجرد تصويت الأغلبية ببطلان تلك الإدانة القضائية، وبشكل عام من شأن هذا القانون أن يسلب النظام القضائي الإسرائيلي قوته، كمثال آخر تطالب أحزاب الصهيونية الدينية بتعديل القوانين بحيث لا يعتبر الفصل بين الجنسين في الأماكن والمناسبات العامة تمييزًا، وإضفاء الشرعية بأثر رجعيّ على عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية، وفتح الحرم القدسي أمام اليهود للصلاة فيه، وإنزال وحدات عسكرية للمدن الساحلية في الداخل مثل عكا وحيفا واللد ويافا من أجل مجابهة مظاهرات فلسطيني الداخل، وغيرها من القوانين المتعلقة بالقضايا الاجتماعية التي يريدون التعامل معها بناءً على الشريعة اليهودية.

حكومـة على المحك

عندما ترى حكومة نتنياهو المقبلة النور، لن يضيّع رموز الصهيونية الدينية لحظة واحدة في البدء في تنفيذ وعدوهم الانتخابية حتى ولو كانت بسيطة، فأفكارهم الكائنة وراء أكمة التدين ليست خافية على أحد، سيبدؤون على الفور في إنهاء التشريعات الأكثر ليبرالية التي تجيز التحوّل إلى الديانة اليهودية، مع تقييد منح التراخيص للمطاعم بموجب قوانين النظام الغذائي اليهودي، وهو ما من شأنه إلغاء التصاريح الممنوحة لبعض المتاجر التي تظل مفتوحة في يوم السبت، وحتى المنافسات الرياضية التي كانت تُجرى يوم السبت سيتم تأجيلها إلى باقي أيام الأسبوع، في ظل واقع يعدّ متشددًا من وجهة نظر التيارات الليبرالية الصهيونية فإن نتنياهو سيحاول تمرير رسائل معتدلة وسيحاول أن يظهر بمظهر رئيس الوزراء الوسطي فيما سيواصل شركاؤه في التحالف في المضي قدمًا في تنفيذ أجندتهم الأكثر تشددًا.

على الرغم من أن الحكومات الائتلافية لنتنياهو على مدار الخمسة عشر عامًا التي شغل فيها منصب رئيس الوزراء كانت دائمًا يمينية، إلا أنها لم تشمل الأحزاب المتطرفة المؤيدة للإرهاب، من الناحية العملية أمام نتنياهو 28 يومًا يمكن تمديدها 14 يومًا إضافية بموافقة مسبقة من الرئيس الإسرائيلي من أجل تقديم تشكيلة حكومته إلى الكنيست لنيل الثقة، وهو بحاجة للحصول على ثقة 61 من أعضاء الكنيست الـ 120، لا يمكن له أن يغضب الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة التي تعهدت بالتفوق اليهودي وتنفيذ إجراءات مرادفة للفصل العنصري، وفي نفس الوقت لا يريد إغضاب الغرب وخاصةً الولايات المتحدة بإدارتها الحالية، وهو الأمر الذي يضعه تحت ضغط كبير لحفظ التوازن الدبلوماسي بين ائتلافه وحلفائه الغربيين، وتحت ضغط آخر لترويض المتشددين الذين تحالف معهم وأسبغ عليهم الشرعية من منطلق تأمين اجتيازه نسبة الحسم في الانتخابات لتشكيل الحكومة، إذ يتحفظ نتنياهو من تصريحاتهم وأهدافهم خوفًا من تبعات سلبية ستضر به وبحزبه انتخابيًا في المستقبل.

لكن الصعود الكبير للصهيونية الدينية لا يقلق الغرب والفلسطينيين ونتنياهو فحسب، بل الأوساط الإسرائيلية نفسها تشعر بقلق كبير من هذا الصعود، وقد عبّر عن ذلك النائب رام بن براك، عن حزب "ييش عتيد"، بقوله: "إن هتلر صعد للسلطة بواسطة انتخابات ديموقراطية"، هذا الصعود المتسارع إلى الحكم أثار أيضا مخاوف الأوساط الأكاديمية المهتمة بدارسة المجتمع وكذلك المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، حيث يعدّ دليلاً دراماتيكيًا على مسيرة التغيير التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي في العقد الأخير، حيث ازداد اليمين عددًا وتأثيرًا في الحياة السياسة الإسرائيلية، وبالرغم من أن نسبة اليهود المتشددين دينيًا في إسرائيل تصل إلى 11 في المئة من عدد سكان دولة الاحتلال ولكن الحاجة إليهم لتشكيل الحكومات من الآن فصاعدًا ستجعل تأثيرهم أكبر بكثير من قوتهم الحقيقية، وأبسط مثال .. هو أن حكومة نتنياهو القادمة على المحك ما لم يكن أعضاء اليمين الديني المتشدد داعمين له ومشاركين في تلك الحكومة.

أعلى