لماذا تكره الدنمارك اللاجئين غير الغربيين، خاصة المسلمين منهم؟، وكيف ومتى تنامت هذه الكراهية من منطلق ما يصطلح على تسميته "الإسلاموفوبيا"؟، وهل تؤثر الانتخابات المزمع إجراؤها في الأول من نوفمبر المقبل على السياسات المقيدة للهجرة لهذه الدولة الاسكندنافية؟
لا يبدو أن نتائج الانتخابات المقررة مطلع الشهر المقبل ستؤثر على نحو إيجابي في
سياسات الدنمارك، التي تعتبر واحدة من أكثر الدول الأوروبية تشدداً فيما يتعلق
بالهجرة واللجوء، إذ إن جميع أحزاب يمين الوسط في هذه الدولة تتفق على أن السياسات
المقيدة للهجرة هي الأساس المرجعي للسياسة الوطنية الدانماركية.
وتشير أحدث التقارير، التي ترصد فرص الأحزاب المتنافسة في الانتخابات المرتقبة، إلى
أن فرص تراجع الفائز من هذه الأحزاب عن السياسات المناهضة للهجرة تبدو ضئيلة أو
ربما معدومة تماماً، خاصة أن الكفة تميل إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي كان
فاز في الانتخابات السابقة عام 2019 بفضل قدرته على استقطاب ناخبين من أقصى اليمين،
وهو يعتقد أن أي تخفيف لقوانين الهجرة واللجوء قد تفقده الحكومة.
|
أخطرت
الدنمارك نحو 1200 لاجئ تعود جذورهم للعاصمة السورية دمشق بعدم تجديد
إقاماتهم، بدعوى أن دمشق باتت آمنة ويمكن لهم العودة إليها، غير أن منظمة
العفو الدولية أكدت أن السوريين الذين ألغيت إقامتهم قد يواجهون التعذيب
والاختفاء |
هذا العداء من جانب الأحزاب الدنماركية الكبيرة - وإن كان بدرجات متفاوتة -
للمهاجرين، لم ينسحب على المهاجرين من أوكرانيا، الذين وجدوا ترحيباً لم يعهده
المهاجرون من الدول العربية والإسلامية، ووصل إلى حد تعليق قوانين الهجرة المتشددة
للسماح للاجئين الأوكرانيين بالعمل والدراسة والحصول على المزايا الاجتماعية فور
وصولهم الأراضي الدنماركية، فضلاً عن إعفائهم مما يسمى "قانون المجوهرات" المثير
للجدل، الذي يجيز للسلطات الدنماركية مصادرة ممتلكات ثمينة من طالبي اللجوء
واستغلالها في تمويل إقامتهم.
تبلغ العنصرية في هذا البلد الأوروبي مبلغها لدى أحزاب تتشدد إلى حد مقيت إزاء
المهاجرين من غير الغربيين، خاصة المسلمين منهم -كما ذكرنا مراراً- لدرجة أن
حزب الشعب الدانماركي يرفع شعار "توجد هنا حضارة واحدة فقط.. هي حضارتنا"، بمعنى
التعصب للعرق الأبيض المسيحي.
هذه العنصرية بدأت في التصاعد منذ العام 2001، عندما وصل إلى الحكم في الدانمارك
تحالف ليبرالي محافظ، وكانت تلك المرة الأولى التي يحصل فيها اليمين على أغلبية
سياسية منذ 100 عام، غير أن هذا التغيير ما كان ليحدث لولا دعم حزب الشعب
الدانماركي، وهو حزب قومي ومن أشد الأحزاب الدنماركية عداءً للهجرة، مستفيداً آنذاك
من تداعيات تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ساهمت في تغذية
الكراهية ضد المسلمين، وشكلت أساساً للخطاب السياسي لحزب الشعب الدانماركي، وتأجيج
المشاعر المناهضة للهجرة بدوافع ما تعرف بالإسلاموفوبيا، واستمر هذا التحالف
المعادي بشكل عام للهجرة في السلطة حتى هزيمته في انتخابات العام 2011.
|
لقد باتت السياسة العدائية من الدنمارك تجاه المسلمين واضحة جلية، وهو ما
دفع "المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب"، في وقت سابق من العام
الحالي، إلى دعوة الدانمارك للتصدي العاجل للتمييز ضد المسلمين |
وفي انتخابات العام 2019 فاز الحزب الديمقراطي الاشتراكي برئاسة مته فريدريكسن،
بمقعد إضافي، في حين انهار دعم حزب الشعب الدانماركي والتحالف الليبرالي، وتم تعيين
فريدريكسن على رأس حكومة أقلية يترأسها حزبها مدعوماً بعدد من الأحزاب الأخرى، لكن
فريدريكسن لم تكن أفضل حالاً من سابقيها، إذ اعتمدت خلال الانتخابات على شعارات
مناهضة للهجرة.
ولفترة وجيزة غيرت فريدريكسن من مواقفها المتشددة، وسمحت لمزيد من العمالة
الأجنبية، وتراجعت عن خطط سابقة باحتجاز المجرمين الأجانب في الخارج، لكنه كان
تغييراً ظاهرياً، ولم يدم طويلاً، لتقرر خدمات الهجرة الدنماركية في العام 2019 أن
العنف في سوريا قد توقف ويمكن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهو ما أثار
الكثير من الجدل، إذ كان هذا القرار مخالفاً لمواقف الأمم المتحدة والاتحاد
الأوروبي.
وبموجب هذا القرار، وبحسب ما تداولته الصحافة الغربية في ذلك الحين، فقد
أخطرت الدنمارك نحو 1200 لاجئ تعود جذورهم للعاصمة السورية دمشق بعدم تجديد
إقاماتهم، بدعوى أن دمشق باتت آمنة ويمكن لهم العودة إليها، غير أن منظمة العفو
الدولية أكدت أن السوريين الذين ألغيت إقامتهم قد يواجهون التعذيب والاختفاء
القسري والاعتقال التعسفي عند عودتهم إلى سوريا، وقد وصفت المنظمة الحقوقية الدولية
سياسة الدنمارك تجاه اللاجئين بأنها أصبحت أكثر عدائية بشكل ملحوظ في السنوات
الأخيرة، خاصة إثر إعلان فريدريكسن في العام 2019 أن الدانمارك تريد "صفر لجوء".
لكن سياسة "صفر لجوء" يبدو أنها تنطبق فقط على اللاجئين المسلمين والملونين، ففي
شهر مارس من العام الحالي طلبت دائرة الهجرة الدانماركية من 98 بلدية تقييم قدرتها
على استقبال لاجئين أوكرانيين، وهي ذاتها الدائرة التي باشرت في سحب الإقامة من
لاجئين سوريين، لإجبارهم على العودة إلى سوريا، الأمر الذي تسبب في تشتيت عائلات
سورية كثيرة بعد سنوات من الإقامة في الدانمارك.
لقد باتت السياسة العدائية من الدنمارك تجاه المسلمين واضحة جلية، وهو ما دفع
"المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب"، في وقت سابق من العام الحالي، إلى
دعوة الدانمارك للتصدي العاجل للتمييز ضد المسلمين،
والعنصرية ضد الأقليات، ووقف عمليات الإجلاء القسري لعائلات المهاجرين، ووقف خطاب
الكراهية من جانب الأحزاب السياسية الدانماركية، التي تعتبر أن المهاجرين، خاصة
المسلمين منهم، يشكلون تهديدا للقيم والثقافة الدانماركية.
ولم تتوقف هذه السياسة التمييزية العدائية ضد اللاجئين المسلمين تحديداً عند هذا
الحد، بل عمدت الدنمارك إلى السعي لترحيلهم إلى دول أخرى للتخلص من أعبائهم، من
خلال القانون الذي أصدره البرلمان الدنماركي في يونيو عام 2021 ويتيح نقل إجراءات
الأشخاص الذين يطلبون اللجوء وتصاريح إقامة اللاجئين إلى دول غير أوروبية لفحص
قضاياهم، وقد وقعت بالفعل الدنمارك ورواندا في سبتمبر الماضي اتفاقية تعاون وثيق
بينهما من أجل إنشاء آلية لنقل طالبي اللجوء من الدنمارك إلى هذه الدولة الإفريقية،
لتلحق بذلك بالمملكة المتحدة التي وقعت اتفاقية مماثلة مع رواندا.
وضمن أساليب الضغط على اللاجئين أيضاً، وبحسب ما كشفته المحكمة الأوروبية لحقوق
الإنسان في يوليو الماضي، فإن الدنمارك انتهكت التزاماتها الدولية في مجال حقوق
الإنسان من خلال فرض قانون يطيل الفترة الزمنية التي يجب أن ينتظرها اللاجئ الواصل
حديثًا قبل التقدم بطلب لم شمل الأسرة إلى 3 سنوات، الأمر الذي ينتهك الحق في
الحياة الأسرية.
كما تنفرد الدنمارك دوناً عن باقي الدول الأوروبية ما تعرف بـ "قائمة الغيتو"، التي
تعلنها الحكومة الدنماركية في ديسمبر سنوياً، وتضم مناطق خاصة بتجمعات معينة من
السكان ممن ترى أنهم يعيشون في عزلة عن محيطهم، وقد ضمت هذه القائمة 29 منطقة في
العام 2019، وهدف هذه القائمة وفق ما صرح وزير الداخلية والإسكان الدنماركي تقليل
عدد الأفراد من الخلفيات غير الغربية إلى 30% بحلول العام 2030.
هذه القائمة دفعت منظمة العفو الدولية إلى اتهام الدنمارك في تقرير رسمي أصدرته
العام الماضي، باتباع سياسة تمييزية غير مسبوقة، فيما قالت المفوضية الأوروبية
لمناهضة العنصرية والتعصب: إن قائمة الغيتو الدنماركية ساهمت في تأجيج الكراهية
والعنصرية والتعصب ضد الأقليات الضعيفة من خلال معاييرها المعيبة والتمييزية التي
تستهدف الأفراد من الأعراق غير الأوروبية، والدنمارك بهذه السياسة تنتهك الاتفاقية
الأوروبية لحقوق الإنسان وقانون الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحقوق في عدم
التمييز والمساواة والسكن اللائق، وكذلك الحق في المساواة أمام القانون والمعاملة
المتساوية أمام المحاكم، وتبتعد عن قيم الدول المدافعة عن حقوق الإنسان.