في الهند، غالبًا لا تواجه وسائل الإعلام الرئيسية أي انتقادات عند نشرها لخطابات الكراهية، فضلًا عن استهداف وتحريض المشاعر المجتمعية ضد الأقليات، وخاصةً المسلمين
لم تكن الإساءة الموجهة
للنبي الكريم محمد
ﷺ التي
صدرت عن المتحدث الرسمي باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، والذي يتزعمه
رئيس الوزراء ناريندرا مودي، سوى صفحة جديدة من سلسلة طويلة للعنصرية وثقافة
الكراهية التي تكرست على مدى سنوات مضت ضد الإسلام والمسلمين في الهند، فالمسؤول
الهندي البارز الذي نشر عبر حسابه بموقع تويتر، تغريدة مسيئة لنبينا
ﷺ
بشأن زواجه من السيدة عائشة (رضي الله عنها)، هي جزء مما رسّخته سياسات الهندوس
القوميين ضد المسلمين منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا للحكم، حيث أسهمت الخطابات
الطائفية التي يرددها قادته وتروّج لها وسائل الإعلام المحسوبة عليه، في مبالغة
القوميين الهندوس في التعبير عن عنصريتهم وإساءاتهم لكل المظاهر الإسلامية، ومحاولة
تهمييش ثاني أكبر الجاليات المسلمة في العالم ـ بعد أندونيسيا ـ والتي يبلغ تعدادها
170 مليون نسمة، لو رجعنا إلى كتب التاريخ سنجد أن أبشع المجازر لم تبدأ باستخدام
البارود وإنما بدأت بخطاب يحض على الكراهية، لقد بدأت بالدعاية الموجهة والتي تحث
على العنف، وهذا النسق هو نفسه الذي يسير عليه القوميون الهندوس الذين بدأوا بالفعل
في نزع الصفة الإنسانية عن مسلمي الهند والتحريض على العنف ضدهم.
لطالما كان المسلمون في
الهند ضحايا لتصاعد موجة القومية الهندوسية، حيث تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي
الهندية بخطاب سام يجرد المسلمين من إنسانيتهم
ويضعهم
في خانة الخيانة العظمى على الدوام، وما يشهده الفضاء الإلكتروني هو انعكاس لما
يحدث على أرض الواقع، على سبيل المثال خلال مؤتمر ديني كبير لمؤيدي اليمين الهندوسي
والزعماء الدينيين الآخرين في ولاية أوتارانتشال، عُقِدَ في ديسمبر 2021، دعا
المشاركون جموع الهندوس في البلاد إلى تسليح أنفسهم استعدادًا قتل المسلمين، وذلك
من أجل تأسيس أمة هندوسية بحتة، فخلال المؤتمر، قال بوجا شكون باندي، العضو البارز
في حزب هندو ماهاسابها السياسي اليميني: "إذا أصبح 100 منا جنودًا، مستعدين ومدربين
بشكل جيد لقتل مليوني مسلم، فسننتصر، في النهاية سنحمي الهند وسنجعلها أمة هندوسية
خالصة". من المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة بالطبع، فمثل هذا
التحريض على العنف ضد المسلمين في الهند تكرر كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، في وقت
لاحق اتهمت السلطات الراهب الهندوسي "ياتي نارسينغهاناند جيري" بالتحريض على العنف
الديني ضد مسلمي البلاد، لكن سرعان ما تدخلت أطراف سياسية ودينية بارزة لحثّ
السلطات على عدم معاقبته، وهو وضع لا يختلف كثيرًا عن النتائج التي تصل إليها حوادث
الغوغاء الهندوس حين يهاجمون المسلمين ومساجدهم، ففي ظل الترويج الواسع
للأيديولوجيات الإقصائية التي تصور الأقليات المسلمة على أنها دخيلة وخائنة، يمكنك
أن تفلت من العقاب بكل سهولة مهما كانت جريمتك ضد هذه الأقليات.
في الهند، غالبًا لا
تواجه وسائل الإعلام الرئيسية أي انتقادات عند نشرها لخطابات الكراهية، فضلًا عن
استهداف وتحريض المشاعر المجتمعية ضد الأقليات، وخاصةً المسلمين، ومن الأمثلة
الحديثة البارزة على ذلك؛ كيف انبرت وسائل الإعلام الهندوسية في انتقاد المسلمين
الهنود باعتبار أنهم السبب في انتشار فيروس كورونا، وقد تصاعدت الكراهية التي تظهر
ضد المسلمين بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد قانون الجنسية الجديد
المثير للجدل الذي أقره البرلمان في ديسمبر 2019، والذي يسرّع عملية منح الجنسية
للمهاجرين غير المسلمين من الدول المجاورة في حال تمكنوا من إثبات هويتهم وإظهار
أنهم عاشوا على الأراضي الهندية لـ 6 أعوام، بمعنى أخر فإن الهند سترحب بأصحاب
الديانات؛ الهندوس والسيخ والجاينية والزردشتيين والمسيحيين والبوذيين، وخاصة
القادمين من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان، وستمنحهم جنسيتها، في حين أن المسلمين
حتى وإن تمكنوا من إثبات هويتهم وإظهار أنهم عاشوا في الهند لـ6 أعوام أو أكثر، فهم
محرومون من الجنسية والإقامة على أراضي الهند، وقد يواجهون الترحيل أو السجن،
وكمثال على ذلك فإن ملايين المسلمين في ولاية آسام سيتم تجريدهم من جنسيتهم الهندية
لذاك السبب، والمؤسف أن هذا الأمر سيتوسع وسيُطبق في مدى زمني قليل لتضييق فرص
الاستئناف ضد دستوريته، فوفقًا لتصريح سابق لوزير الداخلية "عميت شاه"، أكد بشكل
قاطع بأن الحكومة تخطط لتسريع تطبيق التشريع الجديد قبل انتخابات 2024.
كثيرًا ما يقوم ناريندرا
مودي خلال خطاباته بالترويج لقيم التعايش بين الهندوس والأقليات العديدة الموجودة
في الهند، هذا الترويج الزائف لا يمكن تقبّله ولو نظريًا في ظل ما تعكسه الأوضاع في
الشارع الهندي، ناهيك عن كون مودي، الذي يروّج لهذا التعايش غير الموجود، قد برز
بالأساس في السبعينيات كأحد مناصري حركة (RSS)، وهي
حركة يمينية هندوسية، حتى عندما انتقل إلى حزب بهاراتيا جاناتا وانتُخِبَ رئيسًا
لولاية غوجارات في عام 2001 بدعم من الحزب، بعدها بعام واحد فقط وقعت أحداث عنف بين
الهندوس والمسلمين، وراح ضحيتها أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين، اكتُشِفَ
لاحقًا أن تخاذل مودي عن القيام بما يكفي لوقف الأحداث كان سببًا رئيسيًا في سقوط
هذا العدد الكبير من الضحايا، ولكن الأغرب هو أن محكمة هندية قامت بتبرئته لاحقًا
من كل التهم الموجهة ضده، ومن الفجاجة بمكان أن مودي لم يقدم أي اعتذار عما حدث حتى
الآن، رغم مطالبات عديدة له للقيام بذلك، ولا تزال نظرة مسلمي غوجارات لـ"مودي" أنه
يمثل الموت بالنسبة لهم، كما أن مودي الذي يحاول أن يتقمص دورًا محايدًا في بعض
القضايا الداخلية، لا ينجح دائما في إخفاء أفكاره الطائفية المقيتة وتطبيق مذهبه
الإيديولوجي القاضي بتعميم الهندوسية.
إذا واصل القوميون الهندوس
السير على نفس المنوال، فإن ما ينتظره المسلمون في الهند خلال السنوات القادمة
سيكون أشد ضراوة وأكثر طائفية، فالهند تمضي في تثبيت نظام عرقي طائفي يهدف إلى منح
التفوق للهندوس، وإقصاء المسلمين وكافة الأقليات الأخرى، بالرغم من كون المسلمون في
الهند يشكلون حوالي 14% من إجمالي عدد السكان، ومعدل تواجدهم في المتوسط نحو 10%
بأغلب الولايات، كما أنهم لا يُظهرون مطامع في الحكم أو في زعامة التنظيمات
السياسية، وأغلب أدوارهم في المجتمع تتركز في شؤون الدعوة والوعظ والتعليم ويشاركون
في الوظائف المدنية العادية، لكن بالرغم من كل ذلك فإنهم لا يسلمون من شتى أنواع
القمع والاضطهاد، لدرجة أنه عندما أظهر أخر تعداد رسمي لسكان الهند زيادة طفيفة في
أعداد المسلمين، ما كان من رجال الدين الهندوس إلا أن دعوا المواطنين الهندوس إلى
كثرة الإنجاب، لدرجة أن وصل الأمر ببعض الجماعات الدينية الهندوسية المتطرفة إلى
القول بأن المرأة الهندوسية عليها أن تنجب 4 أطفال على الأقل حتى تضمن الحفاظ على
دينها.
مثل هذه الدعوات لا تختلف
كثيرًا عن أفكار مودي وحزبه الحاكم، تلك التي لا تدع وسيلة للتضييق على المسلمين
إلا ويتم تطبيقها، فالأمر لا يقتصر على المواجهة المباشرة والعنف الصريح، بل إن بعض
السياسات المتبعة تقوم على استفزاز مشاعر المسلمين فيضطروا للدفاع عن أنفسهم، ويتم
تصوير ذلك على أنه عنف مضاد، وأن المسلمين لا يقبلون بالعيش المشترك، تتضح هذه
السياسات الخبيثة في هدم المساجد وتهيئة الفرصة لأعمال الشغب حتى يتسنى تدمير منازل
المسلمين وحرق متاجرهم، ومن ثمَّ إضعافهم اقتصاديًا ودفعهم إلى دوامة العنف،
وبالتالي خلق المبررات لارتكاب المذابح الجماعية بحقهم، تتمدد تلك السياسات لتشمل
فرض القيود على بيع وذبح الأبقار، باعتبارها كائنات مقدسة لدى الهندوس، كما تمت
إعادة تسمية مدن عديدة كانت أسماؤها مستوحاة من التراث الإسلامي المغولي، وتم تعديل
مناهج دراسية عديدة من أجل تقليص إسهامات المسلمين في تاريخ الهند، وتصوير المسلمين
على أنهم جاؤوا إلى البلاد كغزاة محتلين، وظل فيها إلى أن أتى الهندوس الشجعان!
من الغريب أن الهند
الجديدة تسوّق لنفسها دوليًا بأنها دولة ديموقراطية تقوم على أساس التعددية، ويُكثر
ساستها من الحديث عن التعايش والتنوع والتعددية الدينية، وأنهم يسمحون للجميع
بممارسة الشعائر التي يؤمنون بها بكل حرية، بالرغم من ذلك فإن بعض الولايات الهندية
قد أصدرت قوانين تجرم اعتناق المسيحية والإسلام، ووصل حد القمع والتضييق على
الحريات إلى منع تجمع المسلمين في مناسباتهم في الأماكن العامة ببعض الولايات، على
اعتبار أن ذلك يشكّل تهديدًا أمنيًا ومشاكل مرورية!، الحقيقة التي لا لبس فيها هي
أن النظام الحاكم حاليًا يريد بلدًا ذات ديانة لا تقبل الآخر، بل وتكره الآخر،
خصوصًا إذا كان هذا الآخر يدين بالإسلام، لا يمكن في مثل هذه الأوضاع لخطابات
التعايش الزائفة أن تنهي ثقافة الكراهية المترسخة، إذا أردنا في أي وقت منع الجريمة
من الحدوث، فنحن بحاجة إلى العمل للتصدي لخطاب الكراهية والدعاية الموجهة ضد مسلمي
الهند، إذا لم يتم التصدي لها وتحييدها على الفور، فقد تؤدي إلى الإبادة الجماعية.
في الهند اليوم، يتعرض المسلمون للهجوم ولكافة أشكال العنصرية والكراهية والتهميش،
يومًا بعد آخر، فقط لمجرد كونهم مسلمين، والأدهى أن لا نهاية لهذا تلوح في الأفق.