• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لا تُحمّلوا الطقس وحده مآسي الأزمة السورية

لا يمكن أن نلوم الشتاء أن طقسه باردًا، حريٌّ بنا أن نلوم من لم يوفر للاجئين السوريين في لبنان والأردن والعراق وشمال سوريا وغيرها من مناطق النزوح، خيام مناسبة يحتمون بها من البرد، أو طعام كافي، أو ملابس ووسائل للتدفئة، بل حريٌّ بنا أن نلوم من تسبب في مأسات


حين تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات غير معتادة في فصل الشتاء، وحين تهب الرياح العاتية وتسقط الأمطار الغزيرة والثلوج، فإن هذه الأمور وغيرها من التقلبات الجوية من المفترض أن حدوثها وتكرارها في هذه الفترة من كل عام، ولكن ما هو غير مفترض أن يتكرر كل عام هي مأساة النازحين السوريين لمواجهة هذه الظروف العاصفة بحالهم من أجل إيجاد سبل للبقاء على قيد الحياة، وليتهم ينجحون!، ففي مثل هذا الوقت سنويًا ومنذ عشر سنوات حين بدأت مأساة اللجوء السوري في التفاقم، تطالعنا الصحف ونشرات الأخبار بعناوينها عن وفاة الأطفال الرضع والعجائز، بل وعائلات بأكملها، بسبب الصقيع والبرد القارس، بعضهم تجمد حتى الموت بعد أن فشل في إيجاد بعض الحطب أو ملابس قديمة أو حتى روث أغنام من أجل حرقه للتدفئة، ومع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الفقر في المخيمات المكتظة دون رعاية صحية كافية، تتزايد وتنتشر أمراض البرد والجهاز التنفسي، ناهيك عن فيروس كورونا المستجد بمتحوراته المختلفة.

 يؤدي تغير المناخ إلى جعل الشتاء أقسى وأكثر فتكًا بالنازحين السوريين، خاصةً وأن العديد منهم في خيام ممزقة والأمطار الغزيرة تدمرها بشكل لا يصدق كما أن الوصول إلى الوقود اللازم لتدفئة الخيام أمرًا صعبًا للغاية، وهذه المشاكل شائعة بشكل متزايد مع نزوح المزيد والمزيد من الناس بسبب القتال المستمر وإجبارهم على العيش في الخيام والمباني التي تعرضت للقصف والملاجئ غير الملائمة، إنه لأمر مأساوي أن يموت كل شتاء العديد من السوريين الذين هربوا من قنابل الحرب بسبب قسوة الشتاء، والمؤسف أكثر أن من ينجح منهم في الوصول إلى التدفئة قد يموت بنيرانها أو أبخرتها، ففي وقت سابق من هذا الشهر، لقيت أم سورية وأطفالها الثلاثة حتفهم أثناء نومهم بعد استنشاق أبخرة سامة من حرق الفحم لتدفئة خيمتهم في قرية في جنوب لبنان، فمن لم يمت متجمدًا بالبرد، قد يموت بسبب اشتعال النيران في خيمته أو الاختناق من الأبخرة السامة. قد يكون مشهد الثلوج التي تغطي أسطح المنازل والطرقات مشهدًا معتادًا في بعض الدول التي تكيفت مع تلك الظروف، ووفرت لسكانها ما يجعلهم يشعرون بالبهجة حين يرون الأرض تكتسي بهذا الغطاء الأبيض، لكن هذا المشهد بالنسبة للعديد من السوريين هو مشهد كابوسي يذكرهم بان ثمة اختبار قاسي على وشك أن يبدأ، إنه الشتاء!

 عشر سنوات على بدء الدعوة إلى التغيير والحرية في سوريا، لكن لا خبز توفر ولا حرية تحققت، وبالنسبة للكثيرين لا يوجد حتى ضوء في نهاية هذا النفق المظلم، دفعت أعمال العنف والقتال أكثر من 6 ملايين إلى البحث عن ملاذ في البلدان المجاورة وحول العالم، وتركت ما يقرب من 9 ملايين نازح داخليًا، أولئك الذين عانوا من الوضع القاسي خلال سنوات الحرب وكانوا ينتظرون انتهاء القصف والعنف على أمل التعافي الاقتصادي، لكن بدلًا من ذلك غرقوا أكثر في الفقر المدقع، حيث يعاني الآن ما يقرب من 90 في المائة من السوريين من الفقر، كما ارتفعت تكلفة المعيشة للسوريين في الداخل لدرجة أن متوسط ​​الراتب لا يكاد يشتري لأسرة عادية ما يعادل أسبوع من الطعام، وأصبحت السلع الأساسية مثل السكر والشاي ومنتجات الألبان من الكماليات التي لا يستطيع الملايين تحملها. سوريا الآن في حالة خراب حقيقي، حيث أدى القصف الروسي والسوري إلى تحويل مدن مثل حلب وحمص إلى ركام، نزح نصف السكان، ومعظم لن يعودوا إلى الأبد، أما نظام الأقلية العلوية الحاكمة والذي يفتقر إلى القوى البشرية لدعمه، فإنه يسعى لتغيير التركيبة السكانية من خلال السماح للمستغلين الإيرانيين الداعمين له بمصادرة ممتلكات اللاجئين، وعلى الرغم من أن النظام استعاد حوالي 70 في المائة من سوريا، إلا أنه لا يزال محاصرًا سياسيًا في دولة يتشارك معه في حكمها الروس والإيرانيين.

 الأمر الأكثر مأساوية هو أنه رغم كل ما يحدث للسوريين الآن، إلا أضواء العالم وكاميراته ابتعدت كثيرًا عن سوريا هذه الأيام، بات التركيز الأكبر على الأحداث في اليمن وأفغانستان وأوكرانيا، وأصبح الصراع السياسي والاقتصادي الغربي مع روسيا والصين هو المتصدر للصفحات الأولى، ناهيك عن وباء كورونا الذي ربما تكون إحدى أخطر عواقبه هو أن المجتمع الدولي قد نسي أمر سوريا، كما أن حالة الارتياح الدولي التي ظهرت بعد هزيمة تنظيم داعش وتقليل نفوذه، أدت إلى جعل الأزمة السورية قضية باردة لا تستحق المتابعة، وربما تسبب الإرهاق من المفاوضات الطويلة التي تنتهي بلا نتيجة في إقناع العديد من الدول بأن الطريق إلى الأمام ينطوي على شكل من أشكال المصالحة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وبدلًا من الاستمرار في دفع المساعدات الإنسانية لأزمة غير معلوم نهايتها، بات القادة يفكرون في سلام بارد مع الأسد، يبدأون من خلاله إعادة بناء البلاد، وربما يغضون الطرف لبعض الوقت عن الانتهاكات والجرائم التي أمر بها وارتكبها نظامه.

 ثم لنفترض أن الأمر انتهى غدًا، هل سيتمكن النظام من إقناع هؤلاء الرجال الذين كانوا يحملون السلاح ضده أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية قبل 10 سنوات مجددًا، كيف سيقنع المرأة التي فقد ابنها أو زوجها أن تعود مجددًا كنواة اجتماعية لأسرة تحب سوريا تحت هذا النظام القاتل، كيف يمكن أن نشرح لأحد أفراد الجيش السوري الحر أو غيره من جماعات المعارضة السورية المسلحة أن عليه إلقاء سلاحه وأن يثق في هذا النظام الذي قتل حوالي نصف مليون سوري، وكيف نضمن له أن هذا النظام الذي لم يتورع في استخدام السلاح الكيماوي ضد السكان العزل لن يضطهده مجددًا أو يقتله بكل أريحية لأنه يضمن إفلاته من العقاب والمساءلة، من الصعب للغاية التغلب على كراهية نظام قتل وعذب الكثير من الناس، ودمرت ضرباته الجوية مجتمعات سكنية كانت قائمة ذات يوم، سيكون من الصعب إيجاد صيغة للانتقال السياسي في سوريا، وهو ما يعني أن الصراع سيظل بلا نهاية واضحة لفترة أطول من الزمن، وأن شتاءات أخرى قاسية تنتظر السوريين في مخيمات النزوح.

 لكن بأي حال لا يمكن أن نلوم الشتاء أن طقسه باردًا، حريٌّ بنا أن نلوم من لم يوفر للاجئين السوريين في لبنان والأردن والعراق وشمال سوريا وغيرها من مناطق النزوح، خيام مناسبة يحتمون بها من البرد، أو طعام كافي، أو ملابس ووسائل للتدفئة، بل حريٌّ بنا أن نلوم من تسبب في مأساتهم منذ بدايتها وجعلها أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية، والتي بسببها فرَّ أكثر من 13.5 مليون سوري من منازلهم بحثًا عن الأمان، ونزحوا مرارًا بحثًا عن وطن بديل.

أعلى