ليبيا
بلد عربي تقترب مساحته من الاثنين مليون كيلومتر مربع، ويدين أهله بدين
الإسلام، لديهم ثروة لا بأس بها من النفط، ولا يعرف عنهم سوى بساطتهم
وكرمهم ونخوتهم العربية الأصيلة، يحكمهم طاغية منذ أربعين عاماً ، مسح
بغطرسته ملامح دولتهم وأسكنهم في أزمات داخلية وخارجية متعددة.
لم
يستبعد أحد يوماً بأن يخرج الليبيين عن صمتهم لطرد "معمر القذافي"، و
اختيار قيادة بديلة تقود البلاد إلى بر الأمان، لكن ما يثير القلق هو
أن حلف الناتو ويتصدره فرنسا يتململ في حربه على "القذافي" ويحاول
إطالة المدة، فهل قوة العقيد تزيد عن قوة النظام العراقي التي قضى
عليها الحلف خلال أيام؟ أم أن الكاتب الصحفي "عبد الباري عطوان" صدق
حينما قال في مقالة نشرتها صحيفة القدس العربي: الحلف ليس مؤسسة خيرية،
وأن الاستيلاء على النفط الليبي، ومحاولة إعادة ليبيا إلى عهود
الاستعمار الغربي هو احد أبرز أهداف هذا التدخل.
والغريب
أيضا أنه في تونس وفي مصر وفي سوريا قُتل متظاهرين لكن لم يحشد الناتو
قواته للدفاع عن الأبرياء، وهل يعقل أن فرنسا التي قتلت أكثر من مليون
جزائري قبل ما يزيد عن نصف قرن خلعت ثوب الاستعمار وأصبحت حليفة
الديمقراطية والحرية وتدافع عن الأبرياء، لا أحد ينكر أن دكتاتور
(مجنون) يحكم ليبيا، لكن ليس هذا مبرراً للسماح للناتو بأن يقود ثورة
الشعب الليبي إلى وجهته.
في
صحيفة الغارديان البريطانية نشر
الكاتب "سيوماس ميلن" مع بدء الثورة الليبية مقالة حذّر فيها من التدخل
العسكرى الغربى في ليبيا، قائلاً إنه سيسمم الثورة العربية.
مفكر
الثورة الليبية الفرنسي "هنري ليفي" ذو القلب اليهودي الذي ولد في بني
صاف في الجزائر، لعائلة يهودية ثرية من السفارديم. ثم انتقل للعيش في
باريس تخرج عام 1968 من أحدى المعاهد العليا في باريس وحصل على شهادة
الفلسفة، و ما يذكر له غير أنه يهودي يتفنن في تلميع الوجه القبيح
(لإسرائيل) ويعمل مبعوث خاص للرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" للثورة
الليبية.
في
حزيران/ يونيو 1967، لم تمنع "ليفي" جنسيتُه الفرنسية من أن يقصد
السفارةَ الإسرائيلية في باريس طالباً التطوعَ في الجيش الإسرائيلي.
ولسوء حظه، لم تدم حرب ( الأيام الستة ) طويلاً فحُرم شرف تحرير بعض
أراضي (إسرائيل الكبرى) من العرب الغاصبين كما يقول.
ومنذ ذلك
اليوم، لم يَحد عن حب هذا الجيش إلى درجة أنه في حزيران/ يناير 2009،
رافق وحدة من لواء جولاني في إحدى عملياتها في غزة، ولم يرَ في غزة
المحاصرة المدماة غير (ألغام حماس) .
خلال
مشاركته في منتدى عن (الديموقراطية وتحدّياتها الجديدة) عُقد العام
الماضي في تل أبيب، لم يتردّد في القول إنه (غطّى حروباً كثيرة لكنه لم
يرَ يوماً جيشاً يطرح على نفسه كل الأسئلة الأخلاقية التي تشغل بالَ
الجيش الإسرائيلي).
وحينما
هاجمت (إسرائيل) أسطول الحرية وسقط عدد من الشهداء قال إنه عمل (غبيّ
لأن صوره ستبث في العالم كله، وستكون أكثر تدميراً من هزيمة عسكرية).
وأضاف (كان يمكنه إجبارُ هذه السفن على الرسوّ باستعمال وسائل أخرى).ما
آلم أشهر مفكر فرنسي في العالم ليس فظاعة العدوان بل غباوة العملية.
وللتعرف
على "ليفي" الفيلسوف المولع بالقضايا الإنسانية والحق والعدالة، فإنه
لم يتردد في منتصف الثمانينات في السعي لدي الإليزيه من أجل إنقاذ شركة
الخشب التي يملكها والده (Becob)
من الإفلاس وبطبيعة الحال فإن صديقه "ميتران" لن يماطل في إسداء هذه
الخدمة سواء بتسهيل توفير أنابيب إنعاش افريقية، أو بتقديم قرض من
الخزينة لا يقدم عادة إلا للشركات العمومية التي تعاني من اختلالاً
مالياً.
واستفاد
"ليفي" من الرعاية السامية في حفل زواجه بالممثلة المكسيكية الأصل "آريال
دومبال" التي وضعت زواجه منها على أغلفة مجلات الإثارة .
وكان حفل
الزفاف يوم 19 آذار (مارس) 1993 صفقة متعددة الجوانب، فمن الناحية
السياسية كُشف عن نفوذ الفيلسوف الذي سخّرت الرئاسة الفرنسية طائرة
لنقل ضيوفه، ومن ناحية الإشهار وجد نفسه إلى جانب نجوم الغناء
والسينما، ولأول مرة تطارد أفواج البابارازي فيلسوفاً، غير أن كتاب
"كوهين" يكشف بأن
BHL
استلطف اللعبة من البداية، حين باع صور الزفاف لـ "باري ماتش" التي
خصصت للحدث ست صفحات، ومنذ ذلك التاريخ دخل الفيلسوف ذو القميص الأبيض
عالم النجوم الشعبية، لكن بالحيلة ذاتها التي يمارس بها تحقيقاته، أي
بشبكة العلاقات الخطيرة التي يتوفر عليها، لأن المجلات المذكورة تحب
النجوم محدودة الذكاء!!
وارتبط
اسمه بالأحداث المأساوية المعاصرة، ونجح في أن يكون مبعوثاً لبلاده إلى
نقاط ساخنة كأفغانستان، لكن هذه الكتابات ومقالات صحافية ظهرت في فرنسا
والولايات المتحدة بأقلام صحافيي الميدان كشفت بشكل مدوٍ عن بهتان
الفيلسوف الجديد، المنتصر لهويته، إلى درجة أنه أصبح متهماً بإحياء
النعرات الدينية، انطلاقاً من كتابه الإيديولوجية الفرنسية الذي نقب
فيه عن الجوانب الفاشية في الذات الفرنسية، بدوافع أملتها هويته، أولاً
وأخيراً، وبحسب ما نشرته صحيفة القدس
العربي فإن كتاب "فيليب كوهين" يكشف مغالطة كبري بشأن القضية
الأفغانية، فبعد أن ظل ليفي يِكذب بأنه صديق "أحمد شاه مسعود"، إثر
اغتياله في ايلول (سبتمبر) 2001، حيث أكد أنه التقي به لأول مرة سنة
1981 ومنذ ذلك التاريخ وهما على صداقة لا تشوبها شائبة، والفضيحة
فجّرها مخرج عدة أشرطة عن أفغانستان اسمه "كريستوف دو بونفيلي"، الذي
ذكر أن الفيلسوف طلبه منه سنة 1998 التوسط له من اجل مقابلة مسعود لأول
مرة وذلك بعد توصله بعدة أشرطة مصورة عنه. هذه الشهادة تضع عملاً
كبيراً ومصداقية مثقف أمام التاريخ ، ويطرح علامات استفهام حول عمله
خاصة وأن مسعود استأثر بكتاب كامل بعد اغتياله وورد في كتابه : تفكيرات
حول الحرب، الشر ونهاية التاريخ .
ولم يخرج
كتاب "برنار هنري ليفي": من قتل دانيال بيرل؟ من دائرة الفضائح، ويكشف
هذا التحقيق المنعوت من قبل المتتبعين بالتلفيق، يؤكد للمرة الأخيرة
تطرف
BHL وحقده، ويضعه في خانة
المثقف الطائفي كما وصفه طارق رمضان، حفيد "حسن البنا".
ولد
"برنار هنري ليفي" في بني صاف بالجزائر يوم 05 تشرين الثاني (نوفمبر)
1948، وبعد أشهر من هذا التاريخ استقرت عائلته بباريس حيث درس وببلوغه
المرحلة الجامعية تتلمذ علي يد "جاك ديريدا" "ولويس ألتوسير" في سنة
1971 زار شبه القارة الهندية وتوقف ببنغلاديش التي كانت تخوض حرباً
تحريرية استجابة لدعوة "مالرو" إلى إنشاء كتيبة دولية من أجل بنغلاديش
وعمل كمراسل حربي، ومكنته إقامته في هذا البلد من إعداد كتاب بعنوان
بنغلاديش، قومية داخل الثورة واختاره "ميتران" للعمل في فريق خبرائه
إلي غاية 1976.
في نفس
الفترة أشرف على إدارة ثلاث سلاسل بدار غراسيه العريقة وأصبح مكرساً
كرئيس عصابة الفلاسفة الجدد المشكلة من "جون بول دولي"، "كريستيان
جامبي" "غي لاردو"، "أندري غلوكمسان"، و"جون ماري بونوا" ولقيت هذه
الموجة اهتماماً كبيراً في الأوساط الإعلامية إذ أصبح هؤلاء الفلاسفة
مطلوبين تلفزيونياً للإدلاء بتعليقاتهم على الأحداث وفي نفس الفترة
أدار ركن أفكار بجريدة
le quotidien de paris وتعاون
مع "النوفيل أوبسرفاتور" .
أصدر سنة
1977 كتاب (البربرية بوجه إنساني) ثم (وصية الله) سنة 1979 بعد ذلك شكل
إلى جانب "فرانسواز جيرو" و"مارك ألتر" وبعض المثقفين الحركة الدولية
ضد الجوع وكذا لجنة حقوق الإنسان التي تناضل من أجل مقاطعة الألعاب
الأولمبية في موسكو وتزوج من "سيلفي يوسكاس".
سنة 1981
يصدر أكثر كتبه إثارة للجدل (الأيديولوجية الفرنسية) وفي أيلول
(سبتمبر) من ذات العام يزور أفغانستان ويسلم المقاومين معدات لإنشاء
إذاعة أفغانستان الحرة بين سنتي 82 و83 يكتب الافتتاحيات في الأعمدة في
عدة مجلات وجرائد ويكتب في مجلة
bloc - notes le point التي لا زالت مستمرة إلى اليوم وجمعت في
ثمانية كتب تحمل عنوان مسائل مبدئية ليصدر سنة 1984 روايته الأولى
الشيطان في الصدارة وفي سنة 1987 أصدر كتاب مدح المثقفين يسائل فيه دور
مثقفي القرن العشرين.
بعد ذلك
يصدر روايته الثانية أيام شارل بودلير الأخيرة وفي سنة 1990 أسس مجلة
قاعدة اللعبة وقد كانت سنوات التسعينات حافلة بالنسبة للفيلسوف الجديد
حيث اهتم بالأعمال التلفزيونية منها سلسلة مغامرات من أجل الحرية كما
أعد فيلماً عن المأساة اليوغوسلافية وفي سنة 1993 يتزوج الممثلة "آريال
دوميال" وأصدر كتاب الرجال والنساء .
كما يصدر
كتاباً وفيلماً عن البوسنة ويتبني قضية "سلمان رشدي". في سنة 2000 أصدر
أحد أهم كتبه قرن سارتر وفي 2001 يصدر تأملات حول الحرب ضد الشر ونهاية
التاريخ. سنة بعد ذلك يكلفه الرئيس "جاك شيراك" بمهمة خاصة في
أفغانستان وفي 2003 تشغله قضية مقتل "دانيال بيرل" الصحافي الأمريكي
الذي تمت تصفيته في باكستان حيث أصدر كتاب من قتل "دانيال بيرل"؟ .
في سنة
2004 أشرف على ترجمة مجموعة من كتبه وأصدر الجزء الثامن من مسائله
المبدئية وسيتعب من يتتبع نشاط الفيلسوف بين مختلف الحقول المعرفية
والفنية نظراً لغزارة إنتاجه وتعدد نشاطه.
لم يخرج
"هنري ليفي" عن أساليب اليهود في التعامل مع القضايا العربية
والإسلامية، ونظرة العداء لهم، لكنه خنزير بوجه ناعم استطاع خداع
الكثيرين وأقنعهم بفكرة الدفاع عنهم حتى كاد أن يصبح سفيراً لهم.. إنها
إعادة صياغة التبعية وإغراق ليبيا في صفقات مشبوهة وتوجيه عملية
التغيير ما بعد "القذافي" لما يخدم مصالح الغرب ويثبت أقدامهم، لم يسعى
يوما في الأرض إلا لهدفين وهما خدمة أبناء قوميته اليهود أو البحث عن
الإثارة التي تشعره بوجود هالة حوله يجنى من وراءها المال.
|