• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
جذور إستراتيجية الإدماج في الفكر الصهيوني

جذور إستراتيجية الإدماج في الفكر الصهيوني


في سبتمبر 2014م نشرت مجلة (The tower) في عددها الثامن عشر مقالاً لعضو الكنيست عن حزب العمل والأحزاب المستقلة (إينات ويلف Einat Wilf) بعنوان: (نحو صهيونية الإدماج) Towards a Zionism of Inclusion؛ كان الغرض من كتابة (ويلف) لهذا المقال هو الدفاع عن الصهيونية بالاستناد إلى فكرة (الإدماج) لمحاولة التخفيف من حدَّة اتهام الصهيونية بالعنصرية، والإقصائية، والإبادة الجماعية، وكافة الشرور الاجتماعية التي كانت تعكسها لافتات المتظاهرين ضدها في أنحاء العالم.

كما حاولت (ويلف) أيضاً نفي الاستعمارية والعنصرية عن فكر (تيودور هرتزل) استناداً إلى فكرة «الإدماج» ذاتها، فتقول: «إن الرؤية الأصلية عند هرتزل هي أن الصهيونية تشمل اليهود، والنصارى، والمسلمين الذين يعيشون في انسجام من أجل هدف مشترك». وتعلق (ويلف) على ذلك بقولها إن تاريخ الصهيونية يكشف لنا أن هذه اللحظة ليست بعيدة المنال جداً، وتؤكد أن المدافعين العظام عن الصهيونية فشلوا في إدراك ما تسميه بالجانب الأكثر إيجابية في الأيديولوجية القديمة للصهيونية وهي أن الصهيونية تعادل (الإدماج)... وأن الصهيونية تسير وستستمر في مسارها بخطى ثابتة نحو الإدماج المتزايد، على العكس من قول هؤلاء الذين يدَّعون بأنها أيديولوجية إقصائية منذ لحظة تأسيسها، ثم تصف الصهيونية بأنها واحدة من أكثر الحركات السياسية والقومية في العالم ارتباطاً بالإدماج.

النقاط العشر الآتية هي خلاصة ما جاء في مقالة (ويلف):

أولاً: تكمن فكرة هرتزل الأصلية في أن بعث الدولة اليهودية هو نوع من تأسيس (فيينا) في المشرق العربي. كان يريد تحقيق (يوتوبيا) أوروبية مركزية على ضفاف نهر الأردن. كان جمهوره المستهدف هم اليهود أنفسهم الذين تمثلوا الثقافة الأوروبية وذابوا فيها مثله. كان يريد بناء أوروبا أفضل في الشرق الأوسط، أوروبا جديدة مثل أوروبا الحقيقية يشعر فيها اليهودي بالأمن، ويشغل منصباً فيها، ولا أحد يسأله عن إحساسه بالانتماء.

ثانياً: لم يستجب اليهود في وسط وغرب أوروبا لفكرة هرتزل في البداية على عكس يهود أوروبا الشرقية. حاول اليهود في القرن التاسع عشر الاستجابة لسياسة العداء ضدهم في البلاد الأوروبية المضيفة بمحاولة الذوبان في مجتمعات هذه البلاد، أو الهجرة إلى الولايات المتحدة. القليل منهم من كانت تستهويه فكرة استعادة السيادة اليهودية على ما يسمى بأرض إسرائيل والنظر إلى هذا الأمر بجدية. وكان الكثيرون منهم يرى أن مثل هذه الفكرة تعوق جهودهم في تمثيلهم في مجتمعاتهم المضيفة.

كانت نظرة هرتزل إلى يهود شرق أوروبا نظرة مختلفة عن نظرته ليهود وسط وغرب أوروبا؛ فالأخيرون عنده مثقفون، ومتحضرون، وعصريون، أما يهود شرق أوروبا فكان يعتبرهم متخلفين، وبدائيين، ويعيشون بعقلية القرون الوسطى، ولا يستطيعون ارتداء عباءة الصهيونية وإقامة الدولة اليهودية المأمولة.

فوجئ هـرتزل بأن يهـود أوروبا الشرقية هم الذين احتضنوا الفكرة الصهيونية، وهم الذين استلهموا رؤيتها، وأرادوا أن يكونوا بناة الدولة الجديدة، وكانوا يودون فعل أقصى ما لديهم لبعث السيادة اليهودية على ما يسمونه بأرض إسرائيل. كانت أنبـاء قـدوم هرتزل إلى بلغـاريا قد سبقت وصوله. حينما وصل القطار إلى هناك اندفع اليهود البلغار للترحيب به؛ فقد كان بالنسبة لهم المخلص الذي انتظروه طويلاً، وكانوا يعطونه قداسة أعلى من قداستهم للتوراة، كانوا مبهورين بشكل لحيته، وعينيه المتوهجتين، وبساطة مشاعره. استقبله اليهود الشرقيون استقبال المسيح الذي سيعيدهم مرة أخرى إلى ما يسمونها بأرض أجدادهم. دفع هذا الاستقبال الطاغي هرتزل إلى أن يغير فكرته عن يهود شرق أوروبا ويعيد كتابة قصة الصهيونية. فقال عنهم: «إنهم هم الذين احتفظوا بأحاسيسهم كأمة، بينما لم يفعل ذلك يهود أوروبا الغربية، إنهم (أي يهود أوروبا الشرقية) هم الأكثر ملاءمة لبناء الدولة اليهودية لأنهم قبل كل شيء عرفوا ماذا تعني كلمة أمة، وأن الصهيونية هي الأصل والأساس حول الإحياء القومي للشعب اليهودي».

ثالثاً: الإدماج كما عرَّفه مركز التنوع الأسترالي (The Diversity Council Australia) في أبسط صوره هو: «التعايش المشترك بين مجموعة متغايرة من الناس مختلفة في خلفيتها الاجتماعية، والثقافية، والنوعية، والعمرية، لكنهم يشعرون بالقيمة، والاحترام، وإمكانية استخدامهم للمصادر وحصولهم على الفرص المتاحة أمامهم، ويمكنهم الإسهام بقدراتهم، ووجهات نظرهم في تحسين أوضاع التنظيم الذي ينتمون إليه».

وليس الإدماج شكلاً واحداً؛ بل هناك أشكال عديدة من الإدماج في بلدان مختلفة، وأيديولوجيات مختلفة، وهناك أيضاً طرق مختلفة لكيفية تطبيقها. هناك النموذج الفرنسي؛ ففرنسا جمهورية علمانية، وبوسع كل واحد فيها أن يكون فرنسياً إذا تبنَّى قيم الجمهورية الفرنسية، وعاش تحت سقف شعبي علماني واحتضن الثقافة واللغة الفرنسية، وأخرج ما يتعارض معها كالدين - مثلاً - من المجال العام وأدخله في المجال الخاص.

أما النموذج الأمريكي فيسمى بالنموذج ما بعد القومي Post-national ويعتمد بدرجة شديدة على تبني مبادئ الدستور وطريقة الحياة الأمريكية. أما بريطانيا فتتبنى النموذج ما بعد الاستعماري Post-colonial حيث يتوحد فيه الدين والشعب تحت تاج الملكة.

يرى منظرو الصهيونية أن كل هذه الأشكال من الإدماج تعاني من مشاكل تخصها، وجميعها ذات إدماج جزئي، وهناك هوَّة بين ادعاء الإدماج وبين واقع الإدماج. وكلها تواجه تحديات من جماعات لا تقبل (بقواعد الإدماج). ولا تختلف الصهيونية عنها كثيراً، لكنها ذات آلية خاصة في الإدماج.

إن الآلية الصهيونية هي واحدة من الآليات التي تعتمد على إعـادة كتـابة ورواية تاريخهـا؛ فهي مصممـة على الدوام لاسـتيعاب جماعات كانت مسـتبعدة في السابق. إنها لا تركز على مجرد التمثيل والاستيعاب البسيط أو حتى ما يسمى ببوتقة الانصهار، إنها تعمل على إعادة كتابة مستمرة لقصة الصهيونية بحيث تظهر قصة جديدة لمحو القديم، ومن هنا جاء الإحساس بأن الصهيونية قادرة دائماً على أن تدمج فيها الجماعات التي كانت مستبعدة سابقاً.

تعمل الآلية الصهيونية بالطريقة نفسها؛ إنها دائماً قصة تعاد روايتها، ومع ذلك يمكن أن تكون قصة واحدة في وقت معين. إنها ليست آلية قانونية تركز على المواطنة المحايدة في دولة محايدة يتساوى فيها الجميع أمام القانون، حيث يكون الالتزام بالقانون هو المتطلب الوحيد، وكل من يلتزم بالقانون يدخل تحت عباءة الدولة. إن الدولة الصهيونية تعتقد بالمساواة أمام القانون، لكن الإدماج الصهيوني يعمل بطريقة مختلفة. الإدماجية الصهيونية هنا هي القصة وليست القانون.

رابعاً: يقول هرتزل إن اليهود اليوم بإمكانهم أن يمشوا بفخر متساوين مع الأمم الأخرى طالما أن لهم دولة حتى ولو لم يكونوا من مواطنيها. إن القوة المتنامية للدولة الصهيونية اليوم، تجعل اختيار البقاء في أوروبا مع قسوة الموقف في دول الشتات الذي وصل إلى حد الإبادة الجماعية اختياراً غير محترم... إن إنكارالحياة في المنفى الذي أصبح معروفاً اليوم ليس فقط مجرد إنكار شرعية هذه الحياة، لكنه أصبح اليوم الإنكار بمعناه الجوهري. لقد أوجدت الصهيونية سلسلة شاملة من عبارات الرفض التي تؤكد ذلك: الإيجابية ضد السلبية، القوة في مواجهة الضعف، الفخر في مواجهة الإذلال، الاستقلالية في مواجهة الاعتمادية، الصحة في مواجهة المرض. لقد أتت الصهيـونية لترى أنها العلاج لكل العلل التي عانى منها اليهود في الماضي.

خامساً: ضمت دولة إسرائيل الوليدة إلى صفوفها هؤلاء الأحياء من الهولوكست واستخدمتهم للحرب من أجل ما يسمونه الاستقلال. وهذا أيضاً إدماج براغماتي؛ احتاجت إليهم إسرائيل من أجل البقاء، لكنها لم تكن تريد الاستماع إلى قصصهم لأنه لا مجال في الرواية الصهيونية لهم. وقد استخدمتهم فقط لتُبين أنه لا حياة يهودية في المنفى. لقد كانوا الجانب السلبي في الإيجابية الصهيونية.

استمعت الصهيونية لمن بقي حيّاً من المحرقة، وتمَّت إعادة كتابة تاريخ إسرائيل والصهيونية تبعاً لذلك... لم يحدث هذا بسرعة ولكنه استغرق عشرات السنين؛ أصبحت بعدها قضية المحرقة متكاملة مع قضية الصهيونية ووصلت إلى درجة أن الكثير من الناس باتوا يعتقدون أن المحرقة هي السبب في وجود إسرائيل إلى درجة أن الكثيرين حول العالم - ومنهم اليهود الإسرائيليون - بالكاد يعرفون تاريخ الصهيونية والمجتمع الصهيوني ما قبل الدولة التي سبقت المحرقة.

إن إعادة رواية تاريخ إدماج المحرقة والذين بقوا أحياء منها أصبحت اليوم كاملة. لقد خلعت الصهيونية نفسها من اتجاهها المحتقر من أحياء المحرقة وحققت إدماجاً كاملاً بتحويل روايتها.

سادساً: تقول الرواية الصهيونية: هناك جماعة أخرى أساسية ما تزال تتعرض لعملية الإدماج، إنهم اليهود الذين هاجروا من البلاد العربية. قبل المحرقة كانوا أقلية صغيرة في العالم اليهودي، مليوناً واحداً فقط من إجمالى 18 مليون يهودي يقطنون في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

مع نهاية الحقبة الإسرائيلية وتأسيس الدولة اليهودية زادت التوترات بين السكان اليهود والمسلمين. وبعد سنوات قليلة بدأت المجتمعات اليهودية تتحرك نحو الهجرة إلى إسرائيل.

وكما حدث للأحياء من المحرقة تم تجنيد اليهود القادمين من البلاد العربية لاستخدامهم في جهود بناء الدولة الوليدة، لكنه لم يكن مرحَّباً بهم بالمعنى الحقيقي.وكانوا ينظر إليهم دائماً على أنهم (ليسوا منا). وقد عانوا لسنوات عديدة من التمييز الظاهر والخفي ولكنهم أصبحوا بعد ذلك ببطء جزءاً من المجتمع الإسرائيلي. وغالباً ما تحقق هذا الإدماج عن طريق الزواج.

سابعاً: عن مشكلة إدماج غير اليهود مع الصهيونية تقول (ويلف): يظن الكثيرون أنه بالنظر إلى إنجازات الصهيونية فإنه من غير الممكن أن تدمج فيها غير اليهود.يقول منظرو الصهيونية: «إنه لمفخرة للصهيونية أن تدمج كل اليهود، لكن مسألة إدماج غير اليهود مسألة أخرى تحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء عليها...».

إنه من المهم أن نلاحظ أن مفهوم (هرتزل) الخاص لليهودية كان علمانيّاً تماماً إلى درجة أنه رأى أن المسلمين والنصارى واليهود يمكن أن يكونوا جميعهم صهاينة. كانت رؤيته تقوم على فكرة أن الدولة اليهودية يجب أن تكون مشابهة لدولة فرنسا التي تسمح لكل الناس بأن يكونوا متدينين أو إلحاديين... ومن هنا فإنه لم يكن يعني أن الصهيونية هي اليهود فقط؛ بل يمكن لغير اليهود أن يشاركوا فيها. ولقد أكد هرتزل على ذلك بقوله: «إن النزعة الإنسانية مقبولة بيننا. طالما يستبعد الدين فإنك سوف تجد أماكن العبادة للنصارى والمسلمين والبراهمة إلى جانب معابدنا.

وفي نظرته لمستقبل الدولة اليهودية يرى أن الدين يجب أن يستبعَد من الشؤون العامة ومن كل شيء. إن المجتمع الجديد لا يعنيه أن الرجل يفكر في الفضائل الأخروية في المعبد أو الكنيسة أو المسجد أو في متحف للفنون أو أوركسترا سيمفوني.

ثامناً: عن إدماج الصهيونية (البدو والدروز) تقول (ويلف): فكَّرت إسرائيل في العقود الأخيرة أن تضم إليها المجتمعات البدوية والدروز... كان السبب الرئيسي لذلك براغماتياً بالطبع؛ وهو الحاجة إلى جنود. ومع بدايات الحرب مع العرب التحق المجتمع البدوي ومجتمع الدروز بكامله لمحاربة الجيوش العربية. ومن هذه اللحظة أدمج البدو والدروز في الجيش الإسرائيلي، ومن لحظتها أيضاً رحَّب المجتمع والإعلام الإسرائيلي بأبطال الجيش البدوي والدرزي... وخلال الصراع الأخير مع حماس أصبح كبير القادة الدروز بطلاً في نظر الإعلام اليهودي بعد أن طلب العودة مرة أخرى إلى القتال على الرغم من جروحه الشديدة. إن العديد من الدروز لا يصنفون هويتهم الذاتية على أنهم إسرائيليون فقط ولكن على أنهم صهاينة.

تاسعاً: استفادت الصهيونية من ثورات الربيع العربي لإدماج النصارى المتطرفين فيها، وأعطت اهتماماً خاصاً إلى محاولة إدماج المغالين في التطرف من اليهود والنصارى الإسرائلييين فيها. تبنى النصارى الإسرائيليون في الماضي بصفة عامة هويات عربية فلسطينية، وكان النصارى من بين أهم المفكرين المؤثرين في فكرة القومية الفلسطينية والعربية، ومن أشد المتحمسين لها. وهذا يرجع في جانب منه إلى وضعهم كأقلية بين المسلمين العرب؛ لكن ثورات الربيع العربي وضعت حياة النصارى الشرقيين في تناقض وتوضحت الأمور عندهم بجدوى تبني الهوية الإسرائيلية بدلاً من الهوية النصرانية. وأدركوا أن الهوية العربية هوية إسلامية بصورة حصرية وأنها معادية صراحة للنصرانية، هنا ظهرت الهوية الإسرائيلية بديلاً ممكن لحل مشكلة الهوية.

وكما الحال مع الدروز والبدو الذين التحقوا بالجيش الإسرائيلي، تزايدت الأصوات في المجتمع النصراني بالالتحاق بالجيش الإسرائيلي وسيلةً للمشاركة مع دولتهم.واستجابةً لذلك اتخذ الجيش الإسرائيلي خطوات لجعل الخدمة العسكرية أكثر يسراً.

علاقة اليهود المغالين في التطرف بالصهيونية متناقضة منذ البداية. الصهيونية بصورة شاملة حركة حديثة تعتقد أن البشر يمكن أن يحددوا قدَرَهم الخاص بدلاً من أن يقبلوا بصورة سلبية إرادة الله التي يتمسك بها اليهود المتطرفون، وبالإضافة إلى ذلك فإنهـا تتكون - في غالبيتها - من يهود علمانيين وحتى ملحدين الذين تمردوا ضد الطريقة الدينية في الحياة. ونتيجة لذلك فإن العديد من مفكريهم اعتبروا الصهيونية مجرد هرطقة. وبعضهم رأوا فيها تحديّاً لله وعقبة أمام تحقق خطة الله للشعب اليهودي، ولهذا فإنهم اعتقدوا أن التاريخ الحقيقي يبدأ عبر تدمير دولة إسرائيل.

وكـانت الغالبية الصهيـونية ترغب في أن يترك اليهود الأكثر تطرفاً محافظين على طريقتهم في الحياة ويظلون على هامش المجتمع الإسرائيلي. ولكن في السنوات الأخيرة ومع تزايد حجم مجتمع اليهود الأكثر تطرفاً شعر الكثيرون من الإسرائيليين بأنه من غير الممكن استمرار الوضع بهذا الحال. وخاصة أنهم يعتقدون أن اليهود الأكثر تطرفاً أصبحوا عبئاً ثقيلاً على حالة الرفاه للمجتمع الإسرائيلي؛ إذ تنخفض مشاركتهم في قوة العمل، كما أن عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية يفرض عبئاً غير عادل على الإسرائيليين الآخرين.

من هنا بدأت معركة إدماج هؤلاء اليهود الأكثر تطرفاً في الرواية الصهيونية. في البداية أخذت شكل طلب دخولهم الخدمة العسكرية، ومشاركتهم بدرجة أكبر في قوة العمل. وكان الدافع براغماتياً مرة أخرى.

عاشراً: يمثل المسلمون الإسرائيليون العقبة الكبرى في إستراتيجية الإدماج الصهيونية. وهم الذين يصفون أنفسهم حديثاً بالفلسطينيين المسلمين العرب الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية. تقول (ويلف): «إنه من الصعب حتى هذه اللحظة - ويبدو سخيفاً - أن نفكر في إدماجهم المستقبلي في الرواية الصهيونية. إن المسلمين الإسرائيليين أنفسهم قد يرون الفكـرة إهانة لهم ولإحساسهم بالهوية القومية الفلسطينية العربية، لكنني أرى إمكانية ذلك في وقت ما في المستقبل... إن الحركة القومية الفلسطينية يصعب عليها أن تدرك كيف تسعى الصهيونية إلى إعادة كتابة روايتها لإدماج الفلسطينيين المسلمين... إن معظم المسلمين الإسرائيليين يرغبون في السير في اتجاه نحو دولة إسرائيلية محايدة عارية من كل إشارة أو رموز بكونها يهودية أو صهيونية. والحجة التي استندوا إليها وخاصة من قياداتهم هي: أنه طالما تُصرُّ الدولة الإسرائيلية على أن تكون صهيونية أو يهودية، يمكن للمسلمين أن يكون لهم حقوق قانونية ولكنه يستحيل أن يكونوا جزءاً من المجتمع الإسرائيلي. وهم يرون أن الاندماج والانتماء الكامل يؤدي في النهاية إلى الصهيونية. وتفهم الصهيونية ذلك تماماً في الموقف الحالي. وخلاصة هذا الفهم هو أن الصهيونية والقومية الفلسطينية إذا كانتا في صراع مستمر فإن تبنِّي إحداهما يتضمن طبيعياً رفض الآخر؛ لأنه من المستحيل أن تقبل الصهيونية ذلك؛ ليس فقط لما يتطلبه من إعادة كتابة روايتها ولكنه سيؤدي إلى إحراق كتابها نفسه.

إن إدماج المسلمين الإسرائيليين في الرواية الصهيونية يحتمل أن يحدث في حالتين متطرفتين: الحالة الأولى هي السلام الكامل بين إسرائيل والعالم العربي. والحالة الثانية هي الانجراف في الفوضى والوحشية حيث يفصل المسلمون الإسرائيليون أنفسهم عن العرب الفلسطينيين من أصحاب الهويات القـومية بحثاً عن بديل. وتحت أي واحد من هذين السيناريوهين البعيدين، لن يعتبر المسلمون الإسرائيليون أنفسهم فلسطينيين عرب قوميين ولكن إسرائيليون صهاينة.

إذا تحقق وتجسد أي من هذين السيناريوهين و (أصبح واقعاً) فإن عقبات الإدماج سوف ترفع على الأقل من ناحية المبدأ. يتخيل الواحد منا أن الرواية الصهيونية يعاد حكايتها بحيث يندمج المسلمون الإسرائيليون تماماً في القصة. هذه الرواية الإدماجية. أما كيف يتحقق ذلك؛ فإنه يكون بعد وسائل لعل أهمها:

بعث التاريخ الماضي الذي حافظ فيه المسلمون على الأرض لقرون عديدة وكيف رحَّبوا باليهود ليشاركوا الخير للجميع.

التذكير بهذه التقاليد المحلية من الكرم الضيافة التي جعلت المسلمين المحليين يمدون فيها يد المساعدة للاجئين اليهود الذين قدموا إلى شواطئهم.

التذكير بقصة الأبطال الجدد من اليهود والمسلمين الذين مثَّلوا التعاون؛ المسلمون الذين حموا اليهود من الشدائد، المسلمون الذين باعوا الأرض لليهود، وشاركوا معهم المعرفة الزراعية القيمة، والمعلمون المسلمون الذين تعلموا الصهيونية دون إنكار جانبهم الخاص من القصة.

إن بعث التاريخ المدفون للمسلمين المؤيدين للصهيونية في فلسطين أمر هام للغاية. وقد كشف التاريخ مؤخراً كتاب هيلين كوهن (جيش الظل: تعاون الفلسطينيين مع اليهود)، الذي يكشف العديد من الشخصيات المنشقة في المجتمع العربي المسلم الفلسطيني ممن نظروا إلى الصهيونية نظرة إيجابية وساعدوا اليهود كثيراً.

بَعْثُ التاريخ الذي يذكرنا بهؤلاء الأبطال مثل (هيفاء حسن بك شكري) التي كتبت للحكومة البريطانية في عام 1921م: «نحن نحتج بشدة ضد ما يسمى بوفد المسألة الصهيـونية. نحن لا نعتبر الشعب اليهودي كعدو يريد أن يسحقنا، على العكس من ذلك نحن نعتبر اليهود كأخوة لنا يشاركون أفراحنا، وأتراحنا، وساعدونا في بناء بلدنا المشترك».

التذكير بقصة كيف أن المسلمين مع اليهود صنعوا أرض إسرائيل مرة أخرى. احضروا معهم الديانات التي ظهرت وانتشرت داخل حدودها.

التذكير بقصة جمع الشمل وإعادة الوحدة؛ قصة كيف أن المسلمين عادوا ليكونوا أقلية واليهود بكونهم أغلبية قبل أن يعيش كلاهما كياناً واحداً، بمعنى: إدخال العنصر الأساسي في أي دراما لإعادة الشمل وإعادة الوحدة: التغلب على العقبات.

وتنهي (ويلف) مقالها بقولها: «صحيح من الصعب جداً أن نتخيل كيف تكون هذه الرواية؛ إنها تتطلب تخيلاً أكثر خيالية، ولكنَّ أهم ما علمتنا الصهيونية هو أن الواقع يبدأ بحلم».

 

أعلى