الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
الحديث عن الإصلاح ليس هو فعل الإصلاح، وكثرة الكلام عن المنكرات ليس بالضرورة من إنكار المنكر.
هذه حقيقة يجب أن يكون المسلم واعياً بها؛ فالإصلاح قول أو عمل يتحقق به نفع أو إزالة شرٍّ في دين الناس أو دنياهم، وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاءت الشريعة برِفْعَةِ شأن أصحابه، غير أن القيام بالإصلاح وتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختلف عن الحديث عنه، فليس من يتحدث عنه الإصلاح هو بالضرورة قائم بالإصلاح، ولا كلُّ من يكثر الحديث عن المنكرات هو آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر.
بل إن كثرة الحديث عن المنكرات قد تأتي بأثر عكسي في تثبيط النفوس، وتطبيع المنكر، وتوهين العزائم، بما يتسبب في إضعاف هذا الواجب، كما أن كثرة الكلام من غيـر عمل قد يوهم النفس أنها تؤدي دوراً نافعاً بينما يكون هذا من إشغال الناس بما لا نفع فيه عما هو نفع، ويسهل مع كثرة العمل بلا عمل: الحديث عن المعجوز عنه ونسيان المقدور، وإلقاء اللوم على الآخرين، وملاحقة أفعال المقصرين والمفرِّطين، ونحو ذلك مما يبعد نظر المسلم عن محل الإصلاح الحقيقي.
هي دعوة لضرورة تركيز الغيورين على دين الله على ميدان التأثير والعمل، وألَّا ننشغل عن العمل بالحديث عنه، وأن نفحص أحاديث مجالسنا وَفْقَ هذا المعيار: هل هي محفِّزة على العمل والنصح والإصلاح فهي إذن من وسائله المعينة عليه، أو هي مشغلة ملهية، تضيع فيها الأوقات بلا نفع حقيقي؟ وما أكثر ما نسمع من يحدثنا ببراعة عن «الحاجة» إلى أشياء كثيرة، من غير أن يفكر في كيفية أن يقوم بسد شيء ولو يسير من هذه الحاجة.