الحلم الصفوي من أين؟ وإلى أين؟
كانت نواة الحلم الصفوي زاوية صوفية صغيرة في أردبيل، إحدى مدن أذربيجان، أسسها الشيخ صفي الدين الأردبيلي، في مطلع القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وكان صفي الدين هذا، والذي نسبت إليه «الصفوية»، كأسرة، وكطريقة صوفية، ثم كدولة، قد ولد في أردبيل سنة 650هـ/1252م، لأب شافعي المذهب، وكان جده لأمه، أحد أقطاب الصوفية بشيراز، وكان والده من مريديه. وقد انتظم صفي الدين بسلك الصوفية في أردبيل منذ صغره، ونشأ نشأة صوفية بحتة، ثم سافر إلى شيراز، والتقى بالشاعر الصوفي سعدي الشيرازي، وأقام بزاوية القطب الصوفي عبد الله الخفيف، ثم التحق بالشيخ مير عبد الله الفارسي، فدله الأخير، على الشيخ زاهد الجيلاني، أحد أقطاب الصوفية، آنذاك. فعاد إلى أردبيل، ومنها انتقل إلى زاوية الشيخ زاهد، بجيلان سنة 674هـ/1276م، فلزمه، وصار مريده الأول، فزوجه هذا بابنته، وقبل موته جعله خليفته، فصار مريدوه بالتالي أتباعاً للشيخ صفي الدين، والذي بادر بالعودة إلى أردبيل، وأقام فيها زاوية لنفسه، كشيخ لطريقة، فذاع صيته، وكثر مريدوه، وأغلبهم من الجهال والبدو الرحل، من التركمان القادمين من صحاري تركستان والأناضول. وكانت أذربيجان، وسائر إيران، آنذاك، ترزح تحت نير المغول، بعد اجتياحهم لشرقي العالم الإسلامي، وتدمير حواضره وإفراغها من علمائها وقياداتها الحية، الأمر الذي هز ثقة أكثر الناس بأنفسهم، ودفعهم إلى الهروب من واقعهم، فوجدوا في المتصوفة، الذين فرغت لهم الساحة، حينذاك، الملاذ والملجأ. وقد بالغ سلاطين المغول، الذين اعتنقوا الإسلام، مع احتفاظهم بكثير من طقوسهم الوثنية، في تشجيع التصوف، وكانوا يغدقون على الزوايا الصوفية، بالنذور المالية، والأوقاف، ذات الدخل الكبير، وذلك لاعتقادهم أن شيوخ التصوف يمتلكون قدرات خارقة، وأيضاً لأسباب سياسية، ولهذا ظهر الصوفية بكل مكان، وأقاموا الزوايا بكل ناحية في عهدهم، وكان كل شيخ صوفي يمتلك ثروات هائلة، ويحظى بمكانة عظيمة، ويتبعه جيش جرار من المريدين. وكانت الزوايا الصوفية، بدورها، تؤيد سلطة المغول الظالمة، وتروج لضرورة الطاعة المطلقة لهم، وتسوق المجتمع الإسلامي إلى اللامبالاة تجاه مصيره، وعلى رأس تلك الزوايا زاوية أردبيل، فكانت بالتالي من أكثر الزوايا دخلاً، وكانت محل اهتمام سلاطين المغول، وبخاصة قازان وأولجيتو، ووزيرهما الباطني رشيد الدين الهمداني، اليهودي الأصل، والذي كان يعتبر نفسه مريداً للشيخ صفي الدين، وكان يزوره في المناسبات، ويقدم لزاويته المساعدات السخية، ويبالغ في إسباغ هالة العظمة عليه. وتوفي صفي الدين سنة 735هــ/1334م، ومدة رئاسته للزاوية 35 عاماً، وخلفه ابنه صدر الدين.
اتساع نفوذ الطريقة الصفوية:
تزامن ذلك مع بداية حكم الأسر المغولية (الطوائف)، وقد حافظت زاوية أردبيل على مكانتها في هذا العهد، وظلت محل اهتمام هؤلاء الملوك، وأقام صدر الدين قبة عظيمة على قبر والده بأردبيل، فتحول مع الأيام إلى مزارٍ عظيم، ولهذا فقد اتسع نفوذ صدر الدين، وعظمت مكانته، لدرجة أثارت غيرة حاكم أردبيل المغولي، فحاول التخلص منه، ولكن صدر الدين شعر بالخطر ففر إلى جيلان، وأقام عند أخواله هناك، ثم عاد إلى أردبيل بعد مقتل ذلك الحاكم سنة 758هـ/1357م، فتألق نجمه مجدداً، وزادت زاويته شهرة. وحينما وصل تيمور، القائد المغولي الدموي، إلى أذربيجان سنة 789هـ/1387م كان صدر الدين لا يزال رئيساً لزاوية أردبيل، فكان أن وصل إليه هذا الطاغية بيد مليئةٍ بالأموال المنهوبة، وأظهر له المحبة، وبالمقابل حظي تيمور وفتوحاته بمباركة صدر الدين. وبعد وفاة صدر الدين سنة 794هـ/1392م، والذي رأس الزاوية لمدة 59 سنة، خلفه ابنه خواجه علي، وعندما زار تيمور الزاوية للمرة الثانية سنة 802هـ/1399م، استقبله خواجه علي بحفاوة، برغم أعماله التدميرية، ووصفه أيضاً، مثل والده، بالملك العادل، وصار محل احترام كبير من قبله. ولم يلبث تيمور أن عاد لزيارة الزاوية للمرة الثالثة، بعد ثلاث سنوات، ومعه ألوف من الأسرى الأتراك، الذين أسرهم بعد هزيمته للعثمانيين في معركة أنقرة سنة 804هـ/1402م، فقام بالعفو عنهم بطلب من الخواجه علي، فصار هؤلاء من مريدي زاوية أردبيل، ومن أشدهم ولاء للصفويين، وكانوا هم نواة الجماعة التي عرفت في ما بعد بالاسم التركي «قزلباش» أي أحمر الرأس، كما أن تيمور أوقف المزارع المحيطة بأردبيل على الزاوية، وأقطع الصفويين أيضاً إقطاعات واسعة في أذربيجان وغيرها. وبعد وفاة تيمور سنة 807هـ/1405م ظل خواجه علي وزاويته موضع اهتمام ابنه شاه روخ، الذي كانت قاعدة حكمه هراة، ثم إن أذربيجان خضعت لقبيلة القرة قوينلو التركمانية، فكان زعيمها قرة يوسف عدو التيموريين يزايد في إظهار المحبة لخواجه علي، وظل يقدم لزاويته كل أشكال الدعم حتى وفاته سنة 823هـ/1420م. وتوفي خواجه علي بالقدس سنة 830هـ/1427م، وقد تحولت الزاوية من زاوية محلية إلى زاوية عابرة للأقاليم، ومدة رئاسته لها 37 سنة، فخلفه ابنه إبراهيم، الذي اشتهر بلقب «شيخ شاه» أي «الشيخ الملك»، والمصادر، حقيقة، تشكك في قدراته، وتمر عليه سريعاً، ومدة رئاسته للزاوية 20 سنة، وبعد وفاته سنة 851هـ/1447م خلفه ابنه جنيد.
الجنيد والتحول المصيري:
كانت لجنيد طموحات سياسية واسعة، ولذلك فقد استغل اضطراب الأوضاع في البلاد غداة وفاة شاه روخ بن تيمور، سنة 850هـ/1447م، واستقل بأردبيل، وتلقب بلقب سلطان، الأمر الذي أثار غضب جهانشاه بن قرة يوسف، زعيم قبائل القرة قوينلو، والذي كان قد استقل بأذربيجان وفارس، فتدخل وطرد الجنيد من أردبيل، فلجأ الجنيد وجماعة من مريديه إلى الأناضول، وظل يتنقل في نواحي الأناضول، وشمالي الشام، واختلط بالباطنية والبكتاشية، وتشرّب كثيراً من عقائدهم، واكتسب الكثير من المريدين هناك، مما جعله يتطلع للزعامة السياسية أكثر فأكثر، فراح يبحث عن الحلفاء الأقوياء، الذين يمكنهم مساعدته في القضاء على جهانشاه، وبالتالي العودة إلى أردبيل. وبعد سبع سنوات من النشاط بين قبائل التركمان، وبعد أن أهدر علماء حلب دمه، وتعرض للطرد من أكثر من منطقة، بسبب غلوه في التشيع، استقر جنيد عند أوزون حسن البايندري، زعيم قبيلة الآق قوينلو التركمانية، بديار بكر، فقد أذن له في الإقامة بعاصمته (آمد)، ثم زوجه بأخته، عندما وجد فيه حليفاً مفيداً في حربه ضد جهانشاه، نظراً لكثرة مريديه، وحماستهم لقتال جهانشاه، ولكن جنيد لم يلبث أن قتل في شروان، في معركة مع قوات جهانشاه وشروان شاه، سنة 864هـ/1460م. وتكمن أهمية جنيد في كونه حول الطريقة إلى حركة سياسية، تعتمد في وجودها على أعداد ضخمة من المريدين المنتظمين في تشكيلات شبه عسكرية، كما حاول جنيد حشد فرق الروافض والبكتاشية جميعاً تحت لوائه، ولذلك فقد انسلخ تماماً عن عقيدة آبائه، وتبنى عقائد مريديه الجدد، ومنها: اعتقادهم بألوهية علي، والولاية المطلقة للقيادة، وتقديس المرشد، وانتهاج أسلوب الغارات ضد الكفار لأغراض سياسية واقتصادية، كما صارت لغته هي التركية بدلاً عن الأذرية، وقبل ذلك ادعى الانتساب للإمام الكاظم، وهو يعتبر العقل المدبر للدولة الصفوية. وترك جنيد طفلاً رضيعاً يسمى حيدر، وكان يعيش وأمه بقصر خاله، وأطلق مريدو الجنيد لقب الشيخ على هذا الرضيع، وتجمعوا حوله، وشجعهم أوزون حسن على طاعته، وكان يزعم أنه يرى الأنوار الإلهية تسطع في جبينه، وأنه يجدر به تسنم مقام المشيخة، وذلك لدغدغة عواطف مريدي الجنيد الكثيرين، لكي يستغلهم، في حروبه ضد جهانشاه. ونجح أوزون حسن فعلاً بمشاركتهم، في اغتيال جهانشاه سنة 873هـ/1468م، ثم ولديه، ومن ثم السيطرة على أذربيحان. وعندما استقر بتبريز، لاحقاً، أعاد رئاسة الزاوية لحيدر، الذي كان قد وصل إلى التاسعة حينذاك.
حيدر وتكوين جيش القزلباش:
هكذا تسنم هذا الطفل زعامة زاوية أردبيل، وذلك تحت إشراف خلفاء والده، فكان هؤلاء يلقنونه العقائد الشيعية المتطرفة، دون علم أوزون حسن، لكونهم كانوا يتبعون أسلوب «التقية»، بانضباطٍ شديدٍ، كما كانوا يتعهدونه بالتمرينات العسكرية والبدنية القاسية، لأن الغارات ضد الكفار صارت جزءاً من أنشطتهم لخدمة أهدافهم السياسية، وكان أوزون حسن، قد أتاح لهم حرية العمل، لمساعدتهم له في قتل جهانشاه، فاستغلوا هذه الفرصة، وأنشأوا في أردبيل ورشة لتصنيع السلاح، وشحنوا مخازنهم بأنواع الأسلحة. وعندما بلغ حيدر الحلم زوجه أوزون حسن بابنته «مارتا» من زوجته «كاترينا» النصرانية، ابنة ملك طرابزون، فنتج عن ذلك اتساع نفوذه، وزيادة قدرته على قمع معارضيه، حيث صارت زاوية أردبيل في عهده دولة داخل الدولة. ولكن أوزون حسن توفي فجأة سنة 882هـ/1477م، وتغلب على الحكم بعده ابنه يعقوب، وكان هذا محباً للعلم والأدب، فاستعاد العلماء في عهده بعضاً من مكانتهم التي فقدوها من قبل، فأخذوا ينكرون بدع الصوفية، وبالتالي، يسحبون البساط من تحت أقدامهم. ولم يرق ذلك للشيخ حيدر، فصمم على مواجهة هذا التحدي، فأمر مريديه أن يضعوا على رءوسهم عمامة حمراء باثنتي عشرة ذؤابة، رمزاً إلى الأئمة الاثني عشر. وانتظم مريدوه الذين لقبوا، منذ ذلك الوقت، بلقب «قزلباش» أي أحمر الرأس، في وحدات خاصة، مسلحة ومنضبطة، واتجهوا بغاراتهم إلى مدن شروان وداغستان، ذات الغالبية السنية، ومارسوا ضد علماء أردبيل أساليب غاية في الخسة وتحولت زاوية أردبيل إلى مركز لبث الرعب والخوف. ولما كان حيدر ابن عمة السلطان يعقوب وزوج أخته فقد كان يتبع أسلوب المداراة معه، وكان حيدر، بدوره، كرجل نشأ على التقية، يتقن كل أساليب الخداع وادعاء المظلومية، التي كانت تنطلي على السلطان. وكان إذا لم تنفع هذه الأساليب توسل بأمه لديه، فكان السلطان يخضع لتوسلات عمته فيعفو عنه. لكنه في النهاية ضيق عليه، فخضع حيدر لفترة «تقية». ثم إنه عاد للعمل، بزعم، إحياء فريضة الجهاد، ودشن ذلك، بالإغارة على شروان للثأر لوالده من ملكها، فاستغاث شروان شاه بالسلطان يعقوب، فبعث هذا جيشاً مدداً له، فخاض الجيشان معاً معركة ضارية ضد القزلباش، انتهت بمصرع حيدر وهزيمة القزلباش سنة 893هـ/1488م. وبعد ذلك أمر السلطان يعقوب بنفي أخته مارتا وأولادها علياً وإبراهيم وإسماعيل إلى شيراز، وأمر عامله عليها أن يسجنهم في قلعة اصطخر، وأن يمنع القزلباش من الاتصال بهم.
المخاض العسير للحلم الصفوي:
بعد ثلاث سنوات توفي السلطان يعقوب، وذلك سنة 896هـ/1491م، وتغلب رستم بيك بن مقصود بن أوزون حسن على تبريز، في ظل منافسة حادة من ابن عمه بايسنقر بن يعقوب، لذلك أمر رستم بيك بإعادة عمته وأولادها إلى أردبيل، وأجلس أكبرهم (علي)، على مسند زاويتها، بلقب السلطان علي. وذلك للاستفادة من نفوذهم لجلب القزلباش إلى جانبه. وهكذا اجتمع القزلباش حول خلفاء حيدر من جديد، فسلطهم رستم بيك على منافسه بايسنقر، فخلصوه منه سنة 897هـ/1492م، فزاد هذا من أهميتهم عنده، فأطلق أيديهم في أردبيل، ولكنهم عادوا لأساليبهم القديمة، ولذلك، وأيضاً، لخشيته من ضخامة حشودهم، فقد أمر بإحضار السلطان علي وأخويه إلى تبريز، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية. ولكن بعض القزلباش قاموا باقتحام مقر إقامتهم وأخرجوهم منه، فأرسل رستم بيك قوة لمطاردتهم، فقتل السلطان علي وأخوه إبراهيم أثناء تلك المطاردة، وذلك سنة 899هـ/1494م، وقام سبعة من قادة القزلباش بتهريب إسماعيل ابن الثامنة، إلى جيلان، وأخفوه في منزل صائغ يهودي، في رشت، ولما خف الطلب عليه، أودعوه عند «كاركيا ميرزا علي»، حاكم لاهيجان، الزيدي المذهب، والذي خصص قسماً من داره لإقامته وقادة القزلباش السبعة، وقد لقب هؤلاء أنفسهم بلقب «أهل الاختصاص»، وظلوا على صلة بأتباعهم في الأناضول، وواصلوا دعايتهم لزعامة إسماعيل، الذي لقبوه بالشاه، وعندما قدم بعث حاكم تبريز لاستلام إسماعيل احتال حاكم لاهيجان في إخفائه وأنكر وجوده. ثم إن الحروب اشتعلت بين البايندريين بأذربيجان، فتمتع إسماعيل بالحرية بلاهيجان. وكان الخلفاء السبعة يعدونه من النواحي العقائدية والسياسية والعسكرية للقيادة، واستأجروا له معلماً لتعليمه القراءة والكتابة، وصنعوا منه إلهاً مطاعاً، وصوروا له أهل السنة بأبشع صورة، وربوا فيه كرههم بأشنع طريقة. كان كلما جلس أحدهم أمامه بكى متذكراً الإمام الحسين والشيخ الجنيد والشيخ حيدر، ولعن السنيين الذين قتلوهم، وتمنى أن يمنحهم الله الفرصة للانتقام لدمهم منهم. فكان هذا الأسلوب يؤجج مشاعره للانتقام، ويثير فيه مشاعر الشراسة، كما أن هذه المعاملة، جعلته يعتقد، كطفل، أنه مخلوق مقدس. وكان في طفولته ميالاً لإراقة الدماء، فعملوا على تقوية ذلك فيه، حتى لا يضعف أمام توسلات السنة عندما يحين وقت الانتقام منهم. وفي سنة 902هـ/1497م اغتيل رستم بيك، وبذلك أزيحت العقبة الأخيرة من طريق الصفويين، لاسيما وأن الصراعات في أذربيجان ازدادت حدة، وباتت البلاد على شفير الهاوية.
خروج المارد الصفوي من القمقم:
بحلول عام 905هـ/1499م رأى قادة القزلباش المحيطون بالشاه إسماعيل أن الفرصة باتت سانحة للتحرك، فخرجوا من مقرهم بجيلان، وأخذوا إسماعيل إلى منتجع في شواطئ بحر الخزر في الشمال، فأخذ القزلباش يحتشدون حولهم، فتحرك إسماعيل بصحبة بعضهم إلى أردبيل، لزيارة ضريح جده. ولكن حاكم أردبيل شك في نواياهم، فأمرهم بالمغادرة، فعادوا من حيث أتوا. وكان إسماعيل أثناء هذه التحركات، يُستقبل بحفاوة، لأن السيادة في مناطق إيران الشمالية الغربية، آنذاك، كانت للأسر المحلية، والتي كان كثير منها من مريدي الطريقة الصفوية، كما أن تلك المناطق، كانت بعيدة عن مركز قوة الآق قونيلو، بتبريز، والمنشغلين أصلاً بالصراع في ما بينهم، فكانت هذه المناطق، بالتالي نقاط ارتكاز، انطلق منها إسماعيل لتحقيق الحلم الصفوي، والتفت حوله هناك حشود هائلة من أتباعه، وكان أكثرهم على استعداد للموت بإشارة من يده، لأنهم كانوا يعتقدون أنه تجسيم للإله، كما انضم إليه كل الحاقدين على العثمانيين، ولذلك قرر إسماعيل سنة 906هـ/1500م، مهاجمة شروان، والانتقام من ملكها لأبيه وجده، فهاجمها القزلباش بضراوة، وقتلوا ملكها شر قتلة، وارتكبوا الفظائع بحق أهلها، وكان هذا أول فتوحات إسماعيل. وفي العام التالي قرر فجأة الزحف على تبريز، فدخلها دخول الفاتحين، بعد أن هزم حاكمها ألوند ميرزا، حفيد أزون حسن، وكان عمر إسماعيل آنذاك 14 سنة، وكان أول عمل قام به في تبريز، هو إعلان المذهب الشيعي مذهباً رسمياً وحيداً للدولة، وارتكب بحق أهل تبريز، أصحاب المذهب الباطل، بحسب زعمه، مجزرة رهيبة، ودمر الكثير من مساجدها، واستباح الحرمات، ثم كانت هذه الأعمال المروعة، بعد ذلك، الشغل اليومي للقزلباش، الذين تحولوا إلى وحوش مفترسة. هكذا انقلب السحر على الساحر، وعلى كل الذين ظنوا أن هذه الجماعة ستكون ألعوبة في أيديهم، وخرج المارد الصفوي الشيطاني من القمقم فابتلعهم جميعاً، وبعد ذلك استعصى القضاء عليه حتى من قبل أقوى قوة في العالم وقتذاك، وهي الدولة العثمانية، برغم هزيمتها له مراراً، ولنا أن نتصور حجم الكارثة التي كانت ستلحق بالإسلام والعرب في المشرق، لو لم ينتصر العثمانيون على الصفويين في معركة تشالديران سنة 920هـ/1514م. فقد كانت صدمة الصفويين أعنف صدمة تعرض لها المسلمون في تاريخهم، ولم يتم استيعابها حتى اليوم، وتاريخ الصفويين الدموي لما يكتب بعد، وما زلنا لا نعرف سوى القليل من فصوله المروعة، إلا أننا صرنا نرى بأم أعيننا، بعض تلك الفصول تتكرر حالياً، بأيدي أحفادهم في العديد من البلدان الإسلامية.