الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا مُحمَّد وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:
حقّ الدفاع مكفول للناس؛ يدافعون به عن دينهم، وديارهم، وأنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم. هو شرفٌ، بل من الشرف الأسنى الذي به المرء يُفاخر، وفي النكوص عنه مَذمَّة خالدة ونَقْص لا ينجبر. إن الخلائق -كلها- مجبولة على الدفاع عن مصالحها، وقد وَهبها خَالقها ما يُعينها على ذلك.
ومن أعجب العجب أن يَطلب طالب، أو يتمنّى حالم، من شعب مقاوم أن يتخلّى عن سلاحه، وهو السلاح الذي أبقاه حيًّا، وأجبر الآخرين على الحديث معه، وسؤاله عما يريد، ولو لم يتحقق له كل مراده. إن إلقاء السلاح هنا مثل إلقاء النفس للتهلكة.
فكيف يُنتظَر من المقاومة الفلسطينية أن تُلقي سلاحها وقد نكَّل بها عدوها تنكيلًا اقترب من الإبادة لولا وجود هذا السلاح؟ هل يُعْقَل أن تَقبل المقاومة نَزْع سلاحها الذي فضَح عدوّها أمام أصدقائه قبل أعاديه؟ وهل تترك سلاحًا أربَك عدوّها المجاور، وخلخل جبهته الداخلية، وأسقط سرديته الناعمة؟
ثمّ أتتنازل المقاومة عن سلاحٍ جعَل أقوى دولة في العالم تتخبَّط في تصريحاتها على لسان زعيمها، وتقفز في خياراتها ذات اليمين وذات الشمال كمن فقَد التركيز الذهني والمقدرة على التفكير؟ ليس هذا فقط، بل أرغم هذا السلاح الإدارة الأمريكية على الاجتماع بالمقاومة، وأجبَر هذا الصمود زعماء البيت الأبيض على الإشادة بمن يكرهون، وفوق ذلك أذاقهم سلاح المقاومة طعم الحسرة في أموالهم المُهْدَرة، وآلتهم العسكرية التي لم تُسْعِف الصهاينة!
وهل يُلقَى سلاحٌ زلزل عواصم دول أوروبا وحَرَّك شعوبها بما يحرج حكوماتها حتى خرجت بتصريحات ومواقف غير مسبوقة ولا متوقعة؟ ومَن يجرؤ على تسليم سلاحٍ أبان للعالمين درجة مصداقية المعاهدات والمنظمات والاتفاقيات؟ وكيف يُهْدَر سلاحٌ أصبح قوة في ساحات الوغى، وقوة رافعة لرسائل الوعي التي أيقظت شعوبًا حُرّة من رقدتها وغفلتها؟
إنه سلاح -على مستواه المنخفض قياسًا إلى غيره-، حفظ للأمة شيئًا من هيبتها، وسعى في تنبيه إخوة الدين وأهل الجوار لما يُحَاك ضدهم، بل عرقل مشروعات قَضْم وسيطرة، وإنه لسلاحٌ حقيق بأن يُصَان، وأن تزداد الدروب إليه؛ فلولاه لما خضعت دول وجيوش ومنظمات وزعماء، ولولاه لتفرَّدت دولة صهيون بالكلمة الآمِرة النافذة في ديار العرب والمسلمين.
ألا ما أجدرنا أن ننادي قائلين لحَمَلة السلاح من الشجعان المرابطين: كلا... وألف كلا... لا تُلْقِ سلاحك، كيف يَسْعَى في جنونٍ مَنْ عَقل؟!