• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لغة الأرقام والدعوة في الغرب

لغة الأرقام والدعوة في الغرب

 

لغة الأرقام أصبحت هي اللغة العالمية الجديدة التي يفهمها كثير من الناس حول العالم، ويتأثرون بها، بل قد أصبحت لها سطوة وكلمة قوية في الأوساط جميعها.

حديثاً قمت بدراسة مجموعة من المواد العلمية في مجال علوم البيانات، بكلية تكنولوجيا المعلومات التابعة لجامعة جونس هوبكِنز الأمريكية، لأكتشف أن البيانات والإحصائيات هي نوع جديد من أنواع «الوقود العالمي» - نعم، هكذا أطلقت عليه في أحد أبحاثي - الذي يُدار به جزء حيوي من العالم اليوم (شركات، مصانع، جامعات، مؤسسات عالمية، هيئات حكومية، وغيرها)، وأتناول هنا الدور المهم والحيوي جداً الذي يجب أن تقوم به لغة الأرقام في مجال الدعوة لدين الله، وخطاب الغرب، وتقديم الإسلام إليهم بصورته الحقيقية، والرد على شبهاتهم وأسئلتهم المتكررة حول الإسلام.

قبل أن أبدأ بطرح هذه الفكرة التي وفقني الله للوصول إليها بعد سنوات طويلة من ممارسة العمل الدعوي في الغرب (الولايات المتحدة الأمريكية) أريد أن أنوه إلى فكرة لا تقل أهمية أو حيوية وهى فكرة «ضرورة أن يخرج الإسلام من الخندق». كثيراً ما كنت أشعر في بعض المناظرات أو الندوات التعريفية بالإسلام أننا نقف على المنصة كدعاة مسلمين ونحن نحمل شيئاً من الانهزامية أو التحفز، مما يجعلنا أحياناً نظهر بمظهر المهاجم تارة، والمدافع تارة أخرى. هذه النفسية التي يقوم بعض الدعاة بالدعوة بها لدين الله في الغرب، تتسبب في تبعات يكون ضررها أحياناً أكثر من نفعها. العقلية الغربية عقلية هادئة، تربت على الحوار البناء، والمعلومات الدقيقة الملموسة الموثقة، أتذكر في دراستي للنقد الأدبي لفن المسرح، كنا ندرس مواد كاملة كلها تدور حول نفسية الجماهير وكيف لابد لنا من دراسة الجمهور أولاً وجيداً قبل أن نقدم له أي أطروحات، دراسة نفسية، وديموجرافية، واقتصادية، ومعرفية. فالخطاب الذي سأوجهه لجمهور مثقف، عاقل، هادئ، ينتمي كثير منه لطبقة المثقفين أو صفوة المجتمع لا يشبه هذا الخطاب الذي سأقدمه لجمهور يختلف في سمة أو مجموعة سمات عن غيره. تلك العوامل المؤثرة جداً في فنون الخطاب العام، خاصة الخطاب الدعوي مثل: الفئة العمرية، والخلفية الفكرية والثقافية والدينية، والطبقة الاجتماعية، والانتماء الجغرافي أو العرقي؛ كل هذه عوامل لابد من معرفتها - في الحقيقة أود أن أقول دراستها جيداً وليس معرفتها، لكنني أخشى أن أظهر بمظهر من يصعب الأمور على الدعاة وطريقهم الدعوي - لكنني أكتب هذه السلسلة من واقع خبرات عملية عاينتها في الغرب ولفئة محددة من جمهور القراء أعلم أنها تبحث عن مثل هذه المعلومات، وأن لديها من الهمة والاستعداد ما يجعلها تثابر وتبتكر.

الجمهور الغربي من يبحث فيهم عن الحقيقة، أو من يُقدم على حضور مناظرة أو ندوة تعريفية حول الإسلام؛ يمكن تقسيم هؤلاء ثلاثة أجزاء:

١- جزء يبحث بصدق عن الحقيقة، لديه شكوك وأسئلة يريد لها إجابات. وينتظر منا حواراً هادئاً، مقنعاً، يحمل إجابات واقعية شمولية. وهذا الجزء ربما نخسره بكل أسف حينما نرتقي إلى المنصة أو نمسك بطرف الحديث في أي مكان أو زمان ونحن نحمل نفسية المهزوم المتهم الذي حوصر هو ومعتقده في خندق سحيق، هذه الحالة وتلك النفسية لا تقدر على إقناع العقل الغربي بأي شيء حتى لو كان هو الإسلام الذي هو الحق بعينه.

٢- جزء ثان قد جاء من باب الفضول أو للعلم بالشيء، وهذا الجزء ببعض المجهود والخبرة والخطاب المتقن ربما ننجح في استقطاب جزء يسير منه، لكي يبدأ في التحول من حالة الفضول والعلم بالشيء إلى خانة من يبحث عن الحقيقة ويسعى لمعرفتها.

٣- جزء ثالث قد جاء من باب إما أن يؤكد لنفسه قناعات وقوالب مسبقة عن الإسلام، كما يروج لها في الإعلام، أو قد جاء لكي يُفكك، أو يعارض، أو يشكك في جزء من الحديث الذي يقدمه الداعية. وهذه الفئة هي الأكثر خطورة على الإطلاق والتي يجب التصدي لها بحكمة، وهدوء وأدلة دامغة، ولا توجد أدلة يثق بها ولا يناقشها العقل الغربي كالأدلة التي تحوي أرقاماً وإحصائيات موثقة ومستخرجة من جهات عالمية لها اسمها، ووزنها، ومصداقيتها لدى عموم الغربيين.

لماذا لغة الأرقام والإحصائيات مهمة وحيوية؟ أن نُخرج الإسلام من الخندق الذي أدخلوه وأدخلونا فيه، وبدلاً من أن نبحث عن سُبل للخروج والقيام صرنا أحياناً نُجيد دور المتهم المحاصر الذي يجب أن يدافع عن نفسه ودينه، إذا لم نُخرج نحن الإسلام من الخندق، فلن يخرجه أبداً أي أحد غيرنا..

والخندق هو:

الإسلام والإرهاب:

أحداث باريس، تلها أحداث كاليفورنيا، وعادت صورة الإرهاب والإسلام والمسلمين تتجسد مرة أخرى بقوة في عقلية المواطن الغربي، هنا لابد لنا من وقفة، إذ إن الخندق الأكبر المُحاصر فيه الإسلام والمسلمون اليوم هو خندق الإرهاب، وعلى مدار سنوات إقامتي في الولايات المتحدة، وممارستي للدعوة لم تمر مناسبة أو فاعلية أو ندوة أو مؤتمر أو حتى جلسة ثقافية غير رسمية حتى سئلت مرة أو أكثر عن الإرهاب والجهاد، ولماذا يحوي ديننا الحنيف وقرآننا العظيم آيات واضحة صريحة (سأستخدم الترجمة الحرفية للفظ الذي يستعملونه) «تحرض» على قتل غير المسلمين بلا رحمة أو شفقة؟ الإجابة التقليدية لهذا السؤال ستكون تفسيراً صحيحاً لمعنى هذه الآيات ثم سرد بعض القصص من السيرة أو من صلب جوهر ديننا الحنيف نُثبت بها أن ديننا دين سلام ورحمة. وهذه إجابة رائعة - لو إتقان عرضها وتقديمها على الوجه الأكمل - لكنها إجابة ينقصها عنصر مهم جداً، وهو عنصر الحديث عن الإنسان، عن الشر الكامن في النفس البشرية من لدن آدم حتى الآن، الشر الذي هيج الحروب، والتناحر، والضغائن، وسفك الدماء، وقتل الأبرياء، ولم تنج منه أي طائفة من البشر مهما اختلف دينها، لغتها، أو وضعها الاجتماعي والحضاري. حتى أبناء الأنبياء لم ينجوا من تهمة "قتل الأبرياء"، وهنا لابد للغة الإحصائيات أن تقول كلمتها، فدراسة سريعة ودقيقة لإحصائيات من قُتلوا عبر التاريخ في الحروب، أو المجاعات، أو النزاعات، أو «الإرهاب» يقدمها الداعية للعقل الغربي، مرفق معها رابط للمصدر أو مجموعة المصادر التي استند إليها الداعية؛ هذه الإحصائيات ستثبت لنا وللمستمع الغربي حقيقة ثابتة أن القتل والتناحر والمؤامرات جزء من طبيعة الإنسان، ولم تكن يوماً مرتبطة بدين، أو قومية، أو طائفة، أو مكان. كل شعب وكل حضارة موجودة حالياً على وجه الكرة الأرضية ارتبط اسمها أو دينها بقتل الأبرياء يوماً ما. فلماذا التركيز على الإسلام والمسلمين؟ هل لأن الإعلام يريد هذا؟ أم لأن لا أحد يقتل أي أحد في العالم كله سوى المسلمين؟! أم لأننا نحن المسلمين الطائفة المستهدفة اليوم بالتشويه والقولبة والتهم المعلبة؟ كلها أسئلة مشروعة ومازالت تبحث عن عقل واع مستنير يجيب عنها، لا عن عقل شكلته أجهزة الإعلام المضللة.

الإسلام والمرأة:

في هذه القضية الشائكة سأتحدث هنا عن الشق الخاص بدور الأرقام والإحصائيات في قضايا المرأة. أكثر التهم التي توجه للإسلام، والأسئلة التي يقوم بعض الغربيين بتوجيهها للدعاة المسلمين، أو للمسلمين بشكل عام: لماذا لا يسمح الإسلام للمرأة بالعمل؟ لماذا خصص الإسلام للرجل ضعف المرأة في الميراث؟ لماذا يرفض الإسلام تعليم المرأة؟ لماذا لديكم نصوص قرآنية وأحاديث تقول بجواز ضرب المرأة، خاصة ضرب الزوج لزوجته؟ لماذا يسمح الإسلام للرجل بالجواز من أربع ولا يسمح للمرأة بالمثل؟

الإجابة التقليدية - وأكرر كلمة تقليدية هنا استخدمها في دلالة لا تحوي أي إشارة لانتقاص، أو معارضة، بل أقصد بها ما تعارفنا عليه كمسلمين بوجه عام، وكدعاة بوجه خاص - هي أن نبدأ في تفنيد الأدلة من الكتاب والسنة حول حقوق المرأة ومدى تكريم الإسلام لها، وأن الإسلام لا يمنع المرأة من التعلم، وأن الإسلام لم يحرض على ضرب المرأة وإيذائها، وأن المواريث باب كبير في الإسلام ولا يعني أن وجود جزء ضاعف نصيب الرجل أن المرأة سيسلب حقها وما إلى ذلك من إجابات نعلمها جميعاً. وحقاً هذه كلها إجابات رائعة وستكون أكثر روعة لو أتقن من يقولها سردها بإيجاز ودقة، لكن تعالوا معي أعزائي القراء الكرام لكي نرى سوياً الدور الذي ستقوم به لغة الإحصائيات والأرقام إذا ما زدناها على إجاباتنا هذه، وبعدها سأترك الرأي لكم!

- ماذا لو أضفنا لإجابتنا عن قضية العنف ضد المرأة إحصائيات عالمية موثقة ومثبتة حول قضية العنف ضد المرأة عالمياً؟ ماذا لو أخذنا هذه الأرقام والحقائق ووضعناها أمام العقل الغربي في صورة خريطة للكرة الأرضية نكتب عدد القضايا المثبتة للعنف ضد المرأة في كل قارة على حدة مثلاً، أو كل دولة إن أمكن؟ أتعرفون أين المفاجأة؟ أن هناك حقيقة مُثبتة يعرفها بعض أفراد المجتمع الأمريكي أن ٩٩٪ من النساء اللاتي يذهبن لغرف الطوارئ يذهبن بسبب العنف ضدهن. وهذه الحقيقة - ويا للعجب - ليست مكتوبة في الكتب، أو في المراجع وحسب، لكنني رأيتها بعيني في صالة استقبال حالات الطوارئ بالمستشفى التابعة لجامعة إنديانا بأمريكا.

- ماذا لو أضفنا لإجابتنا عن قضية المواريث وهضم حقوق المرأة المالية إحصائيات وأرقاماً موثقة حول قضايا المواريث في العالم: القبائل، والطوائف، والدول والثقافات والحضارات الأخرى غير المسلمة، لنرى سوياً هل ظلم النساء في المواريث هو قضية عالمية أم أنه قضية يخلو منها العالم كله ولا توجد إلا بين المسلمين وفي بلادهم؟ ويا حبذا لو قام الداعية المُحنك الباحث بتقديم أرقام وإحصائيات عن كل قضية وما هو حالها بين أهل هذه الدولة تحديداً التي يقوم فيها بالدعوة لدين الله.

- ماذا لو أضفنا لإجابتنا عن قضية عمل المرأة إحصائيات وأرقاماً حول استغلال المرأة العاملة في العالم، وكيف تقوم بعض الشركات الرأسمالية العالمية العملاقة، أو حتى ما هي أقل منها باستغلال المرأة في آسيا وإفريقيا من أجل الحصول على عمالة رخيصة وتحقيق أرباح أكثر؟ ما رأيكم أيضاً في الأرقام التي بين يدي حول أعداد النساء المعيلات في العالم، أو أعداد النساء اللاتي يقوم الأهل (الأب، الأخ، الزوج، الابن) بقهرهن وإذلالهن واستغلالهن من أجل الحصول على أموالهن؟

- ماذا لو أضفنا لإجابتنا عن قضية تعليم المرأة عدد المتسربات من التعليم في العالم كله؟

من هنا سيقدم الداعية صورة عالمية متكاملة للعقل الغربي عن القضايا والتهم التي يلقيها على الإسلام، وأن المسلمين ليسوا جنساً بشرياً يعيش بمعزل عن قضايا وإشكاليات العالم، فالظلم، أو العنف، أو سلب الحقوق المادية أو غيرها من الحقوق قضايا لا يعاني منها المسلمون فقط (بسبب تعاليم دينهم كما يزعم الغرب) بل هي قضايا تعاني من ويلاتها البشرية كلها، يعاني منها الإنسان، الإنسان باختلاف دينه، ولغته، وطبقته، وجنسيته، ولونه.

وأَذيل مقالي ببعض المقترحات المهمة لكل داعية يود أن يضيف لغة الإحصائيات والأرقام لخطته الدعوية:

١- كما قلنا في المقال السابق، عليك أولاً أن تحدد الدولة الغربية التي ستقوم بالدعوة إلى الله فيها، ثم تبحث من خلال محركات البحث عن مواقع الهيئات الحكومية، والجامعات الشهيرة، والمؤسسات البحثية المرموقة بهذه الدولة. هذه المواقع عادة ما تنشر العديد من الإحصائيات، والأبحاث التي تتناول شتى مناحي وقضايا الحياة الخاصة بأهل هذه الدولة وبالعالم أكمله أحياناً كثيرة.

٢- هناك مواقع ومؤسسات عالمية متعارف عليها وصاحبة اسم مرموق وموثوق به لدى القراء حول العالم، أمثلة: جالوب، ووورلد أوف ستاتيستكس، ومعهد كارنيجي، وغيرها.

٣- لا تقدم أي أرقام وإحصائيات دون ذكر المصدر والإشارة له شفوياً، مع التأكيد على أن الروابط التي جمعت منها معلوماتك مُتاحة لمن يرغب بالاطلاع أو الحصول عليها، لأن هذا يزيد كلامك مصداقية وواقعية. وقد كنت في بعض الأحيان أقوم بكتابة ملخص موجز لأهم الإحصائيات التي سوف أستند لها في خطابي الدعوي، موثقة بالمصادر (رابط، أو مرجع) وأقوم بطباعته وتوزيعه على الحضور حتى تزداد مصداقيتي، ويسهل عليهم الإلمام بحقيقة الإحصائيات التي غالباً لا يكون كثير منهم على دراية بها. وهنا مرفق قائمة ببعض أهم مواقع الإحصائيات واستطلاعات الرأي:  (  http://www.gallup.com ).

:: مجلة البيان العدد  349 رمــضــان  1437هـ، يـونـيـو  2016م.

أعلى