الدولة العبيدية في المغرب ( افريقية والمغتربين الاوسط والاقصى )
إن تسمية العبيديين أنفسهم بالفاطميين نسبة إلى فاطمة
الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميةٌ كاذبةٌ أرادوا بها خداع
المسلمين. وجمهورُ العلماء على عدم صحة نسبهم، وأنهم كَذَبة أدعياء لا حظَّ لهم في
هذا النسب الشريف[1].
وقد بسطوا نفوذهم على المغرب
مستغلين انحلال دولة الأغالبة وضعفَهم وانغماسَهم في الترف، فسددوا لها الضربة
القاضية على يد داعيتهم أبي عبد الله الشيعي الداهية المراوغ الماكر صاحب الحيل العجيبة
في موقعة الأربذ سنة 296 هـ، (908م).
وأعلن أبو عبد الله الشيعي
إثر هذا النصر الحاسم على الأغالبة أن الإمام الحقيقي هو عبيد الله المهدي، وأرسل
إليه للمجيء من سلمية إلى القيروان. وحين دخل عبيد الله المهدي القيروان وتولى
مقاليد الحكم فيها سنة 297 هـ (909م) دشن سياسة «فرِّق تسد» بين القبائل، وكان
يحرض بعضها على بعض ويغري بعضها ببعض لكسر نفوذ القبائل المتمردة أو التي ترفض
الانسياق مع تياره[2].
أما سياسته المالية، ومن جاء
بعده من الحكام العبيديين، فكانت تقوم على مصادرة الأموال، وأعمال السلب، ونهب
المدن لتمكين أنفسهم من إنشاء جيش مرتزَق يشدُّون به حكمهم[3].
وكذلك اتسمت سياستهم المالية
بفرض الضرائب الثقيلة على أصحاب الضياع والفلاحين، وهو ما تسبب في إملاق الفلاحين
وقلة الزروع ووقوع المجاعات[4].
وعلى صعيد العقيدة والدين،
أنزل الإسماعيليون عبيد الله المهدي منزلة الإله، وادعوا أنه يعلم الغيب[5]. كما أظهروا بدعاً كثيرة في
العبادات والمعاملات والفرائض[6]،
ونكَّلوا بالعلماء واضطهدوهم[7].
ولما كانت القيروان قاعدةَ
السُّنة المالكية وصخرتَها العتيدة، فقد صرَّح الفقهاء بعداوتهم لهذه الدولة
المارقة وأفتوا بِرِدَّتها وكفرها، ونسقوا المواقف بينهم لمواجهتها[8]. ومن وعيهم بالسياسة
الشرعية وتبصُّرهم بعواقب الأمور أنهم لم يعلنوا الثورة المسلحة عليها إلا عند
ظهور قوة لها شوكة وهي قوة أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني من الخوارج الصفرية[9].
وكانت هذه الثورة من ناحية
تدل على عدم رضا الناس وعلى رأسهم العلماء عن الدولة العبيدية وسخطهم عليها.
ومن ناحية ثانية كانت سبباً
رئيساً في تراجع قوة العبيديين وأفولها في إفريقية والمغربيين الأوسط والأقصى،
وتفكيرهم في الانتقال إلى مصر.
وقصارى القول: لم يعرف الناس
طوال مقام الدولة العبيدية في بلاد المغرب راحة أو سلاماً أو نظاماً مستقراً،
وإنما هوت البلاد في غياب الفوضى والاضطرابات والقلاقل حتى أشرقت شمس المرابطين
الذين أعادوا المياه إلى مجاريها.
ومع الأسف؛ فإن المسلمين
المعاصرين عبر المناهج الغربية يقرؤون تاريخ الدولة العبيدية قراءة غير علمية وغير
صحيحة؛ بأنها دولة لها صلة بآل البيت، ودولة تحب العلم وتنشره، ولها مآثر تاريخية،
وأن المعز لدين الله الفاطمي بطل من أبطال التاريخ، إلى غير ذلك من الادعاءات التي
نشرها الباطنيون الملاحدة المعاصرون أمثال فرهاد دفتري وعارف تامر ومصطفى غالب
ومحمود إسماعيل، وكذلك المستشرقون الغربيون؛ لطمس الحقائق وتزوير التاريخ.
ولأجل ذلك فإن إماطة اللثام
عن زيغ وضلال العبيديين وجرائمهم، وإلقاء الضوء على سياستهم العامة الجائرة، ثم
سياستهم المالية المشينة - كما مر معنا – يُعتبَر ضرورة شرعية وواجباً تاريخياً في
ضوء التفسير الواقعي لتاريخنا الإسلامي الذي يحتاج إلى إعادة قراءته من جديد في
ضوء المعطيات والحقائق التاريخية التي تحتضنها كتب الحديث والتراجم والسير
الإسلامية.
:: البيان تنشر - مـلـف
خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)
[1] الذهبي، سير أعلام النبلاء: 15/213، وابن
خلكان: وفيات الأعيان: 3/117 - 118، وابن تيمية: مجموع الفتاوى: 28/636.
[2] حسين
مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته، ص477 - 478.
[3] القاضي
النعمان: الهمة في آداب اتباع الأئمة، ص 85، وعريب: صلة تاريخ الطباري، ص 52،
والخشني: طبقات علماء إفريقيا، ص 174.
[4] ابن
عذاري: البيان المغرب: 1/173 - 181.
[5] المصدر
السابق: 1/160 - 186، ومحمد أحمد الخطيب: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، ص
83 - 89.
[6] القاضي
عياض: ترتيب المدارك: 6/260، والمالكي: رياض النفوس: 2/404، والقلقشندي: صبح
الأعشى: 3/ 576، والمقريزي: الخطط: 1/490.
[7] الذهبي:
سير أعلام النبلاء: 15/145.
[8] القاضي
عياض: ترتيب المدارك: 2/292، 6/252 - 253.
[9] ياسين بن
علي: علماء القيروان والدولة العبيدية (2)، مجلة الزيتونة، تونس (موقع غوغل).