• - الموافق2025/04/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هكذا استَنزفَت الدول الرأسمالية خيرات الشعوب الفقيرة من خلال الفوائد الربوية

في هذا المقال سنتحدث عن هذه الظاهرة، بعد «الاستقلال»، وتحديدًا خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، وكيف أفضت في النهاية إلى استنزاف الدول الرأسمالية لخيرات الشعوب الفقيرة، وفي مقدمتها شعوب الدول الإسلامية المَدينة، من خلال الفوائد الربوية الباهظة المترتبة


تكلمنا في مقال سابق عن بداية ظاهرة القروض الخارجية الربوية، وكيف أفضت في آخر المطاف إلى الاحتلال العسكري الأوروبي للدول الإسلامية المدينة[1]، في القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين.

وفي هذا المقال سنتحدث عن هذه الظاهرة، بعد «الاستقلال»، وتحديدًا خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، وكيف أفضت في النهاية إلى استنزاف الدول الرأسمالية لخيرات الشعوب الفقيرة، وفي مقدمتها شعوب الدول الإسلامية المَدينة، من خلال الفوائد الربوية الباهظة المترتبة على هذه القروض[2].

لقد نمت فوائد وأقساط القروض الخارجية، نموًّا سريعًا ومفزعًا منذ 1971م، وهو العام الذي قامت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، بوقف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وتعويم سعر صرف الدولار، وذلك بعد أن انتهت من نَهْب الاحتياطي العالمي من الذهب، ووجَّهت بهذه الخطوة المنفردة ضربة قاصمة لنظام النقد الدولي «بريتون وودز» القائم على أساس الذهب، والذي كانت قد لعبت دورًا محوريًّا في تأسيسه، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وتسبَّبت في اضطرابات شديدة في الأسواق المالية الدولية، وفي تأزم العلاقات بين الدول الدائنة والمدينة.

المصارف الدولية الخاصة كمصدر جديد للإقراض

قبل قيام الولايات المتحدة بتعويم سعر صرف الدولار الأمريكي؛ كان قد تم إنشاء المصارف التجارية الدولية الخاصة لممارسة نشاطها المالي، وهو الاتجار في الديون بفوائد فاحشة، من جهة، وكآلية استعمارية جديدة لنَهْب ما تبقَّى من موارد وخيرات الدول النامية، ومنها مجموعة الدول الإسلامية المدينة، بطريقة «حضارية» تتماشى مع تلك المرحلة، من جهة أخرى.

هذه المصارف هي التي تولَّت عملية إعادة تدوير الفوائض المالية الهائلة، التي استحقت للدول النفطية، وفي مقدمتها الدول العربية النفطية، بعد الطفرة الأولى في أسعار النفط، نتيجة لحرب أكتوبر 1973م، بعد أن عجزت الأسواق الغربية عن استيعاب تلك السيولة النقدية الهائلة؛ نتيجةً لتلاشي الفترة الذهبية للتوسع الصناعي في الغرب في فترة الخمسينيات والستينيات، فكان البديل هو تصدير جزء مُهِمّ من هذه الفوائض المالية للبلدان الفقيرة، على شكل قروض بفوائد ربوية باهظة.

وهكذا شهد العالم في الفترة 1974- 1982م تصعيدًا مطَّردًا في التدفقات المالية الدولية من المصارف التجارية الكبرى إلى العالم النامي. وهذا يقودنا إلى القول بأن المصارف الدولية الخاصة لا تُصدِّر أموالها فقط، وإنما تُصدِّر -وهذا هو الأهم- أموال البلدان المُصدِّرة للنفط. ففي 1981م، عندما كان حجم الديون الخارجية للبلدان النامية 430 مليار دولار، كانت أرصدة الدول النفطية المنتمية لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في المصارف الأجنبية 423 مليار دولار. وفي 1995م عندما كان حجم الديون العربية 155 مليار دولار، كانت الأرصدة العربية في المصارف الأجنبية 900 مليار دولار، أي ستة أضعاف تلك الديون. وهناك تنسيق وثيق بين سياسة الدول الرأسمالية وسياسة تلك المصارف الخاصة؛ فالدول الرأسمالية هي ضامنة القروض الربوية التي تمنحها هذه المصارف للدول النامية.

وقد تفاقمت القروض الخارجية الربوية لهذه الدول منذ مطلع السبعينيات إلى الثمانينيات، كما تفاقمت، بالمقابل، الأعباء السنوية المترتبة عليها، وبخاصة الفوائد الربوية، بصورة لم يُعرَف لها مثيل من قبل؛ لكون القروض الممنوحة بواسطة المصارف الأجنبية الخاصة، التي تصدَّت لعملية الإقراض الخارجي للدول النامية خلال هذه الفترة، بدلًا عن الحكومات الغربية، تتضمَّن أسعار فائدة أعلى بكثير من أسعار فوائد القروض الحكومية الدولية، والمؤسسات المالية التابعة لها كالبنك الدولي.

وقد نجحت تلك المصارف التجارية الخاصة في إزاحة الشبح النقدي الذي كان يُنذر الدول الرأسمالية بكارثة اقتصادية، عن طريق إعادة تصدير تلك الفوائض المالية الهائلة لحكومات الدول النامية الفقيرة، والتي كانت شهيتها مفتوحة، للحصول على تلك القروض بأيّ ثمن.

عوامل تصاعد أعباء المديونية الخارجية

لقد استيقظت حكومات الدول النامية، ومنها مجموعة الدول الإسلامية المدينة، في مطلع عقد الثمانينيات، لتجد نفسها غارقة في ديون طائلة تفوق مواردها وتُهدّد وجودها ومصيرها، وذلك رغم كل ما دفعته من مبالغ طائلة طوال السنوات الماضية كفوائد ربوية وأقساط على ديونها، وأيضًا دون أن يظهر أيّ أثر إيجابي لكل تلك القروض الخارجية في واقعها المعاش، والسبب الرئيسي لذلك هو الربا، فهو مقترن بسوء العاقبة وبالمحق والبوار والخسران، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦][3].

وهذا ما يؤكّده الاقتصاديون أنفسهم؛ فهم يرون أن هناك أربعة عوامل أساسية للزيادة الفاحشة في تلك الأعباء السنوية؛ وهي:

1- ارتفاع أسعار فوائد القروض الخارجية في الأسواق المالية الدولية، وبخاصة في الولايات المتحدة، التي تعتمد على رأس المال الأجنبي، في تمويل العجز السنوي الباهظ لموازنتها العامة، وهذا ينعكس بشكل مباشر على ارتفاع أسعار فوائد القروض المقدَّمة إلى الدول النامية.

2- نموّ أحجام الديون الخارجية نفسها، نتيجة للاستمرار في الاقتراض، بدعوى تلبية المتطلبات الإنمائية، وأيضًا بسبب رشوة المصارف التي لديها فوائض مالية لبعض الموظفين الكبار لإقناع حكوماتهم بالاستقراض منها، وكذا بسبب الفساد المستشري في هذه الدول، والذي يدفع لإنشاء مشاريع ليس لها جدوى اقتصادية واجتماعية، وإنما لتبرير الاقتراض الربوي، الذي يكون هدفه الحقيقي هو جَنْي العمولات أساسًا، وأخيرًا وليس آخرًا، بسبب زيادة الفوائد والأقساط السنوية. ففي 1980م كان نصف القروض يُعْقَد من أجل سداد ديون ربوية قديمة. وفي 1985م ارتفعت النسبة إلى الثلثين، لتصبح خدمة الدَّيْن بندًا ثابتًا في السياسات الاقتصادية للبلدان النامية.

3- ارتفاع أسعار صرف الدولار الأمريكي، وتقييمه بأكبر بكثير من قيمته الحقيقية في الأسواق المالية، في ظل تدهور أسعار صَرْف العملات المحلية للدول النامية، فكان الدولار الأمريكي مُقوَّمًا فوق قيمته الحقيقية بـ20% في 1984م. وفي فبراير 1985م كان سعر صرف الدولار الأمريكي مُقوَّمًا بزيادة 50% من مستواه في نهاية 1980م، وذلك طبقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

4- إعادة جدولة الديون الخارجية، بأسعار فائدة أعلى؛ طمعًا في الحصول على قروض ربوية جديدة، بعد نفاد حصيلة القروض القديمة، وتسبق عملية إعادة الجدولة جهود مكثَّفة وجولات متعددة من المفاوضات، بين الأطراف المدينة والأطراف الخارجية الدائنة، سواء كانت حكومات أو منظمات دولية أو جهات عالمية، ولا تتم عملية الجدولة إلا بعد إراقة ماء وجوه المسؤولين في هذه الحكومات وابتزازهم أشنع ابتزاز.

الفائدة الربوية وتصاعد المديونية الخارجية

ومن بين العوامل الأربعة السابقة، سنكتفي بشرح العامل الأول فقط، وذلك أن ارتفاع أسعار الفوائد الربوية على القروض الخارجية، هو العامل الحاسم في تصاعد أعباء القروض الخارجية، بينما العوامل الثلاثة الأخرى مترتبة عليه، وقد ظهر أن هناك ميلاً طبيعيًّا لدى القروض لأن تنمو مع سعر الفائدة الربوية، بمعنى أن هناك باستمرار دينًا جديدًا موروثًا مساويًا لسعر فائدة الدَّيْن القديم .وقد بدأت أسعار الفائدة في السوق العالمية في التصاعد منذ 1971م، وقد وصلت أسعار الفائدة الربوية على قروض الدول النامية، إلى معدلات عالية جدًّا تجاوزت 20% من أصل قيمة القرض، في 1980 و1981م.

وكان ارتفاع سعر الفائدة الربوية حاسمًا في زيادة خدمة الدَّيْن، فقد ارتفع سعر الفائدة للدولار، فيما بين مصارف لندن بين 9.5% في 1978م، إلى 12.1% في 1979م، ثم قفز إلى 16.6% في 1981م، وهبط إلى 13.3% في عام 1982م مؤقتًا، ليعاود بعدها الصعود مجددًا.

وفي 1973م بلغت الفوائد والأقساط التي دفعتها الدول النامية على قروضها الخارجية 3.2 مليار دولار، وارتفع هذا الرقم إلى 4.3 مليار في 1974م، وإلى 5.5 مليار في 1975م، ووصل إلى 88 مليار في 1980م، وفي 1982م وصل إلى 131 مليار، أي أكثر بكثير مما حصلت عليه البلدان النامية من مساعدات وقروض غربية، وهذا يعني أنه صار هناك تدفُّق عكسي للموارد من الجنوب إلى الشمال.

وفي 1984م بلغت الفوائد الربوية التي دفعتها الدول النامية 50 مليار دولار، كان نصيب الدول الإسلامية منها 9.1 مليار دولار، بعد أن كانت أقل من نصف مليار في 1970م، وفي 1985م بلغت الفوائد والأقساط 114 مليار، رغم تقلص تدفقات القروض الخارجية من المصارف الدولية، إلى الدول النامية بعد 1982م، بعدما أعلنت المكسيك، عجزها عن تسديد أعباء ديونها الخارجية والبالغة 80 مليار دولار، رغم أن المكسيك استأنفت سداد الفوائد بعد ترقيع أزمتها مع الأطراف الدائنة، فدفعت في 1983م بين 13- 15 مليار دولار فوائد.

وفي 1987م دفعت الدول النامية المدينة رغم ظروفها الصعبة 120 مليار دولار لخدمة ديونها الخارجية، منها 55 مليار دولار فوائد. ورغم ذلك ظلت الفوائد الربوية والأعباء تتصاعد باستمرار. وتشير الإحصائيات إلى أن الدول الغربية الغنية استطاعت أن تنهب من الدول الفقيرة من خلال قروضها الربوية لها، خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، خيرات وموارد لم تستطع أن تنهبها منها طوال فترة استعمارها المباشر لها.

مضاعفات التحوُّل في مصدر الاستدانة

والواقع أن تحوُّل مصدر الاستدانة من الحكومات الغربية ومؤسساتها المالية، إلى المصارف الدولية الخاصة كان من شأنه، رفع أسعار الفائدة الربوية؛ بحيث إنه في الفترة بين عامي 1970 و1975م كانت هذه الأسعار تتزايد بمعدل سنوي 24.2%، كما أصبحت عملية منح القروض بعد ذلك، مقترنة بشروط قاسية ومذلة ومهينة، فقد كان ذلك التحوُّل مخططًا مدروسًا لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية عديدة للدول الغربية؛ ومن أهمها ما يلي:

1- استثمار فوائض النفط المتراكمة للدول النفطية، وفي مقدّمتها مجموعة الدول الإسلامية، بعد ارتفاع أسعار النفط نتيجة لحرب أكتوبر 1973م، والاستفادة من تلك الفوائض استفادة قصوى، من خلال إقراضها للدول الفقيرة غير النفطية بأسعار فائدة ربوية مرتفعة.

2- الحد من التخمة المالية التي كانت تعاني منها المصارف الخاصة، آنذاك، نتيجة للسيولة النقدية الهائلة التي فاضت بها خزائنها، والتي نجمت عن الطفرة النفطية، وما صاحَبها من ذُعْر في الدوائر الرسمية الغربية، نتيجة لعدم قدرة الأسواق الغربية على استيعاب تلك السيولة.

3- دعم القدرة الشرائية للدول الفقيرة لاستيراد المنتجات الصناعية الغربية، وسداد ثمنها من تلك القروض، وبالتالي، التخفيف من حدة الركود الاقتصادي في الدول الرأسمالية. ولهذا ارتبطت القروض الخارجية بزيادة صادرات الدول الرأسمالية إلى الدول الفقيرة المقترضة، وبذلك نجحت الحكومات الغربية في تخفيف حدة الركود الاقتصادي وما صاحبه من بطالة وتضخم.

4- إيجاد حجة قانونية قوية للدول الرأسمالية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المدينة، عندما تتعثر عملية سداد فوائد وأقساط القروض المستحقة عليها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعملية السداد، وعدم التنازل عنها أو إسقاط دولار واحد منها، مهما كانت ظروف الدولة المدينة، وبغض النظر عن مدى استفادتها من هذه القروض.

وتلك الحجة هي أن تلك الأقساط والفوائد تُمثّل حقوقًا مالية لمصارف تجارية خاصة، وليست للحكومات الغربية التي ضمنتها، وبالتالي، فهي لا تملك حقّ التنازل عنها كليًّا أو جزئيًّا، وأن القرار في ذلك يرجع لتلك المصارف، وبالتالي، يكون موقف حكومات الدول الغربية قويًّا، وتكون حجتها دامغة، كما أنها تستطيع تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في الدول المدينة المعسرة بدون أعباء مالية.

ولكي تنأى حكومات الدول الغربية بنفسها عن التدخل في مثل هذه القضايا مباشرة، عمدت إلى إسناد عملية إدارة القروض الخارجية إلى صندوق النقد الدولي، والعديد من النوادي العالمية مثل نادي باريس، ونادي لندن؛ بحيث لا يتم الحصول على قروض جديدة إلا بعد الرضوخ لسوط مشروطيتها.

خدمة الديون الخارجية ومعضلة التنمية

كل تلك الفوائد والأقساط التي دفعتها الدول النامية، والمديونية لا تزال باقية، بل وتتصاعد عامًا بعد عام، مع تدهور مستمر في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد بلغت ديون الدول النامية للمصارف الغربية الخاصة 828 مليار دولار في 1984م، كان نصيب مجموعة الدول الإسلامية المدينة منها 190 مليارًا، وانقلبت المعادلة لتصبح الدول النامية هي التي تُموِّل الدول الصناعية، وليس العكس، وقد بلغ صافي التدفق النقدي المتَّجه من الجنوب إلى الشمال 53 مليار دولار 1988م، وهو العام الذي تخطت فيه مديونية الدول النامية الترليون دولار، ثم تخطت 1.2 ترليون دولار في 1989م، وبلغت المديونية الخارجية للأقطار العربية المدينة 120 مليار دولار أواخر 1984م، ثم ارتفعت في 1986م إلى 154 مليارًا، دون أن يشمل هذا الرقم القروض العسكرية، فهذه القروض لا يتم الإفصاح عن أيّ بيانات حولها، اللهم إلا ما تنشره الأطراف الدائنة بين فترة وأخرى.

وعندما حل عقد التسعينيات كان حجم الدَّيْن الخارجي للدول العربية المدينة قد وصل إلى 200 مليار دولار، وتوقع تقرير للبنك الدولي (89/1990م)، أن تستمر أعباء هذه المديونية خلال عقد التسعينيات بمتوسط سنوي قدره 7.4 مليار دولار، وهو يعني أن مقادير كبيرة من موارد الوطن العربي قد أصبحت مرهونة للوفاء بالدَّيْن الخارجي وفوائده الربوية، وهذا دون أن نضع في الحسبان ما نجم عن اجتياح العراق للكويت في 1990م من كوارث اقتصادية وسياسية وعسكرية. وبلغت مديونية الدول الفقيرة الأقل نموًّا في العالم الثالث 1.4 ترليون دولار نهاية 1991م.

وقد نتج عن هذه الوضعية أن أصبحت هذه الدول المدينة تُصدِّر رءوس الأموال، المتمثلة في الفوائد والأقساط، والتي تصبّ في خزائن المصارف الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، بعد أن كانت تستقبلها. على أن ذلك لا يعني توقف عمليات الاقتراض الخارجي، أو أنه يتم التصدير من واقع حالة اقتصادية جيدة، بل العكس هو الصحيح، فإن سداد تلك الفوائد والأقساط كان يتم، ولا يزال، من خلال استنزاف ثروات الدول النامية المدينة وامتصاص عرق ودماء شعوبها[4] ، وعلى حساب عمليات التنمية، والتي راحت تتدهور عامًا بعد عام. وكل هذا سببه الفائدة الربوية التي تقوم عليها هذه القروض، فالفوائد الربوية لعبت، ولا تزال، دور الشرير في مسلسل تصاعد أعباء القروض الخارجية، للدول النامية، وهي سبب رئيسي في المصائب والنكبات المتوالية النازلة بهذه الدول، ومنها مجموعة الدولة الإسلامية المدينة، بعد فترة ما يسمى «الاستقلال»

الفوائد الربوية وعقد التنمية الضائع

لقد كان عقد الثمانينيات من القرن الماضي عقدًا حرجًا للغاية، وصل فيه المأزق التنموي في الدول النامية المدينة إلى ذروته، ولذلك يطلق عليه «عقد التنمية الضائع». فخلال هذا العقد حدث تباطؤ كبير في النشاط الاقتصادي في الدول الرأسمالية، وارتفعت أسعار الفائدة العالمية تدريجيًّا إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي أدَّى إلى ارتفاع فوائد وأقساط القروض، وإلى المزيد من الهبوط في أسعار السلع، وانعكس ذلك على الجنوب الفقير، الذي أصبح يدفع فوائد وأقساطًا أكثر فأكثر على قروضه الربوية، التي تبدَّدت أساسًا على نفقات ترفيه ومظاهر خادعة، وفي تمويل الحروب والانتخابات المزوّرة، في حين أخذ يتسلم أقل فأقل مقابل صادراته إلى الشمال من المواد الأولية.

وخلال هذا العقد حدث ارتفاع مستمر في الحجم الأصلي للديون، وارتفاع مستمر في حجم الفوائد الربوية، وارتفاع مستمر في عدد دول الجنوب المدينة للشمال. ورغم كل ما كانت تدفعه دول الجنوب الفقير من فوائد ربوية لدول الشمال سنويًّا، فإن الحجم الكلي للديون، لم يَعُد ينخفض، وإنما يرتفع تدريجيًّا، بل اتضح أن ما دفعته دول الجنوب الفقير في شكل فوائد ربوية للشمال خلال عقد الثمانينيات، تجاوز بمرات الحجم الأصلي للديون.

كما اتضح أن حكومات دول الجنوب الفقير قد وصلت خلال هذا العقد، إلى درجة من الهوان وفقدان الأمل والاستهانة بمصائر شعوبها؛ بحيث إنها لم تَعُد تُفكّر في عمليات التنمية ذاتها، وإنما في كيفية الخروج من الدوامة الرهيبة لهذه القروض الربوية، وأصبحت تضطر للاستدانة لمجرد دفع الفوائد الربوية عن ديونها السابقة للشمال، بما يترتب عليها من فوائد ربوية جديدة، أي فوائد ربوية على الفوائد الربوية، مع بقاء أصول القروض القديمة كما هي، وهي قروض لم يكن يُحصل عليها إلا بعد الموافقة على شروط البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، المُذِلة والمهينة، وهي شروط تُقدَّم تحت عنوان مُهذّب «توصيات»، وهي توصيات شيطانية تسلب البلد المدين حريته وسيادته واستقلاله، ويصحبها موجة من غلاء الأسعار والتضخم والبطالة، وينعكس أثرها على الفقراء وأصحاب الدخول المحدود، فتزيدهم فقرًا على فقرهم.

ولقد عانت الدول الأشد فقرًا في الجنوب، خلال هذا العقد، من ارتفاع الفوائد الربوية على ديونها الخارجية، أكثر مما قاست من ارتفاع أسعار النفط، وضرب التضخم أيضًا الدول النامية؛ حيث قامت الدول الرأسمالية برفع أسعار صادراتها إليها بشدة، وأرغمتها على جعل أراضيها مقابر لدفن النفايات السامة والمواد المشعة التي تُهدِّد مستقبل أجيالها.


 


[1] انظر مقال: المدّ الربوي والاحتلال العسكري الأوروبي للبلاد الإسلامية، مجلة البيان العدد 456، رجب 1446هـ/ يناير 2024م، رابط:

https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=33257

 [2] اتفقت المجامع الفقهية المعتمدة في العالم الإسلامي، وعلى رأسها مجمع الفقه الإسلامي في مكة، على تحريم الفائدة المصرفية، ومع ذلك لا يكلّ ولا يملّ المصرفيون العلمانيون وفقهاء السلاطين عن تبريرها، وقد تناولنا العديد من تلك التبريرات بالتحليل والتفنيد في مقالنا: تفنيد بعض التبريرات للفائدة المصرفية، مجلة الاقتصاد الإسلامي العالمية، المجلد 2017م، العدد 60 (31 مايو/أيار 2017م)، ص70-77.

[3] انظر مقال: في ظل الأزمة المالية الكونية الطاحنة: هل يقود الربا إلى خراب العالم؟ موقع مأرب برس الإلكتروني 11-10-2008م، رابط:

 https://marebpress.net/articles.php?id=4264

[4] ومن أبرز الأمثلة على ذلك: ما تقوم به فرنسا في إفريقيا، انظر مقال: فرنسا غول أوروبا المدمن على امتصاص دماء الأفارقة، موقع مجلة البيان الإلكتروني 11-2-2020م، رابط:

https://www.albayan.co.uk/text.aspx?id=12285


أعلى