فصدى الأثر في قلوب المؤمنين ثباتٌ في زمن الغربة، وشموخٌ في زمن الانكسار، وحيث يخوفونهم بالذين من دونه ينطلقون بثباتٍ وعزمٍ؛ ليقينهم بأن الله كافٍ عبده
أسند الطبري إلى قتادة -رحمه الله- في قوله تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْـمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36]؛ قال: «لو كان فيها أكثرُ من ذلك لأنجاهم الله؛ لتعلموا أن الإيمان عند الله محفوظٌ، لا ضَيْعَةَ على أهله»[1]، وقد ذكر هذا الأثر أيضًا: الثعلبي والسمعاني[2].
ويُستدل له بقصة أصحاب الكهف العظيمة في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْـجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْـمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِـحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الكهف: 82]؛ قال ابن عباس: «حُفِظَا بصلاح أبيهما، وما ذُكِرَ منهما صلاح»[3].
وفي حديث ابن عباس في قصة أُمّنا هاجر -عليها السلام- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينًا مَعِينًا... فقال لها المَلَك: لا تخافوا الضَّيْعَة، فإن ها هنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يُضيِّع أهله»[4]، وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس -رضي الله عنهما-: «احفظ الله يحفظك»[5].
والأثر عظيم المعنى يلامس القلوب فيملؤها إيمانًا ويقينًا، إنه حديث عن أعظم أسباب الأمان في الدنيا والآخرة، ودلالة على أعظم مفاتيح الأمان: الإيمان بالله -تعالى-: «لتعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضَيْعَة على أهله»؛ قال العلماء -رحمهم الله تعالى-: «إن الإنسان كلما حفظ دين الله، حفظه الله -تعالى- في بدنه، وحفظه في ماله وأهله، وفي دينه، وهذه أهم الأشياء؛ أن يحفظه الله في دينه، ويُسلِّمه من الزيغ والضلال»[6].
«لا ضَيْعَة على أهله»؛ فلهم الأمان التامّ في الدنيا والآخرة، فإن الإيمان وهو أعظم حفظ لدين الله منجاة من مكاره الدنيا والآخرة؛ كما قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
والأثر كاشفٌ عن بعض مناقب الإيمان وقَدْره عند الله -تعالى-، وهذا جاء صريحًا في رواية أخرى: «ليُعرَف قَدْر الإيمان عند الله -تعالى-».
فصدى الأثر في قلوب المؤمنين ثباتٌ في زمن الغربة، وشموخٌ في زمن الانكسار، وحيث يخوفونهم بالذين من دونه ينطلقون بثباتٍ وعزمٍ؛ ليقينهم بأن الله كافٍ عبده: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36].
جعلنا الله وإياكم من أهل الإيمان والصلاح والتقوى والفلاح.
[1] تفسير الطبري (21/532).
[2] يُنظَر: تفسير الثعلبي (24/552)، تفسير السمعاني (5/259).
[3] تفسير الطبري (15/366).
[4] أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، رقم الحديث (3364).
[5] تفسير السمعاني (5/259).
[6] شرح رياض الصالحين، محمد بن عثيمين (1/488).