• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما بقاء الأمـــة بعد نبيِّها وصحابته وأزواجه؟

ما بقاء الأمـــة بعد نبيِّها وصحابته وأزواجه؟

 

حب النبي صلى الله عليه وسلم، وآله، وأصحابه، وأزواجه، وورثته؛ من الإيمان.. وبغضهم، وإذاؤهم، وانتقاصهم؛ كفر، وزندقة، ونفاق.

رضي الله عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس عندما سأله الرشيد - رحمه الله - عن رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده!! فغضب مالك وقال: (يا أمير المؤمنين ما بقاء الأمة بعد نبيها؟! من شتم الأنبياء قُتِل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضُرِب)[1].

إي وربي.. ما بقاء الأمة بعد نبيها؟ فمن شتم نبينا أو نبياً من الأنبياء، أو ملكاً من الأملاك، تلميحاً كان أو تصريحاً؛ قُتِل، وكذلك من اتهم عائشة بما برّأها الله منه، أو كفَّر، أو ضلَّل سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كفَّر السادات الغرر أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ - رضي الله عنهم؛ قُتِل كذلك.

أمَّا من تنقّصهم وسبهم بما دون ذلك، جُلِد أو أدِّب أدباً غليظاً مبرحاً زجراً له ولأمثاله.

إجلال الصحابة من إجلال الله ورسوله، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وبفضلهم نطق القرآن الكريم، وشهدت سنة سيد المرسلين، وعلى ذلك أجمعت الأمة، وذلك أن الله اصطفاهم واختارهم اختياراً لصحبة نبيه، ولنصرة دينه، فعلى المسلمين أن يعرفوا لهم قدرهم، ويؤدوا واجب حقهم عليهم، ولهذا عندما بيَّن الله جزاء الذين يؤذون الله ورسوله، أعقبه بالذين يؤذون المؤمنين، وفي مقدمتهم الصحابة المرضيون: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا 57وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:57-58].

هذا الحق يشمل جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فرق في ذلك بين الصحابة والقرابة، فالصحابة ليس فيهم دغل، وإنما الدغل في غيرهم، أمثال ابن زياد والحجاج - عليهم من الله ما يستحقون -، فأهل السنة يحبون جميع أصحاب رسول الله، وقرابته، وأزواجه، ولم يفرق بين هؤلاء وأولئك إلا الرافضة المخذولون المحرومون.

أهل السنة لا يدّعون العصمة لأحد من الصحابة، أمَّا الشيعة فبينما هم غلوا في أهل البيت، وادّعوا لهم العصمة، بالغوا في تكفير الصحابة الآخرين، وتضليلهم، وسبهم، وانتقاصهم، بل ليس لهم شغل سوى ذلك، والخوارج على العكس والنقيض منهم في تضليلهم وتكفيرهم لأمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، فالحسنة بين سيئتين، وخير الأمور أوسطها، وهو الذي سلكه أهل السنة والجماعة.

فمن حق الرسول صلى الله عليه وسلم علينا الذبّ والدفع عنه وعن سنته، وشرعته، وعن أصحابه وأزواجه وحَمَلة رسالته وورثة الأنبياء بعدهم، وهم العلماء.

الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعن غير مباشر في المصدر الثاني في شرعنا، في السنة، كما قال أبو زُرعة الرازعي - رحمه الله -: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة).

قلت: إذا كان الإمام الذهبي - رحمه الله - قد أمسك عن ذكر الأئمة المتبوعين في الفروع بما يقدح فيهم لمكانتهم في الإسلام، وفي نفوس أتباعهم؛ فكيف بمن يتقربون إلى الشيطان وليس للرحمن بتضليل وتفسيق وتكفير السادات الغرر، والصحابة الأماجد، وبعض أمهات المؤمنين الأفاضل؟!

قال ابن الوزير اليماني - رحمه الله -: (وقد أشار الذهبي إلى الاعتذار عن ذكر الإمام أبي حنيفة وأمثاله، وإلى أنه لا يقدح عليه بما ذكر فيه من الاختلاف، فقال في خطبة الميزان – ميزان الاعتدال –: وكذا لا أذكر من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً، لجلالتهم في الإسلام، وعظمتهم في النفوس. فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف، وما يضره ذلك عند الله ولا عند الناس، إذ إنما يضر الإنسان الكذب والإصرار على كثرة الخطأ، والتحري على تدليس الباطل، فإنه خيانة وجناية، فالمرء المسلم يطبع على كل شيء إلا الخيانة، والكذب. انتهى كلامه.

فانظر كيف تأدب أبو عبدالله الذهبي، وذكر جلالة الأئمة المتبوعين في الإسلام، ونص على أن ذكرهم في كتب الجرح والتعديل لا يضرهم عند الله ولا عند الناس، وهكذا فليكن ذكر العالم لمن هو أعلم منه بأدب وتواضع وتعظيم وتوقير، جعلنا الله ممن عرف قدر الأئمة، وعصمنا من مخالفة إجماع الأمة)[2].

نماذج لمن ذبّ ودفع عن صاحب الشرع، وسنته، وحَمَلتها من الصحابة والعلماء:

سنورد في هذه العجالة نماذج يسيرة لمن ذبّ ودفع عن صاحب الشرع، وسنته، وحملتها من الصحابة الأخيار الأبرار، والعلماء الربانيين الحكماء؛ لعلها تصادف آذاناً صاغية، ونفوساً زاكية صافية، وقلوباً من الأحقاد والأضعان خالية، ورجالاً عوفوا من التقليد والتعصب، بل يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإذا ظهر لهم الحق أتوا إليه مذعنين غير معاندين.

فنقول وبالله التوفيق والسداد، والعون والرشاد:

1 - قال سعيد بن المسيِّب - رحمه الله -: كان ابن البرصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم أمير المدينة في زمن معاوية – وكان يسْمر معه - فذكروا الفيء عند مروان، فقالوا: (الفيء مال الله، وقد وضعه عمر في موضعه.

فقال مروان: إنَّ الفيء مال أمير المؤمنين، معاوية يقسمه فيمن شاء.

فخرج ابن البرصاء فلقيَ سعد بن أبي وقاص، فأخبره.

قال سعيد: فلقيني سعد وأنا أريد المسجد، فقال: الحقني، فتبعته حتى دخلنا على مروان، فأغلظ له.

فقال مروان: ترون من قال هذا لهذا الشيخ؟ قالوا: ابن البرصاء، فأتيَ به، وأمر بتجريده ليضرب، فدخل البواب يستأذن لحكيم بن حزام – رضي الله عنه -، فقال: ردوا عليه ثيابه، وأخرجوه حتى لا يهيج علينا هذا الشيخ الآخر)[3].

2 - وعن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - أنه دخل على الطاغية ابن زياد، فقال: أي بني، إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة، فإيَّاك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم[4].

3 - وقال أبو سعيد الخدري – سعد بن مالك – رضي الله عنه يرفعه: «لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه أو علمه»، قال أبو سعيد: «فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه، ثمَّ رجعت».

وعنه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم، قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان لهم حاجةٌ ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: «تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا!»، وكان أكثر من يتصدق النساء، ثمَّ ينصرف، فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم، فخرجت مخاصراً مروان – محاذياً له – حتى أتينا المصلى، فإذا كَثِيــر – كان اسمه «قليل» فسماه عمر «كَثِيــر» – بن الصلت قد بنى منبراً من طين ولبن – طوب –، فإذا مروان ينازعني يده، كان يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا، يا أبا سعيد! قد تُرِك ما تعلم. قلتُ: كلا – أي لا – والذي نفسي بيده! لا تأتون بخير مما أعلم – ثلاث مرات – ثمَّ انصرف[5].

قلت: يستفاد من ذلك جواز الجهر بالإنكار على من خالف السنة أمام الناس، إذا كانت المخالفة مجمعاً عليها، حيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ومعلوم أن الجميع يخرج لصلاة العيد حتى الحيض، وذوات الخدور.

4 - قال الذهبي عن الحاكم:.... سمعت الفريابي: سمعت سفيان الثوري ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر؟ فقال: كافر بالله العظيم. قال: نصلي عليه؟ قال: لا، ولا كرامة. فقيل له: هو يقول: لا إله إلا الله، ما نصنع به؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في قبره[6].

5 - قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله -، وقد قيل له: أيهما أفضل معاوية أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في أنفِ معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبدالعزيز[7].

6 - أخرج الحاكم في المستدرك وغيره: (أن معاوية صعد المنبر يوم الجمعة فقال في خطبته: أيها الناس، إن المال مالنا، والفيء فيؤنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا. فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثانية قال كذلك، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال كذلك، فقام إليه رجل فقال: كلا يا معاوية، ألا إن المال مالنا، والفيء فيؤنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله تعالى بسيوفنا. فنزل معاوية، وأرسل إلى الرجل، فأدخله عليه، فقال القوم: هلك الرجل، ثمَّ فتح معاوية الأبواب، فدخل عليه الناس، فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية: أيها الناس إنَّ هذا الرجل أحياني أحياه الله. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون أئمة من بعدي يقولون، فلا يُرَد عليهم، يتفاحمون في النار كما تتفاحم القردة، وإني تكلمت أول جمعة فلم يرد عليَّ أحد شيئاً، فخشيت أن أكون منهم، ثمَّ تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد عليَّ أحد شيئاً، فقلت في نفسي: أنت من القوم، فتكلمت في الجمعة الثالثة، فقام إليَّ هذا الرجل، فردَّ عليَّ فأحياني أحياه الله، فرجوت أن يخرجني الله منهم، ثمَّ أعطاه وأجازه)[8].

7 - قال النووي رحمه الله: (قال أبو داود: أنه لما صارت الخلافة إلى عليّ رضي الله عنه، لم يغيرها عن كونها صدقة – أي فدك ونحوها التي تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم –. وبنحو هذا احتج السفاح – أبو العباس الخليفة العباسي –، فإنه لما خطب أول خطبة قام بها، قام إليه رجل شيعي – خبيث، زنديق – معلق في عنقه المصحف، فقال: أنشدك الله إلا حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف.

فقال: من هو خصمك؟

قال: أبو بكر في منعه فدك.

قال: أظلمك؟

قال: نعم.

قال: فمن بعده؟

قال: عمر.

قال: أظلمك؟

قال: نعم.

وقال في عثمان كذلك.

قال – السفاح –: فعليّ ظلمك؟

فسكت الرجل – الخبيث – فأغلظ عليه السفاح، وقال: والله لولا أن هذه أول خطبة خطبتها لضربت عنقك)[9].

قلت: ليته ضرب عنقه، فضرب عنق هذا الزنديق أفضل من خطبته.

8 - روى أبو القاسم الزنجاني، قال: (حدثنا أبو إسحاق الشيرازي الشافعي - رحمه الله - عن القاضي الإمام أبي الطيب أنه قال: كنا في حلقة النظر – المناظرة – بجامع المنصور ببغداد، فجاء شاب خراساني يسأل عن مسألة المصراة – الشاة أو البقرة لا تحلب ليومين أو ثلاثة لإخداع المشتري – ويطالب بالدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - الثابت في الصحيحين وغيرهما. فقال الشاب، وكان حنفياً: أبو هريرة غير مقبول الحديث.

قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فهرب الناس وتبعت الشاب دون غيره، فقيل له: تب، فقال: تُبتُ، فغابت الحية ولم يبق لها أثر).

قال ابن الصلاح: هذا إسناد ثابت فيه ثلاثة من صالحي أئمة المسلميـــن: القاضــي أبو الطيب بن الطبري، وتلميذه أبو إسحاق، وتلميذه أبو القاسم الزنجاني[10].

9 - روى أبو اليمن الكندي، قال: (حدثنا عبيدالله بن محمد بن حمدان، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم النحوي، قال: أخبرنا الكريمي، قال: حدثنا يزيد بن قرة الدراع، يرفعه إلى عمر ابن حبيب، قال: حضرت مجلس الرشيد فجرت مسألة المصراة، فتنازع الخصوم فيها، وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بالحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ بعضهم الحديث وقال أبو هريرة متهم فيما يرويه، ونحا نحوه الرشيد، ونصر قوله.

فقلت: أمَّا الحديث فصحيح، وأبو هريرة صحيح النقل فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليَّ الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس إلى منزلي، فلم يستقر بي الجلوس حتى قيل: صاحب الشرطة بالباب، فدخل إليَّ فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط، وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني قد دافعت عن صاحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه، فسلمني منه.

قال: فأدخلتُ على الرشيد، فإذا هو جالس على كرسي من ذهب، حاسر عن ذراعيه وبيده السيف، وبين يديه النطع، فلما رآني قال: يا ابن حبيب ما تلقاني أحد بالرد ودفع قولي مثل ما تلقيتني به؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي حاولت عليه فيه إزراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما جاء به، فقال: كيف ويحك؟ قلت: لأنه إذا كان أصحابه كذَّابين، فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام من الصلاة، والصيام، والحج، والنكاح، والطلاق، والحدود؛ كلها مردودة غير مقبولة؛ لأنهم رواتها، ولا تُعْرَف إلا بواسطتهم. فرجع الرشيد إلى نفسه، وقال: الآن أحييتني يا ابن حبيب أحياك الله، ثمَّ أمر له بعشرة آلاف درهم)[11].

10 - قال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (سمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبدالله أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبدالله ذكروا لابن قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء!! فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه، ويقول: زنديق، زنديق، زنديق حتى دخل البيت)[12].

11 - وقال الصابوني: (وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه، وهو يناظر رجلاً، فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدَّثنا، إلى متى حدَّثنا! فقال الشيخ: قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبداً، ثمَّ التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد ما تدخل داري إلا هذا)[13].

12 - قال الإمام ابن الوزير اليماني في ذبه ودفعه عن الإمام أبي حنيفة في تضعيفه في الحديث: (اعلم أن الإمام أبا حنيفة طلب العلم بعد أن أسن، وكان الحافظ المشهور بالعناية في هذا الشأن إذا كبر وأسن تناقص حفظه، فلهذا لم يكن في الحفظ في أرفع المراتب، وكذلك غيره من الأئمة)[14].

13 - قال ابن خلكان في وفيات الأعيان جـ 6/399 في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن السِّكيت: (جلس أبو يوسف يعقوب بن السِّكيت يوماً مع المتوكل، وكان يؤدب أولاده، فجاء المعتز والمؤيد ولدا المتوكل، فقال له: يا يعقوب أيما أحب إليك.. ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فقال: والله إن قنبراً خادم عليّ خير منك ومن ابنيك!

فقال المتوكل للأتراك: سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا به ذلك، فمات ليلة الإثنين لخمس خلون من رجب 244هـ.

ثمَّ إن المتوكل أرسل لولده عشرة آلاف درهم، وقال: هذه دية والدك).. (عُرِّف أبوه بالسِّكيت؛ لأنه كان كثير السكوت، طويل الصمت، كان إماماً في اللغة مكثراً من نقل الغريب، وله تصانيف مفيدة).

قلت: قتله ليس خطأ، إذ لا يمكن لإنسان أن يعيش إذا قطع لسانه بهذه الطريقة الوحشية، فكان الواجب القصاص على الأقل لمن مارس ذلك، وإن كان مأموراً؛ حيث لا يحل للمسلم أن يفدي نفسه بأخيه المسلم.

14 - عن مصعب بن عبدالله قال: (حدثني أبي عبدالله بن مصعب الزبيري قال: قال لي أمير المؤمنين المهدي: يا أبا بكر، ما تقول فيمن تنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: زنادقة، قال: ما سمعت أحداً قال هذا قبلك، قال: قلت: هم قوم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقص، فلم يجدوا أحداً من الأئمة يتابعهم على ذلك، فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، وهؤلاء عند أبناء هؤلاء، فكأنهم قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحبه صحابة السوء، وما أقبح بالرجل يصحبه صحابة السوء، فقال: ما أراه إلا كما قلت)[15].

15 - وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: (إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء، فاتهمه على الإسلام). وقال الإمام أبو زرعة الرازي - رحمه الله -: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدَّى إلينا ذلك كلّه الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة)[16].

16 - قال الإمام يحيى بن معين - رحمه الله -: (إذا رأيت الرجل يتكلم في حمَّاد بن سلمة، وعكرمة مولى ابن عباس، فاتهمه على الإسلام).

17 - وقال الإمام أحمد: (إذا رأيت الرجل يغمز حمَّاد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديداً على المبتدعة).

18 - وقال أسود بن سالم: (كان ابن المبارك إماماً يُقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك، فاتهمه على الإسلام).

19 - وقال سفيان بن وكيع: (أحمد عندنا محنة، من عاب أحمد فهو عندنا فاسق)، وقيل: (أحمد محنة، به يُعْرَف المسلم من الزنديق).

20 - وقال الدورقي: (من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء، فاتهمه على الإسلام).

أضحى ابن حنبل محنة مأمونة

وبحب أحمد يُعرف المتنسكُ

وإذا رأيت لأحمـــد متنقصـــــاً

فأعلـــم بأنَّ ستوره ستهتـــكُ

ومن ذلك حرص الأبواق المنافقة على الطعن في المجددين الذين بعثوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذبوا عن دعوة التوحيد؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وغيرهما من المجددين إلى يومنا هذا.

فمن وافق القوم في تطاولهم على رموز الإسلام، فقد أعانهم من حيث يدري أو من حيث لا يدري، على تحقيق غاياتهم الخبيثة، وشمَّت بنا أعداء الدين، وصدق القائل:

وكل المصائب قد تمر على الفتى

وتهـون غير شماتــة الأعداء

وقال هارون لأخيه موسى عليه السلام: }فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء{ [سورة الأعراف:15]، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ بالله تعالى من (شماتة الأعداء)[17].

وعن أيوب قال: مرض أبو قلابة بالشام، فعاده عمر بن عبدالعزيز، وقال: (يا أبا قلابة، تشدَّد لا يشمت بنا المنافقون)[18].

نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله أن ينفع به، وأن يكون مثالاً يُحتذى به للذب والدفع عن هذا الدين، وعن رسوله الأمين، وصحبه الأكرمين، والعلماء، والصالحين.

وصلى الله وسلم وبارك على خير البرية أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

:: مجلة البيان العدد 304 ذو الحجة 1433هـ، أكتوبر-نوفمبر 2012م.


[1] (المعيار المعرب للونشريسي جـ2/356).

[2] (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم – للإمام ابن الوزير اليماني المتوفى 840هـ  - جـ2/166).

[3](الإصابة في تمييز الصحابة – للحافظ ابن حجر– في مجلد واحد ضخم ص 230).

[4] (مسلم رقم [1830]).

[5] (متفق عليه)، البخاري رقم [304]، ومسلم رقم [889].

[6] (سير أعلام النبلاء للذهبي).

[7] (البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، جـ 8/139).

[8] (رواه ابن سبع في شفاء الصدور، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، والحافظ أبو يَعْلى الموصلي، ورجاله ثقات. كما قال الدُّميري في حياة الحيوان الكبرى جـ2/331).

[9] (صحيح مسلم بشرح النووي جـ2/73).

[10] (حياة الحيوان للدميري جـ1/395).

[11] (حياة الحيوان الكبرى للدميري جـ1/395).

[12] (رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث، لأبي عثمان إسماعيل الصابوني، المتوفى 449هـ، المطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنبرية جـ1/132).

[13] (المصدر السابق).

[14] (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لابن الوزير اليماني جـ1/165-166).

[15] (تاريخ بغداد، جـ10/174).

[16] (فتح المغيث، جـ3/101).

[17] (أخرجه البخاري رقم [6616]، جـ 11/513).

[18] (تذكرة الحافظ جـ1/94)، (من 14-20 انظر حرمة أهل العلم للمقدم ص 332-334).

أعلى