لا شك أن وضع المناهج بشكل فيه تدرُّج للطلبة هو من سمات العصر الحديث، كلّ مستوى دراسي له منهج يلائم عقل وفهم الغالبية من الطلاب في هذا المستوى والعمر.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وبعد:
فلا يخفى على حيّ الآن تسارع وتيرة الأحداث في العالم وتصاعدها، وقرب دخول الحضارة
الإنسانية على منعطف جديد ربما سيدفعها نحو لون جديد من الثقافة والمعرفة، وبزوغ
تقنيات حديثة ستزيد من سرعة الاتصال والتواصل في العالم الذي سيكون على الأغلب أكثر
انفتاحًا؛ سواءٌ على مستوى الأسواق، أو على مستوى الثقافات.. هذا لو تجنّبنا حدوث
حروب عالمية لا يُستبعد وقوعها على الإطلاق، والمثيرات لذلك كثيرة، ونسأل الله
عافيته!
المهم، تبقى المعرفة، ويبقى العلم، هو أكبر مُحرّك للحضارات، بل هو المحرك الرئيس
لأيّ تقدم حضاري على الإطلاق. ويبقى المسلمون والعرب في أمسّ الحاجة إلى تطوير
أنفسهم في هذا الخصوص، والبدء فورًا، والتجهُّز جديًّا لدخول بطولة سباق التعليم
والمعرفة والبحث العلمي العالمي بشكلٍ يجعلهم في التصنيف المتقدم، من بين العشرة
الأوائل على الأقل، في هذا المضمار، خلال السنوات العشرين القادمة.
وأظن أن تغيير منظومة التعليم أمر حتمي للبزوغ العلمي والمعرفي، وأظن أن التوجُّه
إلى منظومة تعليمية مرنة هو أفضل ما يمكن أن تُمارسه الدول الإسلامية والعربية في
المرحلة المقبلة. لذلك سأحاول جاهدًا تلخيص بعض الأفكار الخاصة بهذا التوجه لتكون
بمثابة دليل لأفكار أكبر وابتكارات أعمق إن قدَّر الله لتلك الأفكار أن تنتشر.
أولاً: إزالة سور المدرسة.. والمدرس الحرّ!
ولا أعني بذلك أن تكون المدارس بلا أسوار حرفيًّا، فهناك بالفعل مدارس دون أسوار.
ولكني أرمي إلى أن تكون الدراسة أكثر مرونة من الذهاب إلى المدرسة. فالأمر الذي لا
يمكن إنكاره وأصبح واقعًا لا يمكن إغْفاله أن المعلومة والمعرفة عمومًا أصبحت متاحة
للجميع بضغطة رقيقة على شاشة صغيرة. يمكن تحصيل أي معلومة -دون مبالغة- أنت تريد
الحصول عليها بلمسة رقيقة. ليس هذا فحسب، بل يمكنك تعلُّم أي مهارة تقريبًا فكرية
أو يدوية عن طريق الشاشة.
أتحدث حقيقة عن التوسع في إنشاء المدارس الإلكترونية (E-Schools)[1]،
والافتراضية، مع إبقاء المدارس التقليدية، وأن يكون للمدارس التقليدية ظلّ إلكتروني
أيضًا. فمن الطلبة مَن يستطيع أن يُحصِّل ويذاكر ويبدع من غير تفاعل يومي مع أقرانه
ومُدرّسيه. فلماذا نضغط عليه كي يحضر رغمًا عنه.
أعلم أن مسألة التفاعل بين الطلاب والمدرس، أثارت جدلاً وخلافًا عريضًا بين
المتخصصين في ظل أزمة كورونا خصوصًا، وظنّي أنها مازالت تحتاج مزيد بحث وتقييم.
أعني ضرورة أن يكون هناك تفاعل مباشر
«يومي»
بين التلاميذ والمعلّم. وبين التلاميذ وبعضهم البعض، وهل يؤثر قلة التفاعل جوهريًّا
على مهارات التلاميذ.
على أيّ حال حتى لو كان التأثير يميل إلى أن يكون سلبيًّا أكثر، إلا أنه من الواجب
في السنين القادمة أن يكون هناك مرونة في قضية التفاعل. نعم، يمكن مثلاً أن نُعِدّ
اختبارات تقييمية نفسية -ولا بأس أن تكون دورية- لتقييم استعداد الطالب، وهل يمكنه
أن يتفوق بعيدًا عن المدرسة والحضور أم لا. وهل سيفيد حضوره في سلوكه كثيرًا أم أن
تأثير ذلك سيكون محدودًا. وكذلك المدارس الإلكترونية أو الافتراضية، وإن كان ذلك
حرية اختيار من الطالب ابتداءً، لكن يمكن للمدرسة أن تُجري تقييمًا نفسيًّا للطلاب
للنظر في مدى استعداده للالتزام بهذا النوع من الدراسة.
المهم، أعتقد أن دراسة هذا الأمر غاية في الأهمية؛ أعني ضرورة أن يكون هناك مرونة
لدى المدارس في مسألة الحضور والتفاعل، وأن نُتيح الفرصة لإنشاء مدارس إلكترونية
وافتراضية خالصة، من غير ظلّ على أرض الواقع؛ للسماح بالالتحاق بها والتعلّم
والتخرّج بكل أريحية ومرونة. وتطبيق كل ما يتصل بها من ضرورات آلية كالمحاكاة
وإجراء الاختبارات إلكترونيًّا.. إلخ.
المدرس الحرّ
فإن قلت:
وهل نكتفي بشرح المدرس المسجل أو حتى الحي على الموقع الخاص بالمدرسة دون تفاعل
حقيقي، فإن هذا أمر ربما يكون غير مُجْدٍ كما تقول بعض الدراسات؟
والجواب:
ليس شرطًا، وإن كان يمكن الاكتفاء بذلك، لكنَّ المدرس أيضًا -وهو أهم أدوات العملية
التعليمية على الإطلاق- يجب أن يكون حرًّا. كيف؟
يعني أن يكون للطلاب مرونة الالتقاء بالمدرس في مواعيد محددة خلال اليوم، يلتزم بها
المدرس والطالب، إن احتاج الطالب إلى ذلك. ويمكن أن يكون ذلك إلكترونيًّا أو
واقعيًّا أو بالجمع بينهما. بحيث يمكن للطالب استشارة أستاذ المادة في هذه الأوقات
(وأودّ أن أشير هنا إلى أنه يمكن للمدرسة أن تتعاقد مع أكثر من أستاذ من أجل ذلك
مما يساعد على توفير فرص عمل عديدة، وتقليل انتشار ما يُعرَف بالدروس الخصوصية).
ثانيًا: أرجوكم حَرِّروا السُّلَّم الدراسي
من أهم النقاط التي ينبغي مراعاتها في مسألة مرونة التعليم: أن يتم تحرير السُّلّم
الدراسي بالنسبة للطلبة. كيف؟
لا شك أن وضع المناهج بشكل فيه تدرُّج للطلبة هو من سمات العصر الحديث، كلّ مستوى
دراسي له منهج يلائم عقل وفهم الغالبية من الطلاب في هذا المستوى والعمر. وهو أمر
دقيق يحتاج إلى مراجعة دَورية مِن قِبَل واضعي المناهج.
إلا أن هناك مسألة أظن أنها يجب أن تكون من مُسلَّمات العصر القادم، وهي إتاحة
الفرصة للطلاب النوابغ للانطلاق على سُلّم التعليم دون قيود. فمن الظلم أن يُسجن
عقل الطالب العبقري المتقد الذهن داخل السُّلم الدراسي فقط؛ لأن القانون لا يسمح له
بالانتقال إلى مرحلة أو مراحل متقدمة من السُّلم الدراسي بسبب سنّه، أو لضرورة
إكمال جميع المراحل التعليمية أولاً بأول!
إن مسألة التحصيل والفهم رزقٌ من الله -تعالى-؛ فالبعض، وربما ليسوا بالقليل،
يستطيع اجتياز مناهج متقدمة بالنظر إلى عمره. بل ربما يبرع في مناهج المراحل
الجامعية -وأخص بالذكر الرياضيات والفيزياء والمواد العملية- وهو في المرحلة
الابتدائية أو الإعدادية مثلًا. مثل هذا الطالب يجب أن يُحرَّر من سجن السُّلم
الدراسي. هذا ينبغي أن يُحتضن ويُدلّل تعليميًّا وتربويًّا لو صحَّ التعبير!
فعن مثل هؤلاء تبحث البشرية، وتبحث الحضارات. لم يكن أينشتاين، مُلهم العصر العلمي
الحديث، بليدًا في الصفوف المدرسية كما يُشاع، ولكنَّه كان يشعر بالملل لأنه كان
يعرف أكثر المواد الدراسية فيتغيب عن المدرسة[2].
تخيل توفير بيئة حاضنة مناسبة لمثل هؤلاء، وتوفير موارد وأدوات علمية وتحرير عقولهم
في هذا السن الصغير. هذه طاقة بشرية جبَّارة قادرة على أن تجرّ قاطرة الحضارة
الإسلامية بسرعة هائلة.
وقرِّر ذلك على كلّ سُلّم من سلالم الدراسة النظرية والشرعية.
ثالثًا: مرونة المناهج
المنهج الدراسي أمر جميل وضروري في الجملة. أعني بالنسبة للمراحل الأولى في
التعليم. لكنه يحتاج إلى تحرير تدريجي بعد المرحلة الابتدائية. ويحتاج أن يكون
مرنًا بقدر كافٍ. أقصد الكتاب المدرسي المعتاد، هل يجب أن يكون كتابًا مدرسيًّا
يحوي هذا الكَمّ المحدود من المعلومات ليحفظها الطالب ويدرسها ثم يُختَبر فيها! أو
هل يجب أن نلتزم بشرح الكتاب المدرسي!
أظن مسألة الالتزام بكتاب محدود يُعوّد الطالب على
«محدودية
المعرفة»
بعكس لو كان الكتاب المدرسي بمثابة إطار مرجعي يُرشد الطلاب، ويُعوّدهم مسألة البحث
العلمي والمعرفي وأصوله وضوابطه، وأن يكون ذلك بمثابة تقرير لأمرٍ نحتاج أن نعوّد
العقول عليه ليصبح من أساسيات التعليم. أعني البحث العلمي. فلو تركنا مساحة -بشكل
تدريجي- للبحث عن المعلومة، داخل إطار محدد يتوسع بالتدريج، في مناهل البحث كالكتب
والمكتبات والإنترنت وعلَّمنا الطلبة كيف يجمعها ويُوثّقها ويؤكدها بشكل سليم خلال
سنواته الدراسية قبل المرحلة الجامعية أظن سيكون هناك ثقافة عامة للبحث العلمي
وضوابطه نحتاج جميعًا إليها.
إن قضية تنوير العقول بالبحث وتحرير الفهم وجمع المعلومات هي أعظم قضايا العقل
البشري أصلاً، والتي وجَّه الله من خلالها الإنسان للبحث في قضية الإيمان والتفكر
في وحدانية الله -سبحانه-؛ يقول ربنا: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا
كَيْفَ بَدَأَ الْـخَلْقَ} [العنكبوت: 20]، وهذه الآية من أعظم ما يُستدل به
على ضرورة البحث العلمي عن أكبر قضية تشغل العقول وهي
«كيفية»
بدء الخلق؛ وذلك لأن الخلق نشأ بأسباب وضعها الله، وحقّ على الإنسان أن ينظر ويبحث
كيف خلق الله السماوات والأرض ليزداد إيمانًا، فأعظم دور للعقل هو التفكر في خلق
السماوات والأرض كيف بدأ وكيف كان؛ كما قال -تبارك وتعالى-: {الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٩١]. فلو تعوّد الطالب تدريجيًّا على
قضية البحث والسؤال، وترك مساحة له للبحث والتفكر وإبداء الرأي؛ أظن سيدخل إلى
مرحلة الجامعة وقد اشتد عوده المعرفي وقويت مهاراته في البحث العلمي، وهذه جودة
المنتج النهائي لمرونة التعليم.
رابعًا: التربية الدينية والأخلاقية الدرع والزهرة
ولا أقول السيف، فالسلوك زهرة جميلة تجذب الناس إليها، وهي العطر الذي يميز التعليم
الجيد عن غيره، فالتعليم دون دين وأخلاق، كلابس ثوب جميل على جسد وسخ كريه الرائحة،
ومثل هذا الغرس الديني والأخلاقي يجب أن يستمر منذ مرحلة روضة الأطفال، حتى التخرج
من الجامعة. لا تبدأ المدارس اليابانية مناهج التعليم الإلزامي خلال السنوات الست
الأولى من عمر الطفل، ويسعون في هذه السنوات إلى غرس القيم الاجتماعية في نفوس
الأطفال مع التركيز على اللعب الجماعي الهادف.
وهذا كنا نفعل كمسلمين في الكتاتيب قديمًا، التي كانت تُركّز على حفظ كتاب الله في
السنوات الأولى من عمر الطفل، حتى إن الكثير من أطفال المسلمين ربما ختم كتاب الله
حفظًا وتلاوةً قبل سن الثامنة. لو طوّرنا مفهوم الكتاتيب لنمزج معه التسلية الهادفة
أو اللعب الهادف في السنوات الأولى للطفل؛ ظني أن ذلك هو أحسن درع يقي المسلمين أي
محاولة تغيير لثقافتهم أو غزوها.
وقد كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تلعب بالبنات، أي العرائس، وكان لها
فرس له جناحان، فيقول لها النبيّ صلى الله عليه وسلم :
«فَرَسٌ
لَهُ جَنَاحَانِ؟ قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا
أَجْنِحَة؟ قَالَتْ عائشة: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ».
وكان -عليه الصلاة والسلام- يراعي حاجة الطفل إلى اللعب عمومًا، فلا بأس أبدًا أن
نستغل اللعب ولهو الطفل في السنوات الأولى في غرس القيم الأخلاقية والدينية. مع
ضرورة استمرار التوجيه الأخلاقي والديني خلال سنوات الدراسة حتى التخرج من الجامعة.
يعني أن يكون هناك تدرُّج في تدريس الموادّ الشرعية والأخلاقية؛ بدايةً من تدريس
السلوك وفرائض الإسلام، وصولاً إلى تدريس الرد على شبهات الآخرين من مختلف
التوجهات.
وهل ينبغي أن تكون هذه المواد إلزامية، يعني فيها نجاح ورسوب؟!
أظن الأَولى أن تكون مواد ذات تقييم تحفيزي، وليست مواد إلزامية، حتى لا يرتبط ذلك
في ذهن الطالب بنجاحه أو فشله في هذه المسألة، فتختل في نفسه مسألة الإيمان؛ فإن
الصلاح من الله. فيُقيَّم الطالب على سلوكه، وقياس مدى معرفته وإلمامه بالمواد
الشرعية التي يتم التوجيه بدراستها كل عام، فالغرض من هذا كلّه هو المحافظة على دين
الناس، وحمايته، وبناء حائط صد قوي ضد غزو الإلحاد والفكر الشاذ، والعمل على تحسين
السلوك والأخلاق، وليس مجرد الاختبار بالنجاح أو الرسوب.
خامسًا: فريق رياضي وفريق فكري
كذلك الاهتمام بالرياضة والجهد البدني مطلوب، حتى للمدارس الافتراضية. تشجيع الطلاب
على خوض المنافسات الرياضية في العموم أمر ضروري ومطلوب. ارتفاع نسبة السمنة في
العالم وفي الشباب نذير خطر وشؤم على الأمم. كذلك الرياضة بالتأكيد تقي الإنسان من
العديد من الأمراض.
أرى أنه لزامًا على العملية التعليمية المتكاملة أن تضع ممارسة الرياضة، والانضمام
لفريق من الفِرَق؛ سواءٌ في الألعاب الفردية أو الجماعية، في جدول أعمال الطالب،
ولو أن يمارس ذلك يومين أسبوعيًّا. فإن فوائد ذلك لا حَصْر لها.
كذلك إنشاء المجموعات الفكرية والفنية، كمجموعات الشعر والقراءة والرسم... إلخ،
بضوابطها، وإلزام الطلاب بالانضمام إليها لبناء العقلية الإبداعية أظن أنه أمر
حتميّ.
سادسًا: مادة البرمجيات
أصبحت البرمجة الآن كالكيمياء والرياضيات والفيزياء، أعني في انتشارها وتأثيرها في
الناس. فلا بد -من وجهة نظري- من إلزام الطلاب بدراستها. نعم، ينبغي أن يتعرف
الطلبة على لغات البرمجة منذ الصفوف الابتدائية وتصبح مواد إلزامية، مثل الحساب
واللغة والعلوم. العالم الآن -وفيما هو آتٍ- لن يعيش دون برمجة. لغات الحاسب أصبحت
أمرًا لا مفر منه يدخل في جميع الوظائف والمهام اليومية لهذا العالم.
أصبح العالم يعيش بتطبيق ويعمل بتطبيق. بل إن وظائف عديدة ستختفي وتترك مكانها
لتطبيق أو روبوت.
ولا مجال أمامنا في السنين المقبلة إلا تدريس ذلك للطلبة كمواد أساسية بأسلوب
تدريجي مثله مثل سائر المواد التي لا غِنَى عنها للمتعلّم.
قديمًا لم يكن يظن أحد أنه سيتمك تدريس الكيمياء والفيزياء؛ فقد كانت علومًا جديدة
في وقتها، ولم يُتصور تدريسها إلا بعد أن أصبحت فروعًا علمية كاملة، ومؤثرة تأثيرًا
واضحًا في حياة الناس العملية والوظيفية والثقافية. كذلك لغات البرمجة وتحليل
البيانات وغيرها من المواد التي ينبغي أن تدخل عالم الدراسة الحديثة للطلبة، ولو
بشكل مبسط أو تعريفي أو عامّ. هذا أمر أصبح ضرورة لا فِكاك منها؛ إن أردنا مُواكَبة
الحضارة القادمة وسرعتها وتغيراتها الفائقة.
سابعًا: لا تنسوا التعليم الفني والحرفي
التعليم الفني والحرفي أحد خواص الإنسان التي خلقها الله فيه، حتى لو سيطرت الآلة
على عمليات التصنيع؛ فإن الصيانة مطلوبة بيد الإنسان، والصناعة اليدوية لن تتوقف،
ومهارات الفنيين في الإصلاح والبناء والتصنيع لن تتوقف. بل الخطأ أن يتوقف الإنسان
عن تعلم مهارات الحياة اليدوية عمومًا.
التعليم الفني والصناعي، من أنواع التعليم الخاصة التي يمكن من خلالها دعم اقتصاد
الدول؛ من خلال تصدير مُنتَجات الصناعات الصغيرة، وكذا توفير فرص عمل كثيرة للشباب
بعيدًا عن سوق عمل الياقات البيضاء.
لا شك أن التعليم الفني قد أُهْمِلَ خلال السنوات الماضية، لكنَّه مطلوب الآن
وبقوة؛ فالمصانع تحتاج إلى مهارات فنية، وكذلك أصحاب الورش، وعموم الناس يحتاجون
صيانة أجهزتهم الكهربائية والإلكترونية. وقطاعات البناء والإنشاء والمقاولات تحتاج
إلى هذه المهارات الفنية للنجارين والحدادين وما شابه. فهذا النوع من التعليم أشبه
بالطفل اليتيم وسط هذا الزخم من قطاعات التعليم العليا الأخرى؛ فوجب النظر إليه
بجدية وتجديد.
أما عن التعليم الجامعي والدراسات العليا فيحتاج إلى مقال آخر.. هذا وبالله وحده
التوفيق والسداد، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين.
[1] بالطبع يحتاج هذا الأمر إلى بنية تحتية متينة ووجود اتصالات بالإنترنت عالي
السرعة في جميع أنحاء الدولة.
[2]
Michio Kaku،
The God Equation،
2021،
Doubleday New York