• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اليقين روح أعمال القـلوب

اليقين روح أعمال القـــــلوب


قد أمر الله - تعالى - الناس بالإيمان، وهو أول أمر يوجه للمكلف: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. فمن تمسك به نالَ الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87].

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي الحسنى قال - تعالى -: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى 5وَصَدَّقَ بِالْـحُسْنَى 6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7][1].

وقال - تعالى -: {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89]. وقال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].

ومعنى الشهادة بالوحدانية: الاعتقاد الجازم - المعبّر باللسان - بهذه القضيّة، كأنه من شدة جزمه بمضمونها مشاهد لها[2].

فالإيمان اعتقاد جازم لا يشوبه شك، ولا تخالطه ريبة، ولذا وصف الله أهل الإيمان بأنهم: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات: 15]. فاشترط في صدق إيمانهم كونهم لم يرتابوا، أي: لم يشكوا[3]، فأما المرتاب فهو المنافق كما قال - تعالى -: {إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45]. وأخبر الله - تعالى - عن الأمم السابقة التي كفرت برسلها بأنّ الشك كان من أسباب كفرهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إلَيْهِ مُرِيبٍ 9 قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [إبراهيم: 9 - 10].

ومع وضوح هذا وظهوره لأهل الإيمان الصادق، والفطر السليمة، والعقول الصحيحة، إلا أن الساحة المعاصرة قد ظهر فيها من تأثر في طرق تحصيل المعرفة بالطرق الفلسفية (القديمة) في أوروبا وأساليبها في البحث العقلي، والتي استندت بعض رؤاها إلى أن الشك هو أول طريق تحصيل المعرفة، فمثلاً فرانسيس بيكون (1561م - 1626م). ينصح كلَّ طالب علم بأن يضع موضع الشك: كل شيء يحتجزه عقله ويقتنع به، ويغسل عقله من كل التصورات السابقة ليحطّم بذلك، أوهام العقل[4].

ويقول: (إن مشاكلنا ناجمة عن العقائد التي تحول بيننا وبين الوصول إلى الحقيقة... إننا نأخذ هذه القضايا المسلّم بها نقطة الابتداء في البحث، ولا نفكِّر أبداً في وضع هذه القضايا المسَّلم بها موضع الفحص والملاحظة والتجربة، لأن الإنسان عندما يبدأ باليقينيات فإنه سينتهي بالشك؛ ولكنه عندما يبدأ راضياً بالشك فإنه سينتهي باليقينيات)[5].

ومثله رينيه ديكارت (1596م - 1650م) الذي قرر أنه لا بُدَّ أن نمحو كل شيء من أذهاننا ونشك في كل شيء ونبدأ من الصفر[6].

ويقول: (قررت أن أحرر نفسي جدياً من جميع الآراء التي آمنت بها قبلاً، وأن ابتدئ الأشياء من أسس جديدة، إذا كنت أريد أن أقيم في العلوم قواعد وطيدة ثابتة مستقرة)[7].

وهذا المذهب الذي طبّقة أحداث عصرنا على عقائدهم مستمدينه ممَّن ذكرنا، مع كونه منهجاً قديماً في الغرب، كما يلاحظ من تواريخ حياة أولئك المفكرين إلا أنه منهج قد سبق أن تناوله علماء الإسلام بالنقد لما أخذت به بعض علماء الكلام في بعض الفرق الضَّالة.

فهو مذهب أبي هاشم الجبائي من المعتزلة، وأخذ بعض الأشاعرة ومضمونه أنه يجب على المكلف أولاً أن يشك، ثم يستعمل النظر العقلي ليصل إلى الحقائق[8]، والذي ردَّ عليهم أهل السنة وبينوا خطأ كلامهم، وهو أيضاً ممَّا دخل هذه الأمة من علوم الأمم السابقة[9].

ونظراً لظهور هذه الفكرة، وتداولها في عدد من المنتديات، وتبني جملة من ناشئة الإسلام لها، فقد أحببت أن أتناولها ببيان شرعي يجليها من خلال الفقرات المتعاقبة التالية.

الإقرار الجازم ركن في الإيمان:

فمن شروط قبول شهادة أن لا إله إلا الله: اليقين المنافي للشك، قال صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)[10].

وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة - رضي الله عنه -: «اذهب فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؛ فبشَّره بالجنَّة»[11].

وقد تقدم في أول المقال الآيات الدالة على هذا.

قــال ابن القيم - رحمـــه الله -: (اليقين - وهو ضدُّ الشك - روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح.. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نوراً وإشراقاً، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط)[12].

والشك في الله - تعالى - أو في رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما جاء به كفر وخروج عن الإسلام، قال القاضي عياض - رحمه الله -: (وكذلك من أضاف لنبينا الكذب فيما بلَّغه وأخبر به، أو شكَّ في صدقه.. فهو كافر بإجماع)[13].. وقال أيضاً: (ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو توقف فيهم، أو شك في مذهبهم أو صححه، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه - فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك)[14].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الباطنية: (ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين)[15].

وحاصل ما سبق أن  الشك يناقض الإيمان، ولا يجتمع في قلب إنسان إيمان وشك، ومن ضرورة الإيمان حصول اليقين المنافي للشك، واليقين اعتقاد جازم، وتصديق قوي، فهو ضد الشك. فالشاك في الشيء والمكذب له: كلاهما غير مصدق به، لكن المكذب جازم بعدم الصحّة، والشاك غير جازم بشيء.

النظر العقلي لا يتعارض مع اليقين:

وهو ملحظ مهم وهو سر مسألتنا، فإن المريد للبحث والنظر العقلي لا يلزمه الابتداء من الصفر، وتكذيب كل ما سبق في ذهنه. ولذا يقول ابن تيمية - رحمه الله -: (النظر في الدليل لا يستلزم الشك في المدلول، بل قد يكون القلب ذاهلاً عن الشيء، ثم يعلم دليله، فيعلم المدلول وإن يتقدم ذلك شك وطلب، وقد يكون عالماً به، ومع هذا ينظر في دليل آخر لتعلّقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلّة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور، لأنهم أوجبوا النظر لكون المعرفة لا تحصل إلا به، فلو كان الناظر طالباً للعلم، فيلزم أن يكون شاكاً، فصاروا يوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالباً للعلم، فيلزم أن يكون شاكاً، فصاروا يوجبون على كل مسلم أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله ورسوله بعد بلوغه، سواء أقالوا بوجوبه أم قالوا هو من لوازم الواجب)[16].

وعلى هذا فيمكن في كل مسألة أن يكون لدى الإنسان يقين معين، وهو مع ذلك يبحث بتجرد وينظر في الأدلة، وحاصل نظره! ما زيادة تأكيد لما عنده، أو رجوع لما قرره سابقاً دون أن ينزع إلى الشك ابتداء ويطّرح كل قناعاته أولاً.

ويظهر هذا بالفقرة التالية.

لا يلزم في اليقين أن يسبق شك:

فإنه يمكن أن ينظر الإنسان وقد استقر رأيه كما تقدم.

بل الشك مؤد لفوات العلم وعدم صحة النظر ولذا سأل التوحيدي ابن مسكويه عن هذا فقال: (لمَ صار اليقين إذا حدث وطرأ لا يثبت، والشك إذاً عَرَض رَبَض؟ يدلك على هذا أن الموقن بالشيء متى شككته نزا فؤاده، والشاك متى أرشدته وأهديت الحكمة إليه لا يزداد إلا جموحاً ولا ترى منه إلا عتواً ونفوراً).

وقد أجاب ابن مسكويه مصححاً نظرته لليقين أولاً فقال: (السائل عن اليقين لم يعرف حقيقته، وظَنَّ أن لفظة اليقين تدل على المعرفة المرسلة، أو الاقتناع اليسير، وليس الأمر كذلك، فإن مرتبة اليقين أعلى مرتبة تكون في العلم، وليس يجوز أن يطرأ عليه شك بعد أن صار يقيناً... وإذا كان الأمر كذلك فليس يردُ على قلب المتيقن أبداً شك ينزو منه فؤاده، بل هو مقرٌ وادع، لا تحرك منه الشكوك بتَّة). ثم أجاب عن مسألة كون الشاك لا يزداد إلا شكاً وتردداً بأن قوى الهوى أغلب فينا من قوى العقل[17].

وقد قرر عدد من أهل العلم أن الشك لا يزيد الإنسان إلا شكاً[18]، وأنه لا يؤدي لعلم، (بل حصول العلم في النفس قد يحصل حصولاً ضرورياً، مع توهمه أنه لم يحصل؛ لأن وجود الشيء في النفس شيء، والعلم بوجوده شيء آخر.. وهكذا عامة المؤمنين إذا حصل أحدهم في سن التمييز يحصل له من الأسباب التي توجب معرفته بالله ورسوله ما يحصل بها في نفسه علم ضروري ويقين قوي، والعلم الحاصل في النفس لا تنضبط أسبابه)[19].

فالفطرة راسخة في نفس الإنسان فطر الله - تعالى - الناس عليها من معرفة وجود الله والإقرار بربوبيته والشعور بألوهيته، وليست مسبوقة بنظر ولا استدلال ولا شك.

فالأدلة الدالة على الحق مع تنوعها واختلافها ليس شيء منها يشترط في الاستدلال به انعدام الإيمان أو الاعتقاد السابق.

الواجب على الإنسان الجزم بالإيمان:

ومن لم يجزم به فليس بمؤمن كما سبق.

ولا فرق في حصول الجزم بالإيمان واليقين به أن يكون مبعث ذلك الفطرة السليمة، أو تقليد الآباء والمربين، أو التأمل في الكون والأشياء، أو النظر في القرآن الكريم وآياته، أو الاستدلال العقلي، إذ المهم هو حصول المقصود وهو الإيمان جازماً، وإن كانت درجات الإيمان تتفاوت بين الناس.

والشك وإن كان ضد الإيمان إلا أنه يستعمل عند الناس للدلالة على معنيين قد يختلطان في الذهن:

أولهما هو: الريبة وهو عدم اليقين المقتضي لكمال التصديق.. وهذا الشك هو المنافي للإيمان؛ لمنافاته لتصديق القلب المطلوب[20].

وثانيهما هو: الوسوسة وهي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهيته صريح الإيمان، والوسوسة لا يؤاخذ عليها الإنسان فهي ممَّا رفع الله المؤاخذة عليها. قال ابن تيمية - رحمه الله -: (لفظ الشك يراد به تارة ما ليس بيقين وإن كان هناك دلائل وشواهد عليه، حتى قد قيل في قوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»، إنه جعل ما دون طمأنينة القلب التي طلبها إبراهيم شكاً، مع أن إبراهيم كان موقناً ليس عنده شك يقدح في يقينه، ولهذا لما قال له ربه: {وَإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْـمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260])[21].

ومن قرأ كلام أهل العلم المحققين في المراد من طلب إبراهيم عليه السلام وقوله: {بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} علم أن المراد إما ورود الوساوس على قلب إبراهيم كما قال عطاء ابن أبي رباح، وإما طلبه لمرتبة أرفع في اليقين، فالإيمان واليقين ونحوهما من أعمال القلب قد تتفاوت.

قال ابن عطيَّة: (الشك يَبْعُد على من ثبتت قدمه في الإيمان، فكيف بمرتبة النبوة والخلّوة، والحديث الذي ورد فيه: «ذلك محض الإيمان». إنما هو في الخواطر الجارية التي لا تثبت، أما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر وذلك منفي عن الخليل عليه السلام)[22].

ولما جاء الحافظ ابن حجر - رحمه الله - لشرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي»[23].

قال: (اختلف السلف في المراد بالشك هنا، فحمله بعضهم على ظاهره، وقال: كان ذلك قبل النبوّة، وحمله الطبري. على وسوسة الشيطان التي لم تستقر، ولم تزلزل الإيمان الثابت عنده، واستند في ذلك إلى ما أخرجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس به الشيطان.. ثم ذكر ما قيل في أسباب طلبه وذكر أسباباً استبعدها ثم قال: وقيل: أراد طمأنينة النفس بكثرة الأدلة، وقيل محبة المراجعة في السؤال، ثم اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بالشك) فقال بعضهم: معناه نحن أشد اشتياقاً إلى رؤية ذلك من إبراهيم، وقيل معناه: إذا لم نشك، نحن فإبراهيم أولى ألَّا يشك، أي: لو كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعاً، فقد قيل: إنه لما نزلت الآية قال بعض الناس: شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فقاله، وحكى بعض علماء العربية أن صيغة «أفعل» ربما تأتي لنفي المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37]. أي لا خير في الفريقين، ونحو قول القائل: الشيطان خيرٌ من فلان: أي لا خير فيه)[24].

وإنما ذكرت ذلك لئلا يكون هذا النص محل إشكال فالواجب على الإنسان الجزم بالاعتقاد الصحيح والله الموفق.

كل من سلك للمعرفة طريقاً غير صحيح فحاصله التعب والضلال:

وطرق المعرفة في الشريعة هي ما أقرَّها الشارع من الوحي بنوعيه: القرآن والسنة، والفطرة السليمة والعقل الصحيح، فمن أراد أن يسلك للمعرفة طريق الشك في اليقينيات، أدخله ذلك في سخافة الآراء من السفسطة والحيرة، ولذا وصل ببعض الفلاسفة أن نفوا أن يكون للأشياء وجود موضوعي متحقق، وأنكر بعضهم حجية الاستدلال بالحواس الخمس، ولذا فإن من اطلع على مناقشاتهم وأدلتهم ليعجب من ضياع أعمارهم فيما لا طائل من ورائه.

وهذا ما جعل طائفة منهم تعود فتوقن أن من الأمور مالا يدرك إلا بالإلهام الإلهي وطريق إعلام الله تعالى لنا بذلك. فيقول ديكارت: (إنَّ فيَّ مشاعر لا أبعثها في نفسي كلما شئت، بل إن هناك شيئاً يبعثها فيَّ، وقد يُقال: إن الله هو الذي يبعث فينا إحساساً بوجود هذا الشيء...)[25].

وكذلك الرازي بعد تتبعه لطرائق الفلاسفة، وحجج المتكلمين وكثرة مطالعته لها - وهو من القائلين بلزوم الشك كأول واجب على المكلف -[26]. عاد فقال في وصيته: (لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن)[27].

وقال أيضاً: (واعلم أني بعد التوغل في هذه المضائق، والتعمّق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق: رأيت الأصوب والأصلح في هذا الباب: طريقة القرآن العظيم، والفرقان الكريم)[28].

اللهم إني أسألك أن ترزقنا تدبر كلامك، والعمل بما فيه، أحيينا على ذلك وأمتنا عليه.

::  مجلة البيان العدد 299 رجب 1433هـيونيو 2012م.


[1] تفسير ابن كثير (3/145)، (4/355).

[2] نبذة في العقيدة الإسلامية للشيخ محمد بن صالح عثيمين ص 4.

[3] معارج القبول للشيخ حافظ حكمي (2/405).

[4] قصة الفلسفة، ول ديورانت ص 163.

[5] المرجع السابق ص 167.

[6] عالم صوفي، رواية حول تاريخ الفلسفة - غوستاين غاردر ص 240.

[7] تأملات متا فيزيقية. ديكارت ص 74.

[8] مجموع فتاوى ابن تيمية (20/202)؛ درء التعارض (7/353).

[9] انظر: تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم ص 234.

[10] صحيح مسلم (1/224).

[11] صحيح مسلم (1/237).

[12] مدارج السالكين (2/413).

[13] الشفاء (2/1069).

[14] الشفا (2/1071).

[15] مجموع الفتاوى (2/368).

[16] درء تعارض العقل والنقل (7/420).

[17] الهوامل والشوامل ص 288.

[18] درء تعارض العقل والنقل (7/420).

[19] تضمين من المصدر السابق (7/424).

[20] مجموع الفتاوى (14/108)، تفسير ابن كثير (1/71).

[21] مجموع الفتاوى (23/11).

[22] المحرر الوجيز ص 239.

[23] صحيح البخاري (2733).

[24] فتح الباري (6/474).

[25] بواسطة: المعرفة في الإسلام مصادرها ومجالاتها. د. عبد الله القرني ص 359.

[26] مواقف ابن تيمية من الأشاعرة. د. عبد الرحمن المحمود (2/670).

[27] طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/90).

[28] اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص 194.

 

 

أعلى