الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.. وبعد:
فها هي ذي عقود متتابعة مرت على بعض الدول العربية تحالف فيها الاستبداد السياسي مع المؤسسات والأحزاب العلمانية والليبرالية التي مسخت هوية المجتمع وشوَّهت قيمه وأخلاقه؛ فهل ستحسم الانتخابات السياسية وصعود الإسلاميين في بعض الدول معركة الهوية بسهولة؟!
إنَّ ثمة حقيقة مهمة وهي أنَّ النظم الاستبدادية جذَّرت المبادئ والقيم العلمانية في معظم مفاصل الدولة، وفرضتها بكل جبروت في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونحوها، ورعتها بمنظومة متكاملة من التشريعات والقوانين، ومن المهم أن يستحضر دعاة الإصلاح أمرين في غاية الأهمية:
الأول: أنَّ الأحزاب العلمانية والليبرالية لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تنظر إلى تلك القلاع العلمانية التي عاشوا في كنفها لعقود طويلة تتهاوى وتترنح بحجة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؛ بل سيفتعلون جميع العراقيل لتعطيل مسيرة الإصلاح، وسيجدون دعماَ ونصرة من أسيادهم في الغرب.
الثاني: أنَّ الفساد الذي اصطنعته النظم والأحزاب العلمانية ليس أشواكاً سطحية متناثرة يمكن إماطة أذاها عن الطريق بسهولة، بل هي أشجار نكدة ترسخت جذورها في أعماق الدولة ومؤسساتها وفي محاضن معظم المجتمع، وامتدت أغصانها لتؤثر على الإعلام والتعليم والفكر والثقافة، وهذا يعني أن تحديات الإصلاح والتنمية لا ينبغي النظر إليها بعين المرحلة العابرة؛ بل ينبغي أن تتحول إلى مشاريع علمية ارتيادية (إستراتيجية) طويلة النفس، محكمة الدراسة، تعيد بناء المجتمع عقدياً وتربوياً وثقافياً، وهذا عمل كبير جبار، ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأمل قول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله -: (إن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه؛ ما قام لهم دين ولا دنيا)[1].
[1] البداية والنهاية: (9/329).