• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حوار مع الناقد المغربي (حسـن الأمـرانـي)

الناقد المغربي (حسـن الأمـرانـي) لـ«البيان»: نحن في حاجة إلى إعادة تشكيل عقل المسلم حتى لا يختلّ البناء..


أكَّد الناقد المغربي الدكتور (حسن الأمراني) أنَّ أُمتنا تشهد انسلاخًا حضاريًّا، وعدوانًا تدميريًّا من جنود دعاة الأدب الرقيع؛ الذين يدعون إلى حياد الفن، وعَزْله عن القِيَم الدينية، وانتقد أولئك الذين يُقدِّمون أدبًا سخيفًا وفنًّا مدمرًا للأخلاق، بدعوى أنه لا علاقة بين الدين والأدب!

وأوضح الأمراني أنَّ العمل الفنّي لا تتحدَّد قيمته مِن ذاته فحسب، بلْ تتحدّد من خلال فعاليته الإيجابية؛ فمِن أهم شروط الأدب الجيّد أن تسير الفائدةُ مع المتعة جنبًا إلى جنب.

وأوضح أنَّ «الوعظَ» ليس محظورًا في الأدب الإسلامي، بلْ هو أحد ركائزه؛ فالقضية هنا ليست قضية التعبير الوعظْي أوْ التقريري أوْ المباشِر، إنّما هيَ قضية الصلة الأساسية بين الفكرة وصياغتها لتقويم العمل الأدبي.

وأشار إلى أنَّ دعوى الحداثيين والتغريبيين إلى تجديد الشّعر لمْ تكن صادقة من الأصل؛ وإنما كان هدفهم التخلّص من أوزان الخليل وبحورهِ الشّعرية، وقد باءت هذه المحاولات الخبيثة بالفشل.

وطالب -سعادته- المؤسسات والمنظمات الإسلامية بضرورة الارتقاء بأدب الطفل، وأن تُوليه عنايةً خاصةً تَرْقَى إلى مستوى العصر الذي نَعيشه، وشدّد على مؤسسات النشر أن تقوم بواجبها في هذا الصدد، وأن تدعم أدب الأطفال، وتُسارع في نَشْره والتعريف به.

هذا؛ ويُعدُّ الناقد الدكتور «حسن الأمراني» أبرز الأدباء الإسلاميين، وأكبر الشعراء المغاربة، ومدير مكتب رابطة الأدب الإسلامي بالمغرب، ورئيس تحرير مجلة «المشكاة»، وله العديد من المؤلَّفات الأدبية النقديَّة، وصدر له كثير من الدواوين الشّعرية، منها: أناشيد أطفال البوسنة، وأشجان النيل الأزرق، وغيرها. عرفته جماهير المثقفين من خلال مشاركاته في المؤتمرات الأدبية، وكتاباته المتميّزة في كثير من المنابر الثقافية.. وإلى تفاصيل الحوار:

البيان: كيف يتسنَّى للأديب المسلم تحقيق معادلة التوازن في نتاجه الأدبي؛ بحيث يجمع الإبداع بين خاصتيْ: الفائدة والمتعة في آنٍ واحدٍ؟!

   بالفعل؛ نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل عقل المسلم، وإلى إعادة تشكيل وجدان المسلم أيضًا؛ فيصحح منهج التلقّي ومنهج الفعل، وهذه عملية بناء تقتضي الفهم العميق لطبيعة الإنسان حتى لا يختلّ البناء، فنحنُ بحاجةٍ إلى (أنسنة) الإنسان، لا إلى تأليهه على طريقة نيتشه، ولا إلى سَحْقه ومَسخهِ بأسلوب كافكا. وأنسنة الإنسان تقتضي التوازن داخل المتلقّي، ولكن تتطلب أولًا توافر التوازن داخل الفعل الثقافي نفسه.

في الفن -مثلًا- ينبغي أن يتحقَّق الانسجام بين العناصر المُركّبة للإبداع من جهة، وبين الهدف المحدّد من جهةٍ أخرى، فالعمل الفنّي لا تتحدد قيمته من ذاته فحسب، بلْ تتحدّد أيضًا من خلال فعاليته الإيجابية، فالمقالة غير القصَّة، والخُطبة غير القصيدة، والجنس الأدبي نفسه تتغيّر مكوناته وشروطه طبقًا لتغيُّر الزمان والمكان.

إذنْ؛ فالتوازن في العمل الأدبي بين القِيَم الجمالية والقِيَم الفكرية شرط لازم لتحقيق الغرض، ولعلَّ من أهم شروط الأدب الجيِّد أن تسير الفائدة مع المتعة جنبًا إلى جنب.

البيان: هناك مَن يرى ضرورة إخراج (الوعظ والتقرير والمباشَرة) من دائرة الفن.. فما صحة ذلك الرأي؟

 هذا الكلام يبدو صحيحًا في مُجمله، ولكنه وقع فيه شطط كبير؛ حيث ظنَّ بعضهم أنَّ استناد التعبير الأدبي إلى الرمز والإيحاء الشفَّاف يعني إخراج الوعظ والتقرير والمباشَرة من دائرة الفن. فالوعظ ليس محظورًا في الأدب الإسلامي، بلْ إنه يكاد يكون ركيزة من ركائز هذا الأدب، ولكن المُعوَّل عليه في هذا الأمر هو موهبة الأديب، فالوعظ بحاجة إلى ريشة الفنان المبدع الذي ينفخ فيه من روحهِ المشبعة بالربانيّة، وقد اعتمد الإسلام -في القرآن الكريم والحديث الشريف- الوعظ سبيلًا من سُبُل الدعوة وتهذيب النفوس وترقيق المشاعر، فجاء ذلك الوعظُ في أسلوبٍ بليغ رائع رائق، يقول الله -عزَّ وجل-: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63].

   فالقول البليغ إذنْ؛ هو الشرط في حُسْن الموعظة. وما قيل عن الوعظ يُقال عن المباشَرة والتقريريَّة، ومعيار ذلك كله لحظة الخطاب. فالقضية –من وجهة نظري– ليست قضية التعبير الأدبي مباشِرًا كان أوْ غير مباشر، بلْ قضية الصلة الأساسية بين الفكرة وصياغتها، وإنَّ الفكرة وصياغتها وحدة لا تتجزّأ في تقويم العمل الأدبي، سواء في ربطه بالدّين أوْ غير ذلك من أوجه النقد.

البيان:    ترى، ما هي الخطورة التي ترتّبت على الدعوة إلى تجديد الشِّعر في العصر الحديث؟ ولماذا فشلت كل هذه المحاولات رغم الجهود المُضنية التي بذلها الشعراء والنقَّاد من أصحاب هذا الاتجاه؟!

لمْ تكن الدعوة إلى تجديد الشِّعر صادقةً من الأصل؛ فالتجديد عندهم كانت فحواه التخلُّص من الموسيقى، وهذا الباب الذي دخل منه شعراء الحداثة بدعوى أنَّ «القصيدة العموديّة» تحجُر على الشاعر آفاق الرؤية، وتقصّ من أجنحة الخيال، وتجعله يرقص في السلاسل، وقد بدأ الأمر في البداية محتشمًا بالالتزام بتفعيلات الخليل، إلَّا أنَّ الأمر انتهى بعد ذلك إلى الشكل الهجين الذي يُسمَّى (قصيدة النثر)، وإلى الدعوة إلى التخلّص من كل لون من ألوان العروض الخليلي، وقد كان ذلك يتم على صعيديْن: الإنجاز الشّعري من جهة بقيادة أدونيس وأتباعه، والإنجاز النقدي من جهة بقيادة كمال أبو ديب، ويوسف الخال.

والمعروف أنَّ «قصيدة النثر» فقدت شرعيتها انطلاقًا من اسمها المركَّب الذي يكشف عن التناقض؛ إذْ القصيدة تُحيل على الشعر، والنثر لا يحيل إلَّا على النثر، ولذلك يمكن قبول هذا النمط باعتباره جنسًا من الأجناس الأدبية النثرية، أمَّا أن يُحشَر ضمن الشّعر فلا.

 المهم أنَّ القصيدة الحديثة قد أفلست بإفلاس العنصريْن اللذيْن لا بدَّ منهما في كل إنجاز شِعري عظيم: اللغة والموسيقى، وهذا يعنى أنَّ القصيدة بحاجةٍ إلى شاعر عملاق يُعيد إليها رونقها وبهاءها، ولا سيما بعد رحيل عمالقة الشعر المعاصر أمثال: أحمد شوقي، عمر أبي ريشة، خير الدين الزركلي، ومعروف الرصافي...

   ولعلَّ التحدّي الذي يواجه الشعراء الإسلاميين اليوم، هو أن يكونوا يَقِظين، فلا ينساقوا وراء حداثة زائفة، ولا يقبعوا في الوقت ذاته داخل أصالة سطحيَّة لا تتوغّل في الأعماق، وأن يُوطِّنوا أنفسهم على تقديم بديل شِعري يستفيد من منجزات الشِّعر المعاصر ويبرأ من أدواته.

البيان: دعاة التغريب والحداثة يدعون إلى حياد الفن، وتحرّره من قيود العقيدة، بلْ إنهم يزعمون أنه ليس هناك ضوابط للإبداع؟!

لا جَرَمَ أنَّ أُمتنا تشهد اليوم انسلاخًا حضاريًّا، وعدوانًا تدميريًّا من جنود دعاة الأدب الرقيع؛ من ذلك ما يردّده أهلُ الباطل من زخرف القول، وما يدّعونه من حياد الفن، وتحرُّره من قيود العقيدة، وهؤلاء يقدّمون أدبًا سخيفًا وفنًّا مُدمِّرًا للأخلاق، ومُدمِّرًا للشعور، زاعمين أنه لا علاقة بين الدين والأدب!

لذا؛ فإننا نقول لهم: إن الأدب له منهاج واضح، وله أُسس مكينة، ولا يمكن أن يُقبل أدب يطعن في مقومات هذه الأمة، ولا يمكن أن يُقبل فنّ يعمل على تدمير هذه الأمة من الداخل، بدعوى الحرية -حتى وإنْ كان أدبًا جميلًا له بريقه وجاذبيته-؛ لأنه من زخرف القول كما سمّاه القرآنُ الكريم، يسعى به أصحابه إلى صَرْف الناس، كما فَتَنَ العجلُ الذهبي الذي أخرجه السامري بني إسرائيل، فالتفنُّن في صنعة العجل لا يجعل منه حقًّا، فهو باطل وإنْ فُتِنَ الناسُ بجمال صنعته.

   إنَّ الأدب الذي ننشده يعتمد على عنصري: الهدم والبناء، إنه أدب المواجهة والتحدّي، كما أنه أدب الاستعلاء على شهوات النفس والدنيا، وعقابيل الطريق، وله أن يتَّخذ من الأشكال الفنية، ويُطوّع من الأجناس الأدبية، ما هو كفيل بتحقيق الغايات وإدراك المقاصد.

البيان:  ما هو تقييمكم لمسيرة «أدب الطفل» في العالم العربي بصفة عامة؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في خدمة هذا الغرض بالذات؟

 المُلاحَظ على أدب الأطفال عندنا، هو غياب الفهم العميق لشخصية الطفل ومكوناته النفسيّة والاجتماعية وعدم التمييز بين المراحل الزمنيّة من عمر الطفل، كما أننا مازلنا نجهل أنَّ طرق التلقّي والتكوين عند الطفل تختلف من مرحلة إلى أخرى؛ فالقراءة مثلًا مرحلة متأخرة، وهيَ مسبوقة بالتكوين المعتمِد على السمع والبصر؛ أيْ: على الصوت والصورة.

ونحن نرى كيف أنَّ أدب الأطفال الذي يوجَّه إلى المراحل الأولى من عُمر الطفل لا يَكاد يراعي هذه الحقيقة بما فيه الكفاية، ونرى في الوقت ذاته كيف يَصرف الأطفال جزءًا مهمًّا من وقتهم في متابعة برامج الأطفال عبر جهاز التلفاز، وإنْ كانت تلك البرامج تُحقِّق شطرًا مِمَّا يحتاج إليه الطفل، وهو الترفيه والتسلية، ولكنها من جهة أخرى تقصر في الشطر الثاني المتعلّق بالتربية البنَّاءة والتوجيه السليم، بلْ هي على العكس من ذلك تَهدم ركنًا من الأركان الأساسية في بناء شخصية الطفل المسلم، وهذا الركن هو: الحياء!

ولوْ نظرنا نظرةً خاطفة إلى أشرطة الرُّسوم المتحركة، التي تُنجزها إمَّا محطات غربية، وإمَّا جهات متغربة، ويتم بثّها على أطفالنا، إمّا في لغاتها الأصلية، وإمّا بعد تعريبها؛ لأدركنا كيف أنَّ ما يسعى الآباءُ إلى بنائه في أزمان، تهدمه تلك البرامج في لحظات!

 نحن نريد أن يَرْقى أدب الطفل إلى مستوى العصر، ويدخل عصر الأجهزة السمعية والبصرية، مُحصَّنًا بالرؤية الإسلامية في معالجة الأمور.. وهذا هو دور المؤسسات والهيئات والمنظمات الإسلامية الذي يجب أن تُوليه عناية خاصة، سواء بالتوجيه المعنوي أوْ الدعم المادي، بقَدْر الاستطاعة. كما ينبغي لمؤسسات النشر الإسلامية أن تقوم بواجبها في دعم أدب الأطفال؛ بتعميم نشره وتوزيعه، والتعريف به.

 

أعلى