لا تقتصر علاقة بايدن باليهود على الإطار المهني، بل إن هناك صِلات عائلية تربطه بهم، فأبناؤه جميعهم متزوجون من معتنقي الديانة اليهودية، كما أنه أوضح مراراً خلال حملته الانتخابية الرئاسية أنه لن يربط المساعدة الأمنية لإسرائيل بأي قرارات سـياسية يتخذها قادتها
هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن الأراضي الفلسطينية
المحتلة، فخلال خمسة عقود تمثل مسيرته السياسية حتى الآن، زار بايدن إسرائيل تسع
مرات قبل أن يتوِّجها بزيارته الحالية لتصبح العاشرة. تأتي أهمية هذه الزيارة من
كونها هي الأولى له وهو في منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
حين حطت طائرته في مطار بن غوريون الواقع في الضواحي الشمالية لمدينة اللُّد،
استقبله رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت، يائير لابيد، بحرارة شديدة وترحيب قوي،
ووصفه بـ
«الصهيوني
الكبير»[1]،
قبل أن يضيف قائلاً:
«نحن
ببساطة سعداء برؤيتك سيدي الرئيس، تلك السعادة البسيطة والحقيقية يعززها اجتماعنا
المتجدد بك صديقاً حميماً»،
لم يتأخر بايدن في الرد على هذا الترحيب، فقال للقادة الصهاينة الذين كانوا في
انتظاره على المدرج: إن زيارته تلك تشبه
«العودة
إلى الوطن».
صديق صهيوني قديم:
بايدن ليس بغريب على إسرائيل أو ساستها، كانت زيارته الأولى إلى إسرائيل في عام
1973م قبل أسابيع قليلة من حرب السادس من أكتوبر، التي انتصرت فيها مصر وطردت
القوات الإسرائيلية من أراضيها، حينها كان بايدن لا يزال سيناتوراً شاباً عن ولاية
ديلاوير. في زيارته الحالية تذكر بايدن زيارته الأولى تلك، قائلاً:
«كان
لي شرف قضاء الوقت مع رئيسة الوزراء آنذاك، جولدا مائير، لا أنسى أيضاً أنني كنت
جالساً بجانب رجل نبيل على يميني، اسمه رابين»،
في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين. في أحاديث عديدة كثيراً
ما يصف بايدن هذا اللقاء بأنه
«أحد
أكثر الاجتماعات أهمية»
في حياته؛ إذ يرى بايدن أن علاقته الدبلوماسية والسياسية مع إسرائيل هي
«شرف
عظيم»،
وقد أكد ذلك مراراً بقوله
«لستَ
بحاجة إلى أن تكون يهودياً، لكي تكون صهيونياً»،
قالها بايدن ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في مقابلة مع قناة شالوم الإسرائيلية في
عام 2007م بعد أن تم اختياره نائباً لباراك أوباما، وفي خطاب ألقاه في الجمعية
العامة للاتحادات اليهودية لأمريكا الشمالية في عام 2014م، كررها وأضاف عليها:
«إذا
لم تكن هناك إسرائيل، فسيتعين علينا اختراع واحدة».
لا تقتصر علاقة بايدن باليهود على الإطار المهني، بل إن هناك صِلات عائلية تربطه
بهم، فأبناؤه جميعهم متزوجون من معتنقي الديانة اليهودية، كما أنه أوضح مراراً خلال
حملته الانتخابية الرئاسية أنه لن يربط المساعدة الأمنية لإسرائيل بأي قرارات
سـياسية يتخذها قادتها. لبايدن أيضاً سجل طويل من الدعم لإسرائيل خلال مسيرته
المهنية، سيناتوراً ونائب رئيس ثم رئيساً، سواء بالتصريحات أو بالأفعال، وما لم
يقله بايدن عن علاقته بإسرائيل، قاله سفيره هناك، توم نييدز، الذي أعلن قبيل وصول
طائرة بايدن أن الهدف من رحلته هو
«تدعيم
الرابطة غير القابلة للكسر التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل وتجديد التزامه
الشخصي بأمن إسرائيل»،
مؤكداً أن
«جو
بايدن يحب إسرائيل»،
مستشهداً بزيارات بايدن التسع السابقة للدولة اليهودية.
خـلافات سطحية:
حاول بايدن كثيراً الظهور بمظهر المحايد الذي يريد أن يجد حلاً للقضية الفلسطينية
الراكدة في مكانها منذ عقود، لكنه لم يتخذ أي خطوات جديَّة لتأكيد هذه النوايا التي
يعلنها دوماً في طلبه المتكرر من الإسرائيليين وقف توسيع البؤر الاستيطانية، بدا
أحياناً أنه على خلاف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، حول
سياسات الاستيطان الجارية والتي لم تتوقف يوماً، لكنه أبداً لم يتخذ موقفاً من شأنه
إيقاف نهب الأراضي الفلسطينية وبناء مستوطنات يهودية جديدة، هذا الخلاف الكامن الذي
لا يحمل أي قيمة، لم يمنع الإسرائيليين في عام 2010م عندما كان بايدن يزور الكيان
الصهيوني وهو نائب للرئيس الأمريكي، من أن يتخذوا قراراً بالبدء في بناء 1600 وحدة
سكنية لليهود في حي رمات شلومو في القدس الشرقية، كان هذا مخالفاً بشكل صارخ
للبرتوكول المتبع أثناء الزيارة، إلا أن بايدن لم يستطع أن يفعل أي شيء، ومرَّ
الأمر بهدوء.
لقد ظل الصراع (الفلسطيني - الإسرائيلي) على مدى عقود في طليعة السياسة الأمريكية
في المنطقة، لكنه لم يتحرك قيد أنملة في الاتجاه الصحيح، واستمراراً لهذا النهج نجد
بايدن الآن يحاول البناء على اتفاقيات أبراهام، وهي جزء من إرث ترامب في الشرق
الأوسط، بعد أن فطنت إدارته إلى حد كبير بأن الخلافات العامة الرئيسية مع تل أبيب
غير مفيدة للطرفين، لقد بات بايدن مقتنعاً بأن الخلاف مع الإسرائيليين سيلحق الضرر
بالعلاقات على المدى الطويل، لذا فإنه لا يضع هذا الصراع على جدول أعماله في
السياسة الخارجية، بالرغم من ذلك لم يتخلَّ بعدُ عن تصريحاته حول حل الدولتين، ربما
حفظاً لماء الوجه على الأقل، فخلال رحلته الحالية إلى المنطقة، قال بايدن إنه سيزيد
من دعمه المستمر لحلِّ الدولتين، على الرغم من أنه أكد على أن الوصول إلى تطبيق هذا
الحل
«غير
ممكن على المدى القريب»،
مستخدماً نقطة نقاش مفضلة لدى إدارته حول القضية الفلسطينية، وهي أن
«حل
الدولتين سيظل أفضل طريقة لضمان مستقبلٍ متساوٍ من الحرية والازدهار والديمقراطية
للإسرائيليين والفلسطينيين على حدٍ سواء»،
لكن في كل الأحوال ورغم تعدد وتكرار التصريحات، فإن إدارته لم تطرح أي تفاصيل بعد
فيما يتعلق بالقضايا الأساسية، مثل القدس والحدود النهائية واللاجئين والأمن، على
النقيض من ذلك، هناك انحياز كبير لمواقف إسرائيل وسياساتها.
دعـم مفتـوح:
استخدم الرئيس الأمريكي جزءاً كبيراً من خطابه الذي استغرق خمس دقائق عند وصوله إلى
الأراضي الفلسطينية المحتلة للتأكيد على أهمية تعليم الهولوكوست، مشيراً إلى أن
والده قد غرس فيه إحساساً بالالتزام بألَّا ينسى أبداً أهوال الإبادة الجماعية
النازية لليهود، وقبيل زيارته تلك أكد بايدن على أن الهدف الرئيسي لرحلته إلى الشرق
الأوسط هي من أجل دفع اندماج إسرائيل في المنطقة إلى الأمام، إذ يريد توسيع تعاونها
مع الشركاء الإقليميين في المنطقة، من أجل تعزيز مكانتها الاقتصادية والأمنية
أولاً، ومن أجل محاربة إيران ثانياً. الإسرائيليون أيضاً رحَّبوا بحرارة بالزائر
الأمريكي، فقد وصفه لابيد بأنه
«صهيوني
عظيم وأحد أفضل الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق»،
مضيفاً:
«هذه
زيارة تاريخية للغاية، لأن علاقتك بإسرائيل كانت دائماً شخصية، ولأنها تعبِّر عن
الرابطة التي لا تنفصم بين بلدينا، والتزامنا بالقيم المشتركة: الديمقراطية والحرية
وحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به».
لا يحتاج بايدن إلى الإكثار من عبارات الثناء والمدح لإسرائيل وقادتها، ليكشف عن
حبه ودعمه لهذه الدولة السرطانية التي انتشرت على أرض فلسطين المغتصبة، بل يزداد
الأمر سوءاً عندما يتجه نحو الفلسطينيين، أصحاب الأرض الضائعة، ويطالبهم بقبول
الواقع، قال بايدن يوماً في تصريحات صحفية:
«يحتاج
الفلسطينيون إلى قبول الواقع مرة واحدة وإلى الأبد، وحق إسرائيل في أن تكون لها
دولة يهودية ديمقراطية آمنة في الشرق الأوسط، يجب على السلطة الفلسطينية أن تعترف
بشكل قاطع بحق إسرائيل في الوجود».
إيـران ... الملف الشائك:
تأتي إيران على رأس جدول أعمال بايدن في زيارته الحالية إلى إسرائيل والسعودية،
فكلاهما خصمان لدودان لدولة الملالي، منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى مطار بن غوريون،
شكر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ بايدن على دعمه لإسرائيل خلال أكثر من 50
عاماً، قبل أن يذكِّره بـ
«التحديات
الأمنية المنبثقة مباشرة من إيران ووكلائها في المنطقة، التي تهدد إسرائيل وجيرانها
وتعرِّض المنطقة بالكامل للخطر».
كانت هناك رسالة مهمة أراد الإسرائيليون إرسالها لإيران عبر زيارة بايدن لكيانهم
المحتل، وهي أن يبدأ بايدن جدول أعمال الزيارة بالمرور على قاعدة (بلماخيم) الجوية
العسكرية وسط إسرائيل، فثمة من يراقب كل حركات وسكنات الزيارة، واستعراض القوة
والتقدم التكنولوجي العسكري الإسرائيلي في ظل وجود رئيس دولة عظمى كالولايات
المتحدة سيكون له تأثير كبير وصدى واسع، لذا قدَّم وزير جيش الاحتلال، بيني غانتس،
عرضاً مفصلاً لأنظمة الدفاع الصاروخي (حيتس) و (مقلاع داوود) و (القبة الحديدية)،
مطالباً بايدن بتقديم الدعم لمنظومة الدفاع الجوي بأنظمة الليزر.
بايدن، الذي كان نائباً للرئيس عندما تم إبرام الاتفاق النووي التاريخي مع إيران
لعام 2015م، والمعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، جعل إحياء الصفقة من
أولويات رئاسته؛ إلا أن إسرائيل تريد منه التخلي عن تلك العودة، وفرض مزيد من
الضغوط على الإيرانيين والتوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرارات فعَّالة تجبر طهران على
التخلي تماما ونهائياً عن برنامجها النووي، حتى لو تطلَّب الأمر التدخل العسكري
الفوري، لذا كان ملف إيران الشائك هو الأهم خلال المباحثات المطولة التي أجراها
بايدن ولابيد، قبل أن يقوم لابيد بتقديم الشكر لبايدن على قراره بعدم رفع الحرس
الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، لتتمخض المحادثات في النهاية عن
توقيع وثيقة تحمل عنوان
«إعلان
القدس للشراكة الإستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل»،
التي تعهد بموجبها بايدن - وهو الرئيس الأمريكي السابع الذي يزور هذا الكيان المحتل
- بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وبالتزام بلاده التام باستخدام جميع عناصر
قوَّتها الوطنية لضمان هذه النتيجة.
[1]https://www.vox.com/policy-and-politics/2022/7/14/23206625/biden-lapid-israel-anti-democratic