تقول الدولة العبرية: إن أوكرانيا تضم قرابة 200.000 يهودي يستحقون الجنسية الصهيونية وحاولت في الفترة الأخيرة تهجير مئات منهم إلى فلسطين المحتلة، وهذا الأمر قاد الكتلة الأوروبية كلها لاستثماره في تكذيب تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
تقول رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر:
«إن
الأمة التي تمتلك أيديولوجيا دون عدو لن تحيا».
ولا شك أن هذه المقولة تلخِّص جذور الصراع الجاري في أوكرانيا سواء بعمقه السياسي
أم بعمقه الأيديولوجي، فالمسار التعبوي الذي تعمل عليه الولايات المتحدة الأمريكية
منذ فشل تطبيق اتفاقية (بوتسدام) واندلاع الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي
والغربي، كان أيديولوجياً بطبيعته يصور الكتلة الديموغرافية التي تمثلها روسياً على
أنها تجسيد للعدو الشيوعي الذي تقاتله الليبرالية الغربية التي تقودها واشنطن، ورغم
السقف العرقي المتقارب بين الشعوب الغربية والهوية النصرانية التي يظن كثيرون أنها
توفر حاضنة لحماية وحدة الكتلة الغربية، إلا أن الإمعان في التعرف على تفاصيل
الصراعات الداخلية الغربية يوضح حجم الفجوة والعداء بين تلك الأطراف، إلا أن
الولايات المتحدة وجدت مساراً واضحاً لاستثمار الأزمة وتوحيد الهوية الدينية
المنقسمة في أوروبا ضد روسيا وهو المسار الأيديولوجي.
أحد أهم العناصر المؤثرة في الصراع الحالي ما يعرف بــ (كتيبة آزوف) التي تُعرِّف
عن نفسها بصفتها أهم أدوات الجيش الأوكراني في مواجهة الغزو الروسي، وقد تأسست عام
2014م من قبل مجموعة من النصارى المتطرفين عقب استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم،
وانفصال إقليم دونباس شرق البلاد، لتتحول من مجرد ميليشيا مسلحة إلى منظمة سياسية
وعسكرية متكاملة لم تحظَ فقط باعتراف الدولة الأوكرانية بل أيضاً باعتراف الكتلة
الغربية بأسرها، رغم تبنيها خطاباً نازياً واضحاً يستعدي اللاجئين والأقليات في
أوكرانيا التي يقودها رئيس يهودي!
تقول الدولة العبرية: إن أوكرانيا تضم قرابة 200.000 يهودي يستحقون الجنسية
الصهيونية وحاولت في الفترة الأخيرة تهجير مئات منهم إلى فلسطين المحتلة، وهذا
الأمر قاد الكتلة الأوروبية كلها لاستثماره في تكذيب تصريحات الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين، الذي اتهم فيها أوكرانيا بدعم ميليشيات نازية، لكن منصة فيسبوك
التي عرفت في الفترة الماضية بمحاربة الخطاب الإعلامي الفلسطيني وأي نشاط معادٍ
للدولة العبرية كان لها رواية أخرى للحدث، فقد سمحت لكتيبة (آزوف) بالعمل بحرية
للترويج لأنشطتها واستدعاء آلاف من المتطوعين النصارى للقتال تحت رايتها؛ وهو أمر
ربما يثير الشكوك بشأن كثير من التفاصيل الغائبة حول هذه الكتيبة!
في يونيو عام 2014م تمكنت الكتيبة من صياغة أول انتصار إعلامي دولي لها عبر حديثها
عن استعادة مدينة ماريوبول بعد الاستيلاء عليها من قبل انفصاليين تدعمهم موسكو،
فالمدينة تعد ميناءً رئيساً في أوكرانياً لوقوعها على بحر آزوف جنوب شرق البلاد،
وهو أمر جعل (الكتيبة) تحقق سمعة داخل الأوساط السياسية الأوروبية، مكَّنتها من
إقامة علاقات واسعة وفتح باب التجنيد في السويد وإسبانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا
وروسيا، وبيلاروسيا وألمانيا والولايات المتحدة ووَفْقاً لمركز صوفان فإنه ما بين
عامي 2014 و 2019م سافر ما يقرب من 50.000 شخص من 17 دولة للقتال في أوكرانيا تحت
قيادة كتيبة آزوف.
وفي عام 2018م قام الكونجرس الأمريكي بتوفير دعم غير مباشر للكتيبة عبر مخصصات
مالية ضمن مخصصات الدفاع، عقب تلك الخطوة نشطت أولينا سيمينياكا (رئيسة المكتب
السياسي لآزوف)، في توسيع دائرة الدعم المقدم للكتيبة من خلال شبكات ومنظمات
نصرانية في أوروبا والولايات المتحدة، وشاركت في منتدى سكاندزا النصراني المتطرف في
السويد واستضافت رجال أعمال وشخصيات أمريكية وأوروبية مؤثرة في مخطط منظم للترويج
للكتيبة.
بوضوح شديد أكد مؤسس الكتيبة وقائدها الأول النائب السابق في البرلمان الأوكراني
(أندري بيلتسكي) أن الهدف الرئيسي للكتيبة هو قيادة (العرق الأبيض إلى حرب صليبية
حاسمة)، وهذا التصريح قد يفسر ظهور مجموعة من عناصر الكتيبة وهم يغمسون رصاص
أسلحتهم بشحم الخنزير، استعداداً لقتال كتيبة من المقاتلين الذين أرسلهم الزعيم
الشيشاني (رمضان قديروف)، للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، وكانت
سيمينياكا المتحدثة باسم الكتيبة، قد أوضحت أن (آزوف) في طريقها إلى السلطة سواء
بالوسائل السياسية أو بوسائل أخرى، وكانت صحيفة الغارديان قد نقلت تصريحات سابقة عن
مسؤولين في الكتيبة بأنهم سوف يستكملون سيرهم إلى العاصمة كييف عقب انتهاء الحرب
فأوكرانيا تحتاج إلى دكتاتور قوي للوصول إلى السلطة يستطيع إراقة كثير من الدماء من
أجل توحيد الأمة، القوميون فقط هم من يمكنهم تقديم شيء للبلاد وليس الليبراليون.
المشهد الإعلامي الحاضر لكتيبة (آزوف) ربما يصدر رواية واحدة حول ارتباطها بالخطاب
النازي والقومي الأوكراني، لكن جملة من الحقائق مثل دعم فيسبوك لها والسماح لعشرات
الآلاف من النصارى الغربيين بالانضمام إليها، بل أيضاً سماح الدولة العبرية للسفارة
الأوكرانية بالترويج لأنشطتها رغم خطابها النازي وتدفُّق الدعم الأمريكي عليها،
والحديث المتكرر عن دعم وكالة المخابرات الأمريكية بتنفيذ تدريبات سرية لعناصرها
منذ عام 2015م، كل ذلك يشير إلى أن النازية الأوكرانية هي أحد أصنام الصهيونية
الإنجيلية التي تقود البيت الأبيض.
ففي تقرير نشره موقع (ياهو) عام 2015م أشار إلى أن المخابرات الأمريكية تقود برنامج
تدريب ودعم في شرق أوكرانيا خاص بكتيبة (آزوف)، وفي ديسمبر 2017م صرح ريتشارد
فانديفر من شركة الأسلحة الأمريكية (آير ترونيك)، بأن السفارة الأمريكية في
أوكرانيا أشرفت على برنامج لتدفق الأسلحة بصورة مباشرة لــ (آزوف). وفي أواخر عام
2021م كانت الولايات المتحدة واحدة من دولتين فقط رفضتا مشروعاً أممياً لمكافحة
(النازية)، فالدولة الأخرى كانت أوكرانيا، ولا يوجد تبرير لأن يقوم رئيس دولة يهودي
مثل فولوديمير زيلينسكي يحظى بدعم الأوليغارشية اليهودية في أوكرانيا وبدعم الدولة
العبرية، برفض تشريع أممي لانتقاد النازية إلا إذا كانت صنماً تغطي فيه الصهيونية
العالمية خطيئتها.