• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
انقلاب ما بعده انقلاب

بما تكون تلك المحاولة الانقلابية محاولة من النظام السيادي لتحقيق إنجازٍ على المستوى العسكري، ومحاولة تسجيل اسم السودان في موسوعة جينيس للأرقام القياسية


منذ أيام قليلة  كانت السودان على موعد مع انقلاب جديد، وُصف الانقلاب بأنه محاولة فاشلة، وبذا تنضم تلك المحاولة إلى عدد المحاولات الانقلابية الفاشلة التي تعرض لها السودان في تاريخه الحديث. ولا ندري إن كانت المحاولة الانقلابية جدية من أجل الاستيلاء فعلاً على الحكم؛ إذ الأجواء السودانية مهيَّئة لمثل هكذا حدث، فالأوضاع هناك متردية على كافة الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية، لكن يشوِّش على ذلك أن قائد الانقلاب اللواء الركن عبدالباقي بكراوي كان راجعاً لتوه من مصر بعد إجراء عملية بُترَت خلالها قدمه، ووصل فقط إلى الخرطوم قبل الانقلاب بخمسة أيام وهذا يضعف من الرواية الرسمية.

ربما تكون تلك المحاولة الانقلابية محاولة من النظام السيادي لتحقيق إنجازٍ على المستوى العسكري، ومحاولة تسجيل اسم السودان في موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتبار السودان أكثر دول العالم في المحاولات الانقلابية.

فقد وقع في السودان حوالي 16 محاولة انقلابية منذ إعلان استقلاله عام 1955م وحتى عام 2021م، نجحت منها خمسة انقلابات، وفشلت 11 محاولة انقلابية أخرى.

صراحة، تتشابك المصطلحات أو التعريفات السياسية في مجتمعاتنا بين ثورة وانتفاضة وانقلاب واستيلاء على السلطة بالقوة، فقط الرواية الرسمية للحكام الجدد هي التي تحتكر التعريف الأقرب إلى تمجيدها وإضفاء الشرعية على سلطتها بغضِّ النظر عن الوصف السياسي المحايد في وصف الواقع.

ففي مصر على سبيل المثال وُصِف استيلاء عدد من الضباط والقادة العسكريين على السلطة وطرد الملك بأنه ثورة شعبية مع أن الشعب المصري استيقظ يوم 23 يوليو 1952م على بيانات عسكرية تنبئهم بما قام به العسكريون، ولم يكن لجماهير الشعب المصري أي دور في إقصاء الملك، وهذا لا ينفي حالة الحَنَق التي كان يعيشها الشعب المصري إثر هزيمة الجيش المصري في حرب 1948م.

وفي انقلاب السودان الأخير رغم خروج جماعات من الشعب السوداني إلى الشوارع، إلا أن الحقيقة هي أن العسكر هم من أعلن إسقاط النظام واستولوا عملياً على السلطة وإن كان ذلك بشراكة مدنية هشة ليست مبنية على أسس سليمة؛ فلا برلمان ولا مؤسسات سياسية يتم بناؤها بل ارتضى الطرفان بتقاسم شخصي للسلطة؛ إذ السير في طريق ديمقراطي حقيقي سيطيح بالطرفين المدني والعسكري من السلطة.

ما أشبه الليلة بالبارحة! إذ تشير أجواء السودان إلى تلك الحالة التي مرت بها سوريا المنكوب أهلها بعد أن أنهك شعبَها الانقلاباتُ. بدأت انقلابات سوريا بانقلاب حسني الزعيم في 29 مارس 1949م. وتولت بموجبه القيادةُ العسكرية بقيادة حسني الزعيم كلّاً السلطتين التشريعية والتنفيذية، ثم تولاها هو شخصياً فيما بعد، كما تولى رئاسة الحكومة التي شكَّلها وَفْق مرسوم رئاسي، واحتفظ بحقيبَتَي الداخلية والدفاع، ثم أجرى في 26 يونيو 1949م استفتاءً شعبياً كان الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وفاز فيه بنسبة 99.9%، وعهد برئاسة الحكومة إلى محسن البرازي. من ثَمَّ حدث انقلاب سامي الحناوي في 14 أغسطس 1949م، تولى فيه سامي الحناوي السلطة بعد أن نفَّذ حكم الإعدام بحسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي. ثم عهد سامي الحناوي إلى هاشم الأتاسي بتشكيل الحكومة الجديدة وسلَّمه الصلاحيات التشريعية والتنفيذية في يوم الانقلاب نفسه، وذلك وَفْقَ مرسوم أصدره سامي الحناوي، ومن ثَمَّ عهد إليه برئاسة الجمهورية بشكل مؤقت ريثما تُجرى انتخابات رئاسية وتشريعية حرة. ولم يدم انقلاب سامي الحناوي طويلاً حتى قام أديب الشيشكلي يوم 19 ديسمبر 1949م بانقلاب جديد، وظل الرئيس هاشم أتاسي في رئاسة البلاد فيما يُعرَف بالحكم المزدوج حتى 28 نوفمبر 1951م، حيث نفذ الانقلاب الرابع ليستلم أديب الشيشكلي الحكم مباشرة بعد أن اتهم هاشم أتاسي وحزبه (حزب الشعب) بالخيانة ومحاولة عودة الملكية للبلاد. ثم انقلاب 1954م ثم عام 1961م ثم عام 1963م إلى أن وصل الحكم إلى حافظ الأسد عام 1970م.

وأخيراً: فالذي يريد أن يستشرف مصير السودان ومستقبله فَلْيُلقِ بنظرة قصيرة على تاريخه القريب، ثم ليمدَّ الخط على استقامته بدراسة الواقع السياسي والاقتصادي المتأزم، وليرَ إلى ما يشير السهم. فسيعلم حينها قرب هطول موسم انقلابات عسكرية تحملها رياح الفشل في السودان.

والحقيقة أنه من كثرة مصطلح (الانقلابات) في المقال فقد انقلب العنوان على الكاتب؛ إذ المعنى الذي أراده أن «الانقلاب سيعقبه الانقلاب»، وتمنى أن يستيقظ الشعب لينهي حالة الانقلابات المنفلته في السودان. فلا يُعقل في الأذهان أن يأتي انقلاب ثم انقلاب ثم انقلاب، ويتعاقب على حكم السودان عسكري يعقبه عسكري يخلفه آخر، إلا إذا غطَّ الشعب نائماً، أو أوهمتهم التصريحات المعسولة ملدوغين من الجحر نفسه، يدخلون في النفق نفسه ويخرجون إلى المصير نفسه.

فهل يرفع السودانيون أصواتهم وتشرئب أعناقهم يوماً لتكون ثورتهم هي العليا وثورة العسكريين هي السفلى، فيكون ثَمَّ انقلاب أخير أو انقلاب ليس بعده انقلاب؟ ربما!

 


أعلى