حكايات «ألف»
ألفٌ(١) رسمت بها مَدى أحلامي
وبها صبغتُ قصيدتي وكلامي
بِيْـداً تخَطت والبحارَ وما عنت
للدهر مثل الفارس الضرعامِ(٢)
تــهوى الشموخَ لتعتلي راياتُها
فوق الجبال مواطنَ الأعلامِ
ثـــبتت بميدان اللغات وأنجزت
صيتاً تألَّق في سما الأيامِ
جاءت لتنصرَ أمةً مظلومةً
ولتبثق الأزهار من أكمامِ
حامت كصقر في الديار وغرَّدت
مثل العنادل في ربوع الشامِ
خَرجت لتغزو كلَّ لُكنات الدنا
ولتشفي اللهجات من أسقامِ
دارت بها الخنساء ترثي صخرَها
وبها استهام القيس في الآكامِ
ذابت نَداها في عروق فطـــاحلٍ
هاموا لبحث مفاهم الإلهامِ
ربي سيحمي ثغرَها وشفاهَها
فيعمَّ فينا صوتُها المترامي
زأرت كأن زئيرها ينبو عنِ
المجد الأصيل الراسخ الأقدامِ
سجد الزمان أمامها مستسلماً
ولها يصلي الدهر بالإحرامِ
شرفٌ لكم أهلَ العروبة إنكم
أصلاب مجدٍ شامخِ الهندامِ
صان الفحولُ حياضَها ورياضَها
وبها أجادوا حلوةَ الأنغامِ
ضاءت بضادٍ كالنجوم إذا بدت
ورنت غزالاً في مروج السامِ(٣)
عبرت قفاراً في حُداء قوافل
واستوطنت في النيل والأهرامِ
غارت بلحن أريجها وسماعها
مَن سامها في سوقة الأقزامِ
في ظلها عاش الأمير وحافظ
ليفوح عَرف الضاد في الأقلامِ(٤)
قل للعروبة صادقاً ومصدقاً
وَلَكَم ظلمنا الضاد في الإعلامِ
كنا نجر فواعلاً بل نرفع الـ
مفعول مثل القارئ التمتامِ
ليت الزمان الجاهلي يعودنا
ليبث فينا بوحه المتنامي
من قيسه وزُهيره ولبيده
فنقول شعراً من رحيق مُدامِ
نحن استقينا العز من ترياقهم
وبهم عرفنا قوة الأقلامِ
هذي القوافي لحنها ونشيدها
خرجت لتلثم أبجد العلَّامِ
وسَمَتْ إلى العلياء تسري كالسنا
لتطوف عرش الله بالإعظامِ
يعلو إلى العصماء جَرْسُ حروفها
وكأنه وحي إلى الأفهامِ
يهوى العلاء سكونها وحَراكها
وتصير نوراً في رحى الإظلامِ
وبها ارتقت بغداد حتى أسمعت
أنشودة الأبطال للإســلامِ
هذي دمشق بسحرها وبشِعرها
ترثي الزمان بنغمة الآلامِ(5)
لم يذكر التاريخ أندلس الإبا
إلا وفاض الدمع من إضرامِ
مذ كانت الأبيات تسكب جامها
فوق الغرام لِجنَّة الأحلامِ
كانت ديار الضاد تزخر مثلما
ماج المحيط لنغمة السونامي
قطفوا نوار الضاد حتى أفسدت
لغةَ الجنان منابرُ الأفلامِ
فتغربت فتأمركت فتكسرت
أسنانها من شدة الإيلام(6)
غابت فما لاحت شموس إبائها
إلا لتندب جرحها المتدامي
عارٌ علينا أن تساق كرامة
الإعراب نحو مشانق الإعدامِ
ضاقت علينا الأرض رغم رحيبها
مذ أُبدل الإدغام بالإشمامِ
صادوا جميعاً أمة رُفعَت لها
هاماتُ مجدٍ والوسامُ السامي
شنُّوا عليها في الضحى وأصيلها
بالمسخ والتزييف والإبهامِ
سَخِروا من التاريخ لكنْ وحيُه
يأبى الخضوعَ لحملة الأوهامِ
ظل الزمان بعينه وبقلبه
يحمي العروبة من أولي الأورامِ
طول المدى لم يستطعْ من خانها
من محو ضاد أو لحذف اللامِ
زانت لسان الدهر حتى أنطقت
وحي الحراء بسنَّة وإمامِ(7)
رقص الذين استهزؤوا من عزِّنا
حقداً علينا من تراثٍ نامِ
ذبُّوا لسان الضاد لكن أدبروا
من أن تزيحَ الضاد من أرحامي
دراي مليبار أنا من أَمَّها
والبحر لي مستعرب الزمزامِ(8)
خمري من الأعراب ذقت رحيقها
مذْ أن شرَوا سيف الهنود الدامي(9)
حبري نسجت بِكَافه وبِنُونِه
ليكون كن فيكون في إلهامي
جهل الذين تغفَّلوا عن لهجتي
فالضاد لي في بصمة الإبهامِ
ثوار وحي الله تزحف كلما
هبت رياح الكره بالأوهامِ
تمضي الكتائب في حمى أسوارها
وتصول صولة قائد مقدامِ
بالعاديات الموريات وبالضحى
الضاد في الأصلاب والأرحامِ
اقرأ وربك لن نزل في حومة
الميدان نحمي نبضة الأيامِ
الله أكبر قد سمعنا هزَّةً
عربيةً في هيئة الأقوامِ(10)
(١) الألف ليست مجرد حرف بل هي رمز لكل اللغات العالمية.
(٢) الألف تخطت القفار والبحار، ولم تستسلم لكرَّات الدهر، فما ضعفت ولا استكانت.
(٣) المناطق التي يسكن فيها أصحاب الأديان السماوية مثل الشرق الأوسط ولبنان ومصر.
(٤) حافظ إبراهيم، وأحمد شوقي.
(5) دمشق مدينة السحر والشعر.
(6) حملة التغريب التي استهدفت اللغة العربية.
(7) الإمام: الكتاب، ولكل قوم سنة وإمامها.
(8) البحر العربي الذي كان وما زال همزة وصل بين كيرالا والخليج.
(9) السيف المهند.
(10) تعد اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية في هيئة الأمم المتحدة.