الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
من المفارقات العديدة في تطور الأحداث المرتبطة بوباء كـورونا المستجد؛ اتجـاه كثير من الدول لاتخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ يبدو أنها نتيجة لما يظهر أنها نجاعة الإجراءات الصينية وتبنِّي منظمة الصحة العالمية لإجراءات التباعد الاجتماعي والعزل والإغلاق التام وحظر التجول، وهي إجراءات حاولت التمرد عليها كل من بريطانيا وأمريكا وكانت نتائجها كارثية... والذي يهمنا هنا هو انكشاف ضعفِ الإنسان وقلَّةِ حيلته أمام كائن لا يُرى بالمجهـر العادي، وكان الخوف والاضطراب العام سبباً في تجدد الصراع الأزلي بين المؤمنين الذين يرونه إنذاراً وتحذيراً للإنسان الذي تجاوز الحد في معدل الانحراف، ويدعون الناس للعودة والإنابة لخالق الكون ومدبره. وبين الشاردين الذين أصابهم الرعب من تنامي الرغبة الفطرية للإنسان للتعبد للخالق والخضوع له وهو ما يعيد للأذهان ما جرى للأقوام السابقة؛ فعادٌ التي لم يُخلَق مثلها في البلاد بادت واندثرت، وقوم فرعون أُغرقوا بعد سلسلة من الآيات والنذر، وما نعرفه حق المعرفة أن من تاب وآمن نجا وتجاوز المحنة، وأما من طغى واستكبر واعتقد أنه سيأوي إلى جبل يعصمه، أو من قال بكل صلف وغرور: «من أشد منا قوة»، أو حتى من يعترف بمحدوديته ولكنه يعزي نفسه ويخدعها بأنها الحياة الدنيا وما يهلكه إلا الدهر؛ فهم كلهم قد حق عليهم القول، نسأل الله العافية والثبات. قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْـحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْـمَثُلاتُ وَإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد: ٦]، وقال تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: 126]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: ١٠١]، وقال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْـجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [الأعراف: 133]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: ٦٦].
اللهم! اجعلنا ممن تنفعهم العظات والنذر، ولا تجعلنا ممن يقيم الله علينا حججه فلا نعتبر ولا ندكر.