• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المشهد العراقي بعد ثمانية أعوام مـن الاحتلال

المشهد العراقي بعد ثمانية أعوام مـن الاحتلال

 شكَّل احتلال العراق انعطافة مفصلية في تاريخ الأمة، وألقى بظلاله على حركتها فكانت له تداعيات مؤثِّرة في مجالاتها كافة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية).

وبمناسبة مرور ثمانية أعوام على احتلال العراق وانطلاقة مقاومته التي استطاعت أن تترك بصماتها ليس على الساحة العراقية فحسب وإنما في المنطقة والعالم بأسره، فإنه ليسرنا أن نقدِّم تغطية تحليلية وقراءة مستقبلية لهذا الحدث من خلال استضافة عدد من الشخصيات التي لها مشـاركة فاعلة أو اهتمامات واسعة في المشهد العراقي، وهم:

الشيخ علي الجبوري (الأمين العام للمجلس السياسي للمقاومة العراقية).

الدكتور مهند العزاوي (الخبير العسكري ومدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية).

الدكتور عبد الرحمن الرواشدي (المشرف العام على موقع وكالة حق الإخبارية).

 

المحور الأول: مستقبل العراق:

لا يخفى على متابع تعقيد المشهد العراقي وتقلُّباته على مستوى المواقف والأحداث، ولكننا نحاول في هذا المحور أن نسلط الأضواء على مستقبل العراق السياسي بعد ثماني سنوات من الاحتلال والمقاومة وصراع المصالح، وكيف يستشرف ضيوفنا هذا المستقبل؟

في البدء يؤكد (الشيخ علي الجبوري) الأمين العام للمجلس السياسي للمقاومة العراقية على أن مستقبل العراق سيكون مشرقاً إن شاء الله؛ لأنه يملك من الإمكانيات البشرية والمادية ما يؤهله ليكون رائداً وفاعلاً بين دول العالم؛ ولكن ذلك يحتاج إلى عمل من الشرفاء الخيرين من أبنائه، وخروجه من قبضة أعوان الاحتلال ومن جاؤوا على ظهور دباباته، وأشار إلى أن المقاومة - ومنها المجلس السياسي للمقاومة العراقية - عندها رؤية للحل المنشود في العراق، التي ستصل بالعراق إلى بر الأمان والمستقبل الزاهر. ويحددها (الشيخ علي الجبوري) بإنهاء احتلال العراق واستعادة سيادته الكاملة، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية من قبل جيرانه أو أي أطراف أخرى، وتعويض جميع الأضرار البشرية والمادية والمعنوية التي سبَّبَها الاحتلال، وإعادة أعمار العراق، وإنجاز مصالحة حقيقية شاملة بين أبناء الشعب العراقي، وينتهي بقيام نظام سياسي حقيقي عادل ورشيد، يتمثل بقيادة ومؤسسات سياسية شرعية، ويعتمد المواطنة أساساً للتعامل مع جميع مكونات الشعب العراقي دون تمييز أو تهميش أو إقصاء، ويضمن حقوق العراقيين كافة، ويصون استقلال ووحدة العراق، ويسهر على أمنه ويحافظ على عروبته وإسلاميته، ويعمل وَفْقَ إستراتيجية عمل شاملة لتحقيق الأهداف التي تكون محل توافق بين العراقيين جميعاً.

أما (الدكتور مهند العزاوي) فيرى أن خطيئة غزو العراق جريمة ضد الإنسانية أسهمت في تفكيك الدولة العراقية وَفْقَ أجندات وبرامج أجنبية وإقليمية حاقدة، كان لها الأثر الكبير في تصدُّع الجدار الاجتماعي الواقي بسبب الأخطار والأيديولوجيات الهجينة والشاذة؛ إلا أن الشعب العراقي وفي مقدمته فرسان المقاومة العراقية وبعد سنوات الاحتلال الثمانية قد أسقط كافة مرتكزات الشر والجريمة والإرهاب السياسي وإرهاب القوة، وخرج ليقول: «أنا الشرعية» في تحوُّل كبير وعظيم، وولوج حقيقي إلى نظام الحكم الرشيد وروح المواطنة العراقية، وقد عبَّر عنها بثورته في 25 فبراير، مؤكداً أن العراق الآن ضمن لوحة التغيير السياسي بالمنطقة؛ ولكن وَفْقَ أرادة الشعوب وبما يتسق ومفاهيم الثورة العصرية المتحضرة، وبعد التغيير السياسي القادم أعتقد أننا سنمر بمرحلة انتقالية تكنس المرتزقة السياسية وتنظف الفوضى والانهيار، وستعيد العراق إلى مكانته ودوره تدريجياً، وبالتأكيد هناك تضحيات لمصلحة العراق.

في حين يشخِّص (الدكتور عبد الرحمن الرواشدي) تطوراً ملحوظاً في الوعي والإدراك ومن ثَمَّ في الإرادة الشعبية لدى أبناء العراق؛ على الرغم من شدة التحديات وتكالب الخصوم على الشعب العراقي الأصيل من ظلم وطغيان وحصار وحروب دموية متوالية، ثم احتلال أمريكي بغيض واكبه نفوذ إيراني صفوي في كثير من مفاصل الحياة، وساحة مكشوفة أمام مخابرات العالم أجمع، ومشاريع تقسيم واقتتال أهلي إثني، وسلخ للهوية العربية الإسلامية وجدت من يروج لها في أطياف الشعب العراقي.

ويضيف: إن المقاومة العراقية الجهادية ساهمت بشكل فاعل ومؤثر في إفشال المشروع الأمريكي في العراق أو المنطقة، أو قلَّلَت من خطره، وساهم الشعور العربي في مواجهة المد الصفوي، وتحدَّت الإرادة الجماهيرية المشروعَ الطائفي، ثم سعت محتشدة لإجهاض أي بادرة لعودة الحكم الدكتاتوري. إن العراق في ظل المقومات القائمة على المشروع المقاوم والمناهض للوجود والنفوذ الأجنبيين، وفي ظل تلاحم النسيج العراقي والتعددية السياسية والتعاطي الإيجابي مع المحيط العربي والإسلامي، سيكون له مستقبل سياسي ناضج يقوم على العدل والمساواة واحترام الحقوق الأساسية وعلى الحكم الرشيد.

والطفل العراقي في خطر

إن 28 % من أطفال العراق يعانون من سوء التغذية، و10 % من أمراض مزمنة، بينما تنجب 30 % من النساء أولادهن في المدن و40 % في الأرياف بلا عناية صحية.

وتضاعفت نسبة الزيادة في حالات التشوه المزمنة (chronic deformities) بين الأطفال الرضَّع في مدينة الفلوجة 15 ضعفاً، وارتفعت حالات السرطان في وقت مبكر من الحياة، ناتجة عن استخدام القوات الأمريكية لأسلحة كيماوية أو فوق تقليدية، وإن من بين (170) حالة ولادة حديثة في مستشفى الفلوجة، 24 % من الأطفال توفُّوا خلال سبعة أيام و 75 % منهم كانوا مشوَّهين خلقياً. وبمقارنة هذه الأرقام مع سجلاَّت شهر أغسطس 2002م تبيَّن أنه من بين كل (530) ولادة توفي ستة أطفال فقط في الأسبوع الأول مع وجود حالة تشوُّه واحدة. وتؤكد الإحصاءات المتوافرة في المحافظات العراقية، باستثناء تلك التابعة لإقليم كردستان، على إصابة (63.923) شخصاً بالسرطان خلال السنوات الخمس الماضية، منهم (32.281) من الذكور و (31.552)من الإناث، وسجلت (67000) حالة (إيدز) بعدما كان العدد الإجمالي للمصابين بهذا المرض قبل الاحتلال (114) حالة. وتعرض أغلبهم إلى الموت، ويشكل الأطفال والنساء النسبة الأكبر.

ونتيجة ذلك فقد أصبحت نسبة وفيات الأطفال في العراق هي الأعلى عالمياً، وإن واحداً من كل ثمانية أطفال يولدون أحياء في العراق يموت قبل بلوغ السَّنة الخامسة من عمره.

المحور الثاني: مستقبل المشروع المقاوم والمناهض للاحتلال:

لقد انطلقت المقاومة العراقية بقوة وأوقعت القوات الأمريكية وحلفاؤها في مأزق كبير، وهو ما جعلها تحظى باحترام واهتمام كبيرين من قِبَل المتابعين للمشهد العراقي؛ ولكن جرى تشخيص ضعفها في تقديم مشروع شعبي يوظف إنجازاتها على أرض الواقع؛ فما مستقبل المشروع المقاوم والمناهض للاحتلال؟ وما طبيعة برنامجه للمرحلة القادمة؛ لا سيما إن التزمت القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق عند نهاية هذا العام؟

يقر (الدكتور مهند العزاوي) بمستوى نضوج فصائل المقاومة، وأنها تقرأ الساحة بشكل حِرَفي مميز، وقد لفت انتباهه التزامهم بإرادة الشارع العراقي وتعليقهم كافة العمليات والوقوف مع الشعب في ترجمة إرادته، وقد دحضوا بذلك وسائل التشويه والحرب النفسية المضادة، ويضيف: لقد لمسنا خلال السنوات الماضية صموداً وإصراراً على عدم الانجرار إلى الاحتراب العراقي؛ على الرغم من استهدافهم من القوات الحكومية ومليشيات السلطة. واعتقد جازماً أنهم سيكونون جزءاً من قدرة العراق القادمة، المدافعة عن الوطن وتماسُك الشعب. ويشير (الدكتور مهند العزاوي) إلى أن الانسحاب الأمريكي لا يزال ضبابياً آلياتٍ ونتائجَ؛ لا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم نظاماً سياسياً فاشياً فاسداً يمتهن الإرهاب في العراق بما لا يتسق مع إرادة وتطلعات الشعب العراق، مؤكداً أن ثقافة المقاومة ستشكل عنصر قوة لبناء العراق وعودته إلى المكانة الطبيعية؛ خصوصاً أنهم قد حملوا السلاح لهدف سامٍ ونبيل للدفاع عن الأراضي العراقية، وأثبتوا ذلك بالأفعال والمواقف ولا بد أن يكون لهم دور واضح في بناء العراق تكريماً لدورهم.

ومن قبله يرى (الشيخ علي الجبوري) أن قوى المقاومة للاحتلال سلكت طريق الجهاد والمقاومة من أجل تحرير العراق من الاحتلال والنفوذ الأجنبي ومشاريعه المشبوهه فضلاً عن توفير الحياة الآمنة الكريمة للشعب العراقي والحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، والحفاظ على انتمائه العربي والإسلامي وثرواته وأمنه، وستواصل عملها حتى تحقيق هذه الأهداف، ولن تتوقف المقاومة حتى يخرج آخر جندي يمثل قوة احتلال في العراق، ومن واجبها أيضاً تحرير العراق من الاحتلال السياسي والاقتصادي والثقافي وهي صور مبطنة للاحتلال؛ فإذا تحقق ذلك فالمقاومة هي ممثل وجزء هام من الشعب العراقي وسيكون مستقبلها من مستقبل كل أبناء العراق الذين عليهم واجب حمايته وخدمته وبنائه.

وبعيداً عن جدية قوات الاحتلال الأمريكي في الانسحاب أو عدمها، يرى (الدكتور عبد الرحمن الرواشدي) أن المقاومة العراقية قدَّمت نموذجاً رائعاً تجاوزت الميدان وتعدَّت العواطف، إلى إعادة تشكيل عقيلة الشباب العربي والإسلامي ضمن إطار ثقافة النصر وثقافة المقاومة، واستطاعت أن تشكِّل القدوة لكل الشعوب في كفاحها المشروع ضد الاستبداد والطغيان والغزو الثقافي والعسكري والاقتصادي والسياسي.

وقد حددت هذه المقاومة أهدافاً محورية لعملها تمثَّلت بإنهاء الاحتلال، وعودة السيادة والاستقلال لدولة العراق، وبناء النظام السياسي بما يراعي قيم المجتمع وحقوق أبنائه، وأظن أنها وُفِّقَت إلى حد مَّا في تحقيق الهدف الأول، ولكن التحدي في تحقيق الهدف الثاني سيكون أشد؛ ولذا فإن تعددية فصائل المقاومة كانت إيجابية في المرحلة السابقة ولكنها ستكون معوقاً في تحقيق الهدف الثاني؛ ولذا فأنا مستبشر بمستقبل المقاومة إلا أنه يستلزم منها الارتقاء في بنائها التنظيمي والأمني وعملها السياسي ودورها الشعبي المحلي، وقدرتِها على توظيف الإنجازات المرحلية وعوامل البيئة من استثمار الفرص وتجاوز التحديات، وهي بلا شك كثيرة.

لأن الأسرة العراقية في خطر

تشير التقارير إلى أن من إفرازات سنوات الاحتلال الخطيرة هي تحوُّل العراق إلى بلد الأرامل واليتامى؛ إذ يضم (3 ملايين) أرملة و (5 ملايين) يتيم و (500 ألف) مشرد، ولا تضم دور الأيتام التابعة للحكومة إلا(459) يتيماً فقط، وإن ما يقارب مليون طفل دخلوا ميادين العمل المختلفة. وبلغ عدد العوائل المهجَّرة (26.858) عائلة في محافظات العراق باستثناء محافظات إقليم كردستان، وذلك لغاية منتصف عام 2007م.

وتشير الإحصاءات إلى وجود (400 ألف) معتقل منهم (6500) حدث و (10 آلاف) إمرأة، وأن 92 % من المعتقلين أو ذويهم أصيبوا بالكآبة و أمراض نفسية أخرى مثل الفصام والذهان، بينما تراجع المستوى العلمي لأبنائهم بنسبة 82 %، وأن 56 % من ذويهم فقدوا مُعيلَهم، ويضم أحد سجون النساء التابعة لوزارة العدل الحكومية (4000 إمرأة) و (22) طفلاً حديث الولادة، وتشكِّل نسبة أهل السنة 93 % منهن، يواجهن فيه تُهماً ناتجة عن العداء والدعاوى الكيدية، بينهن مجموعة من حَمَلَة الشهادات مضى على اعتقال بعضهن 3 سنوات يتعرضن خلالها لعمليات اغتصاب وتعذيب، وإنهن يعانين أوضاعاً صحية وإنسانية صعبة.

واستمراراً مع مسلسل فَقْد الأمهات المتميزات تشير بعض التقارير إلى أن (600) أمرأة فاعلة في المجتمع العراقي تم اغتيالهن، منهن (350) طبيبة وعاملة في القطاع الصحي والإنساني.

ومما ساهم في ضعف التربية الأسرية النسبةُ العالية في انعدام التحصيل الدراسي؛ سواء للأمهات أو لأولادهن وبناتهن، إذ إن أكثر من 70 % من بنات ونساء العراق أصبحن خارج نطاق التعليم في المدارس والكليات.

أما وزارة الصحة العراقية فلها إحصاءاتها الخاصة بها التي تؤكد أن نسب الطلاق ارتفعت بنسبة 200 % بينما لم ترتفع نسبة الزواج من بدء الاحتلال وحتى عام 2006م أكثر من 50 %. وتشير التقارير إلى أن من بين 50 إلى 60 % من حالات الزواج تنتهي بالطلاق في ارتفاع غير مسبوق بنسبة حالات الطلاق في البلاد.

المحور الثالث: العراق ومحيطه العربي:

لا تزال العلاقة (العراقية - العربية) مثار جدل واسع في الأوساط المهتمَّة بالشأن العراقي، ومنها مسألة عودة العراق إلى المجتمع العربي في هذه المرحلة السياسية؛ فهل هي عامل إيجابي أم سلبي للعمل المقاوم ولمستقبل العراق؟

يؤكد (الشيخ علي الجبوري) أن العراق جزء لا يتجزء من المجتمع العربي؛ وإن حاول الاحتلال والحكومات الدائرة في فلكه سلخ العراق من هذا الانتماء عبر دستور فاسد ولأسباب طائفية وعرقية، وسبق أن أشرنا في برنامجنا السياسي المعلن أننا نحافظ على انتماء العراق العربي والإسلامي وندعو المجتمعات العربية والإسلامية لأن يكون لها دور إيجابي في هذا. وبقاء العراق ضمن انتمائه العربي والإسلامي نافع لكل عمل صالح في العراق ومنه عمله المقاوم؛ لأن الوضع الطبيعي للبلد يجب أن يبقى ضمن أمته وأهله، وأن العودة المنضبطة ستساهم في استقراره وبنائه وازدهاره.

ولا يقف (الدكتور عبد الرحمن الرواشدي) عند إشكالية عودة العراق إلى محيطه العربي التي تعود أسبابها إلى طبيعة من يحكم العراق اليوم سياسياً، ولكنه يرى أن الإشكالية تتمثل في عودة العرب إلى العراق، فالعرب كان لهم دور سلبي من احتلال العراق أساسه: إما التبعية وإما الانفعالية وعدم تقدير مآلات الأحداث، ومن ثَمَّ النأي عن ممارسة دور إيجابي بذريعة تجنُّب التدخل في شؤون العراق الداخلية على الرغم من أن الساحة كانت مفتوحة أمام الجميع ولا سيما إيران، ثم كانت ثالثة الأثافي في عدم احترام أو دعم الدول العربية لإرادة الشعب العراقي المقاوم والمناهض للاحتلال والنفوذ الأجنبي، ثم يحدد الرواشدي آليات العودة العربية من خلال: عمق الوصف، ودقة تشخيص الواقع العراقي الذي ينبغي التعامل معه من قِبَل العرب؛ فالعراق بلد محتل وفيه نفوذ إيراني يسيطر على كثير من الداخلين في العملية السياسية، ووجود أزمة في القيادة وفي الثقة المتبادلة والبرامج الناضجة؛ ولذا فان عودة العرب للعراق والانفتاح السياسي عليه لا بد أن لا تكون بإقرار الواقع الحالي؛ وإنما يكون بالعودة إلى مبادئ ومقررات مؤتمر الوفاق الوطني الذي تبنَّته جامعة الدول العربية في عام 2005م، مع الأخذ بنظر الاعتبار المشاركة الفاعلة والمؤثرة للمقاومة العراقية فيها.

أما (الدكتور مهند العزاوي) فيرى أن النظام الرسمي العربي في غيبوبة منذ غزو العراق، وقد وقف إلى جانب الغزو ضد العراق، باستثناء دولة أو دولتين معروفة بمواقفها التاريخية المبدئية، وشهدنا طيلة هذه السنوات جفاءً وتعتيماً وتشويها للمقاومة ولإرادة الشعب العراقي، بل وجدنا أن بعض الدول العربية تقوم بمحاربة الشرفاء الوطنيين والمقاومين؟ وتلك مواقف تختزنها الذاكرة العراقية بألم وحسرة؛ لأن العراق - كما يقول الدكتور العزاوي -: كان على الدوام معطاءً للعرب دون مقابل، ولكن الشعوب العربية كانت ولا تزال حية ترفد العراقيين بالأمل، وتساهم في تضميد جراحهم، ونشهد موقفاً مثيراً للريبة من الجامعة العربية وهي تكرِّم قَتَلَة الشعب العراقي وجزاريه، وتُسهِم في منحهم الشرعية، وهذا موقف مشين يُعُدُّ انعطافة خطيرة في مسار النظام الرسمي العربي.

إن الشعب العراقي كله يقاوم سياسياً وعسكرياً ومدنياً وفكرياً وإعلامياً، ومن ثَمَّ فإن ثمرات هذه التضحيات بدأت تنضج وسيقطفها الشعب العراقي محتفلاً بمسيرته الظافرة التي وإن غاب عنها الدعم العربي، فإن العراق سيبقى جزءاً لا يتجزأ من عالمه العربي والإسلامي وقلعة الوثوب إلى العالم الحر والمكانة الدولية.

المحور الرابع: المقاومة وثورات الشعوب:

شكَّلت ثورات الشعوب ضد الأنظمة الظالمة، عهداً جديداً تولى زمامَه شباب الأمة، ولكن تباينت الآراء حول إرهاصاتها؛ فهل للمأزق الأمريكي جرَّاء قوة المقاومة العراقية دور في هذه النهضة الثورية؟

لقد اتفق ضيوفنا في إجاباتهم على أن هذه الثورات تدل على حياة الشعوب وعلى الوعي الجماهيري؛ فهي عند (الشيخ علي الجبوري) ردُّ فعل طبيعي ضد الظلم والاستبداد والقهر وأثبتت الشعوب العربية أنها حية وفاعلة ولم تخضع وتستكين كما كان يظن بعض الناس، كما كشفت هذه الثورات عن صوت الشعوب وشجاعتها وكرامتها، وجدد (الشيخ الجبوري) إيمانه بأن للمقاومة العراقية الدور الأول في إذكاء هذه المشاعر؛ لأنها هزمت أمريكا بكل قوتها وجبروتها وأثبتت أنه ليس هناك أي قوة بعيدة عن الهزيمة وأن أصحاب القضايا العادلة هم الأقوى والأقدر على النصر على الظلم مهما كان قوياً ومتجبراً لأنه في داخله ضعيف بسبب ظلمه وعدم وجود قضية عادلة يحملها وقد أكدنا مرارً أن المقاومة نقلت الشباب العربي المسلم من العيش على هامش الأحداث إلى صناعة الأحداث.

وعلى الرغم من مباركة (الدكتور مهند العزاوي) لهذه الثورات التي تدل على وعي ورقي الشعوب العربية التي شوهتها وسائل الإعلام الغربية، إلا أنه أرسل تحذيره لها من أن تُسرَق منها، داعياً الأنظمة العربية إلى مزيد من الإصلاح والتغيير، لتحقيق إرادة الشعوب ورفاهيتها، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على وحدتنا الجغرافية، ومنع الطامع من تدمير أوطاننا، وأن التغيير قد حصل، ولا بد من الأخذ بنظر الاعتبار منع ركوب الموجة من قِبَل الغرب، ومحاولة تسييس الثورات وإرادة الشعوب واستغلالها مرة أخرى وأن مقاومة الشعوب هي التي تنتصر.

وفي السياق ذاته جاءت رؤية (الدكتور عبد الرحمن الرواشدي) لتؤكد أن الأمة ابتليت في العقود الأخيرة بتكالب الأعداء عليها وسقوط عدد من دولها تحت نير الاحتلال، ولكن الأمة اثبتت أنها حية ولها إرادة على المواجهة، فولدت فصائل الجهاد من رحم الأمة وقد حققت إنجازات ميدانية كبيرة، حينذاك أصبح الجهاد المقاوم يمثل أملاً للشعوب العربية والإسلامية في رفض الهيمنة التي تسعى إلى تغييبها وتهميشها في البناء الحضاري، وتمكَّنت المقاومة العراقية وغيرها من حركات التحرر الإسلامية في مدة يسيرة أن تشكِّل أساساً لثقافة المقاومة لتقاوم ثقافة الهزيمة وتوفير المعرفة التي تؤدي إلى إخراج الجماهير العربية من التسلية وحالة الإحباط، وإعادة القدرة للجماهير على التعامل مع المشاريع العدوانية وسياسات الإخضاع والإذلال، من غير تهويل ولا تهوين، كما تحدَّت ثقافة الخوف الذي زرعته وسائل الإعلام الغربية والعربية أيضاً بعدم جدوى مقاومة المشاريع الأمريكية، والخروج عن الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، وأن الواقعية تقوم على الاستسلام. ويبدو أن شباب الأمة استوعب هذه الدروس وترسخت في نفسه هذه الثقافة فخرج في تونس ومصر وليبيا ليؤكد أن إرادة الشعوب الواعية أقوى من الأنظمة الظالمة الطاغية.

 ولكن على الرغم من التفاؤل الكبير بما وصلت إليه الشعوب العربية إلا أن (الدكتور الرواشدي) لم يُخفِ قلقه أيضاً من أن الأمور قد تفلت من النخبة الواعية إلى النخبة المنقادة التابعة، التي تسيِّرها أجندات تسعى إلى إعادة رسم خريطة العالَـمَين العربي والإسلامي بما يتوافق مع مخططاتها الرامية إلى تجزئة المجزأ وإنشاء دويلات تقوم على أسس عرقية ودينية ومذهبية ضيقة وهزيلة؛ فالغرب يريد أن يتجاوز حدود (سايكس - بيكو) إلى حدود برنارد لويس مهندس مشروع تفتيت الدول العربية والإسلامية، وأدعو الجميع إلى المسارعة في إجراء مصالحة حقيقة بين الشعوب وقادتها، تقوم على إجراءات إصلاحية سياسية واقتصادية واجتماعية جادة، لنتجاوز بذلك طوفان التغيير السلبي الذي يفور من المحافل الغربية. نسأل الله العافية.

 والتربية والتعليم العراقي في خطر

لقد انحدرت القيم التربوية والتعليمية في العراق خلال سنوات الاحتلال بشكل مهول ومخيف، وهو نتيجة طبيعية للأسباب التالية:

1 - التصفيات الواسعة للكفايات العلمية والأسرة التعليمية: فهنالك أكثر من (5500) قتيل ومخطوف وســــجين، بين عـالم ومفكـر وأسـتاذ وأكـاديمـي وباحث ولا سيما علماء الذرة والفيزياء والكيمياء، وإن 80 % من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، وأكثر من نصف الضحايا يحمل لقب أستاذ وأستاذ مساعد، و20 % من العلماء المغتالين يحملون شهادة الدكتوراه وثلثهم متخصص بالعلوم والطب.

2 - فَقْدُ الطلبة لذويهم وحرمانهم من الرعاية الأبوية: والإحصاءات السابقة تؤكد ذلك؛ فقد تراجع المستوى العلمي لأبناء القتلى والمعتقلين بنسبة 82 %، وأن 56 % من ذويهم فقدوا معيلَهم.

3 - غياب الطلبة عن الدراسة بسبب الاعتقال أو العنف الطائفي: فقد بلغ عدد المعتقلين (23.500) معتقل بينهم (525) حدثًا دون سن الـ (18) سنة، وهناك (32.425)طالباً عراقياً مسجَّلاً بشكل رسمي في المدارس خلال العام الدراسي 2008 - 2009م مقارنة بنحو (49.132) خلال العام الدراسي 2007 - 2008م، وتؤكد بعض التقارير أن 30 % فقط من تلاميذ العراق يذهبون إلى المدارس. وأن أكثر من 70 % من بنات العراق أصبحن خارج نطاق التعليم في المدارس والكليات.

4 - شيوع ظاهرة العنف الاجتماعي والسياسي وانتقالُه بشكل مباشر وواسع إلى المؤسسات التربوية والتعليمة وبصورة متبادلة بين الفريق التعليمي والطلاب.

5 - عودة الأمية وتفشِّيها من جديد: فقد بلغت أعداد الأميين في العراق 5 ملايين عامي 2008 و 2009م، وباتت الأمية تهدد الوضع التعليمي في العراق بعد أن تمكَّن منذ عام 1980م من القضاء المبرم على الأمية بشهادة المنظمات الدولية.

6 - تراجعٌ وانحدارٌ كبير في المستوى العلمي والمهني للمعلمين والمدرسين والأساتذة؛ بسبب اعتماد تزكية الأحزاب في التعيينات، من دون مراعاة لمستوياتهم ولا صحة شهاداتهم.

7 - التناقض الكبير بين ما هو موجود في المناهج وما يقدمه الفريق التعليمي والتدريسي، وهو ما أوقع الطلاب فريسة الصراع الطائفي والعرقي والعَلماني؛ علماً بأن وزارة التربية منذ الاحتلال وإلى اليوم تخضع لأحد الأحزاب الدينية المتنفذة في الحكم.

أعلى