لا تزال الأحداث تتكـرر على مدار التـاريخ، ويقـع اللاحق في ما وقع فيه السابق؛ فكأنهم لم يسيروا في الأرض ويعلموا ما حاق بمن سبقهم ممن سلك سبيلهم {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [يوسف: 109]؛ فقد قضى الله وقضاؤه لا يرد، وهو - سبحانه - يقدِّر من الأمور وييسر من الأسباب ما به يتحقق ما قدَّره قبل خلق الخلائق جميعها، حتى إن الناظر في ما يجري لَيَعجَب أشد العجب مما آلت إليه الأمور التي كانت مباديها لا تؤدي إلى نهاياتها (في المنظور البشري القاصر)؛ خاصة في ظل الأوضاع السائدة! من كان يظن أن الأنظمة القمعية التي تسلطت على شعوبها وحكمتها بالحديد والنار عقوداً طويلة يمكن أن تسقط وتتهاوى بهذه السهولة وتلك السرعة؟ من كان يظن أن الزعيم الملهَم الذي يُتغَنَّى باسمه ويقال في فعاله وسيرته الأشعار: تضيق عليه الأرض التي طالما استعبد أهلها بما رحبت؛ حتى يصير كل همه أن يخرج منها هارباً لا يلوي على شيء؟ بل من كان يظن أن من أُوكِل إليه اعتقال الناس وسَجنُهم وتعذيبهم: لا تمر الأيام والليالي حتى يشرب من الكاس نفسه ويقاد إلى السجن ملوماً محسوراً، بادية عليه آثار المذلة والانكسار؟ لكن المسلم المستيقن من عدل الله وحكمته لا يستغرب هذا بل يعلم أن الله - تعالى - لم يكُ ليتركهم بما أفسدوا وطغوا في البلاد والعباد حتى يذيقهم الخزي في الموضع الذي كانوا يتعززون فيه، وحتى يعلموا أن الـمُلْك لله يُعِز من يشاء ويُذِل من يشاء وما ربك بظلام للعبيد، حينها ينقلب المؤمن راضياً سعيداً وهو يتلو قوله - تعالى -: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ١٢].